قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=206وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد هذه صفة الكافر والمنافق الذاهب بنفسه زهوا ، ويكره للمؤمن أن يوقعه الحرج في بعض هذا . وقال
عبد الله : كفى بالمرء إثما أن يقول له أخوه : اتق الله ، فيقول : عليك بنفسك ، مثلك يوصيني! والعزة : القوة والغلبة ، من عزه يعزه إذا غلبه . ومنه :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=23وعزني في الخطاب وقيل : العزة هنا الحمية ، ومنه قول الشاعر :
[ ص: 20 ] أخذته عزة من جهله فتولى مغضبا فعل الضجر
وقيل : العزة هنا المنعة وشدة النفس ، أي اعتز في نفسه وانتحى فأوقعته تلك العزة في الإثم حين أخذته وألزمته إياه . وقال
قتادة : المعنى إذا قيل له مهلا ازداد إقداما على المعصية ، والمعنى حملته العزة على الإثم . وقيل : أخذته العزة بما يؤثمه ، أي ارتكب الكفر للعزة وحمية الجاهلية . ونظيره :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=2بل الذين كفروا في عزة وشقاق وقيل : الباء في بالإثم بمعنى اللام ، أي أخذته العزة والحمية عن قبول الوعظ للإثم الذي في قلبه ، وهو النفاق ، ومنه قول
عنترة يصف عرق الناقة :
وكأن ربا أو كحيلا معقدا حش الوقود به جوانب قمقم
أي حش الوقود له وقيل : الباء بمعنى مع ، أي أخذته العزة مع الإثم ، فمعنى الباء يختلف بحسب التأويلات . وذكر أن يهوديا كانت له حاجة عند
nindex.php?page=showalam&ids=14370هارون الرشيد ، فاختلف إلى بابه سنة ، فلم يقض حاجته ، فوقف يوما على الباب ، فلما خرج
هارون سعى حتى وقف بين يديه وقال : اتق الله يا أمير المؤمنين! فنزل
هارون عن دابته وخر ساجدا ، فلما رفع رأسه أمر بحاجته فقضيت ، فلما رجع قيل له : يا أمير المؤمنين ، نزلت عن دابتك لقول يهودي! قال : لا ، ولكن تذكرت قول الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=206وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد . حسبه أي كافيه معاقبة وجزاء ، كما تقول للرجل : كفاك ما حل بك! وأنت تستعظم وتعظم عليه ما حل . والمهاد جمع المهد ، وهو الموضع المهيأ للنوم ، ومنه مهد الصبي . وسمى جهنم مهادا لأنها مستقر الكفار . وقيل : لأنها بدل لهم من المهاد ، كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=21فبشرهم بعذاب أليم ونظيره من الكلام قولهم : للشاعر
معدي كرب وخيل قد دلفت لها بخيل تحية بينهم ضرب وجيع
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=206وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ هَذِهِ صِفَةُ الْكَافِرِ وَالْمُنَافِقِ الذَّاهِبِ بِنَفْسِهِ زَهْوًا ، وَيُكْرَهُ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُوقِعَهُ الْحَرَجُ فِي بَعْضِ هَذَا . وَقَالَ
عَبْدُ اللَّهِ : كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يَقُولَ لَهُ أَخُوهُ : اتَّقِ اللَّهَ ، فَيَقُولُ : عَلَيْكَ بِنَفْسِكَ ، مِثْلُكَ يُوصِينِي! وَالْعِزَّةُ : الْقُوَّةُ وَالْغَلَبَةُ ، مِنْ عَزَّهُ يَعُزُّهُ إِذَا غَلَبَهُ . وَمِنْهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=23وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ وَقِيلَ : الْعِزَّةُ هُنَا الْحَمِيَّةُ ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ :
[ ص: 20 ] أَخَذَتْهُ عِزَّةٌ مِنْ جَهْلِهِ فَتَوَلَّى مُغْضَبًا فِعْلَ الضَّجَرِ
وَقِيلَ : الْعِزَّةُ هُنَا الْمَنَعَةُ وَشِدَّةُ النَّفْسِ ، أَيِ اعْتَزَّ فِي نَفْسِهِ وَانْتَحَى فَأَوْقَعَتْهُ تِلْكَ الْعِزَّةُ فِي الْإِثْمِ حِينَ أَخَذَتْهُ وَأَلْزَمَتْهُ إِيَّاهُ . وَقَالَ
قَتَادَةُ : الْمَعْنَى إِذَا قِيلَ لَهُ مَهْلًا ازْدَادَ إِقْدَامًا عَلَى الْمَعْصِيَةِ ، وَالْمَعْنَى حَمَلَتْهُ الْعِزَّةُ عَلَى الْإِثْمِ . وَقِيلَ : أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِمَا يُؤْثِمُهُ ، أَيِ ارْتَكَبَ الْكُفْرَ لِلْعِزَّةِ وَحَمِيَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ . وَنَظِيرُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=2بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ وَقِيلَ : الْبَاءُ فِي بِالْإِثْمِ بِمَعْنَى اللَّامِ ، أَيْ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ وَالْحَمِيَّةُ عَنْ قَبُولِ الْوَعْظِ لِلْإِثْمِ الَّذِي فِي قَلْبِهِ ، وَهُوَ النِّفَاقُ ، وَمِنْهُ قَوْلُ
عَنْتَرَةَ يَصِفُ عَرَقَ النَّاقَةِ :
وَكَأَنَّ رُبًّا أَوْ كُحَيْلًا مُعْقَدًا حَشَّ الْوَقُودُ بِهِ جَوَانِبَ قُمْقِمُ
أَيْ حَشَّ الْوَقُودُ لَهُ وَقِيلَ : الْبَاءُ بِمَعْنَى مَعَ ، أَيْ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ مَعَ الْإِثْمِ ، فَمَعْنَى الْبَاءِ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ التَّأْوِيلَاتِ . وَذُكِرَ أَنَّ يَهُودِيًّا كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=14370هَارُونَ الرَّشِيدِ ، فَاخْتَلَفَ إِلَى بَابِهِ سَنَةً ، فَلَمْ يَقْضِ حَاجَتَهُ ، فَوَقَفَ يَوْمًا عَلَى الْبَابِ ، فَلَمَّا خَرَجَ
هَارُونُ سَعَى حَتَّى وَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَقَالَ : اتَّقِ اللَّهَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! فَنَزَلَ
هَارُونُ عَنْ دَابَّتِهِ وَخَرَّ سَاجِدًا ، فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ أَمَرَ بِحَاجَتِهِ فَقُضِيَتْ ، فَلَمَّا رَجَعَ قِيلَ لَهُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، نَزَلْتَ عَنْ دَابَّتِكَ لِقَوْلِ يَهُودِيٍّ! قَالَ : لَا ، وَلَكِنْ تَذَكَّرْتُ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=206وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ . حَسْبُهُ أَيْ كَافِيهِ مُعَاقَبَةً وَجَزَاءً ، كَمَا تَقُولُ لِلرَّجُلِ : كَفَاكَ مَا حَلَّ بِكَ! وَأَنْتَ تَسْتَعْظِمُ وَتُعْظِمُ عَلَيْهِ مَا حَلَّ . وَالْمِهَادُ جَمْعُ الْمَهْدِ ، وَهُوَ الْمَوْضِعُ الْمُهَيَّأُ لِلنَّوْمِ ، وَمِنْهُ مَهْدُ الصَّبِيِّ . وَسَمَّى جَهَنَّمَ مِهَادًا لِأَنَّهَا مُسْتَقَرُّ الْكُفَّارِ . وَقِيلَ : لِأَنَّهَا بَدَلٌ لَهُمْ مِنَ الْمِهَادِ ، كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=21فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ وَنَظِيرُهُ مِنَ الْكَلَامِ قَوْلُهُمْ : لِلشَّاعِرِ
مَعْدِي كَرِبَ وَخَيْلٍ قَدْ دَلَفْتُ لَهَا بَخَيْلٍ تَحِيَّةً بَيْنَهُمْ ضَرْبٌ وَجِيعٌ