قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : فأهلك الذين كذبوا شعيبا فلم يؤمنوا به ، فأبادهم ، فصارت قريتهم منهم خاوية خلاء ( كأن لم يغنوا فيها ) ، يقول : كأن لم ينزلوا قط ولم يعيشوا بها حين هلكوا .
يقال : " غني فلان بمكان كذا ، فهو يغنى به غنى وغنيا " ، إذا نزل به وكان به ، كما قال الشاعر .
ولقد يغنى بها جيرانك ال ممسكو منك بعهد ووصال
[ ص: 570 ] وقال رؤبة :
وعهد مغنى دمنة بضلفعا
إنما هو " مفعل " من " غني " .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
14866 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور قال ، حدثنا معمر ، عن قتادة . ( كأن لم يغنوا فيها ) ، : كأن لم يعيشوا ، كأن لم ينعموا .
14867 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس : ( كأن لم يغنوا فيها ) ، يقول : كأن لم يعيشوا فيها .
14868 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( كأن لم يغنوا فيها ) ، كأن لم يكونوا فيها قط .
وقوله : ( الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين ) ، يقول تعالى ذكره : لم يكن الذين اتبعوا شعيبا الخاسرين ، بل الذين كذبوه كانوا هم الخاسرين الهالكين . لأنه أخبر عنهم جل ثناؤه : أن الذين كذبوا شعيبا قالوا للذين أرادوا اتباعه : ( لئن اتبعتم شعيبا إنكم إذا لخاسرون ) ، فكذبهم الله بما أحل بهم من عاجل نكاله ، ثم قال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ما خسر تباع شعيب ، بل كان الذين كذبوا شعيبا لما جاءت عقوبة الله ، هم الخاسرين ، دون الذين صدقوا وآمنوا به .