قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في معنى "الطوفان" . فقال بعضهم : هو الماء .
ذكر من قال ذلك : [ ص: 50 ]
14989 - حدثني ابن وكيع قال ، حدثنا حبويه أبو يزيد ، عن يعقوب القمي ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : لما جاء موسى بالآيات ، كان أول الآيات الطوفان ، فأرسل الله عليهم السماء .
14990 - حدثنا أبو هشام الرفاعي قال ، حدثنا ابن يمان قال ، حدثنا سفيان ، عن إسماعيل ، عن أبي مالك قال : "الطوفان" الماء .
14991 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك قال : "الطوفان" الماء .
14992 - . . قال ، حدثنا جابر بن نوح ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس قال : "الطوفان" الغرق .
14993 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : "الطوفان" الماء ، "والطاعون" ، على كل حال .
14994 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : "الطوفان" ، الموت على كل حال .
14995 - حدثنا محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : "الطوفان" الماء .
وقال آخرون : بل هو الموت .
ذكر من قال ذلك :
14996 - حدثنا أبو هشام الرفاعي قال ، حدثنا يحيى بن يمان قال ، [ ص: 51 ] حدثنا المنهال بن خليفة ، عن الحجاج ، عن الحكم بن ميناء ، عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الطوفان الموت .
14997 - حدثني عباس بن محمد قال ، حدثنا حجاج ، عن قال ، سألت ابن جريج عطاء : ما الطوفان؟ قال : الموت .
14998 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عبد الله بن رجاء ، عن ، عن ابن جريج عطاء عمن حدثه ، عن مجاهد قال : "الطوفان" الموت .
14999 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن عبد الله بن كثير : ( فأرسلنا عليهم الطوفان ) ، قال : الموت قال : وسألت ابن جريج عطاء عن "الطوفان" ، قال : الموت قال : وقال ابن جريج مجاهد : الموت على كل حال .
15000 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا يحيى بن يمان ، عن المنهال بن خليفة ، عن حجاج ، عن رجل ، عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الطوفان الموت . [ ص: 52 ] وقال آخرون : بل ذلك كان أمرا من الله طاف بهم .
ذكر من قال ذلك :
15001 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا جرير ، عن قابوس بن أبي ظبيان ، عن أبيه ، عن ابن عباس : ( فأرسلنا عليهم الطوفان ) ، قال : أمر الله الطوفان ، ثم قرأ ( فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون ) ، [ القلم : 19 ] .
وكان بعض أهل المعرفة بكلام العرب من أهل البصرة ، يزعم أن "الطوفان" من السيل : البعاق والدباش ، وهو الشديد . ومن الموت المبالغ الذريع السريع .
وقال بعضهم : هو كثرة المطر والريح .
وكان بعض نحويي الكوفيين يقول : "الطوفان" مصدر مثل "الرجحان" و"النقصان" ، لا يجمع .
وكان بعض نحويي البصرة يقول : هو جمع ، واحدها في القياس "الطوفانة" .
قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي ، ما قاله ابن عباس ، على ما رواه عنه أبو ظبيان أنه أمر من الله طاف بهم ، وأنه مصدر من قول [ ص: 53 ] القائل : "طاف بهم أمر الله يطوف طوفانا" ، كما يقال : " نقص هذا الشيء ينقص نقصانا " . وإذا كان ذلك كذلك ، جاز أن يكون الذي طاف بهم المطر الشديد وجاز أن يكون الموت الذريع . ومن الدلالة على أن المطر الشديد قد يسمى "طوفانا" قول حسيل بن عرفطة
غير الجدة من آياتها خرق الريح وطوفان المطر
ويروى :
خرق الريح بطوفان المطر
وقول الراعي :
تضحي إذا العيس أدركنا نكائثها خرقاء يعتادها الطوفان والزؤد
وقول أبي النجم : [ ص: 54 ]
قد مد طوفان فبث مددا شهرا شآبيب وشهرا بردا
وأما "القمل" ، فإن أهل التأويل اختلفوا في معناه .
فقال بعضهم : هو السوس الذي يخرج من الحنطة .
ذكر من قال ذلك :
15002 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا جرير ، عن يعقوب القمي ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : "القمل" هو السوس الذي يخرج من الحنطة .
15003 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد بنحوه .
وقال آخرون : بل هو الدبى ، وهو صغار الجراد الذي لا أجنحة له .
ذكر من قال ذلك :
15004 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قال : "القمل" الدبى .
15005 - حدثني موسى بن هارون قال ، حدثنا عمرو بن حماد قال ، حدثنا أسباط ، عن ، قال : الدبى ، القمل . السدي
15006 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : "القمل" هو الدبى . [ ص: 55 ]
15007 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : "القمل" الدبى .
15008 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور قال ، حدثنا معمر ، عن قتادة قال : "القمل" ، هي الدبى ، وهي أولاد الجراد .
15009 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا جابر بن نوح ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس قال : "القمل" الدبى .
15010 - . . قال حدثنا ، عن يحيى بن آدم قيس عمن ذكره ، عن عكرمة قال : "القمل" بنات الجراد .
15011 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي عن أبيه ، عن ابن عباس قال : "القمل" الدبى .
وقال آخرون : بل "القمل" ، البراغيث .
ذكر من قال ذلك :
15012 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : ( فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل ) ، قال : زعم بعض الناس في القمل أنها البراغيث .
وقال بعضهم : هي دواب سود صغار .
ذكر من قال ذلك :
15013 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن أبي بكر قال : سمعت سعيد بن جبير والحسن قالا القمل : دواب سود صغار . [ ص: 56 ]
وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة يزعم أن "القمل" ، عند العرب : الحمنان والحمنان ضرب من القردان واحدتها : "حمنانة" ، فوق القمقامة . و"القمل" جمع ، واحدتها "قملة" ، وهي دابة تشبه القمل تأكلها الإبل فيما بلغني ، وهي التي عناها الأعشى في قوله :
قوم تعالج قملا أبناؤهم وسلاسلا أجدا وبابا مؤصدا
وكان الفراء يقول : لم أسمع فيه شيئا ، فإن لم يكن جمعا ، فواحده "قامل" ، مثل "ساجد" و"راكع" ، وإن يكن اسما على معنى جمع ، فواحدته : "قملة" . ذكر المعاني التي حدثت في قوم فرعون بحدوث هذه الآيات ، والسبب الذي من أجله أحدثها الله فيهم .
15014 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا يعقوب القمي ، عن جعفر بن المغيرة ، عن سعيد بن جبير قال : لما أتى موسى فرعون قال له : أرسل معي بني إسرائيل ! فأبى عليه ، فأرسل الله عليهم الطوفان وهو المطر فصب عليهم منه شيئا ، فخافوا أن يكون عذابا ، فقالوا لموسى : ادع لنا ربك أن يكشف عنا المطر ، فنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل ، فدعا ربه ، فلم يؤمنوا ، ولم يرسلوا معه بني إسرائيل ، فأنبت لهم في تلك السنة شيئا لم ينبته قبل ذلك من الزرع والثمر والكلأ . فقالوا : هذا ما كنا نتمنى ، فأرسل الله عليهم الجراد ، فسلطه على الكلأ فلما رأوا أثره في الكلأ عرفوا أنه لا يبقي الزرع . فقالوا : يا موسى ادع لنا ربك فيكشف عنا الجراد فنؤمن لك ، ونرسل معك بني إسرائيل ! فدعا ربه ، فكشف [ ص: 58 ] عنهم الجراد ، فلم يؤمنوا ، ولم يرسلوا معه بني إسرائيل ، فداسوا وأحرزوا في البيوت ، فقالوا : قد أحرزنا فأرسل الله عليهم القمل ، وهو السوس الذي يخرج منه فكان الرجل يخرج عشرة أجربة إلى الرحى ، فلا يرد منها ثلاثة أقفزة . فقالوا : يا موسى ، ادع لنا ربك يكشف عنا القمل ، فنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل ! فدعا ربه ، فكشف عنهم ، فأبوا أن يرسلوا معه بني إسرائيل . فبينا هو جالس عند فرعون ، إذ سمع نقيق ضفدع ، فقال لفرعون : ما تلقى أنت وقومك من هذا! فقال : وما عسى أن يكون كيد هذا! فما أمسوا حتى كان الرجل يجلس إلى ذقنه في الضفادع ، ويهم أن يتكلم فتثب الضفادع في فيه . فقالوا لموسى : ادع لنا ربك يكشف عنا هذه الضفادع ، فنؤمن لك ، ونرسل معك بني إسرائيل ! [ فكشف عنهم فلم يؤمنوا ] فأرسل الله عليهم الدم ، فكان ما استقوا من الأنهار والآبار ، أو ما كان في أوعيتهم وجدوه دما عبطا ، فشكوا إلى فرعون فقالوا : إنا قد ابتلينا بالدم ، وليس لنا شراب! فقال : إنه قد سحركم! فقالوا : من أين سحرنا ، ونحن لا نجد في أوعيتنا شيئا من الماء إلا وجدناه دما عبطا؟ فأتوه فقالوا : يا موسى ادع لنا ربك يكشف عنا هذا الدم ، فنؤمن لك ، ونرسل معك بني إسرائيل ! فدعا ربه فكشف عنهم ، فلم يؤمنوا ، ولم يرسلوا معه بني إسرائيل .
15015 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا حبويه أبو يزيد ، عن يعقوب القمي ، عن جعفر ، عن ابن عباس قال ، لما خافوا الغرق ، قال فرعون : يا موسى ، ادع لنا ربك يكشف عنا هذا المطر ، فنؤمن لك ثم ذكر نحو حديث ابن حميد ، عن يعقوب . [ ص: 59 ]
15016 - حدثنا موسى بن هارون قال ، حدثنا عمرو بن حماد قال ، حدثنا أسباط ، عن قال : ثم إن الله أرسل عليهم يعني على السدي قوم فرعون الطوفان ، وهو المطر ، فغرق كل شيء لهم ، فقالوا : يا موسى ادع لنا ربك يكشف عنا ، ونحن نؤمن لك ، ونرسل معك بني إسرائيل ! فكشف الله عنهم ، ونبتت به زروعهم ، فقالوا : ما يسرنا أنا لم نمطر . فبعث الله عليهم الجراد ، فأكل حروثهم ، فسألوا موسى أن يدعو ربه ، فيكشفه ، ويؤمنوا به . فدعا فكشفه ، وقد بقي من زروعهم بقية فقالوا : لم تؤمنون ، وقد بقي من زرعنا بقية تكفينا؟ فبعث الله عليهم الدبى وهو القمل فلحس الأرض كلها ، وكان يدخل بين ثوب أحدهم وبين جلده فيعضه ، وكان لأحدهم الطعام فيمتلئ دبى ، حتى إن أحدهم ليبني الأسطوانة بالجص ، فيزلقها حتى لا يرتقي فوقها شيء ، يرفع فوقها الطعام ، فإذا صعد إليه ليأكله وجده ملآن دبى ، فلم يصابوا ببلاء كان أشد عليهم من الدبى وهو "الرجز" الذي ذكر الله في القرآن أنه وقع عليهم فسألوا موسى أن يدعو ربه فيكشف عنهم ويؤمنوا به ، فلما كشف عنهم ، أبوا أن يؤمنوا ، فأرسل الله عليهم الدم ، فكان الإسرائيلي يأتي هو والقبطي يستقيان من ماء واحد ، فيخرج ماء هذا القبطي دما ، ويخرج للإسرائيلي ماء . فلما اشتد ذلك عليهم ، سألوا موسى أن يكشفه ويؤمنوا به ، فكشف ذلك ، فأبوا أن يؤمنوا ، وذلك حين يقول الله : ( فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون ) ، [ الزخرف : 50 ] [ ص: 60 ]
15017 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : ( فأرسلنا عليهم الطوفان ) ، قال : أرسل الله عليهم الماء حتى قاموا فيه قياما . ثم كشف عنهم فلم يؤمنوا ، وأخصبت بلادهم خصبا لم تخصب مثله ، فأرسل الله عليه الجراد فأكله إلا قليلا فلم يؤمنوا أيضا . فأرسل الله القمل وهي الدبى ، وهي أولاد الجراد فأكلت ما بقي من زروعهم ، فلم يؤمنوا . فأرسل عليهم الضفادع ، فدخلت عليهم بيوتهم ، ووقعت في آنيتهم وفرشهم ، فلم يؤمنوا . ثم أرسل الله عليهم الدم ، فكان أحدهم إذا أراد أن يشرب تحول ذلك الماء دما ، قال الله : ( آيات مفصلات ) .
15018 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا قال ، حدثنا يزيد بن زريع سعيد ، عن قتادة قوله : ( فأرسلنا عليهم الطوفان ) ، حتى بلغ : ( مجرمين ) ، قال : أرسل الله عليهم الماء حتى قاموا فيه قياما ، فدعوا موسى ، فدعا ربه فكشفه عنهم ، ثم عادوا لسوء ما يحضر بهم . ثم أنبتت أرضهم ، ثم أرسل الله عليهم الجراد ، فأكل عامة حروثهم وثمارهم . ثم دعوا موسى فدعا ربه فكشف عنهم ، ثم عادوا بشر ما يحضر بهم . فأرسل الله عليهم القمل ، هذا الدبى الذي رأيتم ، فأكل ما أبقى الجراد من حروثهم ، فلحسه . فدعوا موسى ، فدعا ربه فكشفه عنهم ، ثم عادوا بشر ما يحضر بهم . ثم أرسل الله عليهم الضفادع حتى ملأت بيوتهم وأفنيتهم . فدعوا موسى ، فدعا ربه فكشف عنهم . ثم عادوا بشر ما يحضر بهم ، فأرسل الله عليهم الدم ، فكانوا لا يغترفون من مائهم إلا دما أحمر ، حتى لقد ذكر أن عدو الله فرعون ، كان يجمع بين الرجلين على الإناء الواحد ، القبطي والإسرائيلي ، فيكون مما يلي الإسرائيلي ماء ، ومما يلي القبطي دما . فدعوا موسى ، فدعا ربه ، فكشفه عنهم في تسع آيات : [ ص: 61 ] السنين ، ونقص من الثمرات ، وأراهم يد موسى عليه السلام وعصاه .
15019 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس : ( فأرسلنا عليهم الطوفان ) ، وهو المطر ، حتى خافوا الهلاك ، فأتوا موسى فقالوا : يا موسى ادع لنا ربك أن يكشف عنا المطر ، [ إنا نؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل ، فدعا ربه فكشف عنهم المطر ] ، فأنبت الله به حرثهم ، وأخصب به بلادهم ، فقالوا : ما نحب أنا لم نمطر بترك ديننا ، فلن نؤمن لك ، ولن نرسل معك بني إسرائيل ! فأرسل الله عليهم الجراد ، فأسرع في فساد ثمارهم وزروعهم ، فقالوا : يا موسى ، ادع لنا ربك [ أن يكشف عنا الجراد ، فإنا سنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل ! ] . فدعا ربه ، فكشف عنهم الجراد . وكان قد بقي من زروعهم ومعاشهم بقايا ، فقالوا ، قد بقي لنا ما هو كافينا ، فلن نؤمن لك ، ولن نرسل معك بني إسرائيل . فأرسل الله عليهم القمل وهو الدبى فتتبع ما كان ترك الجراد ، فجزعوا وأحسوا بالهلاك ، قالوا : يا موسى ادع لنا ربك يكشف عنا الدبى ، فإنا سنؤمن لك ، ونرسل معك بني إسرائيل ! فدعا ربه ، فكشف عنهم الدبى ، فقالوا : ما نحن لك بمؤمنين ، ولا مرسلين معك بني إسرائيل ! فأرسل الله عليهم الضفادع ، فملأ بيوتهم منها ، ولقوا منها أذى شديدا لم يلقوا مثله فيما كان قبله ، أنها كانت تثب في قدورهم ، فتفسد عليهم طعامهم ، وتطفئ نيرانهم . قالوا : يا موسى ادع لنا ربك أن يكشف عنا الضفادع ، فقد لقينا منها بلاء وأذى ، فإنا سنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل ! فدعا ربه ، فكشف عنهم الضفادع ، فقالوا : لا نؤمن لك ، ولا نرسل معك بني إسرائيل ! فأرسل الله عليهم الدم ، فجعلوا لا يأكلون إلا الدم ، ولا يشربون إلا الدم ، فقالوا : يا موسى ، ادع لنا ربك أن يكشف عنا الدم ، فإنا سنؤمن لك ، [ ص: 62 ] ونرسل معك بني إسرائيل ! فدعا ربه ، فكشف عنهم الدم ، فقالوا : يا موسى ، لن نؤمن لك ، ولن نرسل معك بني إسرائيل ! فكانت آيات مفصلات بعضها على إثر بعض ، ليكون لله عليهم الحجة ، فأخذهم الله بذنوبهم ، فأغرقهم في اليم .
15020 - حدثني عبد الكريم قال ، حدثنا إبراهيم قال ، حدثنا سفيان قال ، حدثنا أبو سعد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : أرسل على قوم فرعون الآيات : الجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ، آيات مفصلات . قال : فكان الرجل من بني إسرائيل يركب مع الرجل من قوم فرعون في السفينة ، فيغترف الإسرائيلي ماء ، ويغترف الفرعوني دما . قال : وكان الرجل من قوم فرعون ينام في جانب ، فيكثر عليه القمل والضفادع حتى لا يقدر أن ينقلب على الجانب الآخر . فلم يزالوا كذلك حتى أوحى الله إلى موسى : أن أسر بعبادي إنكم متبعون .
15021 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : لما أتى موسى فرعون بالرسالة ، أبى أن يؤمن وأن يرسل معه بني إسرائيل ، فاستكبر قال : لن أرسل معك بني إسرائيل ! فأرسل الله عليهم الطوفان وهو الماء أمطر عليهم السماء ، حتى كادوا يهلكون ، وامتنع منهم كل شيء ، فقالوا : يا موسى ، ادع لنا ربك بما عهد عندك ، لئن كشفت عنا هذا لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل ! فدعا الله فكشف عنهم المطر ، فأنبت الله لهم حروثهم ، وأحيا بذلك المطر كل شيء من بلادهم ، فقالوا : والله ما نحب أنا لم نكن أمطرنا هذا المطر ، ولقد كان خيرا لنا ، فلن نرسل معك بني إسرائيل ، ولن نؤمن لك يا موسى ! فبعث الله عليهم الجراد ، فأكل عامة حروثهم ، وأسرع الجراد في فسادها ، فقالوا : يا موسى ، ادع لنا ربك يكشف عنا الجراد ، فإنا مؤمنون لك ، ومرسلون معك بني إسرائيل ! [ ص: 63 ] فكشف الله عنهم الجراد . وكان الجراد قد أبقى لهم من حروثهم بقية ، فقالوا : قد بقي لنا من حروثنا ما كان كافينا ، فما نحن بتاركي ديننا ، ولن نؤمن لك ، ولن نرسل معك بني إسرائيل ! فأرسل الله عليهم القمل ، و"القمل" الدبى ، وهو الجراد الذي ليست له أجنحة فتتبع ما بقي من حروثهم وشجرهم وكل نبات كان لهم ، فكان القمل أشد عليهم من الجراد ، فلم يستطيعوا للقمل حيلة ، وجزعوا من ذلك . وأتوا موسى ، فقالوا : يا موسى ، ادع لنا ربك يكشف عنا القمل ، فإنه لم يبق لنا شيء ، قد أكل ما بقي من حروثنا ، ولئن كشفت عنا القمل لنؤمنن لك ، ولنرسلن معك بني إسرائيل ! فكشف الله عنهم القمل ، فنكثوا ، وقالوا : لن نؤمن لك ، ولن نرسل معك بني إسرائيل ! فأرسل الله عليهم الضفادع ، فامتلأت منها البيوت ، فلم يبق لهم طعام ولا شراب إلا وفيه الضفادع ، فلقوا منها شيئا لم يلقوه فيما مضى ، فقالوا : يا موسى ادع لنا ربك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل ! قال : فكشف الله عنهم ، فلم يفعلوا ، فأنزل الله : ( فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون ) ، إلى : ( وكانوا عنها غافلين ) .
15022 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا أبو تميلة قال ، حدثنا الحسن بن واقد ، عن زيد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : كانت الضفادع برية ، فلما أرسلها الله على آل فرعون ، سمعت وأطاعت ، فجعلت تغرق أنفسها في القدور وهي تغلي ، وفي التنانير وهي تفور ، فأثابها الله بحسن طاعتها برد الماء .
15023 - حدثنا ابن حميد ، قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : فرجع عدو الله يعني فرعون ، حين آمنت السحرة مغلوبا مغلولا ثم أبى إلا الإقامة على الكفر ، والتمادي في الشر ، فتابع الله عليه بالآيات ، وأخذه بالسنين ، فأرسل عليه الطوفان ، ثم الجراد ، ثم القمل ، ثم الضفادع ، ثم الدم ، آيات مفصلات ، فأرسل الطوفان وهو الماء ففاض على وجه الأرض ، ثم ركد ، لا يقدرون على أن [ ص: 64 ] يحرثوا ، ولا يعملوا شيئا ، حتى جهدوا جوعا; فلما بلغهم ذلك ، قالوا : يا موسى ، ادع لنا ربك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ، ولنرسلن معك بني إسرائيل ! فدعا موسى ربه ، فكشفه عنهم ، فلم يفوا له بشيء مما قالوا ، فأرسل الله عليهم الجراد ، فأكل الشجر ، فيما بلغني ، حتى إن كان ليأكل مسامير الأبواب من الحديد ، حتى تقع دورهم ومساكنهم ، فقالوا مثل ما قالوا ، فدعا ربه فكشفه عنهم ، فلم يفوا له بشيء مما قالوا . فأرسل الله عليهم القمل ، فذكر لي أن موسى أمر أن يمشي إلى كثيب حتى يضربه بعصاه . فمضى إلى كثيب أهيل عظيم ، فضربه بها ، فانثال عليهم قملا حتى غلب على البيوت والأطعمة ، ومنعهم النوم والقرار . فلما جهدهم قالوا له مثل ما قالوا ، فدعا ربه فكشفه عنهم ، فلم يفوا له بشيء مما قالوا ، فأرسل الله عليهم الضفادع ، فملأت البيوت والأطعمة والآنية ، فلا يكشف أحد ثوبا ولا طعاما ولا إناء إلا وجد فيه الضفادع قد غلبت عليه . فلما جهدهم ذلك قالوا له مثل ما قالوا ، فدعا ربه فكشفه عنهم ، فلم يفوا له بشيء مما قالوا . فأرسل الله عليهم الدم ، فصارت مياه آل فرعون دما ، لا يستقون من بئر ولا نهر ، ولا يغترفون من إناء ، إلا عاد دما عبيطا .
15024 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة قال ، حدثنا محمد بن إسحاق ، عن : أنه حدث : أن المرأة من محمد بن كعب القرظي آل فرعون كانت تأتي المرأة من بني إسرائيل حين جهدهم العطش ، فتقول : اسقيني من مائك ! فتغرف لها من جرتها أو تصب لها من قربتها ، فيعود في الإناء دما ، حتى إن كانت لتقول لها : اجعليه في فيك ثم مجيه في في ! فتأخذ في فيها ماء ، فإذا مجته في فيها صار دما ، فمكثوا في ذلك سبعة أيام . [ ص: 65 ]
15025 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : الجراد يأكل زروعهم ونباتهم ، والضفادع تسقط على فرشهم وأطعمتهم ، والدم يكون في بيوتهم وثيابهم ومائهم وطعامهم .
قال ، حدثنا شبل ، عن عبد الله بن كثير ، عن مجاهد قال : لما سال النيل دما ، فكان الإسرائيلي يستقي ماء طيبا ، ويستقي الفرعوني دما ، ويشتركان في إناء واحد ، فيكون ما يلي الإسرائيلي ماء طيبا وما يلي الفرعوني دما .
15026 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن أبي بكر قال ، حدثني سعيد بن جبير : أن موسى لما عالج فرعون بالآيات الأربع : العصا ، واليد ، ونقص من الثمرات ، والسنين قال : يا رب ، إن عبدك هذا قد علا في الأرض وعتا في الأرض ، وبغى علي ، وعلا عليك ، وعالى بقومه ، رب خذ عبدك بعقوبة تجعلها له ولقومه نقمة ، وتجعلها لقومي عظة ، ولمن بعدي آية في الأمم الباقية ! فبعث الله عليهم الطوفان وهو الماء . وبيوت بني إسرائيل وبيوت القبط مشتبكة مختلطة بعضها في بعض ، فامتلأت بيوت القبط ماء ، حتى قاموا في الماء إلى تراقيهم ، من جلس منهم غرق ، ولم يدخل في بيوت بني إسرائيل قطرة . فجعلت القبط تنادي موسى : ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل ! قال : فواثقوا موسى ميثاقا أخذ عليهم به عهودهم ، وكان الماء أخذهم يوم السبت ، فأقام عليهم سبعة أيام إلى السبت الآخر . فدعا موسى ربه ، فرفع عنهم الماء ، فأعشبت بلادهم من ذلك الماء ، فأقاموا شهرا في عافية ، ثم جحدوا وقالوا : ما كان هذا الماء إلا نعمة علينا ، وخصبا لبلادنا ، ما نحب أنه لم يكن . قال : وقد قال قائل : إني سألت لابن عباس ابن عمر عن الطوفان ، فقال : ما أدري ، موتا كان أو ماء! فقال ابن عباس : أما يقرأ ابن عمر "سورة العنكبوت" حين [ ص: 66 ] ذكر الله قوم نوح فقال : ( فأخذهم الطوفان وهم ظالمون ) ، [ العنكبوت : 14 ] . أرأيت لو ماتوا ، إلى من جاء موسى عليه السلام بالآيات الأربع بعد الطوفان؟
قال : فقال موسى : يا رب إن عبادك قد نقضوا عهدك ، وأخلفوا وعدي ، رب خذهم بعقوبة تجعلها لهم نقمة ، ولقومي عظة ، ولمن بعدهم آية في الأمم الباقية ! قال : فبعث الله عليهم الجراد ، فلم يدع لهم ورقة ولا شجرة ولا زهرة ولا ثمرة إلا أكله ، حتى لم يبق جنى ، حتى إذا أفنى الخضر كلها ، أكل الخشب ، حتى أكل الأبواب وسقوف البيوت . وابتلى الجراد بالجوع ، فجعل لا يشبع ، غير أنه لا يدخل بيوت بني إسرائيل . فعجوا وصاحوا إلى موسى ، فقالوا : يا موسى ، هذه المرة ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل ! فأعطوه عهد الله وميثاقه ، فدعا لهم ربه ، فكشف الله عنهم الجراد بعد ما أقام عليهم سبعة أيام من السبت إلى السبت ، ثم أقاموا شهرا في عافية ، ثم عادوا لتكذيبهم ولإنكارهم ، ولأعمالهم أعمال السوء قال : فقال موسى : يا رب ، عبادك ، قد نقضوا عهدي ، وأخلفوا موعدي ، فخذهم بعقوبة تجعلها لهم نقمة ، ولقومي عظة ، ولمن بعدي آية في الأمم الباقية ! فأرسل الله عليهم القمل قال أبو بكر : سمعت سعيد بن جبير والحسن يقولان : كان إلى جنبهم كثيب أعفر بقرية من قرى مصر تدعى "عين شمس" ، فمشى موسى إلى ذلك الكثيب ، فضربه بعصاه ضربة صار قملا تدب إليهم وهي دواب سود صغار . فدب إليهم القمل ، فأخذ أشعارهم وأبشارهم وأشفار عيونهم وحواجبهم ، ولزم جلودهم ، كأنه الجدري عليهم ، فصرخوا وصاحوا إلى موسى : إنا نتوب ولا نعود ، [ ص: 67 ] فادع لنا ربك! فدعا ربه فرفع عنهم القمل بعد ما أقام عليهم سبعة أيام من السبت إلى السبت . فأقاموا شهرا في عافية ، ثم عادوا وقالوا : ما كنا قط أحق أن نستيقن أنه ساحر منا اليوم ، جعل الرمل دواب! وعزة فرعون لا نصدقه أبدا ولا نتبعه ! فعادوا لتكذيبهم وإنكارهم ، فدعا موسى عليهم فقال : يا رب إن عبادك نقضوا عهدي ، وأخلفوا وعدي ، فخذهم بعقوبة تجعلها لهم نقمة ، ولقومي عظة ، ولمن بعدي آية في الأمم الباقية ! فأرسل الله عليهم الضفادع ، فكان أحدهم يضطجع ، فتركبه الضفادع ، فتكون عليه ركاما ، حتى ما يستطيع أن ينصرف إلى الشق الآخر ، ويفتح فاه لأكلته ، فيسبق الضفدع أكلته إلى فيه ، ولا يعجن عجينا إلا تسدحت فيه ، ولا يطبخ قدرا إلا امتلأت ضفادع ، فعذبوا بها أشد العذاب ، فشكوا إلى موسى عليه السلام وقالوا : هذه المرة نتوب ولا نعود! فأخذ عهدهم وميثاقهم . ثم دعا ربه ، فكشف الله عنهم الضفادع بعد ما أقام عليهم سبعا من السبت إلى السبت . فأقاموا شهرا في عافية ، ثم عادوا لتكذيبهم وإنكارهم وقالوا : قد تبين لكم سحره ، يجعل التراب دواب ، ويجيء بالضفادع في غير ماء ! فآذوا موسى عليه السلام فقال موسى : يا رب إن عبادك نقضوا عهدي ، وأخلفوا وعدي ، فخذهم بعقوبة تجعلها لهم عقوبة ، ولقومي عظة ، ولمن بعدي آية في الأمم الباقية ! فابتلاهم الله بالدم ، فأفسد عليهم معايشهم ، فكان الإسرائيلي والقبطي يأتيان النيل فيستقيان ، فيخرج للإسرائيلي ماء ، ويخرج للقبطي دما ، ويقومان إلى الجب فيه الماء ، فيخرج للإسرائيلي في إنائه ماء ، وللقبطي دما .
15027 - حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا أبو سعد [ ص: 68 ] قال : سمعت ، في قوله : ( مجاهدا فأرسلنا عليهم الطوفان ) ، قال : الموت "والجراد" قال : الجراد يأكل أمتعتهم وثيابهم ومسامير أبوابهم "والقمل" هو الدبى ، سلطه الله عليهم بعد الجراد قال : "والضفادع" ، تسقط في أطعمتهم التي في بيوتهم وفي أشربتهم .
وقال بعضهم : "الدم" الذي أرسله الله عليهم ، كان رعافا .
ذكر من قال ذلك :
15028 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا أحمد بن خالد قال ، حدثنا يحيى بن أبي بكير قال ، حدثنا زهير قال ، قال : أما "القمل" فالقمل وأما "الدم" ، فسلط الله عليهم الرعاف . زيد بن أسلم
وأما قوله : ( آيات مفصلات ) ، فإن معناه : علامات ودلالات على صحة نبوة موسى ، وحقيقة ما دعاهم إليه "مفصلات" ، قد فصل بينها ، فجعل بعضها يتلو بعضا ، وبعضها في إثر بعض . [ ص: 69 ]
وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
15029 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قال : فكانت آيات مفصلات بعضها في إثر بعض ، ليكون لله الحجة عليهم ، فأخذهم الله بذنوبهم ، فأغرقهم في اليم .
15030 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن قوله : ( ابن جريج آيات مفصلات ) ، قال : يتبع بعضها بعضا ، ليكون لله عليهم الحجة ، فينتقم منهم بعد ذلك . وكانت الآية تمكث فيهم من السبت إلى السبت ، وترفع عنهم شهرا ، قال الله عز وجل : ( فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليم ) ، [ الأعراف : 136 ] . . . الآية .
15031 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة قال ، قال ابن إسحاق : ( آيات مفصلات ) ، : أي آية بعد آية ، يتبع بعضها بعضا .
وكان مجاهد يقول فيما ذكر عنه في معنى "المفصلات" ، ما : -
15032 - حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا أبو سعد قال ، سمعت يقول في " مجاهدا آيات مفصلات " ، قال : معلومات .