[ ص: 404 ]
جماع أبواب معجزاته- صلى الله عليه وسلم- السماوية
الباب الأول
وفيه فصول
الأول : في الكلام على المعجزة والكرامة والسحر
قال
القاضي- رحمه الله تعالى- : إذا تأمل المنصف ما قدمناه من جميل أثره وحميد سيره وبراعة علمه ورجاحة عقله ، وجملة كمالاته وجميع خصاله المرضية وشاهد حاله وصواب مقاله لم يمتر في صحة نبوته وصدق دعوته الخلق إلى الحق ، وقد كفى هذا غير واحد في إسلامه والإيمان به ، روى
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي nindex.php?page=showalam&ids=13433وابن قانع nindex.php?page=hadith&LINKID=664779عن nindex.php?page=showalam&ids=106عبد الله بن سلام- رضي الله تعالى عنه- قال : لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة جئته لأنظر إليه ، فلما استبنت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب . وعن أبي رمثة- رضي الله تعالى عنه- قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعي ابن لي فأريته ، فلما رأيته قلت : هذا نبي الله صلى الله عليه وسلم رواه
ابن سعد قال ذلك لما ظهر عليه من ملابس الصدق ، وعلامات الحق .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم وغيره أن
ضمادا لما وفد عليه فقال له صلى الله عليه وسلم- وقد سمع بعض
قريش وفي لفظ
nindex.php?page=hadith&LINKID=658444«بعض الكفار» يقول : محمد مجنون فقال : يا محمد ، إني راق هل بك شيء أرقيك ؟
فقال صلى الله عليه وسلم نفيا لما نسب إليه : «إن الحمد لله نحمده ونستعينه ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله» ،
قال له : أعد علي كلماتك هؤلاء فلقد بلغني قاموس البحر ، هات يدك أبايعك ، قال ذلك تعجبا من بلاغتها ، وإيرادها مطابقة لمقتضى الحال .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي عن
nindex.php?page=showalam&ids=15617جامع بن شداد ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=887386كان رجلا منافقا يقال له : طارق ، فأخبر أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «هل معكم شيء تبيعونه ؟ » فقلنا هذا البعير قال :
بكم ؟ قلنا : بكذا وكذا وسقا من تمر ، فأخذ بخطامه وسار إلى المدينة فقلنا بعنا من رجل ، ما ندري من هو ومعنا ظعينة ، فقالت : أنا ضامنة لثمن البعير ، رأيت وجه رجل مثل القمر ليلة البدر لا يخيس فيكم ، فأصبحنا ، فجاء رجل بتمر فقال : أنا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم يأمركم أن تأكلوا من هذا التمر ، وتكتالوا حتى تستوفوا ففعلنا
انتهى . قالت ذلك لما ظهر لها عليه من مخائل الصدق ، وملابس الوفاء .
وروى
ابن موسى في كتاب الردة عن
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق في خبر
الجلندى ملك
عمان لما بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى الإسلام ، فقال
الجلندى : والله لقد دلني على هذا النبي
[ ص: 405 ]
الأمي أنه لا يأمر بخير إلا كان أول آخذ به ، ولا ينهى عن شيء إلا كان أول تارك له وأنه يغلب فلا يبطر ، ويغلب فلا يفجر ، ويفي بالعهد وينجز الوعد ، وأشهد أنه نبي جملته هذه المحاسن ، فتأمله لها على الإقرار بنبوته .
وقال نفطويه في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=35يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار [النور - 35] هذا مثل ضربه الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم يقول : يكاد منظره يدل على نبوته وإن لم يتل قرآنا كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=82ابن رواحة- رضي الله تعالى عنه- .
لو لم تكن فيه آيات مبينة لكان منظره ينبيك بالخبر
قال المحققون :
nindex.php?page=treesubj&link=28752المعجزة هي الأمر الخارق للعادة المقرون بالتحدي الدال على صدق الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام- الواقع على وفق دعوى المتحدى بها مع أمن المعارضة
nindex.php?page=treesubj&link=28752وسميت معجزة لعجز البشر عن الإتيان بمثلها فعلم أن لها شروطا :
أحدها :
أن تكون خارقة للعادة كانشقاق القمر ، وانفجار الماء من بين الأصابع ، وقلب العصا حية ، وإخراج ناقة من صخرة ، فخرج غير الخارق للعادة كطلوع الشمس كل يوم .
[ ص: 404 ]
جِمَاعُ أَبْوَابِ مُعْجِزَاتِهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- السَّمَاوِيَّةِ
الْبَابُ الْأَوَّلُ
وَفِيهِ فُصُولٌ
الْأَوَّلُ : فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمُعْجِزَةِ وَالْكَرَامَةِ وَالسِّحْرِ
قَالَ
الْقَاضِي- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- : إِذَا تَأَمَّلَ الْمُنْصِفُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ جَمِيلِ أَثَرِهِ وَحَمِيدِ سَيْرِهِ وَبَرَاعَةِ عِلْمِهِ وَرَجَاحَةِ عَقْلِهِ ، وَجُمْلَةِ كَمَالَاتِهِ وَجَمِيعِ خِصَالِهِ الْمَرْضِيَّةِ وَشَاهَدَ حَالَهُ وَصَوَابَ مَقَالِهِ لَمْ يَمْتَرِ فِي صِحَّةِ نُبُوَّتِهِ وَصِدْقِ دَعْوَتِهِ الْخَلْقَ إِلَى الْحَقِّ ، وَقَدْ كَفَى هَذَا غَيْرَ وَاحِدٍ فِي إِسْلَامِهِ وَالْإِيمَانِ بِهِ ، رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=13948التِّرْمِذِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=13433وَابْنُ قَانِعٍ nindex.php?page=hadith&LINKID=664779عَنْ nindex.php?page=showalam&ids=106عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ- قَالَ : لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ جِئْتُهُ لِأَنْظُرَ إِلَيْهِ ، فَلَمَّا اسْتَبَنْتُ وَجْهَهُ عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ . وَعَنْ أَبِي رِمْثَةَ- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ- قَالَ : أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعِي ابْنٌ لِي فَأُرِيتُهُ ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ قُلْتُ : هَذَا نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهُ
ابْنُ سَعْدٍ قَالَ ذَلِكَ لَمَّا ظَهَرَ عَلَيْهِ مِنْ مَلَابِسِ الصِّدْقِ ، وَعَلَامَاتِ الْحَقِّ .
وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=17080مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ أَنَّ
ضِمَادًا لَمَّا وَفَدَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَدْ سَمِعَ بَعْضَ
قُرَيْشٍ وَفِي لَفْظٍ
nindex.php?page=hadith&LINKID=658444«بَعْضَ الْكُفَّارِ» يَقُولُ : مُحَمَّدٌ مَجْنُونٌ فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، إِنِّي رَاقٍ هَلْ بِكَ شَيْءٌ أَرْقِيكَ ؟
فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفْيًا لِمَا نُسِبَ إِلَيْهِ : «إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدهُ وَنَسْتَعِينُهُ ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ» ،
قَالَ لَهُ : أَعِدْ عَلَيَّ كَلِمَاتِكَ هَؤُلَاءِ فَلَقَدْ بَلَغَنِي قَامُوسُ الْبَحْرِ ، هَاتِ يَدَكَ أُبَايِعْكَ ، قَالَ ذَلِكَ تَعَجُّبًا مِنْ بَلَاغَتِهَا ، وَإِيرَادِهَا مُطَابِقَةً لِمُقْتَضَى الْحَالِ .
وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=13933الْبَيْهَقِيُّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15617جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ ، قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=887386كَانَ رَجُلًا مُنَافِقًا يُقَالُ لَهُ : طَارِقٌ ، فَأَخْبَرَ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «هَلْ مَعَكُمْ شَيْءٌ تَبِيعُونَهُ ؟ » فَقُلْنَا هَذَا الْبَعِيرُ قَالَ :
بِكَمْ ؟ قُلْنَا : بِكَذَا وَكَذَا وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ ، فَأَخَذَ بِخِطَامِهِ وَسَارَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَقُلْنَا بِعْنَا مِنْ رَجُلٍ ، مَا نَدْرِي مَنْ هُوَ وَمَعَنَا ظَعِينَةٌ ، فَقَالَتْ : أَنَا ضَامِنَةٌ لِثَمَنِ الْبَعِيرِ ، رَأَيْتُ وَجْهَ رَجُلٍ مِثْلَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَا يَخِيسُ فِيكُمْ ، فَأَصْبَحْنَا ، فَجَاءَ رَجُلٌ بِتَمْرٍ فَقَالَ : أَنَا رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْكُمْ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ هَذَا التَّمْرِ ، وَتَكْتَالُوا حَتَّى تَسْتَوْفُوا فَفَعَلْنَا
انْتَهَى . قَالَتْ ذَلِكَ لِمَا ظَهَرَ لَهَا عَلَيْهِ مِنْ مَخَائِلِ الصِّدْقِ ، وَمَلَابِسِ الْوَفَاءِ .
وَرَوَى
ابْنُ مُوسَى فِي كِتَابِ الرِّدَّةِ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابْنِ إِسْحَاقَ فِي خَبَرِ
الْجُلَنْدَى مَلِكِ
عُمَانَ لَمَّا بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُوهُ إِلَى الْإِسْلَامِ ، فَقَالَ
الْجُلَنْدَى : وَاللَّهِ لَقَدْ دَلَّنِي عَلَى هَذَا النَّبِيِّ
[ ص: 405 ]
الْأُمِّيِّ أَنَّهُ لَا يَأْمُرُ بِخَيْرٍ إِلَّا كَانَ أَوَّلَ آخِذٍ بِهِ ، وَلَا يَنْهَى عَنْ شَيْءٍ إِلَّا كَانَ أَوَّلَ تَارِكٍ لَهُ وَأَنَّهُ يَغْلِبُ فَلَا يَبْطَرُ ، وَيُغْلَبُ فَلَا يَفْجُرُ ، وَيَفِي بِالْعَهْدِ وَيُنْجِزُ الْوَعْدَ ، وَأَشْهَدُ أَنَّهُ نَبِيٌّ جَمَّلَتْهُ هَذِهِ الْمَحَاسِنُ ، فَتَأَمَّلْهُ لَهَا عَلَى الْإِقْرَارِ بِنُبُوَّتِهِ .
وَقَالَ نِفْطَوَيْهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=35يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ [النُّورُ - 35] هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : يَكَادُ مَنْظَرُهُ يَدُلُّ عَلَى نُبُوَّتِهِ وَإِنْ لَمْ يَتْلُ قُرْآنًا كَمَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=82ابْنُ رَوَاحَةَ- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ- .
لَوْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ آيَاتٌ مُبَيِّنَةٌ لَكَانَ مَنْظَرُهُ يُنْبِيكَ بِالْخَبَرِ
قَالَ الْمُحَقِّقُونَ :
nindex.php?page=treesubj&link=28752الْمُعْجِزَةُ هِيَ الْأَمْرُ الْخَارِقُ لِلْعَادَةِ الْمَقْرُونُ بِالتَّحَدِّي الدَّالُّ عَلَى صِدْقِ الْأَنْبِيَاءِ- عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- الْوَاقِعُ عَلَى وَفْقِ دَعْوَى الْمُتَحَدَّى بِهَا مَعَ أَمْنِ الْمُعَارَضَةِ
nindex.php?page=treesubj&link=28752وَسُمِّيَتْ مُعْجِزَةً لِعَجْزِ الْبَشَرِ عَنِ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهَا فَعُلِمَ أَنَّ لَهَا شُرُوطًا :
أَحَدُهَا :
أَنْ تَكُونَ خَارِقَةً لِلْعَادَةِ كَانْشِقَاقِ الْقَمَرِ ، وَانْفِجَارِ الْمَاءِ مِنْ بَيْنِ الْأَصَابِعِ ، وَقَلْبِ الْعَصَا حَيَّةً ، وَإِخْرَاجِ نَاقَةٍ مِنْ صَخْرَةٍ ، فَخَرَجَ غَيْرُ الْخَارِقِ لِلْعَادَةِ كَطُلُوعِ الشَّمْسِ كُلَّ يَوْمٍ .