القول في تأويل قوله ( قد علم كل أناس مشربهم وظللنا عليهم الغمام وأنزلنا عليهم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه أن اضرب بعصاك الحجر فانبجست منه اثنتا عشرة عينا ( 160 ) )
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : " وأوحينا إلى موسى " ، إذ فرقنا بني إسرائيل قومه اثنتي عشرة فرقة ، وتيهناهم في التيه ، فاستسقوا موسى من العطش وغور الماء "أن اضرب بعصاك الحجر" . [ ص: 177 ]
وقد بينا السبب الذي كان قومه استسقوه وبينا معنى الوحي بشواهده .
"فانبجست" ، فانصبت وانفجرت من الحجر اثنتا عشرة عينا من الماء ، "قد علم كل أناس" ، يعني : كل أناس من الأسباط الاثنتي عشرة "مشربهم" ، لا يدخل سبط على غيره في شربه " وظللنا عليهم الغمام " ، يكنهم من حر الشمس وأذاها .
وقد بينا معنى "الغمام" فيما مضى قبل ، وكذلك : " المن والسلوى " .
" وأنزلنا عليهم المن والسلوى " ، طعاما لهم " كلوا من طيبات ما رزقناكم " ، يقول : وقلنا لهم : كلوا من حلال ما رزقناكم ، أيها الناس ، وطيبناه لكم " وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون " ، وفي الكلام محذوف ، ترك ذكره استغناء بما ظهر عما ترك ، وهو : "فأجموا ذلك ، وقالوا : لن نصبر على طعام واحد ، فاستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير" "وما ظلمونا" ، يقول : وما أدخلوا علينا نقصا في ملكنا وسلطاننا بمسألتهم ما سألوا ، وفعلهم ما فعلوا " ولكن كانوا أنفسهم يظلمون " ، أي : ينقصونها حظوظها باستبدالهم الأدنى بالخير ، والأرذل بالأفضل .