القول في تأويل قوله ( إن الله فالق الحب والنوى )
قال أبو جعفر : وهذا تنبيه من الله جل ثناؤه هؤلاء العادلين به الآلهة والأوثان على موضع حجته عليهم ، وتعريف منه لهم خطأ ما هم عليه مقيمون من إشراك الأصنام في عبادتهم إياه . يقول - تعالى ذكره - : إن الذي له العبادة ، أيها الناس ، دون كل ما تعبدون من الآلهة والأوثان ، هو الله الذي فلق الحب يعني : شق الحب من كل ما ينبت من النبات ، فأخرج منه الزرع " والنوى " من كل ما يغرس مما له نواة ، فأخرج منه الشجر .
و " الحب " جمع " الحبة " و " النوى " جمع " النواة " .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل . [ ص: 551 ]
ذكر من قال ذلك :
13581 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن : " السدي إن الله فالق الحب والنوى " أما " فالق الحب والنوى " : ففالق الحب عن السنبلة ، وفالق النواة عن النخلة .
13582 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : " فالق الحب والنوى " قال : يفلق الحب والنوى عن النبات .
13583 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " فالق الحب والنوى " قال : الله فالق ذلك ، فلقه فأنبت منه ما أنبت . فلق النواة فأخرج منها نبات نخلة ، وفلق الحبة فأخرج نبات الذي خلق .
وقال آخرون : معنى " فالق " خالق .
ذكر من قال ذلك :
13584 - حدثنا قال : حدثنا هناد بن السري مروان بن معاوية ، عن جويبر ، عن الضحاك في قوله : " إن الله فالق الحب والنوى " قال : خالق الحب والنوى .
13585 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك مثله .
13586 - حدثني محمد بن سعد قال حدثني أبي قال حدثني عمي قال حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " إن الله فالق الحب والنوى " قال : خالق الحب والنوى .
وقال آخرون : معنى ذلك : أنه فلق الشق الذي في الحبة والنواة .
ذكر من قال ذلك :
13587 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا [ ص: 552 ] عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : " فالق الحب والنوى " قال : الشقان اللذان فيهما .
13588 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .
13589 - حدثني المثنى قال : حدثنا معلى بن أسد قال : حدثنا خالد ، عن حصين ، عن أبي مالك في قول الله : " إن الله فالق الحب والنوى " قال : الشق الذي يكون في النواة وفي الحنطة .
13590 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن القاسم بن أبي بزة ، عن مجاهد : " فالق الحب والنوى " قال : الشقان اللذان فيهما .
13591 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال سمعت أبا معاذ قال حدثني عبيد بن سليمان قال سمعت الضحاك يقول في قوله : " فالق الحب والنوى " يقول : خالق الحب والنوى ، يعني كل حبة .
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندي ، ما قدمنا القول به . وذلك أن الله جل ثناؤه أتبع ذلك بإخباره عن إخراجه الحي من الميت والميت من الحي ، فكان معلوما بذلك أنه إنما عنى بإخباره عن نفسه أنه فالق الحب عن النبات ، والنوى عن الغروس والأشجار ، كما هو مخرج الحي من الميت ، والميت من الحي .
وأما القول الذي حكي عن الضحاك في معنى " فالق " أنه خالق ، فقول - إن لم يكن أراد به أنه خالق منه النبات والغروس بفلقه إياه - لا أعرف له وجها ، لأنه لا يعرف في كلام العرب : " فلق الله الشيء " بمعنى : خلق .