قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : وإذا سمع هؤلاء الذين قالوا : "إنا نصارى " الذين وصفت لك ، يا محمد ، صفتهم أنك تجدهم ما أنزل إليك من الكتاب يتلى"ترى أعينهم تفيض من الدمع" . أقرب الناس مودة للذين آمنوا
[ ص: 507 ] و"فيض العين من الدمع " ، امتلاؤها منه ، ثم سيلانه منها ، كفيض النهر من الماء ، وفيض الإناء ، وذلك سيلانه عن شدة امتلائه ، ومنه قول الأعشى :
ففاضت دموعي ، فظل الشئون : إما وكيفا ، وإما انحدارا
وقوله : "مما عرفوا من الحق " ، يقول : فيض دموعهم ، لمعرفتهم بأن الذي يتلى عليهم من كتاب الله الذي أنزله إلى رسول الله حق ، كما : -
12325 - حدثنا قال ، حدثنا هناد بن السري قال ، حدثنا يونس بن بكير أسباط بن نصر الهمداني ، عن إسماعيل بن عبد الرحمن السدي قال : بعث النجاشي إلى النبي صلى الله عليه وسلم اثنى عشر رجلا يسألونه ويأتونه بخبره ، فقرأ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن ، فبكوا . وكان منهم سبعة رهبان وخمسة [ ص: 508 ] قسيسين أو : خمسة رهبان ، وسبعة قسيسين فأنزل الله فيهم : " وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع " ، إلى آخر الآية .
12326 - حدثنا عمرو بن علي قال ، حدثنا قال ، سمعت عمر بن علي بن مقدم يحدث ، عن أبيه ، عن هشام بن عروة عبد الله بن الزبير قال : نزلت في النجاشي وأصحابه : " وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع " .
12327 - حدثنا هناد قال ، حدثنا عن عبدة بن سليمان ، عن أبيه في قوله : " هشام بن عروة ، ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق " ، قال : ذلك في النجاشي .
12328 - حدثنا هناد قالا : حدثنا أبو وابن وكيع معاوية ، عن عن أبيه قال : كانوا يرون أن هذه الآية أنزلت في هشام بن عروة ، النجاشي : " وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع " .
12329 - حدثنا هناد قال ، حدثنا قال ، قال يونس بن بكير ابن إسحاق : سألت الزهري عن الآيات : " ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع " الآية ، وقوله : ( وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ) [ سورة الفرقان : 63 ] . قال : ما زلت أسمع علماءنا يقولون : نزلت في النجاشي وأصحابه . [ ص: 509 ]
وأما قوله : "يقولون " ، فإنه لو كان بلفظ اسم ، كان نصبا على الحال ، لأن معنى الكلام : وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق ، قائلين : "ربنا آمنا" .
ويعني بقوله تعالى ذكره : "يقولون ربنا آمنا " ، أنهم يقولون : يا ربنا ، صدقنا لما سمعنا ما أنزلته إلى نبيك محمد صلى الله عليه وسلم من كتابك ، وأقررنا به أنه من عندك ، وأنه الحق لا شك فيه .
وأما قوله : "فاكتبنا مع الشاهدين " ، فإنه روي عن ابن عباس وغيره في تأويله ، ما : -
12330 - حدثنا به هناد قال ، حدثنا وحدثنا وكيع ابن وكيع قال ، حدثنا أبي وابن نمير جميعا ، عن إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله : " اكتبنا مع
الشاهدين " ، قال : أمة محمد صلى الله عليه وسلم .
12331 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن : "فاكتبنا مع الشاهدين " ، مع أمة ابن جريج محمد صلى الله عليه وسلم .
12332 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : "فاكتبنا مع الشاهدين " ، يعنون ب"الشاهدين " ، محمدا صلى الله عليه وسلم وأمته .
12333 - حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله : " فاكتبنا مع الشاهدين " ، قال : محمد صلى الله عليه وسلم وأمته ، إنهم شهدوا أنه قد بلغ ، وشهدوا أن الرسل قد بلغت .
[ ص: 510 ] 12334 - حدثنا الربيع قال ، حدثنا أسد بن موسى قال ، حدثنا يحيى بن زكريا قال ، حدثني إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، مثل حديث الحارث بن عبد العزيز غير أنه قال : وشهدوا للرسل أنهم قد بلغوا .
قال أبو جعفر : فكأن متأول هذا التأويل ، قصد بتأويله هذا إلى معنى قول الله تعالى ذكره : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ) [ سورة البقرة : 143 ] . فذهب ابن عباس إلى أن "الشاهدين " ، هم"الشهداء " في قوله : " لتكونوا شهداء على الناس " ، وهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم .
وإذا كان التأويل ذلك ، كان معنى الكلام : " يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين " ، الذين يشهدون لأنبيائك يوم القيامة ، أنهم قد بلغوا أممهم رسالاتك .
ولو قال قائل : معنى ذلك : " فاكتبنا مع الشاهدين " ، الذين يشهدون أن ما أنزلته إلى رسولك من الكتب حق كان صوابا . لأن ذلك خاتمة قوله : " وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين " ، وذلك صفة من الله تعالى ذكره لهم بإيمانهم لما سمعوا من كتاب الله ، فتكون مسألتهم أيضا الله أن يجعلهم ممن صحت عنده [ ص: 511 ] شهادتهم بذلك ، ويلحقهم في الثواب والجزاء منازلهم .
ومعنى"الكتاب ، " في هذا الموضع : الجعل .
يقول : فاجعلنا مع الشاهدين ، وأثبتنا معهم في عدادهم .