[ ص: 356 ] القول في تأويل قوله ( فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون ( 43 ) )
قال أبو جعفر : وهذا أيضا من الكلام الذي فيه متروك استغني بدلالة الظاهر عن ذكر ما ترك . وذلك أنه - تعالى ذكره - أخبر عن الأمم التي كذبت رسلها أنه أخذهم بالبأساء والضراء ليتضرعوا له ، ثم قال : " فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا " ولم يخبر عما كان منهم من الفعل عند أخذه إياهم بالبأساء والضراء . ومعنى الكلام : " ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون " فلم يتضرعوا ، " فلولا إذا جاءهم بأسنا تضرعوا " .
ومعنى : " فلولا " في هذا الموضع ، فهلا . والعرب إذ أولت " لولا " اسما مرفوعا ، جعلت ما بعدها خبرا ، وتلقتها بالأمر ، فقالت : " فلولا أخوك لزرتك " و " لولا أبوك لضربتك " وإذا أولتها فعلا أو لم تولها اسما ، جعلوها استفهاما فقالوا : " لولا جئتنا فنكرمك " و " لولا زرت أخاك فنزورك " بمعنى : " هلا " كما قال - تعالى ذكره - : لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق [ سورة المنافقون : 10 ] . وكذلك تفعل ب " لوما " مثل فعلها ب " لولا " .
فتأويل الكلام إذا : فهلا إذ جاء بأسنا هؤلاء الأمم المكذبة رسلها ، الذين لم يتضرعوا عند أخذنا إياهم بالبأساء والضراء " تضرعوا " فاستكانوا لربهم ، وخضعوا لطاعته ، فيصرف ربهم عنهم بأسه ، وهو عذابه . [ ص: 357 ]
وقد بينا معنى " البأس " في غير هذا الموضع ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .
" ولكن قست قلوبهم " يقول : ولكن أقاموا على تكذيبهم رسلهم ، وأصروا على ذلك ، واستكبروا عن أمر ربهم ، استهانة بعقاب الله ، واستخفافا بعذابه ، وقساوة قلب منهم . " وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون " يقول : وحسن لهم الشيطان ما كانوا يعملون من الأعمال التي يكرهها الله ويسخطها منهم .