اعلم أن قريبة الانقضاء تعد بالبقاء ثم تخلف في الوفاء تنظر إليها ، فتراها ساكنة مستقرة ، وهي سائرة سيرا عنيفا ومرتحلة ارتحالا سريعا ، ولكن الناظر إليها قد لا يحس بحركتها فيطمئن إليها ، وإنما يحس عند انقضائها ، ومثالها الظل ، فإنه متحرك ساكن متحرك في الحقيقة ساكن الظاهر ، لا تدرك حركته بالبصر الظاهر ، بل بالبصيرة الباطنة ولما ذكرت الدنيا عند الحسن البصري رحمه الله أنشد ، وقال: الدنيا سريعة الفناء
أحلام نوم أو كظل زائل إن اللبيب بمثلها لا يخدع
وكان الحسن بن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه يتمثل كثيرا ويقول .يا أهل لذات دنيا لا بقاء لها إن اغترارا بظل زائل حمق وقيل إن هذا من قوله ويقال إن أعرابيا : نزل بقوم ، فقدموا إليه طعاما ، فأكل ، ثم قام إلى ظل خيمة لهم ، فنام هناك فاقتلعوا الخيمة فأصابته الشمس ، فانتبه ، فقام وهو يقول .
ألا :
إنما الدنيا كظل بنيته ولا بد يوما أن ظلك زائل
وإن امرأ دنياه أكبر همه لمستمسك منها بحبل غرور