القول في تأويل قوله عز ذكره وأيديكم إلى المرافق )
قال ( أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في "المرافق" ، هل هي من اليد الواجب غسلها ، أم لا؟ بعد إجماع جميعهم على أن غسل اليد إليها واجب .
فقال مالك بن أنس وسئل عن قول الله : "فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق" أترى أن يخلف المرفقين في الوضوء؟ قال : الذي أمر به أن يبلغ "المرفقين" ، قال تبارك وتعالى : " فاغسلوا وجوهكم " فذهب هذا يغسل خلفه!! فقيل له : فإنما يغسل إلى المرفقين والكعبين لا يجاوزهما؟ فقال : لا أدري"ما لا يجاوزهما" أما الذي أمر به أن يبلغ به فهذا إلى المرفقين والكعبين . حدثنا يونس ، عن أشهب عنه . [ ص: 47 ]
وقال : لم أعلم مخالفا في أن المرافق فيما يغسل" ، كأنه يذهب إلى أن معناها : فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى أن تغسل المرافق حدثنا بذلك عنه الشافعي الربيع .
وقال آخرون : إنما أوجب الله بقوله : "وأيديكم إلى المرافق" غسل اليدين إلى المرفقين ، فالمرفقان غاية لما أوجب الله غسله من آخر اليد ، والغاية غير داخلة في الحد ، كما غير داخل الليل فيما أوجب الله تعالى على عباده من الصوم بقوله : ( ثم أتموا الصيام إلى الليل ) [ سورة البقرة : 187 ] لأن الليل غاية لصوم الصائم ، إذا بلغه فقد قضى ما عليه . قالوا : فكذلك المرافق في قوله : " فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق " غاية لما أوجب الله غسله من اليد . وهذا قول زفر بن الهذيل .
قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندنا : أن غسل اليدين إلى المرفقين من الفرض الذي إن تركه أو شيئا منه تارك لم تجزه الصلاة مع تركه غسله . فأما المرفقان وما وراءهما ، فإن غسل ذلك من الندب الذي ندب إليه صلى الله عليه وسلم أمته بقوله :
11432 - [ ص: 48 ] "أمتي الغر المحجلون من آثار الوضوء ، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل" .
فلا تفسد صلاة تارك غسلهما وغسل ما وراءهما ، لما قد بينا قبل فيما مضى : من أن كل غاية حدت ب"إلى" فقد تحتمل في كلام العرب دخول الغاية في الحد وخروجها منه . وإذا احتمل الكلام ذلك لم يجز لأحد القضاء بأنها داخلة فيه ، إلا لمن لا يجوز خلافه فيما بين وحكم ، ولا حكم بأن المرافق داخلة فيما يجب غسله عندنا ممن يجب التسليم بحكمه .