القول في تأويل قوله ( وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون ( 129 ) )
قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ( نولي ) .
فقال بعضهم : معناه : نحمل بعضهم لبعض وليا على الكفر بالله . [ ص: 119 ]
ذكر من قال ذلك :
13893 - حدثنا يونس قال : حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون ) ، وإنما يولي الله بين الناس بأعمالهم ، فالمؤمن ولي المؤمن أين كان وحيث كان ، والكافر ولي الكافر أينما كان وحيثما كان . ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي .
وقال آخرون : معناه : نتبع بعضهم بعضا في النار من " الموالاة " ، وهو المتابعة بين الشيء والشيء ، من قول القائل : " واليت بين كذا وكذا " ، إذا تابعت بينهما .
ذكر من قال ذلك :
13894 - حدثني محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : ( وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا ) ، في النار ، يتبع بعضهم بعضا .
وقال آخرون : معنى ذلك ، نسلط بعض الظلمة على بعض .
ذكر من قال ذلك :
13895 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا ) ، قال : ظالمي الجن وظالمي الإنس . وقرأ : ( ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين ) ، [ سورة الزخرف : 36 ] . قال : نسلط ظلمة الجن على ظلمة الإنس . [ ص: 120 ]
قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال في تأويل ذلك بالصواب ، قول من قال : معناه : وكذلك نجعل بعض الظالمين لبعض أولياء ؛ لأن الله ذكر قبل هذه الآية ما كان من قول المشركين ، فقال جل ثناؤه : ( وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض ) ، وأخبر جل ثناؤه : أن بعضهم أولياء بعض ، ثم عقب خبره ذلك بخبره عن أن ولاية بعضهم بعضا بتوليته إياهم ، فقال : وكما جعلنا بعض هؤلاء المشركين من الجن والإنس أولياء بعض يستمتع بعضهم ببعض ، كذلك نجعل بعضهم أولياء بعض في كل الأمور " بما كانوا يكسبون " ، من معاصي الله ويعملونه .