قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=140قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم وحرموا ما رزقهم الله افتراء على الله قد ضلوا وما كانوا مهتدين
أخبر بخسرانهم لوأدهم البنات وتحريمهم البحيرة وغيرها بعقولهم ; فقتلوا أولادهم سفها خوف الإملاق ، وحجروا على أنفسهم في أموالهم ولم يخشوا الإملاق ; فأبان ذلك عن تناقض رأيهم . قلت : إنه كان من العرب من يقتل ولده خشية الإملاق ; كما ذكر الله عز وجل في غير هذا
[ ص: 88 ] الموضع . وكان منهم من يقتله سفها بغير حجة منهم في قتلهم ; وهم
ربيعة ومضر ، وكانوا يقتلون بناتهم لأجل الحمية . ومنهم من يقول : الملائكة بنات الله ; فألحقوا البنات بالبنات . وروي
أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يزال مغتما بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما لك تكون محزونا ؟ فقال : يا رسول الله ، إني أذنبت ذنبا في الجاهلية فأخاف ألا يغفره الله لي وإن أسلمت ! فقال له : أخبرني عن ذنبك . فقال : يا رسول الله ، إني كنت من الذين يقتلون بناتهم ، فولدت لي بنت فتشفعت إلي امرأتي أن أتركها فتركتها حتى كبرت وأدركت ، وصارت من أجمل النساء فخطبوها ; فدخلتني الحمية ولم يحتمل قلبي أن أزوجها أو أتركها في البيت بغير زوج ، فقلت للمرأة : إني أريد أن أذهب إلى قبيلة كذا وكذا في زيارة أقربائي فابعثيها معي ، فسرت بذلك وزينتها بالثياب والحلي ، وأخذت علي المواثيق بألا أخونها ، فذهبت بها إلى رأس بئر فنظرت في البئر ففطنت الجارية أني أريد أن ألقيها في البئر ; فالتزمتني وجعلت تبكي وتقول : يا أبت ! أيش تريد أن تفعل بي ! فرحمتها ، ثم نظرت في البئر فدخلت علي الحمية ، ثم التزمتني وجعلت تقول : يا أبت لا تضيع أمانة أمي ; فجعلت مرة أنظر في البئر ومرة أنظر إليها فأرحمها ، حتى غلبني الشيطان فأخذتها وألقيتها في البئر منكوسة ، وهي تنادي في البئر : يا أبت ، قتلتني . فمكثت هناك حتى انقطع صوتها فرجعت . فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وقال : لو أمرت أن أعاقب أحدا بما فعل في الجاهلية لعاقبتك .
قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=140قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ
أَخْبَرَ بِخُسْرَانِهِمْ لِوَأْدِهِمُ الْبَنَاتِ وَتَحْرِيمِهِمُ الْبَحِيرَةَ وَغَيْرَهَا بِعُقُولِهِمْ ; فَقَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا خَوْفَ الْإِمْلَاقِ ، وَحَجَرُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ فِي أَمْوَالِهِمْ وَلَمْ يَخْشَوُا الْإِمْلَاقَ ; فَأَبَانَ ذَلِكَ عَنْ تَنَاقُضِ رَأْيِهِمْ . قُلْتُ : إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقْتُلُ وَلَدَهُ خَشْيَةَ الْإِمْلَاقِ ; كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي غَيْرِ هَذَا
[ ص: 88 ] الْمَوْضِعِ . وَكَانَ مِنْهُمْ مَنْ يَقْتُلُهُ سَفَهًا بِغَيْرِ حُجَّةٍ مِنْهُمْ فِي قَتْلِهِمْ ; وَهُمْ
رَبِيعَةُ وَمُضَرُ ، وَكَانُوا يَقْتُلُونَ بَنَاتِهِمْ لِأَجْلِ الْحَمِيَّةِ . وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ ; فَأَلْحَقُوا الْبَنَاتِ بِالْبَنَاتِ . وَرُوِيَ
أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَزَالُ مُغْتَمًّا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا لَكَ تَكُونُ مَحْزُونًا ؟ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي أَذْنَبْتُ ذَنْبًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَخَافُ أَلَّا يَغْفِرَهُ اللَّهُ لِي وَإِنْ أَسْلَمْتُ ! فَقَالَ لَهُ : أَخْبِرْنِي عَنْ ذَنْبِكَ . فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي كُنْتُ مِنَ الَّذِينَ يَقْتُلُونَ بَنَاتِهِمْ ، فَوُلِدَتْ لِي بِنْتٌ فَتَشَفَّعَتْ إِلَيَّ امْرَأَتِي أَنْ أَتْرُكَهَا فَتَرَكْتُهَا حَتَّى كَبِرَتْ وَأَدْرَكَتْ ، وَصَارَتْ مِنْ أَجْمَلِ النِّسَاءِ فَخَطَبُوهَا ; فَدَخَلَتْنِي الْحَمِيَّةُ وَلَمْ يَحْتَمِلْ قَلْبِي أَنْ أُزَوِّجَهَا أَوْ أَتْرُكَهَا فِي الْبَيْتِ بِغَيْرِ زَوْجٍ ، فَقُلْتُ لِلْمَرْأَةِ : إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَذْهَبَ إِلَى قَبِيلَةِ كَذَا وَكَذَا فِي زِيَارَةِ أَقْرِبَائِي فَابْعَثِيهَا مَعِي ، فَسُرَّتْ بِذَلِكَ وَزَيَّنَتْهَا بِالثِّيَابِ وَالْحُلِيِّ ، وَأَخَذَتْ عَلَيَّ الْمَوَاثِيقَ بِأَلَّا أَخُونَهَا ، فَذَهَبْتُ بِهَا إِلَى رَأْسِ بِئْرٍ فَنَظَرْتُ فِي الْبِئْرِ فَفَطِنَتِ الْجَارِيَةُ أَنِّي أُرِيدُ أَنْ أُلْقِيَهَا فِي الْبِئْرِ ; فَالْتَزَمَتْنِي وَجَعَلَتْ تَبْكِي وَتَقُولُ : يَا أَبَتِ ! أَيْشِ تُرِيدُ أَنْ تَفْعَلَ بِي ! فَرَحِمْتُهَا ، ثُمَّ نَظَرْتُ فِي الْبِئْرِ فَدَخَلَتْ عَلَيَّ الْحَمِيَّةُ ، ثُمَّ الْتَزَمَتْنِي وَجَعَلَتْ تَقُولُ : يَا أَبَتِ لَا تُضَيِّعْ أَمَانَةَ أُمِّي ; فَجَعَلْتُ مَرَّةً أَنْظُرُ فِي الْبِئْرِ وَمَرَّةً أَنْظُرُ إِلَيْهَا فَأَرْحَمُهَا ، حَتَّى غَلَبَنِي الشَّيْطَانُ فَأَخَذْتُهَا وَأَلْقَيْتُهَا فِي الْبِئْرِ مَنْكُوسَةً ، وَهِيَ تُنَادِي فِي الْبِئْرِ : يَا أَبَتِ ، قَتَلْتَنِي . فَمَكَثْتُ هُنَاكَ حَتَّى انْقَطَعَ صَوْتُهَا فَرَجَعْتُ . فَبَكَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ وَقَالَ : لَوْ أَمَرْتُ أَنْ أُعَاقِبَ أَحَدًا بِمَا فَعَلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَعَاقَبْتُكَ .