قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : ( ثم بدلنا ) أهل القرية التي أخذنا أهلها بالبأساء والضراء ( مكان السيئة ) ، وهي البأساء والضراء . وإنما جعل ذلك " سيئة " ، لأنه مما يسوء الناس ولا تسوءهم " الحسنة " ، وهي الرخاء والنعمة والسعة في المعيشة ( حتى عفوا ) ، يقول : حتى كثروا .
وكذلك كل شيء كثر ، فإنه يقال فيه : " قد عفا " ، كما قال الشاعر :
ولكنا نعض السيف منها بأسوق عافيات الشحم كوم
[ ص: 574 ] وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك .
14873 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : ( مكان السيئة الحسنة ) ، قال : مكان الشدة رخاء ( حتى عفوا ) .
14874 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : ( مكان السيئة الحسنة ) ، قال : " السيئة " ، الشر ، و " الحسنة " ، الرخاء والمال والولد .
14875 - حدثنا المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( مكان السيئة الحسنة ) ، قال : " السيئة " ، الشر ، و " الحسنة " ، الخير .
14876 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة ) ، يقول : مكان الشدة الرخاء .
14877 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : ( ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتى عفوا ) ، قال : بدلنا مكان ما كرهوا ما أحبوا في الدنيا ( حتى عفوا ) ، من ذلك العذاب ( وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء ) .
واختلفوا في تأويل قوله : ( حتى عفوا ) .
فقال بعضهم نحو الذي قلنا فيه .
ذكر من قال ذلك :
14878 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني [ ص: 575 ] معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( حتى عفوا ) ، يقول : حتى كثروا وكثرت أموالهم .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن قال : قال ابن جريج ابن عباس : ( حتى عفوا ) ، قال : جموا .
14879 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( حتى عفوا ) ، قال : كثرت أموالهم وأولادهم .
14880 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
14881 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن : ( السدي حتى عفوا ) ، حتى كثروا .
14882 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن إبراهيم : ( حتى عفوا ) ، قال : حتى جموا وكثروا .
14883 - . . . قال ، حدثنا جابر بن نوح ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : ( حتى عفوا ) ، قال : حتى جموا .
14884 - . . . قال ، حدثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك : ( حتى عفوا ) ، يعني : جموا وكثروا .
14885 - . . . قال ، حدثنا عبد الله بن رجاء ، عن عن ابن جريج ، مجاهد : ( حتى عفوا ) ، قال : حتى كثرت أموالهم وأولادهم .
حدثنا يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( حتى عفوا ) ، كثروا كما يكثر النبات والريش ، ثم أخذهم عند ذلك بغتة وهم لا يشعرون . [ ص: 576 ]
وقال آخرون : معنى ذلك : حتى سروا .
ذكر من قال ذلك .
14886 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : ( حتى عفوا ) ، يقول : حتى سروا بذلك .
قال أبو جعفر : وهذا الذي قاله قتادة في معنى : " عفوا " ، تأويل لا وجه له في كلام العرب . لأنه لا يعرف " العفو " بمعنى السرور ، في شيء من كلامها ، إلا أن يكون أراد : حتى سروا بكثرتهم وكثرة أموالهم ، فيكون ذلك وجها ، وإن بعد .
وأما قوله : ( وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء ) ، فإنه خبر من الله عن هؤلاء القوم الذين أبدلهم مكان الحسنة السيئة التي كانوا فيها ، استدراجا وابتلاء ، أنهم قالوا إذ فعل ذلك بهم : هذه أحوال قد أصابت من قبلنا من آبائنا ، ونالت أسلافنا ، ونحن لا نعدو أن نكون أمثالهم يصيبنا ما أصابهم من الشدة في المعايش والرخاء فيها وهي " السراء " ، لأنها تسر أهلها .
وجهل المساكين شكر نعمة الله ، وأغفلوا من جهلهم استدامة فضله بالإنابة إلى طاعته ، والمسارعة إلى الإقلاع عما يكرهه بالتوبة ، حتى أتاهم أمره وهم لا يشعرون .
يقول جل جلاله : ( فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون ) ، يقول : فأخذناهم بالهلاك والعذاب فجأة ، أتاهم على غرة منهم بمجيئه ، وهم لا يدرون ولا يعلمون أنه يجيئهم ، بل هم بأنه آتيهم مكذبون حتى يعاينوه ويروه .