قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=139وإن يونس لمن المرسلين إذ أبق إلى الفلك المشحون فساهم فكان من المدحضين فالتقمه الحوت وهو مليم فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون .
فيه ثمان مسائل : الأولى :
nindex.php?page=treesubj&link=29008قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=139وإن يونس لمن المرسلين يونس هو ذو النون ، وهو ابن
متى ، وهو ابن العجوز التي نزل عليها
إلياس ، فاستخفى عندها من قومه ستة أشهر
ويونس صبي يرضع ، وكانت أم
يونس تخدمه بنفسها وتؤانسه ، ولا تدخر عنه كرامة تقدر عليها . ثم إن
إلياس سئم ضيق البيوت فلحق بالجبال ، ومات ابن المرأة
يونس ، فخرجت في أثر
إلياس تطوف وراءه في الجبال حتى وجدته ، فسألته أن يدعو الله لها لعله يحيي لها ولدها ، فجاء
إلياس إلى الصبي بعد أربعة عشر يوما من موته ، فتوضأ وصلى ودعا الله فأحيا الله
يونس بن متى بدعوة
إلياس عليه السلام . وأرسل الله
يونس إلى أهل نينوى من أرض
الموصل وكانوا يعبدون الأصنام ثم تابوا ، حسبما تقدم بيانه في سورة [ يونس ] ومضى في [ الأنبياء ] قصة
يونس في خروجه مغاضبا . واختلف في
nindex.php?page=treesubj&link=31975رسالته هل كانت قبل التقام الحوت إياه أو بعده . قال
الطبري عن
nindex.php?page=showalam&ids=16128شهر بن حوشب : إن
جبريل - عليه السلام - أتى
يونس فقال : انطلق إلى أهل نينوى فأنذرهم أن العذاب قد حضرهم . قال : ألتمس دابة . قال : الأمر أعجل من ذلك . قال : ألتمس حذاء . قال : الأمر أعجل من ذلك . قال : فغضب فانطلق إلى السفينة فركب ، فلما ركب السفينة احتبست السفينة لا تتقدم ولا تتأخر . قال : فتساهموا ، قال : فسهم ، فجاء الحوت يبصبص بذنبه ، فنودي الحوت : أيا حوت! إنا لم نجعل لك
يونس رزقا ، إنما جعلناك له حرزا ومسجدا . قال : فالتقمه الحوت من ذلك المكان حتى مر به إلى
الأبلة ، ثم انطلق به حتى مر به على
دجلة ، ثم انطلق
[ ص: 110 ] حتى ألقاه في
نينوى . حدثنا
الحارث قال حدثنا
الحسن قال حدثنا
أبو هلال قال حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16128شهر بن حوشب عن
ابن عباس قال : إنما كانت رسالة
يونس بعد ما نبذه الحوت ، واستدل هؤلاء بأن الرسول لا يخرج مغاضبا لربه ، فكان ما جرى منه قبل النبوة . وقال آخرون : كان ذلك منه بعد دعائه من أرسل إليهم إلى ما أمره الله بدعائهم إليه ، وتبليغه إياهم رسالة ربه ، ولكنه وعدهم نزول ما كان حذرهم من بأس الله في وقت وقته لهم ، ففارقهم إذ لم يتوبوا ولم يراجعوا طاعة الله ، فلما أظل القوم العذاب وغشيهم - كما قال الله تعالى في تنزيله - تابوا إلى الله ، فرفع الله العذاب عنهم ، وبلغ
يونس سلامتهم وارتفاع العذاب الذي كان وعدهموه فغضب من ذلك وقال : وعدتهم وعدا فكذب وعدي . فذهب مغاضبا ربه وكره الرجوع إليهم ، وقد جربوا عليه الكذب ، رواه
سعيد بن جبير عن
ابن عباس . وقد مضى هذا في [ الأنبياء ] وهو الصحيح على ما يأتي عند قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=147وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون ولم ينصرف
يونس ; لأنه اسم أعجمي ، ولو كان عربيا لانصرف وإن كانت في أوله الياء ; لأنه ليس في الأفعال " يفعل " كما أنك إذا سميت بيعفر صرفته ، وإن سميت بيعفر لم تصرفه .
الثانية : قوله تعالى : إذ أبق قال
المبرد : أصل أبق تباعد ، ومنه غلام آبق . وقال غيره : إنما قيل
ليونس أبق ; لأنه خرج بغير أمر الله - عز وجل - مستترا من الناس . إلى الفلك المشحون أي المملوءة ، والفلك يذكر ويؤنث ويكون واحدا وجمعا ، وقد تقدم . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14155الترمذي الحكيم : سماه آبقا لأنه أبق عن العبودية ، وإنما العبودية ترك الهوى وبذل النفس عند أمور الله ، فلما لم يبذل النفس عندما اشتدت عليه العزمة من الملك حسبما تقدم بيانه في [ الأنبياء ] ، وآثر هواه لزمه اسم الآبق ، وكانت عزمة الملك في أمر الله لا في أمر نفسه ، وبحظ حق الله لا بحظ نفسه ، فتحرى
يونس فلم يصب الصواب الذي عند الله ، فسماه آبقا ومليما .
الثالثة : قوله تعالى : " فساهم " قال
المبرد : فقارع ، قال : وأصله من السهام التي تجال . فكان من المدحضين قال : من المغلوبين . قال
الفراء : دحضت حجته وأدحضها الله . وأصله من الزلق ، قال الشاعر :
قتلنا المدحضين بكل فج فقد قرت بقتلهم العيون
[ ص: 111 ] أي : المغلوبين .
الرابعة :
nindex.php?page=treesubj&link=31975_29008قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=142فالتقمه الحوت وهو مليم أي أتى بما يلام عليه . فأما الملوم فهو الذي يلام ، استحق ذلك أو لم يستحق . وقيل : المليم المعيب . يقال : لام الرجل إذا عمل شيئا فصار معيبا بذلك العمل .
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=143فلولا أنه كان من المسبحين قال
الكسائي : لم تكسر " أن " لدخول اللام ; لأن اللام ليست لها .
النحاس : والأمر كما قال ، إنما اللام في جواب لولا .
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=143فلولا أنه كان من المسبحين أي : من المصلين
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=144للبث في بطنه إلى يوم يبعثون أي عقوبة له ، أي : يكون بطن الحوت قبرا له إلى يوم القيامة . واختلف كم أقام في بطن الحوت . فقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي والكلبي nindex.php?page=showalam&ids=17131ومقاتل بن سليمان : أربعين يوما .
الضحاك : عشرين يوما .
عطاء : سبعة أيام .
مقاتل بن حيان : ثلاثة أيام . وقيل : ساعة واحدة . والله أعلم .
الخامسة : روى
الطبري من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=864822لما أراد الله تعالى ذكره - حبس يونس في بطن الحوت أوحى الله إلى الحوت أن خذه ولا تخدش لحما ، ولا تكسر عظما ، فأخذه ثم هوى به إلى مسكنه من البحر ، فلما انتهى به إلى أسفل البحر سمع يونس حسا فقال في نفسه : ما هذا ؟ فأوحى الله تبارك وتعالى إليه وهو في بطن الحوت : ( إن هذا تسبيح دواب البحر ) قال : ( فسبح وهو في بطن الحوت ) قال : ( فسمعت الملائكة تسبيحه فقالوا : يا ربنا إنا نسمع صوتا ضعيفا بأرض غريبة ) قال : ( ذلك عبدي يونس عصاني فحبسته في بطن الحوت في البحر ) قالوا : العبد الصالح الذي كان يصعد إليك منه في كل يوم وليلة عمل صالح ؟ قال نعم . فشفعوا له عند ذلك فأمر الحوت بقذفه في الساحل ، كما قال تعالى : وهو سقيم . وكان سقمه الذي وصفه به الله - تعالى ذكره - أنه ألقاه الحوت على الساحل كالصبي المنفوس قد نشر اللحم والعظم . وقد روي : أن الحوت سار مع السفينة رافعا رأسه يتنفس فيه
يونس ويسبح ، ولم يفارقهم حتى انتهوا إلى البر ، فلفظه سالما لم يتغير منه شيء فأسلموا ، ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري في تفسيره . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : أخبرني غير واحد من أصحابنا عن
إمام الحرمين أبي المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني : أنه سئل عن الباري في جهة ؟ فقال : لا ، هو يتعالى عن ذلك . قيل له : ما الدليل عليه ؟ قال : الدليل عليه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831004لا تفضلوني على يونس بن متى فقيل له : ما وجه الدليل في هذا الخبر ؟ فقال : لا أقوله حتى يأخذ ضيفي هذا ألف دينار يقضي بها دينا . فقام رجلان فقالا : هي علينا . فقال : لا يتبع بها اثنين ; لأنه يشق عليه . فقال واحد : هي علي . فقال : إن
يونس بن متى رمى بنفسه
[ ص: 112 ] في البحر فالتقمه الحوت ، فصار في قعر البحر في ظلمات ثلاث ، ونادى
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=87لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين كما أخبر الله عنه ، ولم يكن
محمد - صلى الله عليه وسلم - حين جلس على الرفرف الأخضر وارتقى به صعدا ، حتى انتهى به إلى موضع يسمع فيه صريف الأقلام ، وناجاه ربه بما ناجاه به ، وأوحى إليه ما أوحى بأقرب إلى الله تعالى من
يونس في بطن الحوت في ظلمة البحر .
السادسة : ذكر
الطبري : أن
يونس - عليه السلام - لما ركب في السفينة أصاب أهلها عاصف من الريح ، فقالوا : هذه بخطيئة أحدكم . فقال
يونس وعرف أنه هو صاحب الذنب : هذه خطيئتي فألقوني في البحر ، وأنهم أبوا عليه حتى أفاضوا بسهامهم .
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=141فساهم فكان من المدحضين فقال لهم : قد أخبرتكم أن هذا الأمر بذنبي . وأنهم أبوا عليه حتى أفاضوا بسهامهم الثانية فكان من المدحضين ، وأنهم أبوا أن يلقوه في البحر حتى أعادوا سهامهم الثالثة فكان من المدحضين . فلما رأى ذلك ألقى نفسه في البحر ، وذلك تحت الليل فابتلعه الحوت . وروي أنه لما ركب في السفينة تقنع ورقد فساروا غير بعيد إذ جاءتهم ريح كادت السفينة أن تغرق ، فاجتمع أهل السفينة فدعوا فقالوا : أيقظوا الرجل النائم يدعو معنا ، فدعا الله معهم فرفع الله عنهم تلك الريح . ثم انطلق
يونس إلى مكانه فرقد ، فجاءت ريح كادت السفينة أن تغرق ، فأيقظوه ودعوا الله فارتفعت الريح . قال : فبينما هم كذلك إذ رفع حوت عظيم رأسه إليهم أراد أن يبتلع السفينة ، فقال لهم
يونس : يا قوم هذا من أجلي ، فلو طرحتموني في البحر لسرتم ولذهب الريح عنكم والروع . قالوا : لا نطرحك حتى نتساهم ، فمن وقعت عليه رميناه في البحر . قال : فتساهموا فوقع على
يونس ، فقال لهم : يا قوم اطرحوني ، فمن أجلي أوتيتم ، فقالوا : لا نفعل حتى نتساهم مرة أخرى . ففعلوا فوقع على
يونس . فقال لهم : يا قوم اطرحوني ، فمن أجلي أوتيتم ، فذلك قول الله - عز وجل - :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=141فساهم فكان من المدحضين أي : وقع السهم عليه ، فانطلقوا به إلى صدر السفينة ليلقوه في البحر ، فإذا الحوت فاتح فاه ، ثم جاءوا به إلى جانب السفينة ، فإذا بالحوت ، ثم رجعوا به إلى الجانب الآخر ، فإذا بالحوت فاتح فاه ، فلما رأى ذلك ألقى بنفسه فالتقمه الحوت ، فأوحى الله تعالى إلى الحوت : إني لم أجعله لك رزقا ، ولكن جعلت بطنك له وعاء . فمكث في بطن الحوت أربعين ليلة فنادى في الظلمات :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=87أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين . فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين وقد تقدم ويأتي . ففي هذا من الفقه أن القرعة كانت معمولا بها في شرع
[ ص: 113 ] من قبلنا ، وجاءت في شرعنا على ما تقدم في [ آل عمران ] قال
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : وقد
nindex.php?page=treesubj&link=15793وردت القرعة في الشرع في ثلاثة مواطن . الأول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831005كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه ، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه . الثاني : أن النبي - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=hadith&LINKID=831006رفع إليه أن رجلا أعتق ستة أعبد لا مال له غيرهم ، فأقرع بينهم ، فأعتق اثنين وأرق أربعة . الثالث : أن
nindex.php?page=hadith&LINKID=864825رجلين اختصما إليه في مواريث قد درست فقال : ( اذهبا وتوخيا الحق ، واستهما ، وليحلل كل واحد منكما صاحبه ) . فهذه ثلاثة مواطن ، وهي القسم في النكاح ، والعتق ، والقسمة ، وجريان القرعة فيها لرفع الإشكال وحسم داء التشهي . واختلف علماؤنا في
nindex.php?page=treesubj&link=17891_15793القرعة بين الزوجات في الغزو على قولين ، الصحيح منهما الإقراع ، وبه قال فقهاء الأمصار . وذلك أن السفر بجميعهن لا يمكن ، واختيار واحدة منهن إيثار ، فلم يبق إلا القرعة . وكذلك في مسألة الأعبد الستة ، فإن كل اثنين منهما ثلث ، وهو القدر الذي يجوز له فيه العتق في مرض الموت ، وتعيينهما بالتشهي لا يجوز شرعا ، فلم يبق إلا القرعة . وكذلك
nindex.php?page=treesubj&link=15793التشاجر إذا وقع في أعيان المواريث لم يميز الحق إلا القرعة ، فصارت أصلا في تعيين المستحق إذا أشكل . قال : والحق عندي أن تجرى في كل مشكل ، فذلك أبين لها وأقوى لفصل الحكم فيها ، وأجلى لرفع الإشكال عنها ، ولذلك قلنا : إن
nindex.php?page=treesubj&link=15793القرعة بين الزوجات في الطلاق كالقرعة بين الإماء في العتق .
السابعة :
nindex.php?page=treesubj&link=15793الاقتراع على إلقاء الآدمي في البحر لا يجوز . وإنما كان ذلك في
يونس وزمانه مقدمة لتحقيق برهانه ، وزيادة في إيمانه ، فإنه
nindex.php?page=treesubj&link=10667لا يجوز لمن كان عاصيا أن يقتل ولا يرمى به في النار أو البحر ، وإنما تجرى عليه الحدود والتعزير على مقدار جنايته . وقد ظن بعض الناس أن البحر إذا هال على القوم فاضطروا إلى تخفيف السفينة أن القرعة تضرب عليهم ، فيطرح
[ ص: 114 ] بعضهم تخفيفا ، وهذا فاسد ، فإنها لا تخف برمي بعض الرجال ، وإنما ذلك في الأموال ، ولكنهم يصبرون على قضاء الله عز وجل .
الثامنة : أخبر الله - عز وجل - أن
يونس كان من المسبحين ، وأن تسبيحه كان سبب نجاته ، ولذلك قيل : إن
nindex.php?page=treesubj&link=29680_30531العمل الصالح يرفع صاحبه إذا عثر . قال
ابن عباس :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=143من المسبحين من المصلين . قال
قتادة : كان يصلي قبل ذلك لحفظ الله - عز وجل - له فنجاه . وقال
الربيع بن أنس : لولا أنه كان له قبل ذلك عمل صالح
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=144للبث في بطنه إلى يوم يبعثون قال : ومكتوب في الحكمة - إن العمل الصالح يرفع ربه إذا عثر . وقال
مقاتل : من المسبحين من المصلين المطيعين قبل المعصية . وقال
وهب : من العابدين . وقال
الحسن : ما كان له صلاة في بطن الحوت ، ولكنه قدم عملا صالحا في حال الرخاء فذكره الله به في حال البلاء ، وإن العمل الصالح ليرفع صاحبه ، وإذا عثر وجد متكأ .
قلت : ومن هذا المعنى قوله - صلى الله عليه وسلم - :
من استطاع منكم أن تكون له خبيئة من عمل صالح فليفعل فيجتهد العبد ، ويحرص على خصلة من صالح عمله ، يخلص فيها بينه وبين ربه ، ويدخرها ليوم فاقته وفقره ، ويخبئها بجهده ، ويسترها عن خلقه ، يصل إليه نفعها أحوج ما كان إليه . وقد خرج
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ومسلم من حديث
ابن عمر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=864827بينما ثلاثة نفر - في رواية : ممن كان قبلكم - يتماشون أخذهم المطر فأووا إلى غار في جبل فانحطت على فم الغار صخرة من الجبل فانطبقت عليهم ، فقال بعضهم لبعض : انظروا أعمالا عملتموها صالحة لله فادعوا الله بها لعله يفرجها عنكم الحديث بكماله ، وهو مشهور ، شهرته أغنت عن تمامه . وقال
سعيد بن جبير : لما قال في بطن الحوت :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=87لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين قذفه الحوت . وقيل : من المسبحين من المصلين في بطن الحوت .
قلت : والأظهر أنه تسبيح اللسان الموافق للجنان ، وعليه يدل حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة المذكور قبل الذي ذكره
الطبري . قال : فسبح في بطن الحوت . قال : فسمعت الملائكة تسبيحه ، فقالوا : يا ربنا إنا نسمع صوتا ضعيفا بأرض غريبة . وتكون " كان " على هذا القول زائدة ، أي : فلولا أنه من المسبحين . وفي كتاب
أبي داود عن
nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
[ ص: 115 ] nindex.php?page=hadith&LINKID=831007دعاء ذي النون في بطن الحوت nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=87لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين لم يدع به رجل مسلم في شيء قط إلا استجيب له وقد مضى هذا في سورة [ الأنبياء ]
فيونس - عليه السلام - كان قبل مصليا مسبحا ، وفي بطن الحوت كذلك . وفي الخبر : فنودي الحوت : إنا لم نجعل
يونس لك رزقا ، إنما جعلناك له حرزا ومسجدا . وقد تقدم .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=139وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمٍ يُبْعَثُونَ .
فِيهِ ثَمَانُ مَسَائِلَ : الْأُولَى :
nindex.php?page=treesubj&link=29008قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=139وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ يُونُسُ هُوَ ذُو النُّونِ ، وَهُوَ ابْنُ
مَتَّى ، وَهُوَ ابْنُ الْعَجُوزِ الَّتِي نَزَلَ عَلَيْهَا
إِلْيَاسُ ، فَاسْتَخْفَى عِنْدَهَا مِنْ قَوْمِهِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ
وَيُونُسُ صَبِيٌّ يَرْضَعُ ، وَكَانَتْ أُمُّ
يُونُسَ تَخْدُمُهُ بِنَفْسِهَا وَتُؤَانِسُهُ ، وَلَا تَدَّخِرُ عَنْهُ كَرَامَةً تَقْدِرُ عَلَيْهَا . ثُمَّ إِنَّ
إِلْيَاسَ سَئِمَ ضِيقَ الْبُيُوتِ فَلَحِقَ بِالْجِبَالِ ، وَمَاتَ ابْنُ الْمَرْأَةِ
يُونُسُ ، فَخَرَجَتْ فِي أَثَرِ
إِلْيَاسَ تَطُوفُ وَرَاءَهُ فِي الْجِبَالِ حَتَّى وَجَدَتْهُ ، فَسَأَلَتْهُ أَنْ يَدْعُوَ اللَّهُ لَهَا لَعَلَّهُ يُحْيِي لَهَا وَلَدَهَا ، فَجَاءَ
إِلْيَاسُ إِلَى الصَّبِيِّ بَعْدَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْ مَوْتِهِ ، فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى وَدَعَا اللَّهَ فَأَحْيَا اللَّهُ
يُونُسَ بْنَ مَتَّى بِدَعْوَةِ
إِلْيَاسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ . وَأَرْسَلَ اللَّهُ
يُونُسَ إِلَى أَهْلِ نِينَوَى مِنْ أَرْضِ
الْمَوْصِلِ وَكَانُوا يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ ثُمَّ تَابُوا ، حَسْبَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي سُورَةِ [ يُونُسَ ] وَمَضَى فِي [ الْأَنْبِيَاءِ ] قِصَّةُ
يُونُسَ فِي خُرُوجِهِ مُغَاضِبًا . وَاخْتُلِفَ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=31975رِسَالَتِهِ هَلْ كَانَتْ قَبْلَ الْتِقَامِ الْحُوتِ إِيَّاهُ أَوْ بَعْدَهُ . قَالَ
الطَّبَرِيُّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16128شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ : إِنَّ
جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَتَى
يُونُسَ فَقَالَ : انْطَلِقْ إِلَى أَهْلِ نِينَوَى فَأَنْذِرْهُمْ أَنَّ الْعَذَابَ قَدْ حَضَرَهُمْ . قَالَ : أَلْتَمِسُ دَابَّةً . قَالَ : الْأَمْرُ أَعْجَلُ مِنْ ذَلِكَ . قَالَ : أَلْتَمِسُ حِذَاءً . قَالَ : الْأَمْرُ أَعْجَلُ مِنْ ذَلِكَ . قَالَ : فَغَضِبَ فَانْطَلَقَ إِلَى السَّفِينَةِ فَرَكِبَ ، فَلَمَّا رَكِبَ السَّفِينَةَ احْتَبَسَتِ السَّفِينَةُ لَا تَتَقَدَّمُ وَلَا تَتَأَخَّرُ . قَالَ : فَتَسَاهَمُوا ، قَالَ : فَسُهِمَ ، فَجَاءَ الْحُوتُ يُبَصْبِصُ بِذَنَبِهِ ، فَنُودِيَ الْحُوتُ : أَيَا حُوتُ! إِنَّا لَمْ نَجْعَلْ لَكَ
يُونُسَ رِزْقًا ، إِنَّمَا جَعَلْنَاكَ لَهُ حِرْزًا وَمَسْجِدًا . قَالَ : فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ حَتَّى مَرَّ بِهِ إِلَى
الْأُبُلَّةِ ، ثُمَّ انْطَلَقَ بِهِ حَتَّى مَرَّ بِهِ عَلَى
دِجْلَةَ ، ثُمَّ انْطَلَقَ
[ ص: 110 ] حَتَّى أَلْقَاهُ فِي
نِينَوَى . حَدَّثَنَا
الْحَارِثُ قَالَ حَدَّثَنَا
الْحَسَنُ قَالَ حَدَّثَنَا
أَبُو هِلَالٍ قَالَ حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=16128شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : إِنَّمَا كَانَتْ رِسَالَةُ
يُونُسَ بَعْدَ مَا نَبَذَهُ الْحُوتُ ، وَاسْتَدَلَّ هَؤُلَاءِ بِأَنَّ الرَّسُولَ لَا يَخْرُجُ مُغَاضِبًا لِرَبِّهِ ، فَكَانَ مَا جَرَى مِنْهُ قَبْلَ النُّبُوَّةِ . وَقَالَ آخَرُونَ : كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ بَعْدَ دُعَائِهِ مَنْ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ إِلَى مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِدُعَائِهِمْ إِلَيْهِ ، وَتَبْلِيغِهِ إِيَّاهُمْ رِسَالَةَ رَبِّهِ ، وَلَكِنَّهُ وَعَدَهُمْ نُزُولَ مَا كَانَ حَذَّرَهُمْ مِنْ بَأْسِ اللَّهِ فِي وَقْتٍ وَقَّتَهُ لَهُمْ ، فَفَارَقَهُمْ إِذْ لَمْ يَتُوبُوا وَلَمْ يُرَاجِعُوا طَاعَةَ اللَّهِ ، فَلَمَّا أَظَلَّ الْقَوْمَ الْعَذَابُ وَغَشِيَهُمْ - كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي تَنْزِيلِهِ - تَابُوا إِلَى اللَّهِ ، فَرَفَعَ اللَّهُ الْعَذَابَ عَنْهُمْ ، وَبَلَغَ
يُونُسَ سَلَامَتُهُمْ وَارْتِفَاعُ الْعَذَابِ الَّذِي كَانَ وَعَدَهُمُوهُ فَغَضِبَ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ : وَعَدْتُهُمْ وَعْدًا فَكَذَبَ وَعْدِي . فَذَهَبَ مُغَاضِبًا رَبَّهُ وَكَرِهَ الرُّجُوعَ إِلَيْهِمْ ، وَقَدْ جَرَّبُوا عَلَيْهِ الْكَذِبَ ، رَوَاهُ
سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ . وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي [ الْأَنْبِيَاءِ ] وَهُوَ الصَّحِيحُ عَلَى مَا يَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=147وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ وَلَمْ يَنْصَرِفْ
يُونُسُ ; لِأَنَّهُ اسْمٌ أَعْجَمِيٌّ ، وَلَوْ كَانَ عَرَبِيًّا لَانْصَرَفَ وَإِنْ كَانَتْ فِي أَوَّلِهِ الْيَاءُ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْأَفْعَالِ " يُفْعُلُ " كَمَا أَنَّكَ إِذَا سَمَّيْتَ بِيُعْفُرٍ صَرَفْتَهُ ، وَإِنْ سَمَّيْتَ بِيَعْفُرَ لَمْ تَصْرِفْهُ .
الثَّانِيَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى : إِذْ أَبَقَ قَالَ
الْمُبَرِّدُ : أَصْلُ أَبَقَ تَبَاعَدَ ، وَمِنْهُ غُلَامٌ آبِقٌ . وَقَالَ غَيْرُهُ : إِنَّمَا قِيلَ
لِيُونُسَ أَبَقَ ; لِأَنَّهُ خَرَجَ بِغَيْرِ أَمْرِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - مُسْتَتِرًا مِنَ النَّاسِ . إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ أَيِ الْمَمْلُوءَةِ ، وَالْفُلْكُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وَيَكُونُ وَاحِدًا وَجَمْعًا ، وَقَدْ تَقَدَّمَ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14155التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ : سَمَّاهُ آبِقًا لِأَنَّهُ أَبَقَ عَنِ الْعُبُودِيَّةِ ، وَإِنَّمَا الْعُبُودِيَّةُ تَرْكُ الْهَوَى وَبَذْلُ النَّفْسِ عِنْدَ أُمُورِ اللَّهِ ، فَلَمَّا لَمْ يَبْذُلِ النَّفْسَ عِنْدَمَا اشْتَدَّتْ عَلَيْهِ الْعَزْمَةُ مِنَ الْمَلَكِ حَسْبَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي [ الْأَنْبِيَاءِ ] ، وَآثَرَ هَوَاهُ لَزِمَهُ اسْمُ الْآبِقِ ، وَكَانَتْ عَزْمَةُ الْمَلَكِ فِي أَمْرِ اللَّهِ لَا فِي أَمْرِ نَفْسِهِ ، وَبِحَظِّ حَقِّ اللَّهِ لَا بِحَظِّ نَفْسِهِ ، فَتَحَرَّى
يُونُسُ فَلَمْ يُصِبِ الصَّوَابَ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ ، فَسَمَّاهُ آبِقًا وَمُلِيمًا .
الثَّالِثَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى : " فَسَاهَمَ " قَالَ
الْمُبَرِّدُ : فَقَارَعَ ، قَالَ : وَأَصْلُهُ مِنَ السِّهَامِ الَّتِي تُجَالُ . فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ قَالَ : مِنَ الْمَغْلُوبِينَ . قَالَ
الْفَرَّاءُ : دَحَضَتْ حُجَّتُهُ وَأَدْحَضَهَا اللَّهُ . وَأَصْلُهُ مِنَ الزَّلَقِ ، قَالَ الشَّاعِرُ :
قَتَلْنَا الْمُدْحَضِينَ بِكُلِّ فَجٍّ فَقَدْ قَرَّتْ بِقَتْلِهِمُ الْعُيُونُ
[ ص: 111 ] أَيِ : الْمَغْلُوبِينَ .
الرَّابِعَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=31975_29008قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=142فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ أَيْ أَتَى بِمَا يُلَامُ عَلَيْهِ . فَأَمَّا الْمَلُومُ فَهُوَ الَّذِي يُلَامُ ، اسْتَحَقَّ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَسْتَحِقَّ . وَقِيلَ : الْمُلِيمُ الْمَعِيبُ . يُقَالُ : لَامَ الرَّجُلَ إِذَا عَمِلَ شَيْئًا فَصَارَ مَعِيبًا بِذَلِكَ الْعَمَلِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=143فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ قَالَ
الْكِسَائِيُّ : لَمْ تُكْسَرْ " أَنَّ " لِدُخُولِ اللَّامِ ; لِأَنَّ اللَّامَ لَيْسَتْ لَهَا .
النَّحَّاسُ : وَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ ، إِنَّمَا اللَّامُ فِي جَوَابِ لَوْلَا .
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=143فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ أَيْ : مِنَ الْمُصَلِّينَ
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=144لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ أَيْ عُقُوبَةً لَهُ ، أَيْ : يَكُونُ بَطْنُ الْحُوتِ قَبْرًا لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ . وَاخْتُلِفَ كَمْ أَقَامَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ . فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ وَالْكَلْبِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=17131وَمُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ : أَرْبَعِينَ يَوْمًا .
الضَّحَّاكُ : عِشْرِينَ يَوْمًا .
عَطَاءٌ : سَبْعَةَ أَيَّامٍ .
مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ : ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ . وَقِيلَ : سَاعَةً وَاحِدَةً . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
الْخَامِسَةُ : رَوَى
الطَّبَرِيُّ مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=864822لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ - حَبْسَ يُونُسَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى الْحُوتِ أَنْ خُذْهُ وَلَا تَخْدِشْ لَحْمًا ، وَلَا تَكْسِرْ عَظْمًا ، فَأَخَذَهُ ثُمَّ هَوَى بِهِ إِلَى مَسْكَنِهِ مِنَ الْبَحْرِ ، فَلَمَّا انْتَهَى بِهِ إِلَى أَسْفَلِ الْبَحْرِ سَمِعَ يُونُسُ حِسًّا فَقَالَ فِي نَفْسِهِ : مَا هَذَا ؟ فَأَوْحَى اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَيْهِ وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ : ( إِنَّ هَذَا تَسْبِيحُ دَوَابِّ الْبَحْرِ ) قَالَ : ( فَسَبَّحَ وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ ) قَالَ : ( فَسَمِعَتِ الْمَلَائِكَةُ تَسْبِيحَهُ فَقَالُوا : يَا رَبَّنَا إِنَّا نَسْمَعُ صَوْتًا ضَعِيفًا بِأَرْضٍ غَرِيبَةٍ ) قَالَ : ( ذَلِكَ عَبْدِي يُونُسُ عَصَانِي فَحَبَسْتُهُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ فِي الْبَحْرِ ) قَالُوا : الْعَبْدُ الصَّالِحُ الَّذِي كَانَ يَصْعَدُ إِلَيْكَ مِنْهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ عَمَلٌ صَالِحٌ ؟ قَالَ نَعَمْ . فَشَفَعُوا لَهُ عِنْدَ ذَلِكَ فَأَمَرَ الْحُوتَ بِقَذْفِهِ فِي السَّاحِلِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : وَهُوَ سَقِيمٌ . وَكَانَ سَقَمُهُ الَّذِي وَصَفَهُ بِهِ اللَّهُ - تَعَالَى ذِكْرُهُ - أَنَّهُ أَلْقَاهُ الْحُوتُ عَلَى السَّاحِلِ كَالصَّبِيِّ الْمَنْفُوسِ قَدْ نُشِرَ اللَّحْمُ وَالْعَظْمُ . وَقَدْ رُوِيَ : أَنَّ الْحُوتَ سَارَ مَعَ السَّفِينَةِ رَافِعًا رَأْسَهُ يَتَنَفَّسُ فِيهِ
يُونُسُ وَيُسَبِّحُ ، وَلَمْ يُفَارِقْهُمْ حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى الْبَرِّ ، فَلَفَظَهُ سَالِمًا لَمْ يَتَغَيَّرْ مِنْهُ شَيْءٌ فَأَسْلَمُوا ، ذَكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابْنُ الْعَرَبِيِّ : أَخْبَرَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ
إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ أَبِي الْمَعَالِي عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ الْجُوَيْنِيِّ : أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْبَارِي فِي جِهَةٍ ؟ فَقَالَ : لَا ، هُوَ يَتَعَالَى عَنْ ذَلِكَ . قِيلَ لَهُ : مَا الدَّلِيلُ عَلَيْهِ ؟ قَالَ : الدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831004لَا تُفَضِّلُونِي عَلَى يُونُسَ بْنِ مَتَّى فَقِيلَ لَهُ : مَا وَجْهُ الدَّلِيلِ فِي هَذَا الْخَبَرِ ؟ فَقَالَ : لَا أَقُولُهُ حَتَّى يَأْخُذَ ضَيْفِي هَذَا أَلْفَ دِينَارٍ يَقْضِي بِهَا دَيْنًا . فَقَامَ رَجُلَانِ فَقَالَا : هِيَ عَلَيْنَا . فَقَالَ : لَا يَتْبَعُ بِهَا اثْنَيْنِ ; لِأَنَّهُ يَشُقُّ عَلَيْهِ . فَقَالَ وَاحِدٌ : هِيَ عَلَيَّ . فَقَالَ : إِنَّ
يُونُسَ بْنَ مَتَّى رَمَى بِنَفْسِهِ
[ ص: 112 ] فِي الْبَحْرِ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ ، فَصَارَ فِي قَعْرِ الْبَحْرِ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ، وَنَادَى
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=87لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَلَمْ يَكُنْ
مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ جَلَسَ عَلَى الرَّفْرَفِ الْأَخْضَرِ وَارْتَقَى بِهِ صُعُدًا ، حَتَّى انْتَهَى بِهِ إِلَى مَوْضِعٍ يَسْمَعُ فِيهِ صَرِيفَ الْأَقْلَامِ ، وَنَاجَاهُ رَبُّهُ بِمَا نَاجَاهُ بِهِ ، وَأَوْحَى إِلَيْهِ مَا أَوْحَى بِأَقْرَبَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ
يُونُسَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ فِي ظُلْمَةِ الْبَحْرِ .
السَّادِسَةُ : ذَكَرَ
الطَّبَرِيُّ : أَنَّ
يُونُسَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا رَكِبَ فِي السَّفِينَةِ أَصَابَ أَهْلَهَا عَاصِفٌ مِنَ الرِّيحِ ، فَقَالُوا : هَذِهِ بِخَطِيئَةِ أَحَدِكُمْ . فَقَالَ
يُونُسُ وَعَرَفَ أَنَّهُ هُوَ صَاحِبُ الذَّنْبِ : هَذِهِ خَطِيئَتِي فَأَلْقُونِي فِي الْبَحْرِ ، وَأَنَّهُمْ أَبَوْا عَلَيْهِ حَتَّى أَفَاضُوا بِسِهَامِهِمْ .
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=141فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ فَقَالَ لَهُمْ : قَدْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ بِذَنْبِي . وَأَنَّهُمْ أَبَوْا عَلَيْهِ حَتَّى أَفَاضُوا بِسِهَامِهِمُ الثَّانِيَةَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ ، وَأَنَّهُمْ أَبَوْا أَنْ يُلْقُوهُ فِي الْبَحْرِ حَتَّى أَعَادُوا سِهَامَهُمُ الثَّالِثَةَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ . فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَلْقَى نَفْسَهُ فِي الْبَحْرِ ، وَذَلِكَ تَحْتَ اللَّيْلِ فَابْتَلَعَهُ الْحُوتُ . وَرُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا رَكِبَ فِي السَّفِينَةِ تَقَنَّعَ وَرَقَدَ فَسَارُوا غَيْرَ بَعِيدٍ إِذْ جَاءَتْهُمْ رِيحٌ كَادَتِ السَّفِينَةُ أَنْ تَغْرَقَ ، فَاجْتَمَعَ أَهْلُ السَّفِينَةِ فَدَعَوْا فَقَالُوا : أَيْقِظُوا الرَّجُلَ النَّائِمَ يَدْعُو مَعَنَا ، فَدَعَا اللَّهَ مَعَهُمْ فَرَفَعَ اللَّهُ عَنْهُمْ تِلْكَ الرِّيحَ . ثُمَّ انْطَلَقَ
يُونُسُ إِلَى مَكَانِهِ فَرَقَدَ ، فَجَاءَتْ رِيحٌ كَادَتِ السَّفِينَةُ أَنْ تَغْرَقَ ، فَأَيْقَظُوهُ وَدَعَوُا اللَّهَ فَارْتَفَعَتِ الرِّيحُ . قَالَ : فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ رَفَعَ حُوتٌ عَظِيمٌ رَأْسَهُ إِلَيْهِمْ أَرَادَ أَنْ يَبْتَلِعَ السَّفِينَةَ ، فَقَالَ لَهُمْ
يُونُسُ : يَا قَوْمِ هَذَا مِنْ أَجْلِي ، فَلَوْ طَرَحْتُمُونِي فِي الْبَحْرِ لَسِرْتُمْ وَلَذَهَبَ الرِّيحُ عَنْكُمْ وَالرَّوْعُ . قَالُوا : لَا نَطْرَحُكَ حَتَّى نَتَسَاهَمَ ، فَمَنْ وَقَعَتْ عَلَيْهِ رَمَيْنَاهُ فِي الْبَحْرِ . قَالَ : فَتَسَاهَمُوا فَوَقَعَ عَلَى
يُونُسَ ، فَقَالَ لَهُمْ : يَا قَوْمِ اطْرَحُونِي ، فَمِنْ أَجْلِي أُوتِيتُمْ ، فَقَالُوا : لَا نَفْعَلُ حَتَّى نَتَسَاهَمَ مَرَّةً أُخْرَى . فَفَعَلُوا فَوَقَعَ عَلَى
يُونُسَ . فَقَالَ لَهُمْ : يَا قَوْمِ اطْرَحُونِي ، فَمِنْ أَجْلِي أُوتِيتُمْ ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=141فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ أَيْ : وَقَعَ السَّهْمُ عَلَيْهِ ، فَانْطَلَقُوا بِهِ إِلَى صَدْرِ السَّفِينَةِ لِيُلْقُوهُ فِي الْبَحْرِ ، فَإِذَا الْحُوتُ فَاتِحٌ فَاهُ ، ثُمَّ جَاءُوا بِهِ إِلَى جَانِبِ السَّفِينَةِ ، فَإِذَا بِالْحُوتِ ، ثُمَّ رَجَعُوا بِهِ إِلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ ، فَإِذَا بِالْحُوتِ فَاتِحٌ فَاهُ ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَلْقَى بِنَفْسِهِ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ ، فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى الْحُوتِ : إِنِّي لَمْ أَجْعَلْهُ لَكَ رِزْقًا ، وَلَكِنْ جَعَلْتُ بَطْنَكَ لَهُ وِعَاءً . فَمَكَثَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=87أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ . فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ وَقَدْ تَقَدَّمَ وَيَأْتِي . فَفِي هَذَا مِنَ الْفِقْهِ أَنَّ الْقُرْعَةَ كَانَتْ مَعْمُولًا بِهَا فِي شَرْعِ
[ ص: 113 ] مَنْ قَبْلَنَا ، وَجَاءَتْ فِي شَرْعِنَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي [ آلِ عِمْرَانَ ] قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابْنُ الْعَرَبِيِّ : وَقَدْ
nindex.php?page=treesubj&link=15793وَرَدَتِ الْقُرْعَةُ فِي الشَّرْعِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاطِنَ . الْأَوَّلُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831005كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ . الثَّانِي : أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
nindex.php?page=hadith&LINKID=831006رُفِعَ إِلَيْهِ أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ سِتَّةَ أَعْبُدٍ لَا مَالَ لَهُ غَيْرَهُمْ ، فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ ، فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً . الثَّالِثُ : أَنَّ
nindex.php?page=hadith&LINKID=864825رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَيْهِ فِي مَوَارِيثَ قَدْ دَرَسَتْ فَقَالَ : ( اذْهَبَا وَتَوَخَّيَا الْحَقَّ ، وَاسْتَهِمَا ، وَلْيُحْلِلْ كُلٌّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا صَاحِبَهُ ) . فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ مَوَاطِنَ ، وَهِيَ الْقَسْمُ فِي النِّكَاحِ ، وَالْعِتْقِ ، وَالْقِسْمَةِ ، وَجَرَيَانُ الْقُرْعَةِ فِيهَا لِرَفْعِ الْإِشْكَالِ وَحَسْمِ دَاءِ التَّشَهِّي . وَاخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا فِي
nindex.php?page=treesubj&link=17891_15793الْقُرْعَةِ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ فِي الْغَزْوِ عَلَى قَوْلَيْنِ ، الصَّحِيحُ مِنْهُمَا الْإِقْرَاعُ ، وَبِهِ قَالَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ . وَذَلِكَ أَنَّ السَّفَرَ بِجَمِيعِهِنَّ لَا يُمْكِنُ ، وَاخْتِيَارُ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ إِيثَارٌ ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الْقُرْعَةُ . وَكَذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الْأَعْبُدِ السِّتَّةِ ، فَإِنَّ كُلَّ اثْنَيْنِ مِنْهُمَا ثُلُثٌ ، وَهُوَ الْقَدْرُ الَّذِي يَجُوزُ لَهُ فِيهِ الْعِتْقُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ ، وَتَعْيِينُهُمَا بِالتَّشَهِّي لَا يَجُوزُ شَرْعًا ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الْقُرْعَةُ . وَكَذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=15793التَّشَاجُرُ إِذَا وَقَعَ فِي أَعْيَانِ الْمَوَارِيثِ لَمْ يُمَيِّزِ الْحَقَّ إِلَّا الْقُرْعَةُ ، فَصَارَتْ أَصْلًا فِي تَعْيِينِ الْمُسْتَحَقِّ إِذَا أَشْكَلَ . قَالَ : وَالْحَقُّ عِنْدِي أَنْ تُجْرَى فِي كُلِّ مُشْكِلٍ ، فَذَلِكَ أَبْيَنُ لَهَا وَأَقْوَى لِفَصْلِ الْحُكْمِ فِيهَا ، وَأَجْلَى لِرَفْعِ الْإِشْكَالِ عَنْهَا ، وَلِذَلِكَ قُلْنَا : إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=15793الْقُرْعَةَ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ فِي الطَّلَاقِ كَالْقُرْعَةِ بَيْنَ الْإِمَاءِ فِي الْعِتْقِ .
السَّابِعَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=15793الِاقْتِرَاعُ عَلَى إِلْقَاءِ الْآدَمِيِّ فِي الْبَحْرِ لَا يَجُوزُ . وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي
يُونُسَ وَزَمَانِهِ مُقَدِّمَةً لِتَحْقِيقِ بُرْهَانِهِ ، وَزِيَادَةً فِي إِيمَانِهِ ، فَإِنَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=10667لَا يَجُوزُ لِمَنْ كَانَ عَاصِيًا أَنْ يُقْتَلَ وَلَا يُرْمَى بِهِ فِي النَّارِ أَوِ الْبَحْرِ ، وَإِنَّمَا تُجْرَى عَلَيْهِ الْحُدُودُ وَالتَّعْزِيرُ عَلَى مِقْدَارِ جِنَايَتِهِ . وَقَدْ ظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ الْبَحْرَ إِذَا هَالَ عَلَى الْقَوْمِ فَاضْطُرُّوا إِلَى تَخْفِيفِ السَّفِينَةِ أَنَّ الْقُرْعَةَ تُضْرَبُ عَلَيْهِمْ ، فَيُطْرَحُ
[ ص: 114 ] بَعْضُهُمْ تَخْفِيفًا ، وَهَذَا فَاسِدٌ ، فَإِنَّهَا لَا تَخِفُّ بِرَمْيِ بَعْضِ الرِّجَالِ ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْأَمْوَالِ ، وَلَكِنَّهُمْ يَصْبِرُونَ عَلَى قَضَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ .
الثَّامِنَةُ : أَخْبَرَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - أَنَّ
يُونُسَ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ ، وَأَنَّ تَسْبِيحَهُ كَانَ سَبَبَ نَجَاتِهِ ، وَلِذَلِكَ قِيلَ : إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29680_30531الْعَمَلَ الصَّالِحَ يَرْفَعُ صَاحِبَهُ إِذَا عَثَرَ . قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=143مِنَ الْمُسَبِّحِينَ مِنَ الْمُصَلِّينَ . قَالَ
قَتَادَةُ : كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ ذَلِكَ لِحِفْظِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - لَهُ فَنَجَّاهُ . وَقَالَ
الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ : لَوْلَا أَنَّهُ كَانَ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ عَمَلٌ صَالِحٌ
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=144لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ : وَمَكْتُوبٌ فِي الْحِكْمَةِ - إِنَّ الْعَمَلَ الصَّالِحَ يَرْفَعُ رَبَّهُ إِذَا عَثَرَ . وَقَالَ
مُقَاتِلٌ : مِنَ الْمُسَبِّحِينَ مِنَ الْمُصَلِّينَ الْمُطِيعِينَ قَبْلَ الْمَعْصِيَةِ . وَقَالَ
وَهْبٌ : مِنَ الْعَابِدِينَ . وَقَالَ
الْحَسَنُ : مَا كَانَ لَهُ صَلَاةٌ فِي بَطْنِ الْحُوتِ ، وَلَكِنَّهُ قَدَّمَ عَمَلًا صَالِحًا فِي حَالِ الرَّخَاءِ فَذَكَرَهُ اللَّهُ بِهِ فِي حَالِ الْبَلَاءِ ، وَإِنَّ الْعَمَلَ الصَّالِحَ لَيَرْفَعُ صَاحِبَهُ ، وَإِذَا عَثَرَ وَجَدَ مُتَّكَأً .
قُلْتُ : وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَبِيئَةٌ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ فَلْيَفْعَلْ فَيَجْتَهِدُ الْعَبْدُ ، وَيَحْرِصُ عَلَى خَصْلَةٍ مِنْ صَالِحِ عَمَلِهِ ، يُخْلِصُ فِيهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ ، وَيَدَّخِرُهَا لِيَوْمِ فَاقَتِهِ وَفَقْرِهِ ، وَيُخَبِّئُهَا بِجَهْدِهِ ، وَيَسْتُرُهَا عَنْ خَلْقِهِ ، يَصِلُ إِلَيْهِ نَفْعُهَا أَحْوَجَ مَا كَانَ إِلَيْهِ . وَقَدْ خَرَّجَ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=864827بَيْنَمَا ثَلَاثَةُ نَفَرٍ - فِي رِوَايَةٍ : مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ - يَتَمَاشَوْنَ أَخَذَهُمُ الْمَطَرُ فَأَوَوْا إِلَى غَارٍ فِي جَبَلٍ فَانْحَطَّتْ عَلَى فَمِ الْغَارِ صَخْرَةٌ مِنَ الْجَبَلِ فَانْطَبَقَتْ عَلَيْهِمْ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : انْظُرُوا أَعْمَالًا عَمِلْتُمُوهَا صَالِحَةً لِلَّهِ فَادْعُوا اللَّهَ بِهَا لَعَلَّهُ يُفَرِّجُهَا عَنْكُمْ الْحَدِيثَ بِكَمَالِهِ ، وَهُوَ مَشْهُورٌ ، شُهْرَتُهُ أَغْنَتْ عَنْ تَمَامِهِ . وَقَالَ
سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : لَمَّا قَالَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=87لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ قَذَفَهُ الْحُوتُ . وَقِيلَ : مِنَ الْمُسَبِّحِينَ مِنَ الْمُصَلِّينَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ .
قُلْتُ : وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ تَسْبِيحُ اللِّسَانِ الْمُوَافِقُ لِلْجَنَانِ ، وَعَلَيْهِ يَدُلُّ حَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورُ قَبْلَ الَّذِي ذَكَرَهُ
الطَّبَرِيُّ . قَالَ : فَسَبَّحَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ . قَالَ : فَسَمِعَتِ الْمَلَائِكَةُ تَسْبِيحَهُ ، فَقَالُوا : يَا رَبَّنَا إِنَّا نَسْمَعُ صَوْتًا ضَعِيفًا بِأَرْضٍ غَرِيبَةٍ . وَتَكُونُ " كَانَ " عَلَى هَذَا الْقَوْلِ زَائِدَةً ، أَيْ : فَلَوْلَا أَنَّهُ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ . وَفِي كِتَابِ
أَبِي دَاوُدَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=37سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ :
[ ص: 115 ] nindex.php?page=hadith&LINKID=831007دُعَاءُ ذِي النُّونِ فِي بَطْنِ الْحُوتِ nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=87لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ لَمْ يَدْعُ بِهِ رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتُجِيبَ لَهُ وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي سُورَةِ [ الْأَنْبِيَاءِ ]
فَيُونُسُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ قَبْلُ مُصَلِّيًا مُسَبِّحًا ، وَفِي بَطْنِ الْحُوتِ كَذَلِكَ . وَفِي الْخَبَرِ : فَنُودِيَ الْحُوتُ : إِنَّا لَمْ نَجْعَلْ
يُونُسَ لَكَ رِزْقًا ، إِنَّمَا جَعَلْنَاكَ لَهُ حِرْزًا وَمَسْجِدًا . وَقَدْ تَقَدَّمَ .