الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الشطر الأول في الصبر .

وفيه بيان فضيلة الصبر ، وبيان حده وحقيقته ، وبيان كونه نصف الإيمان ، وبيان اختلاف أساميه باختلاف متعلقاته ، وبيان أقسامه بحسب اختلاف القوة والضعف ، وبيان مظان الحاجة إلى الصبر ، وبيان دواء الصبر ، وما يستعان به عليه ، فهي سبعة فصول تشتمل على جميع مقاصده إن شاء الله تعالى .

بيان فضيلة الصبر .

وقد وصف الله تعالى الصابرين بأوصاف وذكر الصبر .

في القرآن في نيف وسبعين موضعا وأضاف أكثر الدرجات والخيرات إلى الصبر وجعلها ثمرة له فقال عز من قائل : وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وقال تعالى: وتمت كلمت ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا وقال تعالى: ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون وقال تعالى أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا وقال تعالى : إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ، فما من قربة إلا وأجرها بتقدير وحساب إلا الصبر ولأجل كون الصوم من الصبر وأنه ، نصف الصبر قال الله تعالى : الصوم لي وأنا أجزي به فأضافه إلى نفسه من بين سائر العبادات ووعد الصابرين بأنه معهم فقال تعالى : واصبروا إن الله مع الصابرين وعلق النصرة على الصبر ، فقال تعالى : بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين وجمع للصابرين بين أمور لم يجمعها لغيرهم فقال تعالى أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ، فالهدى والرحمة والصلوات مجموعة للصابرين واستقصاء جميع الآيات في مقام الصبر يطول .

التالي السابق


(الشطر الأول في الصبر)

[ ص: 4 ] وهو المقام الثاني من مقامات اليقين، (وفيه بيان فضيلة الصبر، وبيان حده وحقيقته، وبيان كونه نصف الإيمان، وبيان اختلاف أساميه باختلاف متعلقاته، وبيان أقسامه بحسب اختلاف القوة والضعف، وبيان مظنات الحاجة إلى الصبر، وبيان دواء الصبر، وما يستعان به عليه، فهي سبعة فصول تشتمل على جميع مقاصده إن شاء الله تعالى) .

(بيان فضيلة الصبر)

من الكتاب والسنة، اعلم أنه (قد وصف الله تعالى الصابرين بأوصاف) جليلة (وذكر الصبر في القرآن في نيف وسبعين موضعا) ، وعن الإمام أحمد أنه ذكر الله الصبر في القرآن في نحو من تسعين موضعا بتقديم التاء على السين، نقله صاحب القاموس في "البصائر"، وهو مقام شريف أثنى الله عليه في كتابه، (وأضاف أكثر الدرجات والخيرات إلى الصبر وجعلها) أي: تلك الدرجات والخيرات (ثمرة له) ونتيجة، وهو في القرآن على سبعة عشر نوعا، الأول: أنه جعل الصابرين أئمة المتقين، وقرن الصبر باليقين، وأنه بالصبر واليقين ينال الأمانة في الدين، (فقال عز من قائل: وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا) وكانوا بآياتنا يوقنون ، قال ابن عيينة في هذه الآية: "أخذوا برأس الأمر فجعلهم الله رؤساء" .

النوع الثاني: أنه تمم عليهم كلمة الحسنى في الدين، (و) منه (وتمت كلمت ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا) .

النوع الثالث: إيجابه الجزاء لهم بأحسن أعمالهم، (و) منه (قال) تعالى: ( ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) .

النوع الرابع: مضاعفة أجرهم على كل عمل، (و) منه قال تعالى: (أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا) ، النوع الخامس: رفع جزائهم فوق كل جزاء فجعله بلا نهاية ولا حد، (و) منه (قال تعالى: إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ، فما من قربة إلا وأجرها بتقدير وحساب إلا الصبر) ، فقد أوجب الجزاء للمتصف به بغير حساب وحدود لذلك على أنه من أفضل المقامات، (ولأجل كون الصوم من الصبر، فإنه نصف الصبر) ، رواه ابن ماجه والبيهقي من حديث أبي هريرة بلفظ: "الصيام نصف الصبر"، (قال الله تعالى: الصوم لي وأنا أجزي به) ، رواه الشيخان والنسائي وابن حبان من حديث أبي هريرة بلفظ: قال الله عز وجل: "كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به"، الحديث، وعند الطبراني وابن النجار من حديث ابن مسعود بلفظ: "هو له إلا الصوم هو لي"، الحديث، وقد تقدم الكلام عليه مفصلا في كتاب "أسرار الصوم"، (فأضافه إلى نفسه تشريفا له من بين سائر العبادات) .

النوع السادس: (وعد الصابرين بأنه معهم) ، أي: أوجب لهم معية تتضمن حفظهم ونصرهم وتأييدهم، ليست معية عامة أعني: معية العلم والإحاطة، (فقال: واصبروا إن الله مع الصابرين ) ، فهذا إخبار منه تعالى أنه معهم، ومن كان معه الله غلب، كمن كان معه عدة، وهذا كما قال: وأنتم الأعلون والله معكم .

(و) النوع السابع: (علق النصرة) والمدد بجنده (على الصبر، فقال تعالى: بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين ) ، فاشترط الصبر والتقوى لإمداده بجنده ونصره وتأييده، وفي الحديث: "النصر مع الصبر، والفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا"، رواه أبو نعيم والخطيب وابن النجار عن أنس مرفوعا .

(و) النوع الثامن: (جمع للصابرين بين أمور) ثلاثة (لم يجمعها لغيرهم) ، وقد فرقها على جمل العبادات بعد البشارة في الآخرة والعقبى، (فقال) تعالى: (أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ، فالهدى والرحمة والصلوات مجموعة للصابرين) ، وهذا من باب التدلي. (واستقصاء جميع الآيات في مقام الصبر يطول) ، ولكن نذكر بقية الأنواع التي سبق الوعد بها، فمن ذلك وهو النوع التاسع الأمر به، وقد تقدم مثله في سياق المصنف وهو قوله تعالى: "واصبروا إن الله مع الصابرين"، وكقوله تعالى: "استعينوا بالصبر والصلاة" ، وقوله: اصبروا وصابروا"، وقوله: "واصبر وما صبرك إلا بالله".

والنوع العاشر النهي عن ضده كقوله [ ص: 5 ] تعالى: فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم ، وقوله: فلا تولوهم الأدبار ، فإن تولية الأدبار ترك الصبر والمصابرة .

النوع الحادي عشر: الثناء على أهله كقوله تعالى: الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار ، وقوله: والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون ، ونظائره كثيرة .

النوع الثاني عشر: إيجاب محبته لهم كقوله تعالى: والله يحب الصابرين .

النوع الثالث عشر: إخباره بأن الصبر خير لهم كقوله تعالى: ولئن صبرتم لهو خير للصابرين ، وكقوله: وأن تصبروا خير لكم .

النوع الرابع عشر: إطلاق البشرى لأهل الصبر، كقوله تعالى: وبشر الصابرين .

النوع الخامس عشر: "الإخبار بأن أهل الصبر مع أهل العزائم، كقوله تعالى: ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور .

النوع السادس عشر: الإخبار بأنه ما يلقى الأعمال الصالحة وجزاءها إلا أهل الصبر كقوله تعالى: ولا يلقاها إلا الصابرون ، وقوله: وما يلقاها إلا الذين صبروا .

النوع السابع عشر: الإخبار بأن الفوز بالمطلوب، والنجاة من المرهوب، ودخول الجنة، إنما نالوه بالصبر كقوله تعالى: سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار .




الخدمات العلمية