الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              تنبيهات

                                                                                                                                                                                                                              الأول : يقال لهذه العمرة عمرة القصاص . قال السهيلي - رحمه الله - تعالى - وهذا الاسم أولى بها لقوله تعالى : الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص [البقرة [ ص: 196 ] 194] ورواه عبد بن حميد بسند صحيح عن مجاهد ، وبه جزم سليمان التيمي في مغازيه وهذه الآية نزلت فيها كما تقدم .

                                                                                                                                                                                                                              ويقال لها : عمرة القضاء ، واختلف في تسميتها بذلك ، فقال السهيلي : لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاضى قريشا عليها . لأنه قضى العمرة التي صد عن البيت فيها ، فإنها لم تكن فسدت بصدهم له عن البيت ، بل كانت عمرة تامة متقبلة ، حتى إنهم حين حلقوا شعورهم بالحل احتملتها الريح فألقتها بالحرم ، فهي معدودة في عمر النبي - صلى الله عليه وسلم - زاد القاضي : فالمراد بالقضاء الفصل الذي وقع عليه الصلح ، ولذلك يقال لها عمرة القضية .

                                                                                                                                                                                                                              قال أهل اللغة : قاضى فلان فلانا : عاهده ، وقاضاه : عاوضه ، فيحتمل تسميتها بالأمرين ، ويرجح الثاني تسميتها قصاصا .

                                                                                                                                                                                                                              وقال آخرون : بل كانت قضاء عن العمرة الأولى ، وعد عمرة الحديبية في العمر لثبوت الأجر فيها لا لأنها كملت ، وهذا خلاف مبني على الاختلاف في وجوب القضاء على من اعتمر فصد عن البيت . فقال الجمهور : يجب عليه الهدي ، ولا قضاء عليه .

                                                                                                                                                                                                                              وعن الإمام أبي حنيفة - رحمه الله - تعالى - عكسه ، وعن الإمام أحمد رواية : أنه لا يلزمه هدي ولا قضاء وأخرى أنه يلزمه الهدي والقضاء ، وبيان حجج كل ليس من غرضنا .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن إسحاق : تسمى أيضا عمرة الصلح اه .

                                                                                                                                                                                                                              فتحصل من أسمائها أربعة : القضاء ، والقضية ، والقصاص والصلح .

                                                                                                                                                                                                                              الثاني : وجهوا كون هذه العمرة غزوة بأن موسى بن عقبة ذكر في المغازي عن ابن شهاب أنه - صلى الله عليه وسلم - خرج مستعدا بالسلاح والمقاتلة خشية أن يقع من قريش غدر ، ولا يلزم من إطلاق الغزوة وقوع المقاتلة .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن الأثير - رحمه الله تعالى - في الجامع : هذه العمرة ليست من الغزوات ، وذكرها البخاري في الغزوات حيث تضمنت ذكر المصالحة مع المشركين .

                                                                                                                                                                                                                              الثالث : قال ابن هشام - رحمه الله تعالى - قوله : «نحن قتلناكم على تأويله” إلى آخر الأبيات لعمار بن ياسر في غير هذا اليوم ، قال السهيلي : يعني يوم صفين . قال ابن هشام :

                                                                                                                                                                                                                              والدليل على ذلك أن ابن رواحة إنما أراد المشركين ، والمشركون لم يقروا بالتنزيل ، وإنما يقاتل على التأويل من أقر بالتنزل . قال في البداية : وفيما قاله ابن هشام نظر ، فإن البيهقي روى من غير وجه عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أنس قال : لما دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة في عمرة القضاء مشى عبد الله بن رواحة بين يديه وفي رواية وهو آخذ بغرزه وهو يقول . [ ص: 197 ]

                                                                                                                                                                                                                              الأبيات السابقة . ورواه عن يزيد بن أسلم - كما سبق - وقد تابع ابن إسحاق على ذلك ابن عقبة وغيره ، وقال الحافظ - رحمه الله تعالى - إذا ثبتت الرواية فلا مانع من إطلاق ذلك ، فإن التقدير على رأي ابن هشام : نحن ضربناكم على تأويله أي حتى تذعنوا إلى ذلك التأويل ، ويجوز أن يكون التقدير : نحن ضربناكم على تأويل ما فهمنا منه حتى تدخلوا فيما دخلنا فيه ، وإذا كان ذلك محتملا ، وثبتت الرواية سقط الاعتراض . نعم الرواية التي جاء فيها .

                                                                                                                                                                                                                              «فاليوم نضربكم على تأويله” يظهر أنه قول عمار ، ويبعد أن يكون من قول ابن رواحة ، لأنه لم يقع في عمرة القضاء ضرب ولا قتال ، وصحيح الرواية .

                                                                                                                                                                                                                              «نحن ضربناكم على تأويله . كما ضربناكم على تنزيله .

                                                                                                                                                                                                                              يشير بكل منهما إلى ما مضى ، ولا مانع من أن يتمثل عمار بن ياسر بهذا الرجز ويقول هذه اللفظة ، ومعنى قوله : «نضربكم على تأويله” أي الآن ، وجاز تسكين الباء لضرورة الشعر ، بل هي لغة قرئ بها في المشهور .

                                                                                                                                                                                                                              الرابع : قال الحافظ أبو عيسى الترمذي - رحمه الله تعالى - بعد أن ذكر رجز ابن رواحة ، ثم قال : وفي غير هذا الحديث أن هذه القصة لكعب بن مالك ، وهو الأصح ، لأن عبد الله بن رواحة قتل بمؤتة ، وكانت عمرة القضاء بعد ذلك ، قال الحافظ - رحمه الله - وهو ذهول شديد ، وغلط مردود ، وما أدري كيف وقع الترمذي في ذلك ، ومع أن في قصة عمرة القضاء اختصام جعفر وأخيه ، علي ، وزيد بن حارثة في بنت حمزة ، أي كما سبق وجعفر قتل هو وزيد وابن رواحة في موطن واحد ، فكيف يخفى على الترمذي مثل هذا . ثم وجدت عند بعضهم أن الذي عند الترمذي من حديث أنس : أن ذلك كانت في فتح مكة . فإن كان كذلك اتجه اعتراض الترمذي ، لكن الموجود بخط الكروخي راوي الترمذي على ما تقدم . قلت :

                                                                                                                                                                                                                              وكذلك رأيته في عدة نسخ من جامع الترمذي .

                                                                                                                                                                                                                              الخامس : مجيء سهيل ، وحويطب يطلبان رحيل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نصف النهار ، الظاهر أنه - صلى الله عليه وسلم - دخل في أوائل النهار ، فلم تكمل الثلاث إلا في مثل ذلك الوقت من النهار الرابع الذي دخل فيه بالتلفيق ، وكان مجيئهم في أول النهار قريب مجيء ذلك الوقت .

                                                                                                                                                                                                                              السادس : «قول ابنة حمزة يا عم كأنها خاطبت النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك إجلالا ، وإلا فهو ابن عمها ، أو بالنسبة إلى كون حمزة - وإن كان عمه من النسب - فهو أخوه من الرضاعة .

                                                                                                                                                                                                                              وكانت خصومة علي وجعفر ، وزيد في ابنة حمزة بعد أن قدموا المدينة ، كما صح ذلك من حديث علي عند أحمد ، والحاكم .

                                                                                                                                                                                                                              السابع : أقر النبي - صلى الله عليه وسلم - عليا على أخذها من مكة مع اشتراط المشركين ألا يخرج . [ ص: 198 ]

                                                                                                                                                                                                                              بأحد من أهلها أراد الخروج ، لأنهم لم يطلبوها ، وأيضا فإن النساء المؤمنات لم يدخلن في ذلك ، لكن إنما نزل القرآن بعد رجوعهم إلى المدينة .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية