جماع أبواب الصلاة والسلام عليه- صلى الله عليه وسلم- زاده الله فضلا وشرفا لديه
الباب الأول في فوائد تتعلق بالآية الكريمة
منها : أنه انعقد الإجماع على أن في هذه الآية من
nindex.php?page=treesubj&link=29638_28753تعظيم الله تعالى للنبي- صلى الله عليه وسلم- والتنويه به ما ليس في غيرها» وهي مدنية ، والمقصود منها إخباره تعالى عباده بمنزلة نبيه- صلى الله عليه وسلم- عنده في الملأ الأعلى ، بأنه أثنى عليه عند الملائكة المقربين ، وأن الملائكة يصلون عليه ، ثم أمر أهل العالم السفلي بالصلاة عليه والتسليم ، ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين العلوي والسفلي جميعا ، وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=56يصلون - بصيغة المضارع الدالة على الدوام والاستمرار- ليدل على أنه-
nindex.php?page=treesubj&link=24459_24460_28754سبحانه وتعالى- وجميع الملائكة يصلون على نبينا- صلى الله عليه وسلم - دائما أبدا ، وغاية مطلوب الأولين والآخرين صلاة واحدة من الله تعالى ، وأنى لهم ذلك ؟ ! ومنها :
الكلام على اشتقاقها ومعناها لغة وشرعا ،
nindex.php?page=treesubj&link=843وللصلاة في اللغة معنيان .
أحدهما :
الدعاء والتبرك ، ومنه قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=103وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم [التوبة 103] وقوله عز وجل :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=99وصلوات الرسول [التوبة 99] وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=84ولا تصل على أحد منهم مات أبدا [التوبة 84] .
ومنه الصلاة على الجنازة ، أي : الدعاء له ، وسمي الدعاء صلاة؛ لأن قصد الداعي جميع المقاصد الجميلة ، بحسب اختلاف السائلين .
والمعنى الثاني : العبادة ، ومنه
قوله عليه الصلاة والسلام : «
nindex.php?page=hadith&LINKID=663081إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب ، فإن كان صائما فليصل » ، أي : فليدع بالبركة لهم .
وقيل : معناهما الدعاء ، وبهذا تزول الإشكالات الواردة على اسم الصلاة الشرعية ، هل هي منقولة عن موضوعها في اللغة ؟ فتكون حقيقة شرعية ، لا مجازا شرعيا ، فعلى هذا تكون الصلاة باقية على مسماها لغة ، وهو الدعاء ، والدعاء دعاء عبادة ودعاء مسألة ، والمصلي من حين تكبيره إلى سلامه بين دعاء العبادة ودعاء المسألة ، فهو في صلاة حقيقية لا مجازا ولا منقولا ، لكن خص اسم الصلاة بهذه العبادة المخصوصة بسائر الألفاظ التي تخصها أهل اللغة والصرف ببعض مسمياتها كالدابة والرأس ، فهذا غايته تخصيص اللفظ وقصره على بعض
[ ص: 410 ] موضوعه ، وهذا لا يوجب نقلا ولا خروجا عن موضوعه الأصلي ، وهو نوعان : دعاء عبادة ، ودعاء مسألة؛ فالعابد داع كالسائل ، وبهما فسر قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=60ادعوني أستجب لكم [غافر 60] فقيل : أطيعوني أثبكم .
وقيل : سلوني أعطكم .
قال
ابن القيم : والصواب أن الدعاء يعم النوعين أو غير ذلك .
واعلم أن الصلاة يختلف حالها بحسب حال المصلي والمصلى له والمصلى عليه .
فأما بالنسبة إلى حال المصلي ، فقيل : إن
nindex.php?page=treesubj&link=24458معنى صلاة الله على نبيه صلاته عليه عند ملائكته ، وصلاة الملائكة عليه الدعاء له . رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في أبي العالية .
وقيل : صلاة الرب الرحمة ، وصلاة الملائكة الاستغفار ، نقله
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي عن سفيان وغير واحد من أهل العلم ، ورجح
القرافي أن الصلاة من الله المغفرة .
وقيل : صلاته تعالى : «سبوح قدوس رب الملائكة والروح» . رواه
nindex.php?page=showalam&ids=11970ابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء بن أبي رباح في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=56إن الله وملائكته يصلون على النبي الآية .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي : هي من الله في أظهر الوجوه الرحمة ، ومن الملائكة الاستغفار ، ومن المؤمنين الدعاء .
نقل
عياض عن
أبو بكر القشيري قال : الصلاة على النبي- صلى الله عليه وسلم- تشريف وزيادة تكرمة ، وعلى من دون النبي رحمة .
وأما صلاتنا فالمراد بها التعظيم بأسباب ما ينبغي له فضل الله تعالى .
فمعنى قولنا : «اللهم صل على محمد ، اللهم أعطه في الدنيا بإعلاء ذكره ، وإظهار دينه ، وإبقاء شريعته ، وفي الآخرة تشفيعه في أمته وإجزال أجره ومثوبته ، وإبداء فضله للأولين والآخرين بالمقام المحمود ، وتقديمه على كافة المقربين الشهود ، وهذا وإن كان واجبا علينا فهو ذو درجات ومراتب ، فإذا صلى عليه أحد من أمته واستجيب دعاؤه ، جاز أن يزاد النبي- صلى الله عليه وسلم- بذلك الدعاء في كل شيء مما سميناه ، ولما لم نملك إيصال ما يعظم به أمره ، ويعلو به قدره؛ لأن ذلك إنما هو بيد الله تعالى ، أمرنا أن نصلي عليه بأن ندعو الله تعالى له بذلك ، ونبتغي من الله تعالى إيصال ذلك إليه ، قضاء لحقه ، وتقربا إلى الله تعالى ، فقد أمرنا بالمكافأة لمن أحسن إلينا ، فإن عجزنا عنه ، كافأناه بالدعاء ، فأرشدنا تعالى لما علم عجزنا عن ذلك إلى الصلاة عليه ، ليكون مكافأة لإحسانه إلينا ، قاله ابن عبد السلام .
[ ص: 411 ]
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : فائدة : الصلاة عليه ترجع إلى المصلي ، لدلالة ذلك على نصوح العقيدة وخلوص النية وإظهار المحبة ، والمداومة على الطاعة والاحترام للواسطة الكريمة .
قال
السهيلي - رحمه الله تعالى- ما حاصله : أن الله تعالى أخبر أنه هو وملائكته يصلون عليه ، وكل واحد من المؤمنين وجب أن يصلي عليه ، فوجب على كل واحد أن يباشر الصلاة عليه- صلى الله عليه وسلم- ، والصلاة عليه- صلى الله عليه وسلم- بعد موته من هذا القبيل .
وقال أيضا : صلاة الملائكة في ذلك الزمان وما تأخر جميعه محتمل لأمرين :
إما أن يكون على سبيل الأوجب ، بالنسبة إليه- صلى الله عليه وسلم- .
وإما أن يكون على سبيل الأفضل ، بالنسبة إليه ، وهو الأقرب .
وعلى الاحتمالين فالخصوصية ثابتة .
إما على الأول فواضح .
وإما على الثاني ، فلأن الأفضل في حق غيره فعلها جملة ، وليست شرطا بلا خلاف .
وقال
ابن النعمان ، عن شيخه
ابن عبد السلام ليست الصلاة على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بشفاعة منا ، فإن مثلنا لا يشفع لمثله ، لكن الله سبحانه وتعالى أمرنا بمكافأة من أنعم علينا وأحسن إلينا ، فإن عجزنا عن مكافأته دعونا له أن يكافئه عنا ، ولما عجزنا عن مكافأة سيد الأولين والآخرين ، أمرنا رب العالمين أن نرغب إليه ، بأن نصلي ، لتكون صلاتنا عليه مكافأة لإحسانه إلينا ، وإفضاله علينا ، إذ لا إحسان أفضل من إحسانه- صلى الله عليه وسلم- وعلى آله وإخوانه .
قال
السهيلي : وفي حكمها مذاهب . الاستحباب مطلقا ، قاله
ابن جرير الطبري ، وادعى الإجماع عليه ، وأوله بعض العلماء بما زاد على المرة الواحدة ، وهو متعين ، فقد نقل
ابن القصار وغيره الإجماع على أنها تجب في الجملة من غير حصر ، لكن أقل ما يحصل به الإجزاء مرة .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر : أجمع العلماء على أن الصلاة عليه فرض على كل مؤمن بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=56يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه [الأحزاب 56] .
وقيل : واجبة مرة في العمر في صلاة أو غيرها ، ككلمة التوحيد ، وحمد الله وشكره .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم ، وأبو بكر الرازي من الحنفية ، وغيرهما ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11963القرطبي المفسر : لا خلاف في أن الصلاة عليه فرض في العمر مرة ، وأنها واجبة في كل حين [من الواجبات] وجوب السنن المؤكدة ، وسبقه إلى ذلك
ابن عطية فقال :
nindex.php?page=treesubj&link=24460الصلاة على النبي- صلى الله عليه وسلم- في كل حال [ ص: 412 ] واجبة وجوب السنن المؤكدة ، التي لا يسع تركها ، ولا يغفلها إلا من لا خير فيه وقال
ابن القصار : المشهور عن أصحابنا أنها واجبة في الجملة على الإنسان ، وفرض عليه أن يأتي بها مرة في دهره ، مع القدرة على ذلك .
قال
الفاكهاني : في معنى المشهور ، أنه اشتهر من قول أصحابنا ، لا أعلم مخالفا .
وقيل : تجب في القعود آخر الصلاة ، وهو مذهب الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ومن تبعه .
وقيل : تجب في التشهد ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي nindex.php?page=showalam&ids=12418وابن راهويه .
وقيل : تجب في الصلاة من غير تعيين محل ، نقل ذلك عن
أبي بكير من المالكية .
وقيل : يجب الإكثار منها من غير تقييد بعدد ، قاله
أبو بكر بن بكير من المالكية .
وقال بعض المالكية : فرض إسلامي جملي غير متعلق بعدد ولا وقت معين .
وقيل : يجب كلما ذكر ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي وجماعة من الحنفية ،
والحليمي ، وجماعة من الشافعية .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي من المالكية : إنه الأحوط .
قيل : في كل مجلس مرة ، ولو تكرر ذكره مرارا ، حكاه
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري .
وقيل : في كل دعاء [حكاه أيضا] .
[ومنها ما روي عن
سهل بن محمد [ . . . ] آدم [ . . . ] بأمر الملائكة له بالسجود؛ لأنه لا يجوز أن يكون الله مع الملائكة في هذا التعريف ، فتشريف يصدر عنه أبلغ من تشريف يختص به الملائكة .
ومنها : ما ذكره عن
nindex.php?page=showalam&ids=12455ابن أبي الدنيا ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12523ابن أبي فديك ، سمعت بعض من أدركت يقول :
بلغنا أنه من وقف عند قبر النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال هذه الآية ثم قال : صلى الله عليك يا محمد سبعين مرة ناداه ملك : صلى الله عليك يا فلان ، لم يسقط لك حاجة] .
ومنها أنه عبر فيها بالنبي- صلى الله عليه وسلم- ، ولم يقل : على محمد ، كما وقع لغيره من الأنبياء- صلى الله عليه وسلم- لقوله : يا آدم ، يا يحيى ، يا عيسى ، يا إبراهيم؛ لما في ذلك من الفخامة والكرامة التي اختص بها عن سائر الأنبياء ، إشعارا بعلو المقدار ، وإعلاما بالتفضيل على سائر الرسل
[ ص: 413 ] الكرام ، ولما ذكر نبينا مع الخليل- صلى الله عليه وسلم- ذكر الخليل باسمه ، وذكر الحبيب بلقبه فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=68إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي [آل عمران 68] فكل موضع سماه باسمه إنما هو لمصلحة تقتضي ذلك فافهمه .
ومنها أن الأولى قد يكون الألف واللام فيه للغلبة ،
كالمدينة ، فكأنه المعروف الحقيقي به ، المقدم على سائر الأنبياء- صلى الله عليه وسلم- .
ومنها أن صلاة جميع الملائكة عليه مما خصه الله تعالى به دون سائر الأنبياء والمرسلين .
جِمَاعُ أَبْوَابِ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَادَهُ اللَّهُ فَضْلًا وَشَرَفًا لَدَيْهِ
الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي فَوَائِدَ تَتَعَلَّقُ بِالْآيَةِ الْكَرِيمَةِ
مِنْهَا : أَنَّهُ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=29638_28753تَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى لِلنَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالتَّنْوِيهِ بِهِ مَا لَيْسَ فِي غَيْرِهَا» وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهَا إِخْبَارُهُ تَعَالَى عِبَادَهُ بِمَنْزِلَةِ نَبِيِّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَهُ فِي الْمَلَأِ الْأَعْلَى ، بِأَنَّهُ أَثْنَى عَلَيْهِ عِنْدَ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ ، وَأَنَّ الْمَلَائِكَةَ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ أَمَرَ أَهْلَ الْعَالَمِ السُّفْلِيِّ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَالتَّسْلِيمِ ، لِيَجْتَمِعَ الثَّنَاءُ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الْعَالَمَيْنِ الْعُلْوِيِّ وَالسُّفْلِيِّ جَمِيعًا ، وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=56يُصَلُّونَ - بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ الدَّالَّةِ عَلَى الدَّوَامِ وَالِاسْتِمْرَارِ- لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّهُ-
nindex.php?page=treesubj&link=24459_24460_28754سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وَجَمِيعُ الْمَلَائِكَةِ يُصَلُّونَ عَلَى نَبِيِّنَا- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَائِمًا أَبَدًا ، وَغَايَةُ مَطْلُوبِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَأَنَّى لَهُمْ ذَلِكَ ؟ ! وَمِنْهَا :
الْكَلَامُ عَلَى اشْتِقَاقِهَا وَمَعْنَاهَا لُغَةً وَشَرْعًا ،
nindex.php?page=treesubj&link=843وَلِلصَّلَاةِ فِي اللُّغَةِ مَعْنَيَانِ .
أَحَدُهُمَا :
الدُّعَاءُ وَالتَّبَرُّكُ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=103وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ [التَّوْبَةُ 103] وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=99وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ [التَّوْبَةُ 99] وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=84وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا [التَّوْبَةُ 84] .
وَمِنْهُ الصَّلَاةُ عَلَى الْجِنَازَةِ ، أَيِ : الدُّعَاءُ لَهُ ، وَسُمِّيَ الدُّعَاءُ صَلَاةً؛ لِأَنَّ قَصْدَ الدَّاعِي جَمِيعُ الْمَقَاصِدِ الْجَمِيلَةِ ، بِحَسَبِ اخْتِلَافِ السَّائِلِينَ .
وَالْمَعْنَى الثَّانِي : الْعِبَادَةُ ، وَمِنْهُ
قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : «
nindex.php?page=hadith&LINKID=663081إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى طَعَامٍ فَلْيُجِبْ ، فَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ » ، أَيْ : فَلْيَدْعُ بِالْبَرَكَةِ لَهُمْ .
وَقِيلَ : مَعْنَاهُمَا الدُّعَاءُ ، وَبِهَذَا تَزُولُ الْإِشْكَالَاتُ الْوَارِدَةُ عَلَى اسْمِ الصَّلَاةِ الشَّرْعِيَّةِ ، هَلْ هِيَ مَنْقُولَةٌ عَنْ مَوْضُوعِهَا فِي اللُّغَةِ ؟ فَتَكُونُ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً ، لَا مَجَازًا شَرْعِيًّا ، فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الصَّلَاةُ بَاقِيَةً عَلَى مُسَمَّاهَا لُغَةً ، وَهُوَ الدُّعَاءُ ، وَالدُّعَاءُ دُعَاءُ عِبَادَةٍ وَدُعَاءُ مَسْأَلَةٍ ، وَالْمُصَلِّي مِنْ حِينِ تَكْبِيرِهِ إِلَى سَلَامِهِ بَيْنَ دُعَاءِ الْعِبَادَةِ وَدُعَاءِ الْمَسْأَلَةِ ، فَهُوَ فِي صَلَاةٍ حَقِيقِيَّةٍ لَا مَجَازًا وَلَا مَنْقُولًا ، لَكِنْ خُصَّ اسْمُ الصَّلَاةِ بِهَذِهِ الْعِبَادَةِ الْمَخْصُوصَةِ بِسَائِرِ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تَخُصُّهَا أَهْلُ اللُّغَةِ وَالصَّرْفِ بِبَعْضِ مُسَمَّيَاتِهَا كَالدَّابَّةِ وَالرَّأْسِ ، فَهَذَا غَايَتُهُ تَخْصِيصُ اللَّفْظِ وَقَصْرُهُ عَلَى بَعْضِ
[ ص: 410 ] مَوْضُوعِهِ ، وَهَذَا لَا يُوجِبُ نَقْلًا وَلَا خُرُوجًا عَنْ مَوْضُوعِهِ الْأَصْلِيِّ ، وَهُوَ نَوْعَانِ : دُعَاءُ عِبَادَةٍ ، وَدُعَاءُ مَسْأَلَةٍ؛ فَالْعَابِدُ دَاعٍ كَالسَّائِلِ ، وَبِهِمَا فُسِّرَ قَوْلَهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=60ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غَافِرٌ 60] فَقِيلَ : أَطِيعُونِي أُثِبْكُمْ .
وَقِيلَ : سَلُونِي أُعْطِكُمْ .
قَالَ
ابْنُ الْقَيِّمِ : وَالصَّوَابُ أَنَّ الدُّعَاءَ يَعُمُّ النَّوْعَيْنِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ .
وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّلَاةَ يَخْتَلِفُ حَالُهَا بِحَسَبِ حَالِ الْمُصَلِّي وَالْمُصَلَّى لَهُ وَالْمُصَلَّى عَلَيْهِ .
فَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى حَالِ الْمُصَلِّي ، فَقِيلَ : إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=24458مَعْنَى صَلَاةِ اللَّهِ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَاتُهُ عَلَيْهِ عِنْدَ مَلَائِكَتِهِ ، وَصَلَاةُ الْمَلَائِكَةِ عَلَيْهِ الدُّعَاءُ لَهُ . رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ فِي أَبِي الْعَالِيَةِ .
وَقِيلَ : صَلَاةُ الرَّبِّ الرَّحْمَةُ ، وَصَلَاةُ الْمَلَائِكَةِ الِاسْتِغْفَارُ ، نَقَلَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13948التِّرْمِذِيُّ عَنْ سُفْيَانَ وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ، وَرَجَّحَ
الْقَرَافِيُّ أَنَّ الصَّلَاةَ مِنَ اللَّهِ الْمَغْفِرَةُ .
وَقِيلَ : صِلَاتُهُ تَعَالَى : «سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ» . رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11970ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16568عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=56إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ الْآيَةَ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15151الْمَاوَرْدِيُّ : هِيَ مِنَ اللَّهِ فِي أَظْهَرِ الْوُجُوهِ الرَّحْمَةُ ، وَمِنَ الْمَلَائِكَةِ الِاسْتِغْفَارُ ، وَمِنَ الْمُؤْمِنِينَ الدُّعَاءُ .
نَقَلَ
عِيَاضٌ عَنْ
أَبُو بَكْرٍ الْقُشَيْرِيِّ قَالَ : الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَشْرِيفٌ وَزِيَادَةُ تَكْرُمَةٍ ، وَعَلَى مَنْ دُونَ النَّبِيِّ رَحْمَةٌ .
وَأَمَّا صَلَاتُنَا فَالْمُرَادُ بِهَا التَّعْظِيمُ بِأَسْبَابٍ مَا يَنْبَغِي لَهُ فَضْلُ اللَّهِ تَعَالَى .
فَمَعْنَى قَوْلِنَا : «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ ، اللَّهُمَّ أَعْطِهِ فِي الدُّنْيَا بِإِعْلَاءِ ذِكْرِهِ ، وَإِظْهَارِ دِينِهِ ، وَإِبْقَاءِ شَرِيعَتِهِ ، وَفِي الْآخِرَةِ تَشْفِيعَهُ فِي أُمَّتِهِ وَإِجْزَالَ أَجْرِهِ وَمَثُوبَتِهِ ، وَإِبْدَاءَ فَضْلِهِ لِلْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ بِالْمَقَامِ الْمَحْمُودِ ، وَتَقْدِيمَهُ عَلَى كَافَّةِ الْمُقَرَّبِينَ الشُّهُودِ ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْنَا فَهُوَ ذُو دَرَجَاتٍ وَمَرَاتِبَ ، فَإِذَا صَلَّى عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِهِ وَاسْتُجِيبَ دُعَاؤُهُ ، جَازَ أَنْ يُزَادَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِذَلِكَ الدُّعَاءِ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِمَّا سَمَّيْنَاهُ ، وَلَمَّا لَمْ نَمْلِكْ إِيصَالَ مَا يَعْظُمُ بِهِ أَمْرُهُ ، وَيَعْلُو بِهِ قَدْرُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ بِيَدِ اللَّهِ تَعَالَى ، أَمَرَنَا أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْهِ بِأَنْ نَدْعُوَ اللَّهَ تَعَالَى لَهُ بِذَلِكَ ، وَنَبْتَغِيَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى إِيصَالَ ذَلِكَ إِلَيْهِ ، قَضَاءً لِحَقِّهِ ، وَتَقَرُّبًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ، فَقَدْ أُمِرْنَا بِالْمُكَافَأَةِ لِمَنْ أَحْسَنَ إِلَيْنَا ، فَإِنْ عَجْزَنَا عَنْهُ ، كَافَأْنَاهُ بِالدُّعَاءِ ، فَأَرْشَدَنَا تَعَالَى لَمَّا عَلِمَ عَجْزَنَا عَنْ ذَلِكَ إِلَى الصَّلَاةِ عَلَيْهِ ، لِيَكُونَ مُكَافَأَةً لِإِحْسَانِهِ إِلَيْنَا ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ .
[ ص: 411 ]
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابْنُ الْعَرَبِيِّ : فَائِدَةٌ : الصَّلَاةُ عَلَيْهِ تَرْجِعُ إِلَى الْمُصَلِّي ، لِدَلَالَةِ ذَلِكَ عَلَى نُصُوحِ الْعَقِيدَةِ وَخُلُوصِ النِّيَّةِ وَإِظْهَارِ الْمَحَبَّةِ ، وَالْمُدَاوَمَةِ عَلَى الطَّاعَةِ وَالِاحْتِرَامِ لِلْوَاسِطَةِ الْكَرِيمَةِ .
قَالَ
السُّهَيْلِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- مَا حَاصِلُهُ : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّهُ هُوَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَجَبَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ ، فَوَجَبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يُبَاشِرَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ، وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ مَوْتِهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ .
وَقَالَ أَيْضًا : صَلَاةُ الْمَلَائِكَةِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ وَمَا تَأَخَّرَ جَمِيعُهُ مُحْتَمِلٌ لِأَمْرَيْنِ :
إِمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى سَبِيلِ الْأَوْجَبِ ، بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- .
وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى سَبِيلِ الْأَفْضَلِ ، بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ ، وَهُوَ الْأَقْرَبُ .
وَعَلَى الِاحْتِمَالَيْنِ فَالْخُصُوصِيَّةُ ثَابِتَةٌ .
إِمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَوَاضِحٌ .
وَإِمَّا عَلَى الثَّانِي ، فَلِأَنَّ الْأَفْضَلَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ فِعْلُهَا جُمْلَةً ، وَلَيْسَتْ شَرْطًا بِلَا خِلَافٍ .
وَقَالَ
ابْنُ النُّعْمَانِ ، عَنْ شَيْخِهِ
ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ لَيْسَتِ الصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِشَفَاعَةٍ مِنَّا ، فَإِنَّ مِثْلَنَا لَا يَشْفَعُ لِمِثْلِهِ ، لَكِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَمَرَنَا بِمُكَافَأَةِ مَنْ أَنْعَمَ عَلَيْنَا وَأَحْسَنَ إِلَيْنَا ، فَإِنْ عَجَزْنَا عَنْ مُكَافَأَتِهِ دَعَوْنَا لَهُ أَنْ يُكَافِئَهُ عَنَّا ، وَلَمَّا عَجَزْنَا عَنْ مُكَافَأَةِ سَيِّدِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ ، أَمَرَنَا رَبُّ الْعَالَمِينَ أَنْ نَرْغَبَ إِلَيْهِ ، بِأَنْ نُصَلِّيَ ، لِتَكُونَ صِلَاتُنَا عَلَيْهِ مُكَافَأَةً لِإِحْسَانِهِ إِلَيْنَا ، وَإِفْضَالِهِ عَلَيْنَا ، إِذْ لَا إِحْسَانَ أَفْضَلُ مِنْ إِحْسَانِهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَلَى آلِهِ وَإِخْوَانِهِ .
قَالَ
السُّهَيْلِيُّ : وَفِي حُكْمِهَا مَذَاهِبُ . الِاسْتِحْبَابُ مُطْلَقًا ، قَالَهُ
ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ ، وَادَّعَى الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ ، وَأَوَّلَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِمَا زَادَ عَلَى الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ ، وَهُوَ مُتَعَيَّنٌ ، فَقَدْ نَقَلَ
ابْنُ الْقَصَّارِ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهَا تَجِبُ فِي الْجُمْلَةِ مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ ، لَكِنَّ أَقَلَّ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِجْزَاءُ مَرَّةً .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=56يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ [الْأَحْزَابُ 56] .
وَقِيلَ : وَاجِبَةٌ مَرَّةً فِي الْعُمْرِ فِي صَلَاةٍ أَوْ غَيْرِهَا ، كَكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ ، وَحَمِدَ اللَّهَ وَشَكَرَهُ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابْنُ حَزْمٍ ، وَأَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ ، وَغَيْرِهِمَا ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11963الْقُرْطُبِيُّ الْمُفَسِّرُ : لَا خِلَافَ فِي أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ فَرْضٌ فِي الْعُمْرِ مَرَّةً ، وَأَنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي كُلِّ حِينٍ [مِنَ الْوَاجِبَاتِ] وُجُوبَ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ ، وَسَبَقَهُ إِلَى ذَلِكَ
ابْنُ عَطِيَّةَ فَقَالَ :
nindex.php?page=treesubj&link=24460الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي كُلِّ حَالٍ [ ص: 412 ] وَاجِبَةٌ وُجُوبَ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ ، الَّتِي لَا يَسَعُ تَرْكُهَا ، وَلَا يَغْفَلُهَا إِلَّا مَنْ لَا خَيْرَ فِيهِ وَقَالَ
ابْنُ الْقَصَّارِ : الْمَشْهُورُ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي الْجُمْلَةِ عَلَى الْإِنْسَانِ ، وَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا مَرَّةً فِي دَهْرِهِ ، مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى ذَلِكَ .
قَالَ
الْفَاكِهَانِيُّ : فِي مَعْنَى الْمَشْهُورِ ، أَنَّهُ اشْتُهِرَ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِنَا ، لَا أَعْلَمُ مُخَالِفًا .
وَقِيلَ : تَجِبُ فِي الْقُعُودِ آخِرَ الصَّلَاةِ ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ .
وَقِيلَ : تَجِبُ فِي التَّشَهُّدِ ، وَهُوَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشَّعْبِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=12418وَابْنِ رَاهَوَيْهِ .
وَقِيلَ : تَجِبُ فِي الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ مَحَلٍّ ، نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ
أَبِي بُكَيْرٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ .
وَقِيلَ : يَجِبُ الْإِكْثَارُ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِعَدَدٍ ، قَالَهُ
أَبُو بَكْرِ بْنُ بُكَيْرٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ .
وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ : فَرْضٌ إِسْلَامِيٌّ جُمْلِيٌّ غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ بِعَدَدٍ وَلَا وَقْتٍ مُعَيَّنٍ .
وَقِيلَ : يَجِبُ كُلَّمَا ذُكِرَ ، قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14695الطَّحَاوِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ ،
وَالْحَلِيمِيُّ ، وَجَمَاعَةٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابْنُ الْعَرَبِيِّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ : إِنَّهُ الْأَحْوَطُ .
قِيلَ : فِي كُلِّ مَجْلِسٍ مَرَّةٌ ، وَلَوْ تَكَرَّرَ ذِكْرُهُ مِرَارًا ، حَكَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ .
وَقِيلَ : فِي كُلِّ دُعَاءٍ [حَكَاهُ أَيْضًا] .
[وَمِنْهَا مَا رُوِيَ عَنْ
سَهْلِ بْنِ مُحَمَّدٍ [ . . . ] آدَمُ [ . . . ] بِأَمْرِ الْمَلَائِكَةِ لَهُ بِالسُّجُودِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ مَعَ الْمَلَائِكَةِ فِي هَذَا التَّعْرِيفِ ، فَتَشْرِيفٌ يَصْدُرُ عَنْهُ أَبْلَغُ مِنْ تَشْرِيفٍ يَخْتَصُّ بِهِ الْمَلَائِكَةَ .
وَمِنْهَا : مَا ذَكَرَهُ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12455ابْنِ أَبِي الدُّنْيَا ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12523ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ ، سَمِعْتُ بَعْضَ مَنْ أَدْرَكْتُ يَقُولُ :
بَلَغَنَا أَنَّهُ مَنْ وَقَفَ عِنْدَ قَبْرِ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ هَذِهِ الْآيَةَ ثُمَّ قَالَ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ سَبْعِينَ مَرَّةً نَادَاهُ مَلَكٌ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ يَا فُلَانُ ، لَمْ يُسْقِطْ لَكَ حَاجَةً] .
وَمِنْهَا أَنَّهُ عَبَّرَ فِيهَا بِالنَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ، وَلَمْ يَقُلْ : عَلَى مُحَمَّدٍ ، كَمَا وَقَعَ لِغَيْرِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِقَوْلِهِ : يَا آدَمُ ، يَا يَحْيَى ، يَا عِيسَى ، يَا إِبْرَاهِيمُ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْفَخَامَةِ وَالْكَرَامَةِ الَّتِي اخْتُصَّ بِهَا عَنْ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ ، إِشْعَارًا بِعُلُوِّ الْمِقْدَارِ ، وَإِعْلَامًا بِالتَّفْضِيلِ عَلَى سَائِرِ الرُّسُلِ
[ ص: 413 ] الْكِرَامِ ، وَلَمَّا ذُكِرَ نَبِيُّنَا مَعَ الْخَلِيلِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذُكِرَ الْخَلِيلُ بِاسْمِهِ ، وَذُكِرَ الْحَبِيبُ بِلَقَبِهِ فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=68إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ [آلُ عِمْرَانَ 68] فَكُلُّ مَوْضِعٍ سَمَّاهُ بِاسْمِهِ إِنَّمَا هُوَ لِمَصْلَحَةٍ تَقْتَضِي ذَلِكَ فَافْهَمْهُ .
وَمِنْهَا أَنَّ الْأَوْلَى قَدْ يَكُونُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِيهِ لِلْغَلَبَةِ ،
كَالْمَدِينَةِ ، فَكَأَنَّهُ الْمَعْرُوفُ الْحَقِيقِيُّ بِهِ ، الْمُقَدَّمُ عَلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- .
وَمِنْهَا أَنَّ صَلَاةَ جَمِيعِ الْمَلَائِكَةِ عَلَيْهِ مِمَّا خَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ دُونَ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ .