القول في تأويل قوله ( قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم )
قال أبو جعفر : يقول - تعالى ذكره - لنبيه - صلى الله عليه وسلم - : قل لهؤلاء العادلين بربهم غيره من الأصنام والأوثان ، يا محمد : إن الذي ينجيكم من ظلمات البر والبحر ومن كل كرب ، ثم تعودون للإشراك به ، هو القادر على أن يرسل عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم ، لشرككم به ، وادعائكم معه إلها آخر غيره ، وكفرانكم نعمه ، مع إسباغه عليكم آلاءه ومننه .
وقد اختلف أهل التأويل في معنى " العذاب " الذي توعد الله به هؤلاء القوم أن يبعثه عليهم من فوقهم أو من تحت أرجلهم .
فقال بعضهم : أما العذاب الذي توعدهم به أن يبعثه عليهم من فوقهم ، فالرجم . وأما الذي توعدهم أن يبعثه عليهم من تحتهم ، فالخسف .
ذكر من قال ذلك :
13344 - حدثنا محمد بن بشار قالا : حدثنا وابن وكيع عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن ، عن السدي أبي مالك : عذابا من فوقكم ، أو من تحت أرجلكم ، قال : الخسف .
13345 - حدثنا سفيان قال : حدثنا ، عن يحيى بن آدم الأشجعي ، [ ص: 417 ] عن سفيان ، عن ، عن السدي أبي مالك مثله . وسعيد بن جبير
13346 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبو سلمة ، عن شبل ، عن ابن نجيح ، عن مجاهد : " قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم " قال الخسف .
13347 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن : " السدي قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم " فعذاب السماء " أو من تحت أرجلكم " فيخسف بكم الأرض .
13348 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال قال ابن زيد في قوله : " قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم " قال : كان ابن مسعود يصيح وهو في المجلس أو على المنبر : ألا أيها الناس ، إنه نزل بكم . إن الله يقول : " قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم " لو جاءكم عذاب من السماء لم يبق منكم أحد " أو من تحت أرجلكم " لو خسف بكم الأرض أهلككم ، لم يبق منكم أحد " أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض " ألا إنه نزل بكم أسوأ الثلاث .
وقال آخرون : عنى بالعذاب من فوقكم ، أئمة السوء " أو من تحت أرجلكم " الخدم وسفلة الناس .
ذكر من قال ذلك :
13349 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال سمعت خلادا يقول : سمعت عامر بن عبد الرحمن يقول : إن ابن عباس كان يقول في هذه : [ ص: 418 ] " قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم " فأما العذاب من فوقكم ، فأئمة السوء وأما العذاب من تحت أرجلكم ، فخدم السوء .
13350 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : " قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم " يعني من أمرائكم " أو من تحت أرجلكم " يعني : سفلتكم .
قال أبو جعفر : وأولى التأويلين في ذلك بالصواب عندي ، قول من قال : عنى بالعذاب من فوقهم ، الرجم أو الطوفان وما أشبه ذلك مما ينزل عليهم من فوق رءوسهم ومن تحت أرجلهم ، الخسف وما أشبهه . وذلك أن المعروف في كلام العرب من معنى " فوق " و " تحت " الأرجل ، هو ذلك ، دون غيره . وإن كان لما روي عن ابن عباس في ذلك وجه صحيح ، غير أن الكلام إذا تنوزع في تأويله ، فحمله على الأغلب الأشهر من معناه أحق وأولى من غيره ، ما لم تأت حجة مانعة من ذلك يجب التسليم لها .