[ ص: 148 ] وأول مبدوء به الكلام في نزولها وفضلها وما جاء فيها ; وهكذا كل سورة إن وجدنا لها ذلك ; فنقول :
سورة البقرة مدنية ، نزلت في مدد شتى . وقيل : هي
nindex.php?page=treesubj&link=32265أول سورة نزلت بالمدينة ، إلا قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=281واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله فإنه آخر آية نزلت من السماء ، ونزلت يوم النحر في حجة الوداع
بمنى ; وآيات الربا أيضا من أواخر ما نزل من القرآن .
وهذه السورة فضلها عظيم وثوابها جسيم . ويقال لها : فسطاط القرآن ; قاله
خالد بن معدان . وذلك لعظمها وبهائها ، وكثرة أحكامها ومواعظها . وتعلمها
عمر رضي الله عنه بفقهها وما تحتوي عليه في اثنتي عشرة سنة ، وابنه
عبد الله في ثماني سنين كما تقدم .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : سمعت بعض أشياخي يقول : فيها ألف أمر وألف نهي وألف حكم وألف خبر . وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا وهم ذوو عدد وقدم عليهم أحدثهم سنا لحفظه سورة البقرة ، وقال له :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830148اذهب فأنت أميرهم أخرجه
الترمذي عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة وصححه . وروى
مسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=481أبي أمامة الباهلي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830149اقرءوا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا يستطيعها البطلة ، قال
معاوية : بلغني أن البطلة : السحرة . وروي أيضا عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830150لا تجعلوا بيوتكم مقابر إن الشيطان ينفر من البيت [ ص: 149 ] الذي تقرأ فيه سورة البقرة . وروى
الدارمي عن
عبد الله قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830151ما من بيت يقرأ فيه سورة البقرة إلا خرج منه الشيطان وله ضراط . وقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830152إن لكل شيء سناما وإن سنام القرآن سورة البقرة ، وإن لكل شيء لبابا وإن لباب القرآن المفصل . قال
أبو محمد الدارمي . اللباب : الخالص . وفي صحيح
البستي عن
سهل بن سعد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=836797إن لكل شيء سناما وإن سنام القرآن سورة البقرة ومن قرأها في بيته ليلا لم يدخل الشيطان بيته ثلاث ليال ومن قرأها نهارا لم يدخل الشيطان بيته ثلاثة أيام . قال
أبو حاتم البستي : قوله صلى الله عليه وسلم :
لم يدخل الشيطان بيته ثلاثة أيام أراد : مردة الشياطين . وروى
الدارمي في مسنده عن
الشعبي قال : قال
عبد الله : من قرأ عشر آيات من سورة البقرة في ليلة لم يدخل ذلك البيت شيطان تلك الليلة حتى يصبح ; أربعا من أولها وآية الكرسي وآيتين بعدها وثلاثا خواتيمها ، أولها : لله ما في السماوات . وعن
الشعبي عنه : لم يقربه ولا أهله يومئذ شيطان ولا شيء يكرهه ، ولا يقرأن على مجنون إلا أفاق . وقال
المغيرة بن سبيع - وكان من أصحاب
عبد الله - : لم ينس القرآن . وقال
إسحاق بن عيسى : لم ينس ما قد حفظ . قال
أبو محمد الدارمي : منهم من يقول :
المغيرة بن سميع .
وفي كتاب الاستيعاب
nindex.php?page=showalam&ids=13332لابن عبد البر : وكان
لبيد بن ربيعة بن عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة من شعراء الجاهلية ، أدرك الإسلام فحسن إسلامه وترك قول الشعر في الإسلام ، وسأله
عمر في خلافته عن شعره واستنشده ; فقرأ سورة البقرة ; فقال : إنما سألتك عن شعرك ; فقال : ما كنت لأقول بيتا من الشعر بعد إذ علمني الله البقرة وآل عمران ; فأعجب
عمر قوله ; وكان عطاؤه ألفين فزاده خمسمائة . وقد قال كثير من أهل الأخبار : إن
لبيدا لم يقل شعرا منذ أسلم . وقال بعضهم : لم يقل في الإسلام إلا قوله :
[ ص: 150 ] الحمد لله إذ لم يأتني أجلي حتى اكتسيت من الإسلام سربالا
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر : وقد قيل إن هذا البيت
لقردة بن نفاثة السلولي ، وهو أصح عندي . وقال غيره : بل البيت الذي قاله في الإسلام : ما عاتب المرء الكريم كنفسه
والمرء يصلحه القرين الصالح
وسيأتي ما ورد في آية الكرسي وخواتيم البقرة ، ويأتي في أول سورة آل عمران زيادة بيان لفضل هذه السورة ; إن شاء الله تعالى .
[ ص: 148 ] وَأَوَّلُ مَبْدُوءٍ بِهِ الْكَلَامُ فِي نُزُولِهَا وَفَضْلِهَا وَمَا جَاءَ فِيهَا ; وَهَكَذَا كُلُّ سُورَةٍ إِنْ وَجَدْنَا لَهَا ذَلِكَ ; فَنَقُولُ :
سُورَةُ الْبَقَرَةِ مَدَنِيَّةٌ ، نَزَلَتْ فِي مُدَدٍ شَتَّى . وَقِيلَ : هِيَ
nindex.php?page=treesubj&link=32265أَوَّلُ سُورَةٍ نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ ، إِلَّا قَوْلَهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=281وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ فَإِنَّهُ آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ مِنَ السَّمَاءِ ، وَنَزَلَتْ يَوْمَ النَّحْرِ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ
بِمِنًى ; وَآيَاتُ الرِّبَا أَيْضًا مِنْ أَوَاخِرِ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ .
وَهَذِهِ السُّورَةُ فَضْلُهَا عَظِيمٌ وَثَوَابُهَا جَسِيمٌ . وَيُقَالُ لَهَا : فُسْطَاطُ الْقُرْآنِ ; قَالَهُ
خَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ . وَذَلِكَ لِعِظَمِهَا وَبِهَائِهَا ، وَكَثْرَةِ أَحْكَامِهَا وَمَوَاعِظِهَا . وَتَعَلَّمَهَا
عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِفِقْهِهَا وَمَا تَحْتَوِي عَلَيْهِ فِي اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً ، وَابْنُهُ
عَبْدُ اللَّهِ فِي ثَمَانِي سِنِينَ كَمَا تَقَدَّمَ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابْنُ الْعَرَبِيِّ : سَمِعْتُ بَعْضَ أَشْيَاخِي يَقُولُ : فِيهَا أَلْفُ أَمْرٍ وَأَلْفُ نَهْيٍ وَأَلْفُ حُكْمٍ وَأَلْفُ خَبَرٍ . وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْثًا وَهُمْ ذَوُو عَدَدٍ وَقَدَّمَ عَلَيْهِمْ أَحْدَثَهُمْ سِنًّا لِحِفْظِهِ سُورَةَ الْبَقَرَةِ ، وَقَالَ لَهُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830148اذْهَبْ فَأَنْتَ أَمِيرُهُمْ أَخْرَجَهُ
التِّرْمِذِيُّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ وَصَحَّحَهُ . وَرَوَى
مُسْلِمٌ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=481أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830149اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ وَلَا يَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ ، قَالَ
مُعَاوِيَةُ : بَلَغَنِي أَنَّ الْبَطَلَةَ : السَّحَرَةُ . وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830150لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ الْبَيْتِ [ ص: 149 ] الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ . وَرَوَى
الدَّارِمِيُّ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830151مَا مِنْ بَيْتٍ يُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ إِلَّا خَرَجَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ . وَقَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=830152إِنَّ لِكُلِ شَيْءٍ سَنَامًا وَإِنَّ سَنَامَ الْقُرْآنِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ ، وَإِنَّ لِكُلِ شَيْءٍ لُبَابًا وَإِنَّ لُبَابَ الْقُرْآنِ الْمُفَصَّلُ . قَالَ
أَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ . اللُّبَابُ : الْخَالِصُ . وَفِي صَحِيحِ
الْبَسْتِيِّ عَنْ
سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=836797إِنَّ لِكُلِ شَيْءٍ سَنَامًا وَإِنَّ سَنَامَ الْقُرْآنِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَمَنْ قَرَأَهَا فِي بَيْتِهِ لَيْلًا لَمْ يَدْخُلِ الشَّيْطَانُ بَيْتَهُ ثَلَاثَ لَيَالٍ وَمَنْ قَرَأَهَا نَهَارًا لَمْ يَدْخُلِ الشَّيْطَانُ بَيْتَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ . قَالَ
أَبُو حَاتِمٍ الْبَسْتِيُّ : قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
لَمْ يَدْخُلِ الشَّيْطَانُ بَيْتَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَرَادَ : مَرَدَةَ الشَّيَاطِينِ . وَرَوَى
الدَّارِمِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنِ
الشَّعْبِيِّ قَالَ : قَالَ
عَبْدُ اللَّهِ : مَنْ قَرَأَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ لَمْ يَدْخُلْ ذَلِكَ الْبَيْتَ شَيْطَانٌ تِلْكَ اللَّيْلَةَ حَتَّى يُصْبِحَ ; أَرْبَعًا مِنْ أَوَّلِهَا وَآيَةَ الْكُرْسِيِّ وَآيَتَيْنِ بَعْدَهَا وَثَلَاثًا خَوَاتِيمَهَا ، أَوَّلُهَا : لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ . وَعَنِ
الشَّعْبِيِّ عَنْهُ : لَمْ يَقْرَبْهُ وَلَا أَهْلَهُ يَوْمَئِذٍ شَيْطَانٌ وَلَا شَيْءٌ يَكْرَهُهُ ، وَلَا يُقْرَأْنَ عَلَى مَجْنُونٍ إِلَّا أَفَاقَ . وَقَالَ
الْمُغِيرَةُ بْنُ سُبَيْعٍ - وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ
عَبْدِ اللَّهِ - : لَمْ يَنْسَ الْقُرْآنَ . وَقَالَ
إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى : لَمْ يَنْسَ مَا قَدْ حَفِظَ . قَالَ
أَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ : مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ :
الْمُغِيرَةُ بْنُ سُمَيْعٍ .
وَفِي كِتَابِ الِاسْتِيعَابِ
nindex.php?page=showalam&ids=13332لِابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ : وَكَانَ
لَبِيَدُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ كِلَابِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ مِنْ شُعَرَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ ، أَدْرَكَ الْإِسْلَامَ فَحَسُنَ إِسْلَامُهُ وَتَرَكَ قَوْلَ الشِّعْرِ فِي الْإِسْلَامِ ، وَسَأَلَهُ
عُمَرُ فِي خِلَافَتِهِ عَنْ شِعْرِهِ وَاسْتَنْشَدَهُ ; فَقَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ ; فَقَالَ : إِنَّمَا سَأَلْتُكَ عَنْ شِعْرِكَ ; فَقَالَ : مَا كُنْتُ لِأَقُولَ بَيْتًا مِنَ الشِّعْرِ بَعْدَ إِذْ عَلَّمَنِي اللَّهُ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ ; فَأَعْجَبَ
عُمَرَ قَوْلُهُ ; وَكَانَ عَطَاؤُهُ أَلْفَيْنِ فَزَادَهُ خَمْسَمِائَةٍ . وَقَدْ قَالَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْأَخْبَارِ : إِنَّ
لَبِيدًا لَمْ يَقُلْ شِعْرًا مُنْذُ أَسْلَمَ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَمْ يَقُلْ فِي الْإِسْلَامِ إِلَّا قَوْلَهُ :
[ ص: 150 ] الْحَمْدُ لِلَّهِ إِذْ لَمْ يَأْتِنِي أَجَلِي حَتَّى اكْتَسَيْتُ مِنَ الْإِسْلَامِ سِرْبَالَا
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : وَقَدْ قِيلَ إِنَّ هَذَا الْبَيْتَ
لِقَرَدَةَ بْنِ نُفَاثَةَ السَّلُولِيِّ ، وَهُوَ أَصَحُّ عِنْدِي . وَقَالَ غَيْرُهُ : بَلِ الْبَيْتُ الَّذِي قَالَهُ فِي الْإِسْلَامِ : مَا عَاتَبَ الْمَرْءَ الْكَرِيمَ كَنَفْسِهِ
وَالْمَرْءُ يُصْلِحُهُ الْقَرِينُ الصَّالِحُ
وَسَيَأْتِي مَا وَرَدَ فِي آيَةِ الْكُرْسِيِّ وَخَوَاتِيمِ الْبَقَرَةِ ، وَيَأْتِي فِي أَوَّلِ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ زِيَادَةُ بَيَانٍ لِفَضْلِ هَذِهِ السُّورَةِ ; إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .