قال أبو جعفر : يعني بقوله - جل ثناؤه - : إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما ، يقول : بغير حق ، إنما يأكلون في بطونهم نارا يوم القيامة ، بأكلهم أموال اليتامى ظلما في الدنيا ، نار جهنم " وسيصلون " بأكلهم " سعيرا " كما :
8722 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن : السدي إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا قال : إذا قام ، يبعث يوم القيامة ولهب النار يخرج من فيه ومن مسامعه ومن أذنيه وأنفه وعينيه ، يعرفه من رآه بأكل مال اليتيم . الرجل يأكل مال اليتيم ظلما
[ ص: 27 ] 8723 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر قال : أخبرني أبو هارون العبدي ، عن قال : أبي سعيد الخدري حدثنا النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ليلة أسري به قال : نظرت فإذا أنا بقوم لهم مشافر كمشافر الإبل ، وقد وكل بهم من يأخذ بمشافرهم ، ثم يجعل في أفواههم صخرا من نار يخرج من أسافلهم ، قلت : يا جبريل ، من هؤلاء ؟ قال : هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا " . .
8724 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا قال : قال أبي : إن هذه لأهل الشرك ، حين كانوا لا يورثونهم ، ويأكلون أموالهم .
وأما قوله : وسيصلون سعيرا ، فإنه مأخوذ من " الصلا " و " الصلا " الاصطلاء بالنار ، وذلك التسخن بها ، كما قال : الفرزدق
وقاتل كلب الحي عن نار أهله ليربض فيها والصلا متكنف
[ ص: 28 ] وكما قال العجاج :وصاليات للصلا صلي
ثم استعمل ذلك في كل من باشر بيده أمرا من الأمور ، من حرب أو قتال أو خصومة أو غير ذلك ، كما قال الشاعر : [ ص: 29 ]لم أكن من جناتها علم الل ه وإني بحرها اليوم صالي
فجعل ما باشر من شدة الحرب وأذى القتال ، بمنزلة مباشرة أذى النار وحرها .
واختلفت القرأة في قراءة ذلك .
فقرأته عامة قرأة المدينة والعراق : ( وسيصلون سعيرا ) بفتح " الياء " على التأويل الذي قلناه .
وقرأ ذلك بعض المكيين وبعض الكوفيين : " وسيصلون " بضم " الياء " بمعنى : يحرقون .
من قولهم : " شاة مصلية " يعني : مشوية .
قال أبو جعفر : والفتح بذلك أولى من الضم ، لإجماع جميع القرأة على فتح " الياء " في قوله : ( لا يصلاها إلا الأشقى ) [ سورة الليل : 15 ] ، ولدلالة قوله : ( إلا من هو صالي الجحيم ) [ سورة الصافات : 163 ] ، على أن الفتح بها أولى من الضم .
[ ص: 30 ] وأما " السعير " : فإنه شدة حر جهنم ، ومنه قيل : " استعرت الحرب " إذا اشتدت ، وإنما هو " مسعور " ثم صرف إلى " سعير " كما قيل : " كف خضيب " و " لحية دهين " وإنما هي " مخضوبة " صرفت إلى " فعيل " .
فتأويل الكلام إذا : وسيصلون نارا مسعرة ، أي : موقودة مشعلة شديدا حرها .
وإنما قلنا إن ذلك كذلك ، لأن الله - جل ثناؤه - قال : ( وإذا الجحيم سعرت ) ، [ سورة التكوير : 12 ] ، فوصفها بأنها مسعورة .
ثم أخبر - جل ثناؤه - أن أكلة أموال اليتامى يصلونها وهي كذلك . ف " السعير " إذا في هذا الموضع ، صفة للجحيم على ما وصفنا .