كان كعب يهوديا .
قال ابن عقبة : هو من بني النضير ، يكنى أبا نائلة . وقال ابن إسحاق وأبو عمر : هو من بني نبهان من طيئ ، وأمه من بني النضير . وكان شاعرا يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويهجو الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، ويحرض عليهم الكفار .
وروى ابن سعد عن في قوله تعالى : الزهري ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا [آل عمران 186] قال : هو كعب بن الأشرف فإنه كان يحرض المشركين على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعني في شعره يهجو النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه .
ولما قدم زيد بن حارثة بالبشارة من وعبد الله بن رواحة بدر بقتل المشركين وأسر من أسر منهم ، قال كعب : «أحق هذا ؟ أترون محمدا قتل هؤلاء الذين يسمي هذان الرجلان ؟ - يعني زيدا فهؤلاء أشراف العرب وملوك الناس ، والله لئن كان وعبد الله بن رواحة- محمد أصاب هؤلاء القوم لبطن الأرض خير من ظهرها» . فلما تيقن عدو الله الخبر ، ورأى الأسرى مقرنين كبت وذل ثم قال لقومه : «ما عندكم ؟ » قالوا : «عداوته ما حيينا» . قال : «وما أنتم وقد وطئ قومه وأصابهم ؟ ! ولكن أخرج إلى قريش فأحرضها وأبكي قتلاها لعلهم ينتدبون فأخرج معهم» . فخرج حتى قدم مكة ، فوضع رحله عند المطلب بن أبي وداعة [بن ضبيرة] السهمي ، وعنده عاتكة بنت أسيد بن أبي العيص ، وأسلمت هي وزوجها بعد ذلك . فأنزلته وأكرمته ، وجعل يحرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وينشد الأشعار ويبكي أصحاب القليب من قريش الذين أصيبوا ببدر .
قال محمد بن عمر رضي الله تعالى عنه : ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره بنزول حسان بن ثابت كعب على من نزل عليه؛ فقال حسان :
ألا أبلغن عني أسيدا رسالة فخالك عبد بالشراب مجرب لعمرك ما أوفى أسيد لجاره
ولا خالد وابن المفاضة زينب وعتاب عبد غير موف بذمة
كذوب شئون الرأس قرد مدرب
فلما بلغها هجاؤه نبذت رحله ، وقالت : ما لنا ولهذا اليهودي ؟ ! ألا ترى ما يصنع بنا حسان ؟
فتحول ، فكلما تحول عند قوم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حسانا فقال : «ابن الأشرف نزل على فلان» .
فلا يزال يهجوهم حتى ينبذ رحله . فلما لم يجد مأوى قدم المدينة . انتهى .
قال : ثم رجع ابن إسحاق كعب بن الأشرف إلى المدينة فشبب بنساء المسلمين حتى آذاهم .
وروى عبد الله بن إسحاق الخراساني في فوائده عن عكرمة أن كعبا صنع طعاما وواطأ جماعة من اليهود أن يدعو النبي صلى الله عليه وسلم إلى وليمة ، فإذا حضر فتكوا به . ثم دعاه فجاء ومعه بعض أصحابه . فأعلمه جبرئيل عليه السلام بما أضمروه ، فرجع ، فلما فقدوه تفرقوا . انتهى .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اللهم اكفني ابن الأشرف بما شئت في إعلانه الشر» .
وقال صلى الله عليه وسلم ، كما في الصحيح : بكعب بن الأشرف ؛ فقد آذى الله ورسوله ؟ » . «من لي
وفي رواية : «فقد آذانا بشعره وقوى المشركين علينا» . فقال محمد بن مسلمة : أنا لك به يا رسول الله ، أنا أقتله . قال : «أنت له فافعل إن قدرت على ذلك» .
[وفي رواية عند عروة ابن عائذ ، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن قلت (بهذا) احتمل أن يكون سكت أولا ثم أذن] . فرجع محمد بن مسلمة ، فمكث ثلاثا لا يأكل ولا يشرب إلا ما تعلق به نفسه . فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدعاه فقال له : «لم تركت الطعام والشراب ؟ » فقال : يا رسول الله قلت لك قولا لا أدري هل أفين لك به أم لا . فقال : «إنما عليك الجهد» .
في أمره» فشاوره فقال له : توجه إليه واذكر له الحاجة وسله أن يسلفكم طعاما . سعد بن معاذ
فاجتمع [في قتله] محمد بن مسلمة ، وعباد بن بشر ، وأبو نائلة سلكان بن سلامة ، والحارث بن أوس بن معاذ ، بعثه عمه سعد بن معاذ ، وأبو عبس بن جبر ، فقالوا : «يا رسول الله نحن نقتله؛ فأذن لنا فلنقل شيئا؛ فإنه لا بد لنا من أن نقول» . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «قولوا ما بدا لكم؛ فأنتم في حل من ذلك» . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «شاور
فخرج أبو نائلة كما قال جل أئمة المغازي ، وكان أخا كعب من الرضاعة . وفي الصحيح : خرج إليه محمد بن مسلمة .
فلما رآه كعب أنكر شأنه وذعر منه . فقال أبو نائلة أو محمد بن مسلمة : حدثت حاجة . [ ص: 27 ]
فقال كعب ، وهو في نادي قومه وجماعتهم : ادن إلي فخبرني بحاجتك . فتحدثنا ساعة ، وأبو نائلة أو محمد بن مسلمة يناشده الشعر . فقال كعب : ما حاجتك ، لعلك تحب أن تقوم من عندنا . فلما سمع القوم قاموا .
فقال محمد بن مسلمة أو أبو نائلة : «إن هذا الرجل قد سألنا صدقة ، ونحن لا نجد ما نأكل ، وإنه قد عنانا» . قال كعب : «وأيضا والله لتملنه» . وفي غير الصحيح : فقال أبو نائلة : «إني قد جئتك في حاجة أريد أن أذكرها لك فاكتم عني» . قال : «أفعل» . قال : «كان قدوم هذا الرجل علينا بلاء من البلاء ، عادتنا العرب ورمونا عن قوس واحدة ، وقطعت عنا السبل ، حتى ضاع العيال وجهدت الأنفس ، وأصبحنا قد جهدنا وجهد عيالنا» . فقال كعب بن الأشرف : «أما والله لقد كنت أخبرك يا ابن سلامة أن الأمر سيصير إلى ما أقول ، ولكن اصدقني ما الذي تريدون من أمره ؟ » قال : «خذلانه والتنحي عنه» .
قال : «سررتني ألم يأن لكم أن تعرفوا ما عليه من الباطل ؟ » . فقال له أبو نائلة أو محمد بن مسلمة : «معي رجال من أصحابي على مثل رأيي ، وقد أردت أن آتيك بهم فنبتاع منك تمرا وطعاما وتحسن إلينا ، ونرهنك ما يكون ذلك فيه ثقة» . وفي صحيح : «وواعده أن يأتيه مسلم بالحارث وأبي عبس بن جبر ، قال وعباد بن بشر . [كعب] : «أما والله ما كنت أحب يا أبا نائلة أن أرى بك هذه الخصامة وإن كنت من أكرم الناس ، على ماذا ترهنوني ؟ [أترهنوني] أبناءكم ؟ » قال : «إنا نستحي أن يعير أبناؤنا فيقال ، هذا رهينة وسق ، وهذا رهينة وسقين» . قال :
«فارهنوني نساءكم» . قال : «لقد أردت أن تفضحنا وتظهر أمرنا ، أنت أجمل الناس ولا نأمنك ، وأي امرأة تمتنع منك لجمالك ، ولكنا نرهنك من السلاح والحلقة ما ترضى به ، ولقد علمت حاجتنا إلى السلاح اليوم» . قال كعب : «إن في السلاح لوفاء» . وأراد أبو نائلة ألا ينكر السلاح إذا جاءوا به . فسكن إلى قوله ، وقال : «جئ به متى شئت» .
فرجع أبو نائلة من عنده على ميعاد . فأتى أصحابه فأخبرهم ، فأجمعوا أمرهم على أن يأتوه إذا أمسى لميعاده . ثم أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عشاء فأخبروه فمشى [معهم] .
وروى و ابن إسحاق بسند صحيح الإمام أحمد رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مشى معهم إلى بقيع الفرقد ، ثم وجههم وقال : «انطلقوا على اسم الله ، اللهم أعنهم» ابن عباس وعند ابن سعد : عن «امضوا على بركة الله وعونه» .
ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته في ليلة مقمرة مثل النهار ، ليلة أربع عشرة من شهر ربيع الأول . [ ص: 28 ]
فمضوا حتى انتهوا إلى حصن ابن الأشرف . وفي الصحيح : فقال محمد بن مسلمة - وفي كتب المغازي أبو نائلة - لأصحابه : «إذا ما رآكم كعب فإني قائل بشعره فأسمه فإذا رأيتموني استمكنت من رأسه فدونكم فاضربوه» .
فهتف أبو نائلة ، وكان ابن الأشرف حديث عهد بعرس ، فوثب في ملحفة ، فأخذت امرأته بناحيتها وقالت : «إنك امرؤ محارب وإن أصحاب الحرب لا ينزلون في هذه الساعة» .
فقال : «إنه ميعاد علي وإنما هو أخي أبو نائلة لو وجدني نائما لما أيقظني» . فقالت : «والله إني لأعرف في صوته الشر» . فكلمهم من فوق البيت . وفي رواية : «أسمع صوتا كأنه يقطر منه الدم» .
قال : فقال لها كعب : «إن الكريم لو دعي إلى طعنة ليلا لأجاب» . ثم نزل إليهم متوشحا بملحفة وهو ينفح منه ريح الطيب . فجاءهم ثم جلس فتحدث معهم ساعة حتى انبسط إليهم .
فقالوا : «هل لك يا ابن الأشرف أن نتماشى إلى شعب العجوز فنتحدث فيه بقية ليلتنا هذه ؟ » فقال : «إن شئتم» . فخرجوا يتماشون؛ فمشوا ساعة . فقال أبو نائلة : «نجد منك ريح الطيب» .
قال : «نعم؛ تحتي فلانة من أعطر نساء العرب» . قال : أفتأذن لي أن أشم [رأسك] ؟ » قال : نعم .
فأدخل أبو نائلة يده في رأس كعب ثم شم يده ، فقال : «ما رأيت كالليلة طيبا أعطر قط» .
وإنما كان كعب يدهن بالمسك الفتيت بالماء والعنبر حتى يتلبد في صدغيه ، وكان جعدا جميلا . ثم مشى أبو نائلة ساعة ثم عاد لمثلها [حتى اطمأن إليه وسلسلت يده في شعره] فأخذ بقرون رأسه وقال لأصحابه : «اضربوا عدو الله» . فاختلفت عليه أسيافهم فلم تغن شيئا ورد بعضها بعضا . ولصق بأبي نائلة . قال محمد بن مسلمة : «فذكرت مغولا كان في سيفي حين رأيت أسيافنا لا تغني شيئا ، فأخذته وقد صاح عدو الله عند أول ضربة صيحة لم يبق حولنا حصن من حصون يهود إلا أوقدت عليه نار» . قال : «فوضعته في ثنته ثم تحاملت عليه حتى بلغت عانته فوقع عدو الله» .
وعند ابن سعد : فطعنه أبو عبس في خاصرته وعلاه محمد بن مسلمة [بالسيف] وقد أصيب الحارث بن أوس بن معاذ ، فجرح في رجله ، أصابه بعض أسياف القوم . فلما فرغوا حزوا رأس كعب ثم خرجوا يتسترون ، وهم يخافون من يهود الإرصاد ، حتى سلكوا على بني أمية بن زيد ، ثم على قريظة ، وإن نيرانهم في الحصون لعالية ، ثم على بعاث ، حتى إذا كانوا بحرة العريض تخلف الحارث فأبطأ عليهم فناداهم : «أقرئوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مني السلام» . فعطفوا عليه فاحتملوه حتى أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم . بقيع الفرقد كبروا .
وقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة يصلي ، فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبيرهم بالبقيع [ ص: 29 ] كبر ، وعرف أن قد قتلوه . ثم أتوه يعدون ، حتى وجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفا على باب المسجد .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أفلحت الوجوه» . فقالوا : «ووجهك يا رسول الله» ورموا برأسه بين يديه . فحمد الله تعالى على قتله . ثم أتوا بصاحبهم الحارث ، فتفل رسول الله صلى الله عليه وسلم على جرحه فلم يؤذه ، فرجعوا إلى منازلهم .
فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «من ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه» .
فخافت اليهود ، فلم يطلع عظيم من عظمائهم ، وخافوا أن يبيتوا كما بيت ابن الأشرف . فلما بلغوا
وعند ابن سعد : فأصبحت اليهود مذعورين ، فجاؤوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : قتل سيدنا غيلة ، فذكرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم صنيعه ، وما كان يحض عليهم ويحرض في قتالهم ويؤذيهم .
ثم دعاهم إلى أن يكتبوا بينه وبينهم صلحا [أحسبه] . فكان ذلك الكتاب مع رضي الله تعالى عنه بعد . علي