ثم تأمل الآن في فإن الآخرة أكبر درجات ، وأكبر تفضيلا وكما أن بين الناس في الطاعات الظاهرة والأخلاق الباطنة المحمودة تفاوتا ظاهرا ، فكذلك فيما يجازون به تفاوت ظاهر ، فإن كنت تطلب أعلى الدرجات ، فاجتهد أن لا يسبقك أحد بطاعة الله تعالى ، فقد أمرك الله بالمسابقة ، والمنافسة فيها ، فقال تعالى : غرف الجنة ، واختلاف درجات العلو فيها ، سابقوا إلى مغفرة من ربكم وقال تعالى : وفي ذلك فليتنافس المتنافسون والعجب أنه لو تقدم عليك أقرانك ، أو جيرانك ، بزيادة درهم ، أو بعلو بناء ، ثقل عليك ذلك ، وضاق به صدرك ; وتنغص بسبب الحسد عيشك ، وأحسن أحوالك أن تستقر في الجنة وأنت لا تسلم فيها من أقوام يسبقونك بلطائف لا توازيها الدنيا بحذافيرها فقد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف فوقهم ، كما تتراءون الكوكب الغائر في الأفق من المشرق والمغرب لتفاضل ما بينهم قالوا : يا رسول الله ، تلك منازل الأنبياء ، لا يبلغها غيرهم ؟ قال : بلى ، والذي نفسي بيده ، رجال آمنوا بالله ، وصدقوا المرسلين وقال أيضا : إن أهل الدرجات العلى ليراهم من تحتهم كما ترون النجم الطالع في أفق من آفاق السماء ، وإن أبا بكر ، وعمر منهم وأنعما وقال جابر قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا : أبو سعيد الخدري أحدثكم بغرف الجنة ؟ قال : قلت : بلى يا رسول الله ، صلى الله عليك بأبينا أنت وأمنا ، قال : إن في الجنة غرفا من أصناف الجوهر كله يرى ظاهرها من باطنها ، وباطنها من ظاهرها وفيها من النعيم ، واللذات ، والسرور ، ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر قال قلت : يا رسول الله ، ولمن هذه الغرف قال ؟ : لمن أفشى السلام وأطعم الطعام وأدام الصيام وصلى بالليل والناس نيام قال قلنا : يا رسول الله ، ومن يطيق ذلك ؟ قال : أمتي تطيق ذلك ، وسأخبركم عن ذلك : من لقي أخاه فسلم عليه ، أو رد عليه ، فقد أفشى السلام ، ومن أطعم أهله وعياله من الطعام حتى يشبعهم ، فقد أطعم الطعام ، ومن صام شهر رمضان ، ومن كل شهر ثلاثة أيام فقد أدام الصيام ، ومن صلى العشاء الآخرة ، وصلى الغداة في جماعة ، فقد صلى بالليل والناس نيام ، يعني : اليهود ، والنصارى ، والمجوس .
وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله ومساكن طيبة في جنات عدن قال : قصور من لؤلؤ ، في كل قصر سبعون دارا من ياقوت أحمر في كل دار سبعون بيتا من زمرد أخضر في كل بيت سرير على كل سرير سبعون فراشا ، من كل لون على كل ، فراش زوجة من الحور العين ، في كل بيت سبعون مائدة ، على كل مائدة سبعون لونا من الطعام ، في كل بيت سبعون وصيفة ، ويعطى المؤمن في كل غداة ، يعني من القوة ، ما يأتي على ذلك أجمع .