القول في تأويل قوله ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون ( 31 ) )
قال أبو جعفر : يقول جل ثناؤه : اتخذ اليهود أحبارهم ، وهم العلماء .
وقد بينت تأويل ذلك بشواهده فيما مضى من كتابنا هذا قبل . واحدهم "حبر" ، و"حبر" بكسر الحاء منه وفتحها .
وكان يونس الجرمي ، فيما ذكر عنه ، يزعم أنه لم يسمع ذلك إلا "حبرا" [ ص: 209 ] بكسر الحاء ، ويحتج بقول الناس : "هذا مداد حبر" ، يراد به : مداد عالم .
وذكر الفراء أنه سمعه "حبرا" ، و"حبرا" بكسر الحاء وفتحها .
والنصارى "رهبانهم" ، وهم أصحاب الصوامع وأهل الاجتهاد في دينهم منهم ، كما : -
16630 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سلمة ، عن الضحاك : ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم ) ، قال : قراءهم وعلماءهم .
( أربابا من دون الله ) ، يعني : سادة لهم من دون الله ، يطيعونهم في معاصي الله ، فيحلون ما أحلوه لهم مما قد حرمه الله عليهم ، ويحرمون ما يحرمونه عليهم مما قد أحله الله لهم ، كما : -
16631 - حدثني الحسين بن يزيد الطحان قال : حدثنا ، عن عبد السلام بن حرب الملائي غطيف بن أعين ، عن مصعب بن سعد ، عن عدي بن حاتم قال : اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ) ، فقال : "أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم ، ولكن كانوا يحلون لهم فيحلون" . [ ص: 210 ] انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ في "سورة براءة" : (
16632 - حدثنا أبو كريب قالا : حدثنا وابن وكيع مالك بن إسماعيل وحدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد جميعا ، عن عبد السلام بن حرب قال : حدثنا غطيف بن أعين ، عن مصعب بن سعد ، عن عدي بن حاتم قال : اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ) ، قال قلت : يا رسول الله ، إنا لسنا نعبدهم! فقال : أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ، ويحلون ما حرم الله فتحلونه؟ قال : قلت : بلى! قال : فتلك عبادتهم! واللفظ لحديث أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب من ذهب ، فقال : يا عدي ، اطرح هذا الوثن من عنقك ! قال : فطرحته ، وانتهيت إليه وهو يقرأ في "سورة براءة" ، فقرأ هذه الآية : ( أبي كريب .
16633 - حدثني سعيد بن عمرو السكوني قال : حدثنا بقية ، عن قيس [ ص: 211 ] بن الربيع ، عن عبد السلام بن حرب النهدي ، عن غضيف ، عن مصعب بن سعد ، عن عدي بن حاتم قال : اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ) ، قلت : يا رسول الله ، إما إنهم لم يكونوا يصلون لهم! قال : صدقت ، ولكن كانوا يحلون لهم ما حرم الله فيستحلونه ، ويحرمون ما أحل الله لهم فيحرمونه . سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ "سورة براءة" ، فلما قرأ : (
16634 - حدثنا قال : حدثنا محمد بن بشار عبد الرحمن بن مهدي قال : حدثنا سفيان ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن أبي البختري ، عن حذيفة : أنه سئل عن اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ) ، أكانوا يعبدونهم؟ قال : لا كانوا إذا أحلوا لهم شيئا استحلوه ، وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه . قوله : (
16635 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن حبيب ، عن أبي البختري قال : قيل لأبي حذيفة ، فذكر نحوه غير أنه قال : ولكن كانوا يحلون لهم الحرام فيستحلونه ، ويحرمون عليهم الحلال فيحرمونه .
16636 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا ، عن يزيد بن هارون العوام بن حوشب ، عن حبيب عن أبي البختري قال : قيل لحذيفة : أرأيت قول الله : ( اتخذوا أحبارهم ) ؟ قال : أما إنهم لم يكونوا يصومون لهم ولا يصلون لهم ، ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئا استحلوه ، وإذا حرموا عليهم شيئا أحله الله لهم حرموه ، فتلك كانت ربوبيتهم .
16637 - . . . . . . قال : حدثنا جرير وابن فضيل ، عن عطاء ، عن أبي البختري : ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ) ، قال : انطلقوا [ ص: 212 ] إلى حلال الله فجعلوه حراما ، وانطلقوا إلى حرام الله فجعلوه حلالا فأطاعوهم في ذلك ، فجعل الله طاعتهم عبادتهم ، ولو قالوا لهم : "اعبدونا" ، لم يفعلوا .
16638 - حدثني الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا الثوري ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن أبي البختري قال : سأل رجل حذيفة فقال : يا أبا عبد الله ، أرأيت قوله : ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ) ، أكانوا يعبدونهم؟ قال : لا كانوا إذا أحلوا لهم شيئا استحلوه ، وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه .
16639 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا ابن أبي عدي ، عن أشعث ، عن الحسن : ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا ) ، قال : في الطاعة .
16640 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ) ، يقول : زينوا لهم طاعتهم .
16641 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن : ( السدي اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ) ، قال : لم يأمروهم أن يسجدوا لهم ، ولكن أمروهم بمعصية الله ، فأطاعوهم ، فسماهم الله بذلك أربابا . عبد الله بن عباس
16642 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا ابن نمير ، عن ، عن أبي جعفر الرازي الربيع بن أنس ، عن أبي العالية : ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا ) ، قال : قلت : كيف كانت الربوبية التي كانت في بني إسرائيل؟ قال : [ لم يسبوا أحبارنا بشيء مضى ] "ما أمرونا به ائتمرنا ، وما نهونا عنه انتهينا لقولهم" ، وهم يجدون في كتاب الله ما أمروا به وما نهوا عنه ، فاستنصحوا الرجال ، ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم . [ ص: 213 ] لأبي العالية
16643 - حدثني بشر بن سويد قال : حدثنا سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن أبي البختري ، عن حذيفة : ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ) ، قال : لم يعبدوهم ، ولكنهم أطاعوهم في المعاصي .
وأما قوله : ( والمسيح ابن مريم ) ، فإن معناه : اتخذوا أحبارهم ورهبانهم والمسيح ابن مريم أربابا من دون الله .
وأما قوله : ( وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا ) ، فإنه يعني به : وما أمر هؤلاء اليهود والنصارى الذين اتخذوا الأحبار والرهبان والمسيح أربابا ، إلا أن يعبدوا معبودا واحدا ، وأن يطيعوا إلا ربا واحدا دون أرباب شتى ، وهو الله الذي له عبادة كل شيء ، وطاعة كل خلق ، المستحق على جميع خلقه الدينونة له بالوحدانية والربوبية "لا إله إلا هو" ، يقول تعالى ذكره : ( لا تنبغي الألوهية إلا للواحد الذي أمر الخلق بعبادته ، ولزمت جميع العباد طاعته سبحانه عما يشركون ) ، يقول : تنزيها وتطهيرا لله عما يشرك في طاعته وربوبيته ، القائلون : ( عزير ابن الله ) ، والقائلون : ( المسيح ابن الله ) ، المتخذون أحبارهم أربابا من دون الله .