[ ص: 268 ] القول في تأويل قوله تعالى (
nindex.php?page=treesubj&link=28977_28826_28825nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون ( 159 ) )
قال
أبو جعفر : اختلف القرأة في قراءة قوله : ( فرقوا ) .
فروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، ما :
14252 - حدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن
سفيان ، عن
أبي إسحاق ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16666عمرو بن دينار ، أن
عليا رضي الله عنه قرأ : " إن الذين فارقوا دينهم " .
14253 - حدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا
جرير قال : قال
حمزة الزيات : قرأها
علي رضي الله عنه : " فارقوا دينهم " .
14254 - . . . وقال : حدثنا
الحسن بن علي ، عن
سفيان ، عن
قتادة : " فارقوا دينهم " .
وكأن
عليا ذهب بقوله : " فارقوا دينهم " ، خرجوا فارتدوا عنه ، من " المفارقة " .
وقرأ ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود ، كما : -
14255 - حدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا
يحيى بن رافع ، عن
زهير قال : حدثنا
أبو إسحاق أن
عبد الله كان يقرؤها : ( فرقوا دينهم ) .
وعلى هذه القراءة أعني قراءة
عبد الله قرأة
المدينة والبصرة وعامة قرأة الكوفيين . وكأن
عبد الله تأول بقراءته ذلك كذلك : أن دين الله واحد ، وهو دين
إبراهيم الحنيفية المسلمة ، ففرق ذلك
اليهود والنصارى ، فتهود قوم وتنصر آخرون ، فجعلوه شيعا متفرقة .
قال
أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك أن يقال : إنهما قراءتان معروفتان ، قد قرأت بكل واحدة منهما أئمة من القرأة ، وهما متفقتا المعنى غير مختلفتيه . وذلك
[ ص: 269 ] أن كل ضال فلدينه مفارق ، وقد فرق الأحزاب دين الله الذي ارتضاه لعباده ، فتهود بعض وتنصر آخرون ، وتمجس بعض . وذلك هو " التفريق " بعينه ، ومصير أهله شيعا متفرقين غير مجتمعين ، فهم لدين الله الحق مفارقون ، وله مفرقون . فبأي ذلك قرأ القارئ فهو للحق مصيب ، غير أني أختار القراءة بالذي عليه عظم القرأة ، وذلك تشديد " الراء " من " فرقوا " .
ثم اختلف أهل التأويل في المعنيين بقوله : ( إن الذين فرقوا دينهم ) .
فقال بعضهم : عنى بذلك
اليهود والنصارى .
ذكر من قال ذلك :
14256 - حدثنا
محمد بن عمرو قال : حدثنا
أبو عاصم قال : حدثنا
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد في قول الله : ( وكانوا شيعا ) ، قال : يهود .
14257 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
أبو حذيفة قال : حدثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، بنحوه .
14258 - حدثنا
محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا
محمد بن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة : ( فرقوا دينهم ) ، قال : هم
اليهود والنصارى .
14259 - حدثنا
بشر قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا ) ، من
اليهود والنصارى .
14260 - حدثني
محمد بن الحسين قال : حدثنا
أحمد بن المفضل قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء ) ، هؤلاء
اليهود والنصارى . وأما قوله : ( فارقوا دينهم ) ، فيقول : تركوا دينهم وكانوا شيعا .
14261 - حدثني
محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي
[ ص: 270 ] قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا ) ، وذلك أن
اليهود والنصارى اختلفوا قبل أن يبعث
محمد ، فتفرقوا . فلما بعث محمد أنزل الله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء ) .
14262 - حدثت عن
الحسين بن الفرج قال : سمعت
أبا معاذ يقول ، أخبرنا
عبيد بن سليمان قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا ) ، يعني
اليهود والنصارى .
14263 - حدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا
حسين بن علي ، عن
شيبان ، عن
قتادة : " فارقوا دينهم " ، قال : هم
اليهود والنصارى .
وقال آخرون : عنى بذلك أهل البدع من هذه الأمة ، الذين اتبعوا متشابه القرآن دون محكمه .
ذكر من قال ذلك :
14264 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار قال : حدثنا
عبد الرحمن قال : حدثنا
سفيان ، عن
ليث ، عن
طاوس ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : (
إن الذين فرقوا دينهم ) ، قال : نزلت هذه الآية في هذه الأمة .
14265 - حدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن
سفيان ، عن
ليث ، عن
طاوس ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا ) ، قال : هم أهل الصلاة .
14266 - حدثني
سعيد بن عمرو السكوني قال : حدثنا
بقية بن الوليد قال : كتب إلي
عباد بن كثير قال : حدثني
ليث ، عن
طاوس ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة [ ص: 271 ] قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=811497قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في هذه الآية : " ( nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء ) ، وليسوا منك ، هم أهل البدع ، وأهل الشبهات ، وأهل الضلالة من هذه الأمة .
قال
أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال : إن الله أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم أنه بريء ممن فارق دينه الحق وفرقه ، وكانوا فرقا فيه وأحزابا شيعا ، وأنه ليس منهم . ولا هم منه ؛ لأن دينه الذي بعثه الله به هو الإسلام ، دين
إبراهيم الحنيفية ، كما قال له ربه وأمره أن يقول : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=161قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين ) [ سورة الأنعام : 161 ] .
فكان من فارق دينه الذي بعث به صلى الله عليه وسلم من مشرك ووثني يهودي ونصراني ومتحنف ، مبتدع قد ابتدع في الدين ما ضل به عن الصراط المستقيم والدين القيم ملة
إبراهيم المسلم ، فهو بريء من
محمد صلى الله عليه وسلم ،
ومحمد منه بريء ، وهو داخل في عموم قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء ) .
[ ص: 272 ]
وأما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ) ، فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله .
فقال بعضهم : نزلت هذه الآية على نبي الله بالأمر بترك قتال المشركين قبل وجوب فرض قتالهم ، ثم نسخها الأمر بقتالهم في " سورة براءة " ، وذلك قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=5فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) . [ سورة التوبة : 5 ] .
ذكر من قال ذلك :
14267 - حدثني
محمد بن الحسين قال : حدثنا
أحمد بن المفضل قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ) ، لم يؤمر بقتالهم ، ثم نسخت ، فأمر بقتالهم في " سورة براءة " .
وقال آخرون : بل نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم إعلاما من الله له أن من أمته من يحدث بعده في دينه . وليست بمنسوخة ؛ لأنها خبر لا أمر ، والنسخ إنما يكون في الأمر والنهي .
ذكر من قال ذلك :
14268 - حدثنا
أبو كريب قال : حدثنا
ابن إدريس قال : أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=16872مالك بن مغول ، عن
علي بن الأقمر ، عن
أبي الأحوص ، أنه تلا هذه الآية : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء ) ، ثم يقول : بريء نبيكم صلى الله عليه وسلم منهم .
14269 - حدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا أبي
وابن إدريس وأبو أسامة ويحيى بن آدم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16872مالك بن مغول ، بنحوه .
14270 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثنا
شجاع أبو [ ص: 273 ] بدر ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16717عمرو بن قيس الملائي قال : قالت
أم سلمة : ليتق امرؤ أن لا يكون من رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء ! ثم قرأت : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء ) قال
عمرو بن قيس : قالها مرة الطيب ، وتلا هذه الآية .
قال
أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن قوله : ( لست منهم في شيء ) ، إعلام من الله نبيه
محمدا صلى الله عليه وسلم أنه من مبتدعة أمته الملحدة في دينه بريء ، ومن الأحزاب من مشركي قومه ، ومن
اليهود والنصارى . وليس في إعلامه ذلك ما يوجب أن يكون نهاه عن قتالهم ؛ لأنه غير محال أن يقال في الكلام : " لست من دين
اليهود والنصارى في شيء فقاتلهم . فإن أمرهم إلى الله في أن يتفضل على من شاء منهم فيتوب عليه ، ويهلك من أراد إهلاكه منهم كافرا فيقبض روحه ، أو يقتله بيدك على كفره ، ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون عند مقدمهم عليه " . وإذ كان غير مستحيل اجتماع الأمر بقتالهم ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ) ، ولم يكن في الآية دليل واضح على أنها منسوخة ، ولا ورد بأنها منسوخة عن الرسول خبر كان غير جائز أن يقضى عليها بأنها منسوخة ، حتى تقوم حجة موجبة صحة القول بذلك ، لما قد بينا من أن المنسوخ هو ما لم يجز اجتماعه وناسخه في حال واحدة ، في كتابنا كتاب : " اللطيف من البيان عن أصول الأحكام " .
[ ص: 274 ]
وأما قوله : ( إنما أمرهم إلى الله ) ، فإنه يقول : أنا الذي إلي أمر هؤلاء المشركين الذين فارقوا دينهم وكانوا شيعا ، والمبتدعة من أمتك الذين ضلوا عن سبيلك ، دونك ودون كل أحد . إما بالعقوبة إن أقاموا على ضلالتهم وفرقتهم دينهم فأهلكهم بها ، وإما بالعفو عنهم بالتوبة عليهم والتفضل مني عليهم ( ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون ) ، يقول : ثم أخبرهم في الآخرة عند ورودهم علي يوم القيامة بما كانوا يفعلون ، فأجازي كلا منهم بما كانوا في الدنيا يفعلون ، المحسن منهم بالإحسان ، والمسيء بالإساءة . ثم أخبر جل ثناؤه ما مبلغ جزائه من جازى منهم بالإحسان أو بالإساءة فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=160من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون ) .
[ ص: 268 ] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى (
nindex.php?page=treesubj&link=28977_28826_28825nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ( 159 ) )
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : اخْتَلَفَ الْقَرَأَةُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلُهُ : ( فَرَّقُوا ) .
فَرُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، مَا :
14252 - حَدَّثَنَا
ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي ، عَنْ
سُفْيَانَ ، عَنْ
أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16666عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، أَنَّ
عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَرَأَ : " إِنَّ الَّذِينَ فَارَقُوا دِينَهُمْ " .
14253 - حَدَّثَنَا
ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
جَرِيرٌ قَالَ : قَالَ
حَمْزَةُ الزَّيَّاتُ : قَرَأَهَا
عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " فَارَقُوا دِينَهُمْ " .
14254 - . . . وَقَالَ : حَدَّثَنَا
الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ ، عَنْ
سُفْيَانَ ، عَنْ
قَتَادَةَ : " فَارَقُوا دِينَهُمْ " .
وَكَأَنَّ
عَلِيًّا ذَهَبَ بِقَوْلِهِ : " فَارَقُوا دِينَهُمْ " ، خَرَجُوا فَارْتَدُّوا عَنْهُ ، مِنْ " الْمُفَارَقَةِ " .
وَقَرَأَ ذَلِكَ
nindex.php?page=showalam&ids=10عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ ، كَمَا : -
14255 - حَدَّثَنَا
ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
يَحْيَى بْنُ رَافِعٍ ، عَنْ
زُهَيْرٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
أَبُو إِسْحَاقَ أَنَّ
عَبْدَ اللَّهِ كَانَ يَقْرَؤُهَا : ( فَرَّقُوا دِينَهُمْ ) .
وَعَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ أَعْنِي قِرَاءَةَ
عَبْدِ اللَّهِ قَرَأَةُ
الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَعَامَّةُ قَرَأَةِ الْكُوفِيِّينَ . وَكَأَنَّ
عَبْدَ اللَّهِ تَأَوَّلَ بِقِرَاءَتِهِ ذَلِكَ كَذَلِكَ : أَنَّ دِينَ اللَّهِ وَاحِدٌ ، وَهُوَ دِينُ
إِبْرَاهِيمَ الْحَنِيفِيَّةُ الْمُسْلِمَةُ ، فَفَرَّقَ ذَلِكَ
الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى ، فَتَهَوَّدَ قَوْمٌ وَتَنَصَّرَ آخَرُونَ ، فَجَعَلُوهُ شِيَعًا مُتَفَرِّقَةً .
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ : إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ ، قَدْ قَرَأَتْ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَئِمَّةٌ مِنَ الْقَرَأَةِ ، وَهُمَا مُتَّفِقَتَا الْمَعْنَى غَيْرُ مُخْتَلِفَتَيْهِ . وَذَلِكَ
[ ص: 269 ] أَنَّ كُلَّ ضَالٍّ فَلِدِينِهِ مُفَارِقٌ ، وَقَدْ فَرَّقَ الْأَحْزَابُ دِينَ اللَّهِ الَّذِي ارْتَضَاهُ لِعِبَادِهِ ، فَتَهَوَّدَ بَعْضٌ وَتَنَصَّرَ آخَرُونَ ، وَتَمَجَّسَ بَعْضٌ . وَذَلِكَ هُوَ " التَّفْرِيقُ " بِعَيْنِهِ ، وَمَصِيرُ أَهْلِهِ شِيَعًا مُتَفَرِّقِينَ غَيْرَ مُجْتَمِعِينَ ، فَهُمْ لِدِينِ اللَّهِ الْحَقِّ مُفَارِقُونَ ، وَلَهُ مُفَرِّقُونَ . فَبِأَيِّ ذَلِكَ قَرَأَ الْقَارِئُ فَهُوَ لِلْحَقِّ مُصِيبٌ ، غَيْرَ أَنِّي أَخْتَارُ الْقِرَاءَةَ بِالَّذِي عَلَيْهِ عُظْمُ الْقَرَأَةِ ، وَذَلِكَ تَشْدِيدُ " الرَّاءِ " مِنْ " فَرَّقُوا " .
ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنَيَيْنِ بِقَوْلِهِ : ( إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دَيْنَهُمْ ) .
فَقَالَ بَعْضُهُمْ : عَنَى بِذَلِكَ
الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
14256 - حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ : حَدَّثَنَا
أَبُو عَاصِمٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
عِيسَى ، عَنِ
ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ : ( وَكَانُوا شِيَعًا ) ، قَالَ : يَهُودَ .
14257 - حَدَّثَنِي
الْمُثَنَّى قَالَ : حَدَّثَنَا
أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ : حَدَّثَنَا
شِبْلٌ ، عَنِ
ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ ، بِنَحْوِهِ .
14258 - حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ : حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ ، عَنْ
مَعْمَرٍ ، عَنْ
قَتَادَةَ : ( فَرَّقُوا دَيْنَهُمْ ) ، قَالَ : هُمُ
الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى .
14259 - حَدَّثَنَا
بِشْرٌ قَالَ : حَدَّثَنَا
يَزِيدُ قَالَ : حَدَّثَنَا
سَعِيدٌ ، عَنْ
قَتَادَةَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ) ، مِنَ
الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى .
14260 - حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ : حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ : حَدَّثَنَا
أَسْبَاطٌ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيِّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ) ، هَؤُلَاءِ
الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى . وَأَمَّا قَوْلُهُ : ( فَارَقُوا دِينَهُمْ ) ، فَيَقُولُ : تَرَكُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا .
14261 - حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي
[ ص: 270 ] قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ) ، وَذَلِكَ أَنَّ
الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اخْتَلَفُوا قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ
مُحَمَّدٌ ، فَتَفَرَّقُوا . فَلَمَّا بُعِثَ مُحَمَّدٌ أَنْزَلَ اللَّهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ) .
14262 - حُدِّثْتُ عَنِ
الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ : سَمِعْتُ
أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ ، أَخْبَرَنَا
عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ : سَمِعْتُ
الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ) ، يَعْنِي
الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى .
14263 - حَدَّثَنَا
ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ ، عَنْ
شَيْبَانَ ، عَنْ
قَتَادَةَ : " فَارَقُوا دِينَهُمْ " ، قَالَ : هُمُ
الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى .
وَقَالَ آخَرُونَ : عَنَى بِذَلِكَ أَهْلَ الْبِدَعِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ ، الَّذِينَ اتَّبَعُوا مُتَشَابِهَ الْقُرْآنِ دُونَ مُحْكَمِهِ .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
14264 - حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=15573مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ : حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ ، عَنْ
لَيْثٍ ، عَنْ
طَاوُسٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : (
إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دَيْنَهُمْ ) ، قَالَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ .
14265 - حَدَّثَنَا
ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي ، عَنْ
سُفْيَانَ ، عَنْ
لَيْثٍ ، عَنْ
طَاوُسٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ) ، قَالَ : هُمْ أَهْلُ الصَّلَاةِ .
14266 - حَدَّثَنِي
سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو السَّكُونِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا
بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ قَالَ : كَتَبَ إِلَيَّ
عَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ قَالَ : حَدَّثَنِي
لَيْثٌ ، عَنْ
طَاوُسٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ [ ص: 271 ] قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=811497قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ : " ( nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ) ، وَلَيْسُوا مِنْكَ ، هُمْ أَهْلُ الْبِدَعِ ، وَأَهْلُ الشُّبَهَاتِ ، وَأَهْلُ الضَّلَالَةِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ .
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ : إِنِ اللَّهَ أَخْبَرَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ بَرِيءٌ مِمَّنْ فَارَقَ دِينَهُ الْحَقَّ وَفَرَّقَهُ ، وَكَانُوا فِرَقًا فِيهِ وَأَحْزَابًا شِيَعًا ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُمْ . وَلَا هُمْ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ دِينَهُ الَّذِي بَعَثَهُ اللَّهُ بِهِ هُوَ الْإِسْلَامُ ، دِينُ
إِبْرَاهِيمَ الْحَنِيفِيَّةُ ، كَمَا قَالَ لَهُ رَبُّهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يَقُولَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=161قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) [ سُورَةُ الْأَنْعَامِ : 161 ] .
فَكَانَ مَنْ فَارَقَ دِينَهُ الَّذِي بُعِثَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مُشْرِكٍ وَوَثَنِيٍّ يَهُودِيٍّ وَنَصْرَانِيٍّ وَمُتَحَنِّفٍ ، مُبْتَدِعٍ قَدِ ابْتَدَعَ فِي الدِّينِ مَا ضَلَّ بِهِ عَنِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ وَالدِّينِ الْقَيِّمِ مِلَّةِ
إِبْرَاهِيمَ الْمُسْلِمِ ، فَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
وَمُحَمَّدٌ مِنْهُ بَرِيءٌ ، وَهُوَ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دَيْنَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ) .
[ ص: 272 ]
وَأَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ) ، فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهِ .
فَقَالَ بَعْضُهُمْ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ بِالْأَمْرِ بِتَرْكِ قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ قَبْلَ وُجُوبِ فَرْضِ قِتَالِهِمْ ، ثُمَّ نَسَخَهَا الْأَمْرُ بِقِتَالِهِمْ فِي " سُورَةِ بَرَاءَةَ " ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=5فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) . [ سُورَةُ التَّوْبَةِ : 5 ] .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
14267 - حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ : حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ : حَدَّثَنَا
أَسْبَاطٌ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيِّ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ) ، لَمْ يُؤْمَرْ بِقِتَالِهِمْ ، ثُمَّ نُسِخَتْ ، فَأُمِرَ بِقِتَالِهِمْ فِي " سُورَةِ بَرَاءَةَ " .
وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِعْلَامًا مِنَ اللَّهِ لَهُ أَنَّ مِنْ أَمَّتِهِ مَنْ يُحْدِثُ بَعْدَهُ فِي دِينِهِ . وَلَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ ؛ لِأَنَّهَا خَبَرٌ لَا أَمْرٌ ، وَالنَّسْخُ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
14268 - حَدَّثَنَا
أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
ابْنُ إِدْرِيسَ قَالَ : أَخْبَرَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=16872مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ ، عَنْ
عَلِيِّ بْنِ الْأَقْمَرِ ، عَنْ
أَبِي الْأَحْوَصِ ، أَنَّهُ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ) ، ثُمَّ يَقُولُ : بَرِيءٌ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ .
14269 - حَدَّثَنَا
ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي
وَابْنُ إِدْرِيسَ وَأَبُو أُسَامَةَ وَيَحْيَى بْنُ آدَمَ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16872مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ ، بِنَحْوِهِ .
14270 - حَدَّثَنَا
الْقَاسِمُ قَالَ : حَدَّثَنَا
الْحُسَيْنُ قَالَ : حَدَّثَنَا
شُجَاعٌ أَبُو [ ص: 273 ] بَدْرٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16717عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ الْمُلَائِيِّ قَالَ : قَالَتْ
أُمُّ سَلَمَةَ : لِيَتَّقِ امْرُؤٌ أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَيْءٍ ! ثُمَّ قَرَأَتْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ) قَالَ
عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ : قَالَهَا مُرَّةُ الطَّيِّبُ ، وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ .
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ : إِنَّ قَوْلَهُ : ( لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ) ، إِعْلَامٌ مِنَ اللَّهِ نَبِيَّهُ
مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مِنْ مُبْتَدِعَةِ أُمَّتِهِ الْمُلْحِدَةِ فِي دِينِهِ بَرِيءٌ ، وَمِنَ الْأَحْزَابِ مِنْ مُشْرِكِي قَوْمِهِ ، وَمِنَ
الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى . وَلَيْسَ فِي إِعْلَامِهِ ذَلِكَ مَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ نَهَاهُ عَنْ قِتَالِهِمْ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُحَالٍ أَنْ يُقَالَ فِي الْكَلَامِ : " لَسْتَ مِنْ دِينِ
الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فِي شَيْءٍ فَقَاتِلْهُمْ . فَإِنَّ أَمْرَهُمْ إِلَى اللَّهِ فِي أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَى مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ فَيَتُوبَ عَلَيْهِ ، وَيُهْلِكَ مَنْ أَرَادَ إِهْلَاكَهُ مِنْهُمْ كَافِرًا فَيَقْبِضَ رُوحَهُ ، أَوْ يَقْتُلَهُ بِيَدِكَ عَلَى كُفْرِهِ ، ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ عِنْدَ مَقْدِمِهِمْ عَلَيْهِ " . وَإِذْ كَانَ غَيْرَ مُسْتَحِيلٍ اجْتِمَاعُ الْأَمْرِ بِقِتَالِهِمْ ، وَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ) ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْآيَةِ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ ، وَلَا وَرَدَ بِأَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ عَنِ الرَّسُولِ خَبَرٌ كَانَ غَيْرَ جَائِزٍ أَنْ يُقْضَى عَلَيْهَا بِأَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ ، حَتَّى تَقُومَ حُجَّةٌ مُوجِبَةٌ صِحَّةَ الْقَوْلِ بِذَلِكَ ، لِمَا قَدْ بَيَّنَّا مِنْ أَنَّ الْمَنْسُوخَ هُوَ مَا لَمْ يَجُزِ اجْتِمَاعُهُ وَنَاسِخُهُ فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ ، فِي كِتَابِنَا كِتَابِ : " اللَّطِيفِ مِنَ الْبَيَانِ عَنْ أُصُولِ الْأَحْكَامِ " .
[ ص: 274 ]
وَأَمَّا قَوْلُهُ : ( إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ) ، فَإِنَّهُ يَقُولُ : أَنَا الَّذِي إِلَيَّ أَمْرُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ فَارَقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ، وَالْمُبْتَدِعَةِ مِنْ أُمَّتِكَ الَّذِينَ ضَلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ ، دُونَكَ وَدُونَ كُلِّ أَحَدٍ . إِمَّا بِالْعُقُوبَةِ إِنْ أَقَامُوا عَلَى ضَلَالَتِهِمْ وَفُرْقَتِهِمْ دِينَهُمْ فَأُهْلِكُهُمْ بِهَا ، وَإِمَّا بِالْعَفْوِ عَنْهُمْ بِالتَّوْبَةِ عَلَيْهِمْ وَالتَّفَضُّلِ مِنِّي عَلَيْهِمْ ( ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ) ، يَقُولُ : ثُمَّ أُخْبِرُهُمْ فِي الْآخِرَةِ عِنْدَ وُرُودِهِمْ عَلَيَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ، فَأُجَازِي كُلًّا مِنْهُمْ بِمَا كَانُوا فِي الدُّنْيَا يَفْعَلُونَ ، الْمُحْسِنَ مِنْهُمْ بِالْإِحْسَانِ ، وَالْمُسِيءَ بِالْإِسَاءَةِ . ثُمَّ أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مَا مَبْلَغُ جَزَائِهِ مَنْ جَازَى مِنْهُمْ بِالْإِحْسَانِ أَوْ بِالْإِسَاءَةِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=160مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ) .