الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وروي عن مالك بن دينار أنه بقي أربعين سنة يشتهي لبنا فلم يأكله وأهدى إليه يوما رطب فقال لأصحابه : كلوا ، فما ذقته منذ أربعين سنة وقال أحمد بن أبي الحواري اشتهى أبو سليمان الداراني رغيفا حارا بملح ، فجئت به إليه ، فعض منه عضة ، ثم طرحه ، وأقبل يبكي ، وقال : عجلت إلى شهوتي بعد إطالة جهدي واشقوتي ، قد عزمت على التوبة ، فأقلني . قال أحمد : فما رأيته أكل الملح حتى لقي الله تعالى وقال مالك بن ضيغم : مررت بالبصرة في السوق ، فنظرت إلى البقل فقالت لي نفسي : لو أطعمتني الليلة من هذا فأقسمت أن لا أطعمها إياه أربعين ليلة ومكث مالك بن دينار بالبصرة خمسين سنة ما أكل رطبة لأهل البصرة ولا بسرة قط ، وقال : يا أهل البصرة ، عشت فيكم خمسين سنة ما أكلت لكم رطبة ولا بسرة فما زاد فيكم ، ما نقص مني ولا نقص مني ما زاد فيكم ، وقال طلقت الدنيا منذ خمسين سنة ، اشتهت نفسي لبنا منذ أربعين سنة ، فوالله لا أطعمها حتى ألحق بالله تعالى وقال حماد بن أبي حنيفة أتيت داود الطائي والباب مغلق عليه ، فسمعته يقول نفسي : اشتهيت جزرا ، فأطعمتك جزرا ، ثم اشتهيت تمرا ، فآليت أن لا تأكليه أبدا . فسلمت ودخلت ، فإذا هو وحده ومر أبو حازم يوما في السوق ، فرأى الفاكهة ، فاشتهاها ، فقال لابنه : اشتر لنا من هذه الفاكهة المقطوعة الممنوعة ، لعلنا نذهب إلى الفاكهة التي لا مقطوعة ولا ممنوعة ، فلما اشتراها وأتى بها إليه ، قال لنفسه : قد خدعتيني حتى نظرت واشتهيت ، وغلبتيني حتى اشتريت ، والله لا ذقتيه ، فبعث بها إلى يتامى من الفقراء وعن موسى الأشج أنه قال : نفسي تشتهي ملحا جريشا منذ عشرين سنة وعن أحمد بن خليفة قال : نفسي تشتهي منذ عشرين سنة ، ما طلبت مني إلا الماء حتى تروى ، فما أرويتها وروي أن عتبة الغلام اشتهى لحما سبع سنين ، فلما كان بعد ذلك قال : استحييت من نفسي أن أدافعها منذ سبع سنين سنة بعد سنة ، فاشتريت قطعة لحم على خبز ، وشويتها .

وتركتها على رغيف ، فلقيت صبيا ، فقلت: ألست أنت ابن فلان ، وقد مات أبوك ؟ قال : بلى ، فناولته إياها ، قالوا : وأقبل يبكي ويقرأ ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ، ثم لم يذقه بعد ذلك ومكث يشتهي تمرا سنين فلما كان ذات يوم ، اشترى تمرا بقيراط ورفعه إلى الليل ليفطر عليه ، قال : فهبت ريح شديدة حتى أظلمت الدنيا ، ففزع الناس ، فأقبل عتبة على نفسه يقول هذا لجراءتي : عليك وشرائي التمر بالقيراط ، ثم قال لنفسه : ما أظن أخذ الناس إلا بذنبك على أن لا ، تذوقيه واشترى داود الطائي بنصف فلس بقلا وبفلس خلا ، وأقبل ليلته كلها يقول لنفسه : ويلك يا دواد ، ما أطول حسابك يوم القيامة ! ثم لم يأكل بعده إلا قفارا وقال عتبة الغلام يوما لعبد الواحد بن زيد إن فلانا يصف من نفسه منزلة ما أعرفها من نفسي فقال : لأنك تأكل مع خبزك تمرا ، وهو لا يزيد على الخبز شيئا قال : فإن أنا تركت أكل التمر عرفت تلك المنزلة ؟ قال : نعم ، وغيرها . فأخذ يبكي فقال ، له بعض أصحابه لا : أبكى الله عينك ، أعلى التمر تبكي ؟ فقال عبد الواحد : دعه ؛ فإن نفسه قد عرفت صدق عزمه في الترك وهو إذا ، ترك شيئا لم يعاوده وقال جعفر بن نصر أمرني الجنيد أن أشتري له التين الوزيري ، فلما اشتريته أخذ واحدة عند الفطور ، فوضعها في فمه ، ثم ألقاها ، وجعل يبكي ، ثم قال : احمله . فقلت له في ذلك ، فقال : هتف بي هاتف : أما تستحي ؟ تركته من أجلي ثم تعود إليه ؟ وقال صالح المري قلت لعطاء السلمي إني متكلف لك شيئا ، فلا ترد علي كرامتي . فقال : افعل ما تريد قال ، فبعثت إليه مع ابني شربة من سويق قد ، لتته بسمن وعسل فقلت : لا تبرح حتى يشربها ، فلما كان من الغد جعلت له نحوها ، فردها ولم يشربها ، فعاتبته ولمته على ذلك ، وقلت : سبحان الله ، رددت علي كرامتي ؟ فلما رأى وجدي لذلك قال : لا يسوءك هذا ؛ إني قد شربتها أول مرة ، وقد راودت نفسي في المرة الثانية على شربها ، فلم أقدر على ذلك ، كلما أردت ذلك ذكرت قوله تعالى : يتجرعه ولا يكاد يسيغه الآية ، قال صالح : فبكيت وقلت في نفسي : أنا في واد وأنت في واد آخر .

التالي السابق


(وروي عن) أبي يحيى ( مالك بن دينار ) البصري رحمه الله تعالى (أنه بقي أربعين سنة يشتهي لبنا فلم يأكله) .

أخرجه أبو نعيم في الحلية من طريق عثمان بن إبراهيم الحميري ، جليس مالك بن دينار عن مالك ، أنه قال لرجل من أصحابه: "إني لأشتهي رغيفا لينا بلبن رائب. قال: فانطلق فجاء به، قال: فجعل له على الرغيف، فجعل مالك يقلبه وينظر إليه، ثم قال: اشتهيتك منذ أربعين سنة، فغلبتك حتى كان اليوم، تريد أن تغلبني؟ إليك عني. وأبى أن يأكله ، (وأهدي إليه رطب فقال لأصحابه: كلوا، فما ذقته منذ أربعين سنة) . نقله صاحب القوت .

(وقال أحمد بن أبي الحواري ) رحمه الله تعالى: (اشتهى أبو سليمان الداراني ) رحمه الله تعالى (رغيفا حارا بملح، فجئت به إليه، فعض منه عضة، ثم طرحه، وأقبل يبكي، وقال: عجلت إلي شهوتي بعد إطالة جهدي وشقوتي، قد عزمت على التوبة، فأقلني. قال أحمد : فما [ ص: 415 ] رأيته أكل الملح حتى لقي الله تعالى) رواه العباس بن حمزة عن أحمد بن أبي الحواري ، وقد وقع مثل ذلك لداود الطائي من طريق محمد بن بشير ، قال: دخلت على داود الطائي المسجد، فصليت معه المغرب، ثم أخذ بيدي فدخلت معه البيت، فقام إلى دن له كبير، فأخذ منه رغيفا يابسا فغمسه في الماء، ثم قال: ادن، فكل. قلت: بارك الله لك، فافطر. فقلت له: يا أبا سليمان ، لو أخذت شيئا من ملح؟ قال: فسكت ساعة، ثم قال: إن نفسي تنازعني ملحا. ولا ذاق داود ملحا في الدنيا حتى مات رحمه الله تعالى .

(وقال مالك بن ضيغم : مررت على سوق بالبصرة ، فنظرت إلى البقل فقالت لي نفسي: لو أطعمتني الليلة من هذا) البقل، (فأقسمت بالله ألا أطعمها إياه أربعين سنة) ، أراد بذلك مخالفتها وكسر شهوتها; لتتأدب وتكف عن النزوع، (ومكث مالك بن دينار ) رحمه الله تعالى ( بالبصرة خمسين سنة ما أكل رطبة لأهل البصرة ولا بسرة، وقال: يا أهل البصرة ، عشت فيكم خمسين سنة ما أكلت لكم رطبة ولا بسرة، ما نقص مني ولا زاد فيكم، وقال) أيضا: (طلقت الدنيا منذ خمسين سنة، اشتهت نفسي منذ أربعين سنة طعاما، فوالله لا أطعمتها حتى ألحق بالله عز وجل) . ذكره ابن حبان في كتاب المصاحف، وقال: كان يكتب المصاحف بالأجرة، ويتقوت بأجرته، وكان يجانب الإباحات جهده، ولا يأكل شيئا من الطيبات، وكان من المتعبدة الصبر والمتقشفة الخشن، فقد روى أبو نعيم في الحلية عن أحمد بن جعفر ، عن عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثنا أبو معمر ، حدثنا أبي عن جدي قال: "كنت عند مالك بن دينار فأخذ جلد ساعده فقال: ما أكلت العام رطبة، ولا عنبة، ولا بطيخة، فجعل يعدد كذا وكذا، ألست مالك بن دينار " .

وأخرج أيضا من طريق الهيثم بن معاوية ، حدثني شيخ لي قال: كان رجل من الأغنياء بالبصرة ، وكان له آنية نفيسة الجمال، فساق القصة في عرضه إياها على مالك ، وفيه: فقال مالك : عجبا لك يا فلان، أوما تعلم أني قد طلقت الدنيا ثلاثا . ومن طريق الحجاج بن نصير ، حدثني المنذر أبو يحيى قال: رأيت مالكا ومعه كراع من هذه الأكارع التي قد طبخت، قال: فهو يشمه ساعة فساعة، قال: ثم مر على شيخ مسكين على ظهر الطريق يتصدق، فقال: هاه يا شيخ، فناوله إياه، ثم مسح يده بالجدار، ثم وضع كساءه على رأسه وذهب، فلقيت صديقا له، فقلت له: رأيت من مالك كذا وكذا، فقال: أنا أخبرك، كان يشتهيه منذ زمان، فاشتراه، فلم تطب نفسه أن يأكله، فتصدق به .

(وقال حماد بن أبي حنيفة) النعمان بن ثابت الفقيه، روى عن أبيه، ضعفه ابن عدي : (أتيت داود) بن نصير الطائي رحمه الله تعالى أزوره، (والباب مغلق عليه، فسمعته يقول: اشتهيت جزرا، فأطعمتك جزرا، ثم اشتهيت تمرا، فآليت ألا تأكليه. فسلمت ودخلت، فإذا هو وحده) .

أخرجه أبو نعيم في الحلية، فقال: حدثنا إبراهيم بن عبد الله ، حدثنا محمد بن إسحاق ، وحدثنا أبو محمد بن حبان ، حدثنا أحمد بن علي بن الجارود قال: حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثني عبيد الله بن عبد الكريم ، عن حماد بن أبي حنيفة .. فساقه، وفيه: آليت ألا تأكليه أبدا. فاستأذنت وسلمت ودخلت، فإذا هو يعاتب نفسه .

وأخرج من طريق الوليد بن عقبة قال: حدثني جار لداود الطائي قال: سمعت داود يعاتب نفسه: اشتهيت البارد وتمرا، فأطعمتك وأسقيتك، لا ذاق داود تمرة مادام في دار الدنيا. قال: فما ذاقها حتى مات .

وأخرج من طريق إسماعيل بن حسان قال: جئت إلى باب داود الطائي أريد أن أدخل عليه، فسمعته يخاطب نفسه، فظننت أن عنده إنسانا يكلمه، فأطلت الوقوف بالباب، ثم استأذنت، فقال: ادخل، فدخلت، فقال: ما بدا لك من الاستئذان؟ قال: قلت: سمعتك تتكلم فظننت أن عندك إنسانا تخاصمه. قال: لا، ولكن أخاصم نفسي، وأعطيت الله عهدا ألا آكل الجزر والتمر حتى ألقاه ، (ومر أبو حازم) سلمة بن دينار الأعرج التابعي الثقة العابد (يوما في السوق، فرأى الفاكهة، فاشتهاها، فقال لابنه: اشتر لنا من هذه الفاكهة المقطوعة الممنوعة، لعلنا نذهب إلى الفاكهة التي لا) هي (مقطوعة ولا ممنوعة، فلما اشتراها وأتى بها إليه، قال لنفسه: قد خدعتيني حتى نظرت واشتهيت، وغلبتيني حتى اشتريت، والله والله لا ذقتيه، فبعث بها إلى يتامى من الفقراء) بالمدينة ، (وعن موسى بن الأشج ) رحمه الله تعالى (أنه قال: نفسي [ ص: 416 ] تشتهي ملحا جريشا منذ عشرين سنة) ، فما أطعمتها إياه، (وعن أحمد بن خليفة ) رحمه الله تعالى (قال: نفسي تشتهي منذ عشرين سنة، ما طلبت مني إلا الماء حتى تروى، فما رويتها) .فمثل هذه التشديدات في ترك المباحات أرادوا بذلك كبحا لها، ومخالفة لشهواتها؛ رجاء أن يسلم لهم حالهم مع الله تعالى، (وروي أن عتبة) بن أبان (الغلام) رحمه الله تعالى (اشتهى لحما سبع سنين، فلما كان بعد ذلك قال: استحييت من نفسي أن أدافعها سنة بعد سنة، فاشتريت قطعة لحم على خبز، وشويتها وتركتها على رغيف، فلقيت صبيا، فقلت) له: (ألست ابن فلان، وقد مات أبوك؟ قال: بلى، فناولته إياها، قالوا: وأقبل يبكي ويقرأ) قوله تعالى: ( ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ، ثم لم يذقه بعد ذلك) .

أخرجه أبو نعيم في الحلية، فقال: حدثنا أحمد بن إسحاق ، حدثنا جعفر بن أحمد بن فارس ، حدثنا إبراهيم بن الجنيد ، حدثنا أحمد بن عمر الأنباري ، حدثنا أحمد بن حاتم أبو عبد الله البصري ، حدثنا أحمد بن عطاء بن عبد الله اليربوعي قال: نازعت عتبة الغلام نفسه لحما، فقال لها: اندفعي عني إلى قابل. فما زال يدافعها سبع سنين، حتى إذا كان في السابعة أخذ دانقا ونصف إفلاس، فأتى بها صديقا له من أصحاب عبد الواحد بن زيد ، فقال: يا أخي، إن نفسي تنازعني لحما منذ سبع سنين، وقد استحييت منها، كم أعدها وأخلفها، فخذ لي رغيفين وقطعة من لحم بهذا الدانق ونصف. فلما أتاه به إذ هو بصبي، فقال: يا فلان، ألست أنت ابن فلان، وقد مات أبوك؟ قال: بلى، قال: فجعل يبكي ويمسح رأسه، وقال: قرة عيني من الدنيا أن تصير شهوتي في بطن هذا اليتيم، فناوله ما كان معه، ثم قرأ: ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ، (ومكث) عتبة الغلام (يشتهي تمرا سنين، ثم اشترى تمرا بقيراط ورفعه إلى الليل ليفطر عليه، قال: فهبت ريح شديدة حتى أظلمت الدنيا، ففزع الناس، فأقبل عتبة على نفسه يقول: هذه) الريح التي هبت (من جرأتي عليك وشرائي التمر بالقيراط، ثم قال لنفسه: ما أظن أخذ الناس إلا بذنبك، علي ألا تذوقيه) .

أخرجه أبو نعيم في الحلية، فقال: حدثنا أحمد بن إسحاق ، حدثنا جعفر بن أحمد ، حدثنا إبراهيم بن الجنيد ، حدثني خالد بن خداش ، حدثنا عبد القادر بن عبد الرحيم قال: هاجت ريح بالبصرة حمراء، ففزع الناس لها، قال: فجعل عتبة يبكي ويقول: واجرأتي عليك وشرائي التمر بالقراريط. حدثنا أبو محمد بن حيان ، حدثنا أحمد بن الحسين الحذاء، حدثنا أحمد الدورقي ، حدثنا إبراهيم بن عبد الرحيم بن مهدي ، حدثنا عبد السلام الزهراني ، حدثنا أبو نعامة الزهراني قال: كان عتبة يفتل الشريط في بيت مع أصحاب له، فهاجت ريح فأتيته وهو لا يدري، فقلت: يا عتبة ، أما ترى ما في السماء؟ قال: فطرح الشريط، فقام فقال: يا عتبة تجترئ على ربك، وتشتري التمر بالقراريط، وكان اشترى يومئذ بقيراط .

حدثنا أحمد بن سواد ، حدثنا جعفر بن أحمد ، حدثنا إبراهيم بن عبد الله الختلي ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم الثقفي البصري ، حدثنا رياح القيسي قال: صحبت عتبة الغلام ، وقد اشترى تمرا بقيراط، فلما كان عند المغرب هاجت ريح، فقال عتبة : إنما أشتهي التمر منذ سنة لم آكله حتى إذا أخذت شهوتي أردت أن تأخذني عندها، لا آكلها، فتصدق بها. (واشترى داود) بن نصير (الطائي) رحمه الله تعالى (بنصف فلس بقلا وبفلس خلا، وأقبل ليلته كلها يقول لنفسه: ويلك يا داود ، ما أطول حسابك يوم القيامة! ثم لم يأكل بعده إلا قفارا) ، أي: خبزا يابسا وحده، (وقال عتبة) بن أبان (الغلام يوما لعبد الواحد بن زيد ) رحمهما الله تعالى: (إن فلانا يصف من نفسه) ، ولفظ القوت: من قلبه، (منزلة ما أعرفها من نفسي) ، ولفظ القوت: لا أعرفها، ولم يذكر "من نفسي" (قال: لأنك تأكل مع خبزك تمرا، وهو لا يزيد على الخبز شيئا) ، ولفظ القوت: إن فلانا لا يأكل التمر، وأنت تأكله، (قال: فإن أنا تركت أكل التمر عرفت تلك المنزلة؟ قال: نعم، وغيرها. فأخذ يبكي، قال له بعض أصحابه: أبكى الله أعينك، أعلى التمر تبكي؟ فقال عبد الواحد : دعه؛ فإن نفسه قد عرفت صدق عزمه في الترك، وإذا ترك شيئا لم يعاوده) ولفظ القوت: وهو إذا ترك شيئا لم يعاود فيه أبدا، (وقال) أبو محمد (جعفر) بن محمد بن نصير الخلدي البغدادي، صحب الجنيد وانتمى إليه، وصحب النوري [ ص: 417 ] ورويما وسمنونا ، مات ببغداد سنة 348، (أمرني الجنيد أن أشتري له التين، فلما اشتريته أخذ واحدة عند الفطور، فوضعها في فمه، ثم ألقاها، وجعل يبكي، ثم قال: احمله. فقلت له في ذلك، فقال: هتف في قلبي هاتف: أما تستحيي؟ تركته من أجلي ثم تعود إليه؟) . أورده القشيري في الرسالة بلفظ: وقال جعفر بن نصير : دفع إلي الجنيد درهما وقال: اشتر به التين الوزيري، فاشتريته، فلما أفطر أخذ واحدة ووضعها في فمه، وألقاها وبكى، وقال: احمله. فقلت له في ذلك، فقال: هتف بي هاتف في قلبي: أما تستحي؟ شهوة تركتها من أجلي منذ ثلاثين سنة، ثم تعود إليها؟ (وقال صالح) بن بشير (المري) ، تقدم ذكره في كتاب العلم، (قلت لعطاء السلمي ) ، من رجال الحلية، وقد تقدم ذكره أيضا: (إني متكلف لك شيئا، فلا ترد علي كرامتي. فقال: افعل ما تريد، فبعثت إليه مع ابني شربة من سويق، فقد لتته بسمن وعسل فقلت: لا تبرح حتى يشربها، فلما كان من الغد جعلت له نحوها، فردها ولم يشربها، فعاتبته ولمته على ذلك، وقلت: سبحان الله، رددت علي كرامتي؟ فلما رأى وجدي لذلك قال: لا يسؤك هذا؛ إني شربتها أول مرة، وقد راودت نفسي في المرة الثانية على شربها، فلم أقدر، كلما أردت ذلك تذكرت قوله تعالى: يتجرعه ولا يكاد يسيغه الآية، قال صالح : فبكيت وقلت في نفسي: أنا في واد وأنت في واد) .

أخرجه أبو نعيم في الحلية، فقال: حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، حدثنا أحمد بن الحسين ، حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي ، حدثنا عمرو بن محمد بن رزين ، وعبد الله بن سليمان ، يزيد أحدهما على صاحبه عن صالح المري قال: كان عطاء السلمي قد أضر بنفسه حتى ضعف، قال: فقلت له: إنك قد أضررت بنفسك، وأنا متكلف لك شيئا، فلا ترد علي كرامتي. قال: افعل. قال: فاشتريت سويقا من أجود ما وجدت، وسمنا، قال: فجعلت له شربة فلتتها وحليتها، فأرسلتها مع ابني، وكوزا من ماء، فقلت له: لا تبرح حتى يشربها، قال: فرجع، فقال: قد شربها، فلما كان من الغد، جعلت له نحوها، ثم سرحت بها مع ابني، فرجع بها لم يشربها قال: فأتيته فلمته، وقلت له: سبحان الله، رددت علي كرامتي؟ إن هذا مما يعينك ويقويك على الصلاة وعلى ذكر الله تعالى. قال: فلما رآني قد وجدت من ذلك قال: يا أبا بشر ، لا يسوؤك الله، قد شربت أول ما بعثت بها، فلما كان الغد زاولت نفسي على أن أسيغها، فما قدرت على ذلك، إذا أردت أن أشربه ذكرت هذه الآية: يتجرعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان الآية. فبكى صالح عند هذا، وقلت في نفسي: ألا أراني في واد وأنت في آخر .




الخدمات العلمية