القول في
nindex.php?page=treesubj&link=28979_28671تأويل قوله ( nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=39وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير ( 39 ) )
قال
أبو جعفر : يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله : وإن يعد هؤلاء لحربك ، فقد رأيتم سنتي فيمن قاتلكم منهم يوم بدر ، وأنا عائد بمثلها فيمن حاربكم منهم ، فقاتلوهم حتى لا يكون شرك ، ولا يعبد إلا الله وحده لا شريك له ، فيرتفع البلاء عن عباد الله من الأرض وهو " الفتنة " " ويكون الدين
[ ص: 538 ] كله لله " ، يقول : حتى تكون الطاعة والعبادة كلها لله خالصة دون غيره . * * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
* ذكر من قال ذلك :
16076 - حدثني
المثنى قال ، حدثنا
أبو صالح قال ، حدثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=39وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة " ، يعني : حتى لا يكون شرك .
16077 - حدثني
المثنى قال ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16715عمرو بن عون قال ، أخبرنا
هشيم ، عن
يونس ، عن
الحسن في قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=39وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة " ، قال : " الفتنة " ، الشرك .
16078 - حدثنا
بشر قال ، حدثنا
يزيد قال ، حدثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=39وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة " ، يقول : قاتلوهم حتى لا يكون شرك "
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=39ويكون الدين كله لله " ، حتى يقال : " لا إله إلا الله " ، عليها قاتل نبي الله صلى الله عليه وسلم ، وإليها دعا .
16079 - حدثني
محمد بن الحسين قال ، حدثنا
أحمد بن المفضل قال ، حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : "
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=39وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة " ، قال : حتى لا يكون شرك .
16080 - حدثني
الحارث قال ، حدثنا
عبد العزيز قال ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16874مبارك بن فضالة ، عن
الحسن في قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=39وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة " ، قال : حتى لا يكون بلاء .
[ ص: 539 ]
16081 - حدثنا
القاسم قال ، حدثنا
الحسين قال ، حدثني
حجاج قال ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : "
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=39وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله " ، أي : لا يفتن مؤمن عن دينه ، ويكون التوحيد لله خالصا ليس فيه شرك ، ويخلع ما دونه من الأنداد .
16082 - حدثني
يونس قال ، أخبرنا
ابن وهب قال ، قال
ابن زيد ، في قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=39وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة " ، قال : حتى لا يكون كفر "
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=39ويكون الدين كله لله " ، لا يكون مع دينكم كفر .
16083 - حدثني
عبد الوارث بن عبد الصمد قال ، حدثنا أبي قال ، حدثنا
أبان العطار قال ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة ، عن أبيه : أن
nindex.php?page=showalam&ids=16491عبد الملك بن مروان كتب إليه يسأله عن أشياء ، فكتب إليه
عروة : " سلام عليك ، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو . أما بعد ، فإنك كتبت إلي تسألني عن مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من
مكة ، وسأخبرك به ، ولا حول ولا قوة إلا بالله . كان من شأن خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم من
مكة ، أن الله أعطاه النبوة ، فنعم النبي ! ونعم السيد ! ونعم العشيرة ! فجزاه الله خيرا ، وعرفنا وجهه في الجنة ، وأحيانا على ملته ، وأماتنا عليها ، وبعثنا عليها . وإنه لما دعا قومه لما بعثه الله له من الهدى والنور الذي أنزل عليه ، لم يبعدوا منه أول ما دعاهم إليه ، وكادوا
[ ص: 540 ] يسمعون له ، حتى ذكر طواغيتهم . وقدم ناس من الطائف من
قريش ، لهم أموال ، أنكر ذلك ناس ، واشتدوا عليه ، وكرهوا ما قال ، وأغروا به من أطاعهم ، فانصفق عنه عامة الناس فتركوه ، إلا من حفظه الله منهم ، وهم قليل . فمكث بذلك ما قدر الله أن يمكث ، ثم ائتمرت رؤوسهم بأن يفتنوا من اتبعه عن دين الله من أبنائهم وإخوانهم وقبائلهم ، فكانت فتنة شديدة الزلزال ، فافتتن من افتتن ، وعصم الله من شاء منهم . فلما فعل ذلك بالمسلمين ، أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا إلى
أرض الحبشة . وكان بالحبشة ملك صالح يقال له "
النجاشي " ، لا يظلم أحد بأرضه ، وكان يثنى عليه مع ذلك [ صلاح ] ، وكانت
أرض الحبشة متجرا
لقريش ، يتجرون فيها ، ومساكن لتجارهم يجدون فيها رفاغا من الرزق وأمنا ومتجرا حسنا ، فأمرهم بها النبي صلى الله عليه وسلم ، فذهب إليها عامتهم لما قهروا
بمكة ، وخاف عليهم الفتن . ومكث هو فلم يبرح . فمكث ذلك
[ ص: 541 ] سنوات يشتدون على من أسلم منهم . ثم إنه فشا الإسلام فيها ، ودخل فيه رجال من أشرافهم ومنعتهم . فلما رأوا ذلك ، استرخوا استرخاءة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه . وكانت الفتنة الأولى هي أخرجت من خرج من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل
أرض الحبشة ، مخافتها ، وفرارا مما كانوا فيه من الفتن والزلزال . فلما استرخي عنهم ، ودخل في الإسلام من دخل منهم ، تحدث باسترخائهم عنهم . فبلغ ذلك من كان بأرض الحبشة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنه قد استرخي عمن كان منهم
بمكة ، وأنهم لا يفتنون . فرجعوا إلى
مكة ، وكادوا يأمنون بها ، وجعلوا يزدادون ، ويكثرون . وأنه أسلم من
الأنصار بالمدينة ناس كثير ، وفشا
بالمدينة الإسلام ، وطفق
أهل المدينة يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم
بمكة . فلما رأت ذلك
قريش ، تذامرت على أن يفتنوهم ويشتدوا عليهم ، فأخذوهم ، وحرصوا على أن يفتنوهم ، فأصابهم جهد شديد .
[ ص: 542 ] وكانت الفتنة الآخرة . فكانت ثنتين : فتنة أخرجت من خرج منهم إلى أرض الحبشة ، حين أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بها ، وأذن لهم في الخروج إليها وفتنة لما رجعوا ورأوا من يأتيهم من
أهل المدينة . ثم إنه جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم من
المدينة سبعون نقيبا ، رؤوس الذين أسلموا ، فوافوه بالحج ، فبايعوه بالعقبة ، وأعطوه عهودهم على أنا منك وأنت منا ، وعلى أن من جاء من أصحابك أو جئتنا ، فإنا نمنعك مما نمنع منه أنفسنا . فاشتدت عليهم
قريش عند ذلك . فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يخرجوا إلى
المدينة ، وهي الفتنة الآخرة التي أخرج فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه ، وخرج هو ، وهي التي أنزل الله فيها : "
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=39وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله " .
16084 - حدثني
يونس قال ، أخبرنا
ابن وهب قال ، أخبرني
nindex.php?page=showalam&ids=12458عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن أبيه ، عن
عروة بن الزبير : أنه كتب إلى
الوليد : " أما بعد ، فإنك كتبت إلي تسألني عن مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من
مكة ، وعندي ،
[ ص: 543 ] بحمد الله ، من ذلك علم بكل ما كتبت تسألني عنه ، وسأخبرك إن شاء الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، ثم ذكر نحوه .
16085 - حدثنا
أحمد بن إسحاق قال ، حدثنا
أبو أحمد قال ، حدثنا
قيس ، عن
الأعمش ، عن
مجاهد : "
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=39وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة " ، قال : " يساف " و" نائلة " ، صنمان كانا يعبدان . * * *
وأما قوله : " فإن انتهوا " ، فإن معناه : فإن انتهوا عن الفتنة ، وهي الشرك بالله ، وصاروا إلى الدين الحق معكم " فإن الله بما يعملون بصير " ، يقول : فإن الله لا يخفى عليه ما يعملون من ترك الكفر والدخول في دين الإسلام ، لأنه يبصركم ويبصر أعمالكم ، والأشياء كلها متجلية له ، لا تغيب عنه ، ولا
[ ص: 544 ] يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين . * * *
وقد قال بعضهم : معنى ذلك ، فإن انتهوا عن القتال . * * *
قال
أبو جعفر : والذي قلنا في ذلك أولى بالصواب ، لأن المشركين وإن انتهوا عن القتال ، فإنه كان فرضا على المؤمنين قتالهم حتى يسلموا .
الْقَوْلُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28979_28671تَأْوِيلِ قَوْلِهِ ( nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=39وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ( 39 ) )
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَبِرَسُولِهِ : وَإِنْ يَعُدْ هَؤُلَاءِ لِحَرْبِكَ ، فَقَدْ رَأَيْتُمْ سُنَّتِي فِيمَنْ قَاتَلَكُمْ مِنْهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ ، وَأَنَا عَائِدٌ بِمِثْلِهَا فِيمَنْ حَارَبَكُمْ مِنْهُمْ ، فَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا يَكُونَ شِرْكٌ ، وَلَا يُعْبَدَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، فَيَرْتَفِعُ الْبَلَاءُ عَنْ عِبَادِ اللَّهِ مِنَ الْأَرْضِ وَهُوَ " الْفِتْنَةُ " " وَيَكُونَ الدِّينُ
[ ص: 538 ] كُلُّهُ لِلَّهِ " ، يَقُولُ : حَتَّى تَكُونَ الطَّاعَةُ وَالْعِبَادَةُ كُلُّهَا لِلَّهِ خَالِصَةً دُونَ غَيْرِهِ . * * *
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ .
* ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
16076 - حَدَّثَنِي
الْمُثَنَّى قَالَ ، حَدَّثَنَا
أَبُو صَالِحٍ قَالَ ، حَدَّثَنِي
مُعَاوِيَةُ ، عَنْ
عَلِيٍّ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=39وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ " ، يَعْنِي : حَتَّى لَا يَكُونَ شِرْكٌ .
16077 - حَدَّثَنِي
الْمُثَنَّى قَالَ ، حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=16715عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ ، أَخْبَرَنَا
هُشَيْمٌ ، عَنْ
يُونُسَ ، عَنِ
الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=39وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ " ، قَالَ : " الْفِتْنَةُ " ، الشِّرْكُ .
16078 - حَدَّثَنَا
بِشْرٌ قَالَ ، حَدَّثَنَا
يَزِيدُ قَالَ ، حَدَّثَنَا
سَعِيدٌ ، عَنْ
قَتَادَةَ قَوْلَهُ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=39وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ " ، يَقُولُ : قَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا يَكُونَ شِرْكٌ "
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=39وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ " ، حَتَّى يُقَالَ : " لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ " ، عَلَيْهَا قَاتَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَإِلَيْهَا دَعَا .
16079 - حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ ، حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ ، حَدَّثَنَا
أَسْبَاطٌ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيِّ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=39وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ " ، قَالَ : حَتَّى لَا يَكُونَ شِرْكٌ .
16080 - حَدَّثَنِي
الْحَارِثُ قَالَ ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ ، حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=16874مُبَارَكُ بْنُ فُضَالَةَ ، عَنِ
الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=39وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ " ، قَالَ : حَتَّى لَا يَكُونَ بَلَاءٌ .
[ ص: 539 ]
16081 - حَدَّثَنَا
الْقَاسِمُ قَالَ ، حَدَّثَنَا
الْحُسَيْنُ قَالَ ، حَدَّثَنِي
حَجَّاجٌ قَالَ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنُ جُرَيْجٍ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=39وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ " ، أَيْ : لَا يُفْتَنُ مُؤْمِنٌ عَنْ دِينِهِ ، وَيَكُونُ التَّوْحِيدُ لِلَّهِ خَالِصًا لَيْسَ فِيهِ شِرْكٌ ، وَيُخْلَعُ مَا دَونَهُ مِنَ الْأَنْدَادِ .
16082 - حَدَّثَنِي
يُونُسُ قَالَ ، أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ قَالَ ، قَالَ
ابْنُ زَيْدٍ ، فِي قَوْلِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=39وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ " ، قَالَ : حَتَّى لَا يَكُونَ كُفْرٌ "
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=39وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ " ، لَا يَكُونُ مَعَ دِينِكُمْ كُفْرٌ .
16083 - حَدَّثَنِي
عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ قَالَ ، حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ ، حَدَّثَنَا
أَبَانُ الْعَطَّارُ قَالَ ، حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=17245هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ : أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=16491عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ كَتَبَ إِلَيْهِ يَسْأَلُهُ عَنْ أَشْيَاءَ ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ
عُرْوَةُ : " سَلَامٌ عَلَيْكَ ، فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكَ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ . أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّكَ كَتَبْتَ إِلَيَّ تَسْأَلُنِي عَنْ مُخْرِجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ
مَكَّةَ ، وَسَأُخْبِرُكَ بِهِ ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ . كَانَ مِنْ شَأْنِ خُرُوجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ
مَكَّةَ ، أَنَّ اللَّهَ أَعْطَاهُ النُّبُوَّةَ ، فَنِعْمَ النَّبِيُّ ! وَنِعْمَ السَّيِّدُ ! وَنِعْمَ الْعَشِيرَةُ ! فَجَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا ، وَعَرَّفَنَا وَجْهَهُ فِي الْجَنَّةِ ، وَأَحْيَانَا عَلَى مِلَّتِهِ ، وَأَمَاتَنَا عَلَيْهَا ، وَبَعَثَنَا عَلَيْهَا . وَإِنَّهُ لَمَّا دَعَا قَوْمَهُ لِمَا بَعَثَهُ اللَّهُ لَهُ مِنَ الْهُدَى وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْهِ ، لَمْ يَبْعُدُوا مِنْهُ أَوَّلَ مَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ ، وَكَادُوا
[ ص: 540 ] يَسْمَعُونَ لَهُ ، حَتَّى ذَكَرَ طَوَاغِيتَهُمْ . وَقَدِمَ نَاسٌ مِنَ الطَّائِفِ مِنْ
قُرَيْشٍ ، لَهُمْ أَمْوَالٌ ، أَنْكَرَ ذَلِكَ نَاسٌ ، وَاشْتَدُّوا عَلَيْهِ ، وَكَرِهُوا مَا قَالَ ، وَأَغْرَوْا بِهِ مَنْ أَطَاعَهُمْ ، فَانْصَفَقَ عَنْهُ عَامَّةُ النَّاسِ فَتَرَكُوهُ ، إِلَّا مَنْ حَفِظَهُ اللَّهُ مِنْهُمْ ، وَهُمْ قَلِيلٌ . فَمَكَثَ بِذَلِكَ مَا قَدَّرَ اللَّهُ أَنْ يَمْكُثَ ، ثُمَّ ائْتَمَرَتْ رُؤُوسُهُمْ بِأَنْ يَفْتِنُوا مَنِ اتَّبَعَهُ عَنْ دِينِ اللَّهِ مِنْ أَبْنَائِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ ، فَكَانَتْ فِتْنَةً شَدِيدَةَ الزِّلْزَالِ ، فَافْتَتَنَ مَنِ افْتَتَنَ ، وَعَصَمَ اللَّهُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ . فَلَمَّا فُعِلَ ذَلِكَ بِالْمُسْلِمِينَ ، أَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَخْرُجُوا إِلَى
أَرْضِ الْحَبَشَةِ . وَكَانَ بِالْحَبَشَةِ مَلِكٌ صَالِحٌ يُقَالُ لَهُ "
النَّجَاشِيُّ " ، لَا يُظْلَمُ أَحَدٌ بِأَرْضِهِ ، وَكَانَ يُثْنَى عَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ [ صَلَاحٌ ] ، وَكَانَتْ
أَرْضُ الْحَبَشَةِ مَتْجَرًا
لِقُرَيْشٍ ، يَتَّجِرُونَ فِيهَا ، وَمَسَاكِنَ لِتُجَّارِهِمْ يَجِدُونَ فِيهَا رَفَاغًا مِنَ الرِّزْقِ وَأَمْنًا وَمُتَّجَرًا حَسَنًا ، فَأَمَرَهُمْ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَذَهَبَ إِلَيْهَا عَامَّتُهُمْ لَمَّا قُهِرُوا
بِمَكَّةَ ، وَخَافَ عَلَيْهِمُ الْفِتَنَ . وَمَكَثَ هُوَ فَلَمْ يَبْرَحْ . فَمَكَثَ ذَلِكَ
[ ص: 541 ] سَنَوَاتٍ يَشْتَدُّونَ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ . ثُمَّ إِنَّهُ فَشَا الْإِسْلَامُ فِيهَا ، وَدَخَلَ فِيهِ رِجَالٌ مِنْ أَشْرَافِهِمْ وَمَنَعَتِهِمْ . فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ ، اسْتَرْخَوُا اسْتِرْخَاءَةً عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ أَصْحَابِهِ . وَكَانَتِ الْفِتْنَةُ الْأَوْلَى هِيَ أَخْرَجَتْ مَنْ خَرَجَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ
أَرْضِ الْحَبَشَةِ ، مَخَافَتَهَا ، وَفِرَارًا مِمَّا كَانُوا فِيهِ مِنَ الْفِتَنِ وَالزِّلْزَالِ . فَلَمَّا اسْتُرْخِيَ عَنْهُمْ ، وَدَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ مَنْ دَخَلَ مِنْهُمْ ، تُحُدِّثَ بِاسْتِرْخَائِهِمْ عَنْهُمْ . فَبَلَغَ ذَلِكَ مَنْ كَانَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنَّهُ قَدِ اسْتُرْخِيَ عَمَّنْ كَانَ مِنْهُمْ
بِمَكَّةَ ، وَأَنَّهُمْ لَا يُفْتَنُونَ . فَرَجَعُوا إِلَى
مَكَّةَ ، وَكَادُوا يَأْمَنُونَ بِهَا ، وَجَعَلُوا يَزْدَادُونَ ، وَيَكْثُرُونَ . وَأَنَّهُ أَسْلَمُ مِنَ
الْأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ نَاسٌ كَثِيرٌ ، وَفَشَا
بِالْمَدِينَةِ الْإِسْلَامُ ، وَطَفِقَ
أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَأْتُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِمَكَّةَ . فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ
قُرَيْشٌ ، تَذَامَرَتْ عَلَى أَنْ يَفْتِنُوهُمْ وَيَشْتَدُّوا عَلَيْهِمْ ، فَأَخَذُوهُمْ ، وَحَرَصُوا عَلَى أَنْ يَفْتِنُوهُمْ ، فَأَصَابَهُمْ جَهْدٌ شَدِيدٌ .
[ ص: 542 ] وَكَانَتِ الْفِتْنَةُ الْآخِرَةُ . فَكَانَتْ ثِنْتَيْنِ : فِتْنَةً أَخْرَجَتْ مَنْ خَرَجَ مِنْهُمْ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ ، حِينَ أَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا ، وَأَذِنَ لَهُمْ فِي الْخُرُوجِ إِلَيْهَا وَفِتْنَةً لَمَّا رَجَعُوا وَرَأَوْا مَنْ يَأْتِيهِمْ مِنْ
أَهْلِ الْمَدِينَةِ . ثُمَّ إِنَّهُ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ
الْمَدِينَةِ سَبْعُونَ نَقِيبًا ، رُؤُوسُ الَّذِينَ أَسْلَمُوا ، فَوَافَوْهُ بِالْحَجِّ ، فَبَايَعُوهُ بِالْعَقَبَةِ ، وَأَعْطَوْهُ عُهُودَهُمْ عَلَى أَنَّا مِنْكَ وَأَنْتَ مِنَّا ، وَعَلَى أَنَّ مَنْ جَاءَ مِنْ أَصْحَابِكَ أَوْ جِئْتَنَا ، فَإِنَّا نَمْنَعُكَ مِمَّا نَمْنَعُ مِنْهُ أَنْفُسَنَا . فَاشْتَدَّتْ عَلَيْهِمْ
قُرَيْشٌ عِنْدَ ذَلِكَ . فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَخْرُجُوا إِلَى
الْمَدِينَةِ ، وَهِيَ الْفِتْنَةُ الْآخِرَةُ الَّتِي أَخْرَجَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ ، وَخَرَجَ هُوَ ، وَهِيَ الَّتِي أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهَا : "
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=39وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ " .
16084 - حَدَّثَنِي
يُونُسُ قَالَ ، أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ قَالَ ، أَخْبَرَنِي
nindex.php?page=showalam&ids=12458عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ
عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ : أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى
الْوَلِيدِ : " أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّكَ كَتَبْتَ إِلَيَّ تَسْأَلُنِي عَنْ مُخْرِجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ
مَكَّةَ ، وَعِنْدِي ،
[ ص: 543 ] بِحَمْدِ اللَّهِ ، مِنْ ذَلِكَ عِلْمٌ بِكُلِّ مَا كَتَبْتَ تَسْأَلُنِي عَنْهُ ، وَسَأُخْبِرُكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ .
16085 - حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ ، حَدَّثَنَا
أَبُو أَحْمَدَ قَالَ ، حَدَّثَنَا
قَيْسٌ ، عَنِ
الْأَعْمَشِ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=39وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ " ، قَالَ : " يَسَافُ " وَ" نَائِلَةُ " ، صَنَمَانِ كَانَا يُعْبَدَانِ . * * *
وَأَمَّا قَوْلُهُ : " فَإِنِ انْتَهَوْا " ، فَإِنَّ مَعْنَاهُ : فَإِنِ انْتَهَوْا عَنِ الْفِتْنَةِ ، وَهِيَ الشِّرْكُ بِاللَّهِ ، وَصَارُوا إِلَى الدِّينِ الْحَقِّ مَعَكُمْ " فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ " ، يَقُولُ : فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مَا يَعْمَلُونَ مِنْ تَرْكِ الْكُفْرِ وَالدُّخُولِ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ ، لِأَنَّهُ يُبْصِرُكُمْ وَيُبْصِرُ أَعْمَالَكُمْ ، وَالْأَشْيَاءُ كُلُّهَا مُتَجَلِّيَةٌ لَهُ ، لَا تَغِيبُ عَنْهُ ، وَلَا
[ ص: 544 ] يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ . * * *
وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ : مَعْنَى ذَلِكَ ، فَإِنِ انْتَهَوْا عَنِ الْقِتَالِ . * * *
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : وَالَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ ، لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ وَإِنِ انْتَهَوْا عَنِ الْقِتَالِ ، فَإِنَّهُ كَانَ فَرْضًا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ قِتَالُهُمْ حَتَّى يُسْلِمُوا .