القول في تأويل قوله ( وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين ( 55 ) )
قال أبو جعفر : يعني - تعالى ذكره - بقوله : " وكذلك نفصل الآيات " وكما فصلنا لك في هذه السورة - من ابتدائها وفاتحتها ، يا محمد إلى هذا الموضع - حجتنا على المشركين من عبدة الأوثان ، وأدلتنا ، وميزناها لك وبيناها ، كذلك نفصل لك أعلامنا وأدلتنا في كل حق ينكره أهل الباطل من سائر أهل الملل [ ص: 395 ] غيرهم ، فنبينها لك ، حتى يبين حقه من باطله ، وصحيحه من سقيمه .
واختلفت القرأة في قراءة قوله : " ولتستبين سبيل المجرمين " .
فقرأ ذلك عامة قرأة أهل المدينة : ( ولتستبين ) بالتاء ( سبيل المجرمين ) بنصب " السبيل " على أن " تستبين " خطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، كأن معناه عندهم : ولتستبين ، أنت يا محمد ، سبيل المجرمين .
وكان ابن زيد يتأول ذلك : ولتستبين أنت يا محمد ، سبيل المجرمين الذين سألوك طرد النفر الذين سألوه طردهم عنه من أصحابه .
13299 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال قال ابن زيد : " ولتستبين سبيل المجرمين " قال : الذين يأمرونك بطرد هؤلاء .
وقرأ ذلك بعض المكيين وبعض البصريين : ( ولتستبين ) بالتاء ( سبيل المجرمين ) برفع " السبيل " على أن القصد للسبيل ، ولكنه يؤنثها وكأن معنى الكلام عندهم : وكذلك نفصل الآيات ، ولتتضح لك وللمؤمنين طريق المجرمين .
وقرأ ذلك عامة قرأة أهل الكوفة : ( وليستبين ) بالياء ( سبيل المجرمين ) برفع " السبيل " على أن الفعل للسبيل ، ولكنهم يذكرونه ومعنى هؤلاء في هذا الكلام ، ومعنى من قرأ ذلك بالتاء في : " ولتستبين " ورفع " السبيل " واحد ، وإنما الاختلاف بينهم في تذكير " السبيل " وتأنيثها .
قال أبو جعفر : وأولى القراءتين بالصواب عندي في " السبيل " الرفع ، لأن الله - تعالى ذكره - فصل آياته في كتابه وتنزيله ، ليتبين الحق بها من الباطل جميع من خوطب بها ، لا بعض دون بعض . [ ص: 396 ]
ومن قرأ " السبيل " بالنصب ، فإنما جعل تبيين ذلك محصورا على النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وأما القراءة في قوله : " ولتستبين " فسواء قرئت بالتاء أو بالياء ، لأن من العرب من يذكر " السبيل " وهم تميم وأهل نجد ومنهم من يؤنث " السبيل " وهم أهل الحجاز . وهما قراءتان مستفيضتان في قرأة الأمصار ، ولغتان مشهورتان من لغات العرب ، وليس في قراءة ذلك بإحداهما خلاف لقراءته بالأخرى ، ولا وجه لاختيار إحداهما على الأخرى بعد أن يرفع " السبيل " للعلة التي ذكرنا .
وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله : " نفصل الآيات " قال أهل التأويل .
13300 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : " وكذلك نفصل الآيات " نبين الآيات .
13301 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال قال ابن زيد في : " نفصل الآيات " نبين .