[ ص: 114 ] القول في وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين ( 146 ) ) تأويل قوله (
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : وإن ير هؤلاء الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق "وتكبرهم فيها بغير الحق" ، تجبرهم فيها ، واستكبارهم عن الإيمان بالله ورسوله ، والإذعان لأمره ونهيه ، وهم لله عبيد يغذوهم بنعمته ، ويريح عليهم رزقه بكرة وعشيا ، "كل آية" ، يقول : كل حجة لله على وحدانيته وربوبيته ، وكل دلالة على أنه لا تنبغي العبادة إلا له خالصة دون غيره . "لا يؤمنوا بها" ، يقول : لا يصدقوا بتلك الآية أنها دالة على ما هي فيه حجة ، ولكنهم يقولون : "هي سحر وكذب" " وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا " ، يقول : وإن ير هؤلاء الذين وصف صفتهم طريق الهدى والسداد الذي إن سلكوه نجوا من الهلكة والعطب ، وصاروا إلى نعيم الأبد ، لا يسلكوه ولا يتخذوه لأنفسهم طريقا ، جهلا منهم وحيرة " وإن يروا سبيل الغي " ، يقول : وإن يروا طريق الهلاك الذي إن سلكوه ضلوا وهلكوا .
وقد بينا معنى "الغي" فيما مضى قبل ، بما أغنى عن إعادته . [ ص: 115 ] " يتخذوه سبيلا " ، يقول : يسلكوه ويجعلوه لأنفسهم طريقا ، لصرف الله إياهم عن آياته ، وطبعه على قلوبهم ، فهم لا يفلحون ولا ينجحون " ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين " ، يقول تعالى ذكره : صرفناهم عن آياتنا أن يعقلوها ويفهموها فيعتبروا بها ويذكروا فينيبوا ، عقوبة منا لهم على تكذيبهم بآياتنا " وكانوا عنها غافلين " ، يقول : وكانوا عن آياتنا وأدلتنا الشاهدة على حقيقة ما أمرناهم به ونهيناهم عنه "غافلين" ، لا يتفكرون فيها ، لاهين عنها ، لا يعتبرون بها ، فحق عليهم حينئذ قول ربنا فعطبوا .
واختلف القرأة في قراءة قوله : "الرشد" .
فقرأ ذلك عامة قرأة المدينة وبعض المكيين وبعض البصريين : ( الرشد ) ، بضم "الراء" وتسكين "الشين" .
وقرأ ذلك عامة قرأة أهل الكوفة وبعض المكيين : ( الرشد ) ، بفتح "الراء" و"الشين" .
ثم اختلف أهل المعرفة بكلام العرب في معنى ذلك إذا ضمت راؤه وسكنت شينه ، وفيه إذا فتحتا جميعا .
فذكر عن أنه كان يقول : معناه إذا ضمت راؤه وسكنت شينه : الصلاح ، كما قال الله : ( أبي عمرو بن العلاء فإن آنستم منهم رشدا ) ، [ سورة النساء : 6 ] ، بمعنى : صلاحا . وكذلك كان يقرأه هو ومعناه إذا فتحت راؤه وشينه : الرشد في الدين ، كما قال جل ثناؤه : ( تعلمن مما علمت رشدا ) [ سورة الكهف : 66 ] ، [ ص: 116 ] بمعنى الاستقامة والصواب في الدين .
وكان الكسائي يقول : هما لغتان بمعنى واحد ، مثل : "السقم" و"السقم" ، و"الحزن" و"الحزن" وكذلك "الرشد" و"الرشد" .
قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال : إنهما قراءتان مستفيضة القراءة بهما في قرأة الأمصار ، متفقتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب الصواب بها .