القول في تأويل قوله ( وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية )
قال أبو جعفر : ذكر أن هذه الآية نزلت في قوم من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانوا قد آمنوا به وصدقوه قبل أن يفرض عليهم الجهاد ، وقد فرض عليهم الصلاة والزكاة ، وكانوا يسألون الله أن يفرض عليهم القتال ، فلما فرض عليهم القتال شق عليهم ذلك ، وقالوا ما أخبر الله عنهم في كتابه . [ ص: 548 ]
فتأويل قوله : ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم " : ألم تر بقلبك يا محمد فتعلم " إلى الذين قيل لهم " من أصحابك حين سألوك أن تسأل ربك أن يفرض عليهم القتال " كفوا أيديكم " فأمسكوها عن قتال المشركين وحربهم " وأقيموا الصلاة " يقول : وأدوا الصلاة التي فرضها الله عليكم بحدودها " وآتوا الزكاة " يقول : وأعطوا الزكاة أهلها الذين جعلها الله لهم من أموالكم تطهيرا لأبدانكم وأموالكم ، كرهوا ما أمروا به من كف الأيدي عن قتال المشركين وشق ذلك عليهم " فلما كتب عليهم القتال " يقول : فلما فرض عليهم القتال الذي كانوا سألوا أن يفرض عليهم " إذا فريق منهم " يعني : جماعة منهم " يخشون الناس " يقول : يخافون الناس أن يقاتلوهم " كخشية الله أو أشد خشية " أو أشد خوفا ، وقالوا جزعا من القتال الذي فرض الله عليهم : لم كتبت علينا القتال ؟ لم فرضت علينا القتال ؟ ركونا منهم إلى الدنيا ، وإيثارا للدعة فيها والخفض على مكروه لقاء العدو ومشقة حربهم وقتالهم " لولا أخرتنا " يخبر عنهم ، قالوا : هلا أخرتنا " إلى أجل قريب " يعني : إلى أن يموتوا على فرشهم وفي منازلهم . . [ ص: 549 ]
وبنحو الذي قلنا إن هذه الآية نزلت فيه ، قال أهل التأويل .
ذكر الآثار بذلك ، والرواية عمن قاله .
9951 - حدثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق قال : سمعت أبي قال : أخبرنا الحسين بن واقد ، عن ، عن عمرو بن دينار عكرمة ، عن ابن عباس : عبد الرحمن بن عوف وأصحابا له أتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : يا رسول الله ، كنا في عز ونحن مشركون ، فلما آمنا صرنا أذلة ، فقال : إني أمرت بالعفو فلا تقاتلوا . فلما حوله الله إلى المدينة أمر بالقتال فكفوا ، فأنزل الله تبارك وتعالى : " ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم " الآية . أن
9952 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا حجاج ، عن ، عن ابن جريج عكرمة : ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم : عن الناس " فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم " نزلت في أناس من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : وقوله : ابن جريج وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب قال : إلى أن نموت موتا ، هو الأجل القريب .
9953 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة : فقرأ حتى بلغ : " إلى أجل قريب " قال : كان أناس من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يومئذ بمكة قبل الهجرة تسرعوا إلى القتال ، فقالوا لنبي الله - صلى [ ص: 550 ] الله عليه وسلم - : ذرنا نتخذ معاول فنقاتل بها المشركين بمكة ! فنهاهم نبي الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك قال : لم أؤمر بذلك . فلما كانت الهجرة ، وأمر بالقتال كره القوم ذلك ، فصنعوا فيه ما تسمعون ، فقال الله تبارك وتعالى : ( قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا ) .
9954 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن : السدي ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة قال : هم قوم أسلموا قبل أن يفرض عليهم القتال ، ولم يكن عليهم إلا الصلاة والزكاة ، فسألوا الله أن يفرض عليهم القتال " فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية " الآية ، إلى " إلى أجل قريب " وهو الموت ، قال الله : ( قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ) .
وقال آخرون : نزلت هذه وآيات بعدها في اليهود .
ذكر من قال ذلك :
9955 - حدثنا المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة إلى قوله : " لاتبعتم الشيطان إلا قليلا " ما بين ذلك في اليهود .
9956 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم " إلى قوله : " لم كتبت علينا القتال " نهى الله تبارك وتعالى هذه الأمة أن يصنعوا صنيعهم .