قال أبو جعفر : يقول - تعالى ذكره - لنبيه - صلى الله عليه وسلم - : " قل " يا محمد ، لهؤلاء العادلين بربهم ، الداعين لك إلى الإشراك بربك " إني على بينة من ربي " أي إني على بيان قد تبينته ، وبرهان قد وضح لي " من ربي " يقول : من توحيدي ، وما أنا عليه من إخلاص عبوديته من غير إشراك شيء به .
وكذلك تقول العرب : " فلان على بينة من هذا الأمر " إذا كان على بيان [ ص: 398 ] منه ، ومن ذلك قول الشاعر :
أبينة تبغون بعد اعترافه وقول سويد قد كفيتكم بشرا
" وكذبتم به " يقول : وكذبتم أنتم بربكم و " الهاء " في قوله " به " من ذكر الرب جل وعز " ما عندي ما تستعجلون به " يقول : ما الذي تستعجلون من نقم الله وعذابه بيدي ، ولا أنا على ذلك بقادر . وذلك أنهم قالوا حين بعث الله نبيه محمدا - صلى الله عليه وسلم - بتوحيده ، فدعاهم إلى الله ، وأخبرهم أنه رسوله إليهم : هل هذا إلا بشر مثلكم أفتأتون السحر وأنتم تبصرون [ سورة الأنبياء : 3 ] . وقالوا للقرآن : هو أضغاث أحلام . وقال بعضهم : بل هو اختلاق اختلقه . وقال آخرون : بل محمد شاعر ، فليأتنا بآية كما أرسل الأولون فقال الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم - : أجبهم بأن الآيات بيد الله لا بيدك ، وإنما أنت رسول ، وليس عليك إلا البلاغ لما أرسلت به ، وأن الله يقضي الحق فيهم وفيك ، ويفصل به بينك وبينهم ، فيتبين المحق منكم والمبطل " وهو خير الفاصلين " أي : وهو خير من بين وميز بين المحق والمبطل وأعدلهم ، لأنه لا يقع في حكمه وقضائه حيف إلى أحد لوسيلة له إليه ولا لقرابة ولا مناسبة ، ولا في قضائه جور ، لأنه لا يأخذ الرشوة في الأحكام فيجور ، فهو أعدل الحكام وخير الفاصلين .
وقد ذكر لنا في قراءة عبد الله : ( وهو أسرع الفاصلين ) .
13302 - حدثنا قال : حدثنا محمد بن بشار محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير : أنه قال : في قراءة عبد الله : [ ص: 399 ] ( يقضي الحق وهو أسرع الفاصلين ) .
واختلفت القرأة في قراءة قوله : " يقص الحق " .
فقرأه عامة قرأة الحجاز والمدينة وبعض قرأة أهل الكوفة والبصرة : " إن الحكم إلا لله يقص الحق " بالصاد ، بمعنى " القصص " وتأولوا في ذلك قول الله - تعالى ذكره - : نحن نقص عليك أحسن القصص [ سورة يوسف : 3 ] . وذكر ذلك عن ابن عباس .
13303 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا ابن عيينة ، عن ، عن عمرو بن دينار عطاء ، عن ابن عباس قال ، " يقص الحق " وقال : نحن نقص عليك أحسن القصص .
وقرأ ذلك جماعة من قرأة الكوفة والبصرة : ( إن الحكم إلا لله يقضي الحق ) بالضاد ، من " القضاء " بمعنى الحكم والفصل بالقضاء ، واعتبروا صحة ذلك بقوله : " وهو خير الفاصلين " وأن " الفصل " بين المختلفين إنما يكون بالقضاء لا بالقصص .
وهذه القراءة عندنا أولى القراءتين بالصواب ، لما ذكرنا لأهلها من العلة .
فمعنى الكلام إذا : ما الحكم فيما تستعجلون به ، أيها المشركون ، من عذاب الله وفيما بيني وبينكم ، إلا لله الذي لا يجوز في حكمه ، وبيده الخلق والأمر ، يقضي الحق بيني وبينكم ، وهو خير الفاصلين بيننا بقضائه وحكمه . [ ص: 400 ]