قال أبو جعفر : ولقوله جل ثناؤه من الذين هادوا يحرفون الكلم : وجهان من التأويل
أحدهما أن يكون معناه : ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب " " من الذين هادوا يحرفون الكلم : فيكون قوله من الذين هادوا من صلة الذين وإلى هذا القول كانت عامة أهل العربية من أهل الكوفة يوجهون قوله من الذين هادوا يحرفون " .
والآخر منهما أن يكون معناه من الذين هادوا من يحرف الكلم عن مواضعه فتكون من محذوفة من الكلام اكتفاء بدلالة قوله من الذين هادوا عليها وذلك أن من لو ذكرت في الكلام كانت بعضا ل من فاكتفى بدلالة من عليها والعرب تقول منا من يقول ذلك ومنا لا يقوله . بمعنى منا [ ص: 431 ] من يقول ذاك ومنا من لا يقوله فتحذف " من اكتفاء بدلالة من عليه كما قال ذو الرمة
فظلوا ومنهم دمعه سابق له وآخر يثني دمعة العين بالهمل
يعني ومنهم من دمعه وكما قال الله تبارك وتعالى : ( وما منا إلا له مقام معلوم ) [ سورة الصافات 164 ] وإلى هذا المعنى كانت عامة أهل العربية من أهل البصرة يوجهون تأويل قوله من الذين هادوا يحرفون الكلم : غير أنهم كانوا يقولون المضمر في ذلك القوم كأن معناه عندهم من الذين هادوا قوم يحرفون الكلم ويقولون نظير قول النابغة
كأنك من جمال بني أقيش يقعقع خلف رجليه بشن
يعني كأنك جمل من جمال أقيش
فأما نحويو الكوفة فينكرون أن يكون المضمر مع " من إلا من أو ما أشبهها . [ ص: 432 ]
قال أبو جعفر : والقول الذي هو أولى بالصواب عندي في ذلك قول من قال قوله من الذين هادوا : من صلة " الذين أوتوا نصيبا من الكتاب ؛ لأن الخبرين جميعا والصفتين من صفة نوع واحد من الناس وهم اليهود الذين وصف الله صفتهم في قوله ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب " وبذلك جاء تأويل أهل التأويل فلا حاجة بالكلام إذ كان الأمر كذلك إلى أن يكون فيه متروك .
وأما تأويل قوله : يحرفون الكلم عن مواضعه : فإنه يقول يبدلون معناها ويغيرونها عن تأويله .
والكلم " جماع كلمة " .
وكان مجاهد يقول عنى ب الكلم " التوراة
9691 - حدثني محمد بن عمرو قال حدثنا أبو عاصم عن عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله يحرفون الكلم عن مواضعه : اليهود التوراة . تبديل
9692 - حدثني المثنى قال حدثنا أبو حذيفة قال حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله .
وأما قوله عن مواضعه فإنه يعني عن أماكنه ووجوهه التي هي وجوهه .