. المسألة الرابعة إن الله سبحانه خلق المكان والزمان سعة للإنسان ومجالا للعمل كما تقدم في قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=62وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا } ، وكما أن العمل في الآدمي أصل خلقي ، فكذلك الزمان للسياحة وجه خلقي أيضا ، لكن الحكمة فيه أن يقدم للدار الأخرى ، ويعتمد فيه قبل العمل ما هو به أولى وأحرى ، ولو عمره كله بالشكر والذكر ورزق على ذلك قدرة ما كان قضاء لحق النعمة ، فوضعه الله أوقاتا للعبادة ، وأوقاتا للعادة .
nindex.php?page=treesubj&link=29044فالنهار خمسة أقسام : الأول : من الصبح إلى طلوع الشمس ، محل
[ ص: 281 ] لصلاة الصبح ، وهو فسحة للفريضة ، فإن أديت كانت فيه محلا للذكر ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس [ حسا ] ، فإذا طلعت قام إلى وظيفته الآدمية حتى تبيض الشمس ، فيكون هنالك عبادة نفلية يمتد وقتها إلى أن تجد الفصال حر الشمس في الأرض ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=20758صلاة الأوابين إذا رمضت الفصال } .
وهو أيضا خلفة لمن نام عن قيام الليل ، لقوله عليه الصلاة والسلام : {
من فاته حزبه من الليل فصلاه ما بين صلاة الصبح إلى صلاة الظهر فكأنه لم يفته وهو مغمور بحال المعاش . }
[ قال الإمام ] : كنا بثغر
الإسكندرية مرابطين أياما ، وكان في أصحابنا رجل حداد ، وكان يصلي معنا الصبح ، ويذكر الله إلى طلوع الشمس ، ثم يحضر حلقة الذكر ، ثم يقوم إلى حرفته ، حتى إذا سمع النداء بالظهر رمى بالمرزبة في أثناء العمل وتركه ، وأقبل على الطهارة ، وجاء المسجد فصلى وأقام في صلاة أو ذكر حتى يصلي العصر ، ثم ينصرف إلى منزله في معاشه ، حتى إذا غابت الشمس جاء فصلى المغرب ، ثم عاد إلى فطره ، ثم يأتي المسجد فيركع أو يسمع ما يقال من العلم ، حتى إذا صلى العشاء الآخرة انصرف إلى منزله .
وهو محل للقائلة ، وهي نوم النهار المعين على قيام الليل في الصلاة أو العلم .
فإذا زالت الشمس حانت صلاة الظهر ، فإذا صار ظل كل شيء مثله حانت صلاة العصر ، فإذا غربت الشمس زال النهار بوظائفه ونوافله .
ثم يدخل الليل فتكون صلاة المغرب ، وكان ما بعدها وقتا للتطوع ، يقال إنه المراد بقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=16تتجافى جنوبهم عن المضاجع } وإنه المراد أيضا بقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=6إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا }
ثم يغيب الشفق فتدخل العشاء الآخرة ، ويمتد وقتها إلى نصف الليل أو ثلثه ، وهو محل النوم إذا صلى العشاء [ الآخرة ] إلى نصف الليل فإذا انتصف الليل فهو وقت لقيام الليل .
[ ص: 282 ]
في الحديث الصحيح : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=44320ينزل ربنا جل وعلا كل ليلة إلى السماء الدنيا إذا ذهب شطر الليل . فيقول : من يدعوني فأستجيب له ، من يسألني فأعطيه ، من يستغفرني فأغفر له ، حتى إذا ذهب ثلث الليل فهو أيضا وقت للقيام } ، لقوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=9712إذا بقي ثلث الليل ينزل ربنا إلى سماء الدنيا } الحديث .
وفي الحديث أيضا خرجه
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=9991إذا ذهب ثلث الليل الأول ينزل ربنا إلى السماء الدنيا ، فيقول : من يدعوني فأستجيب له ؟ من يسألني فأعطيه ؟ من يستغفرني فأغفر له } ؟ وعلى هذا الترتيب جاء قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=2قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا } هو إذا بقي ثلث الليل {
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=4أو زد عليه } : هو إذا ذهب ثلث الليل الأول ، وبهذا الترتيب انتظم الحديث والقرآن فإنهما ينظران من مشكاة واحدة ، حتى إذا بقي سدس الليل كان محلا للنوم ، ففي الحديث الصحيح : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=3164أن النبي صلى الله عليه وسلم حث على سنن داود في صومه وقيامه ، فقال عليه السلام : إن داود كان ينام نصف الليل ، ويقوم ثلثه ، وينام سدسه ، ثم يطلع الفجر فتعود الحالة الأولى هكذا أبدا ، ذلك تقدير العزيز العليم ، وتدبير العلي الحكيم . }
. الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ إنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ خَلَقَ الْمَكَانَ وَالزَّمَانَ سَعَةً لِلْإِنْسَانِ وَمَجَالًا لِلْعَمَلِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=62وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا } ، وَكَمَا أَنَّ الْعَمَلَ فِي الْآدَمِيِّ أَصْلٌ خِلْقِيٌّ ، فَكَذَلِكَ الزَّمَانُ لِلسِّيَاحَةِ وَجْهٌ خِلْقِيٌّ أَيْضًا ، لَكِنَّ الْحِكْمَةَ فِيهِ أَنْ يَقْدُمَ لِلدَّارِ الْأُخْرَى ، وَيَعْتَمِدَ فِيهِ قَبْلَ الْعَمَلِ مَا هُوَ بِهِ أَوْلَى وَأَحْرَى ، وَلَوْ عُمْرُهُ كُلُّهُ بِالشُّكْرِ وَالذِّكْرِ وَرُزِقَ عَلَى ذَلِكَ قُدْرَةَ مَا كَانَ قَضَاءً لِحَقِّ النِّعْمَةِ ، فَوَضَعَهُ اللَّهُ أَوْقَاتًا لِلْعِبَادَةِ ، وَأَوْقَاتًا لِلْعَادَةِ .
nindex.php?page=treesubj&link=29044فَالنَّهَارُ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ : الْأَوَّلُ : مِنْ الصُّبْحِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ ، مَحِلٌّ
[ ص: 281 ] لِصَلَاةِ الصُّبْحِ ، وَهُوَ فُسْحَةٌ لِلْفَرِيضَةِ ، فَإِنْ أُدِّيَتْ كَانَتْ فِيهِ مَحِلًّا لِلذِّكْرِ ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا صَلَّى الصُّبْحَ جَلَسَ فِي مُصَلَّاهُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ [ حِسًّا ] ، فَإِذَا طَلَعَتْ قَامَ إلَى وَظِيفَتِهِ الْآدَمِيَّةِ حَتَّى تَبْيَضَّ الشَّمْسُ ، فَيَكُونَ هُنَالِكَ عِبَادَةً نَفْلِيَّةً يَمْتَدُّ وَقْتُهَا إلَى أَنْ تَجِدَ الْفِصَالُ حَرَّ الشَّمْسِ فِي الْأَرْضِ ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=20758صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ إذَا رَمِضَتْ الْفِصَالُ } .
وَهُوَ أَيْضًا خِلْفَةٌ لِمَنْ نَامَ عَنْ قِيَامِ اللَّيْلِ ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : {
مَنْ فَاتَهُ حِزْبُهُ مِنْ اللَّيْلِ فَصَلَّاهُ مَا بَيْنَ صَلَاةِ الصُّبْحِ إلَى صَلَاةِ الظُّهْرِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَفُتْهُ وَهُوَ مَغْمُورٌ بِحَالِ الْمَعَاشِ . }
[ قَالَ الْإِمَامُ ] : كُنَّا بِثَغْرِ
الْإِسْكَنْدَرِيَّة مُرَابِطِينَ أَيَّامًا ، وَكَانَ فِي أَصْحَابِنَا رَجُلٌ حَدَّادٌ ، وَكَانَ يُصَلِّي مَعَنَا الصُّبْحَ ، وَيَذْكُرُ اللَّهَ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ ، ثُمَّ يَحْضُرَ حَلْقَةَ الذِّكْرِ ، ثُمَّ يَقُومُ إلَى حِرْفَتِهِ ، حَتَّى إذَا سَمِعَ النِّدَاءَ بِالظُّهْرِ رَمَى بِالْمِرْزَبَّةِ فِي أَثْنَاءِ الْعَمَلِ وَتَرَكَهُ ، وَأَقْبَلَ عَلَى الطَّهَارَةِ ، وَجَاءَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى وَأَقَامَ فِي صَلَاةٍ أَوْ ذِكْرٍ حَتَّى يُصَلِّيَ الْعَصْرَ ، ثُمَّ يَنْصَرِفَ إلَى مَنْزِلِهِ فِي مَعَاشِهِ ، حَتَّى إذَا غَابَتْ الشَّمْسُ جَاءَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ ، ثُمَّ عَادَ إلَى فِطْرِهِ ، ثُمَّ يَأْتِي الْمَسْجِدَ فَيَرْكَعُ أَوْ يَسْمَعُ مَا يُقَالُ مِنْ الْعِلْمِ ، حَتَّى إذَا صَلَّى الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ انْصَرَفَ إلَى مَنْزِلِهِ .
وَهُوَ مَحَلٌّ لِلْقَائِلَةِ ، وَهِيَ نَوْمُ النَّهَارِ الْمُعَيَّنِ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ الْعِلْمِ .
فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ حَانَتْ صَلَاةُ الظُّهْرِ ، فَإِذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ حَانَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ ، فَإِذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ زَالَ النَّهَارُ بِوَظَائِفِهِ وَنَوَافِلِهِ .
ثُمَّ يَدْخُلُ اللَّيْلُ فَتَكُونُ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ ، وَكَانَ مَا بَعْدَهَا وَقْتًا لِلتَّطَوُّعِ ، يُقَالُ إنَّهُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=16تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ } وَإِنَّهُ الْمُرَادُ أَيْضًا بِقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=6إنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا }
ثُمَّ يَغِيبُ الشَّفَقُ فَتَدْخُلُ الْعِشَاءُ الْآخِرَةُ ، وَيَمْتَدُّ وَقْتُهَا إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ أَوْ ثُلُثِهِ ، وَهُوَ مَحَلُّ النَّوْمِ إذَا صَلَّى الْعِشَاءَ [ الْآخِرَةَ ] إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ فَإِذَا انْتَصَفَ اللَّيْلُ فَهُوَ وَقْتٌ لِقِيَامِ اللَّيْلِ .
[ ص: 282 ]
فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=44320يَنْزِلُ رَبُّنَا جَلَّ وَعَلَا كُلَّ لَيْلَةٍ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا إذَا ذَهَبَ شَطْرُ اللَّيْلِ . فَيَقُولُ : مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ ، حَتَّى إذَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ فَهُوَ أَيْضًا وَقْتٌ لِلْقِيَامِ } ، لِقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=9712إذَا بَقِيَ ثُلُثُ اللَّيْلِ يَنْزِلُ رَبُّنَا إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا } الْحَدِيثَ .
وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا خَرَّجَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=17080مُسْلِمٌ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=9991إذَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلُ يَنْزِلُ رَبُّنَا إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا ، فَيَقُولُ : مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ } ؟ وَعَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ جَاءَ قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=2قُمْ اللَّيْلَ إلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أَوْ اُنْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا } هُوَ إذَا بَقِيَ ثُلُثُ اللَّيْلِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=4أَوْ زِدْ عَلَيْهِ } : هُوَ إذَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلُ ، وَبِهَذَا التَّرْتِيبِ انْتَظَمَ الْحَدِيثُ وَالْقُرْآنُ فَإِنَّهُمَا يَنْظُرَانِ مِنْ مِشْكَاةٍ وَاحِدَةٍ ، حَتَّى إذَا بَقِيَ سُدُسُ اللَّيْلِ كَانَ مَحَلًّا لِلنَّوْمِ ، فَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=3164أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَثَّ عَلَى سُنَنِ دَاوُد فِي صَوْمِهِ وَقِيَامِهِ ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : إنَّ دَاوُد كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ ، وَيَقُومُ ثُلُثَهُ ، وَيَنَامُ سُدُسَهُ ، ثُمَّ يَطْلُعُ الْفَجْرُ فَتَعُودُ الْحَالَةُ الْأُولَى هَكَذَا أَبَدًا ، ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ، وَتَدْبِيرُ الْعَلِيِّ الْحَكِيمِ . }