قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : قال شعيب لقومه : يا قوم ، أعززتم قومكم ، فكانوا أعز عليكم من الله ، واستخففتم بربكم ، فجعلتموه خلف ظهوركم ، لا تأتمرون لأمره ولا تخافون عقابه ، ولا تعظمونه حق عظمته؟
يقال للرجل إذا لم يقض حاجة الرجل : "نبذ حاجته وراء ظهره" ، أي : تركها لا يلتفت إليها . و إذا قضاها قيل : "جعلها أمامه ، ونصب عينيه " ، ويقال : "ظهرت بحاجتي " و"جعلتها ظهرية" ، أي : خلف ظهرك ، كما قال الشاعر :
وجدنا بني البرصاء من ولد الظهر
بمعنى : أنهم يظهرون بحوائج الناس فلا يلتفتون إليها . [ ص: 460 ]
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
18515 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : ( قال يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريا ) ، وذلك أن قوم شعيب ورهطه كانوا أعز عليهم من الله ، وصغر شأن الله عندهم ، عز ربنا وجل .
18516 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس : ( واتخذتموه وراءكم ظهريا ) ، قال : قفا .
18517 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريا ) ، يقول : عززتم قومكم ، وأظهرتم بربكم .
18518 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : ( واتخذتموه وراءكم ظهريا ) ، قال : لم تراقبوه في شيء إنما تراقبون قومي ( واتخذتموه وراءكم ظهريا ) ، يقول : عززتم قومكم وأظهرتم بربكم .
18519 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : ( واتخذتموه وراءكم ظهريا ) ، قال : لم تراقبوه في شيء ، إنما تراقبون قومي ( واتخذتموه وراءكم ظهريا ) ، لا تخافونه
18520 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : ( أرهطي أعز عليكم من الله ) ، قال : أعززتم قومكم ، واغتررتم بربكم ، سمعت إسحاق بن أبي إسرائيل قال : قال سفيان : [ ص: 461 ] ( واتخذتموه وراءكم ظهريا ) ، كما يقول الرجل للرجل : "خلفت حاجتي خلف ظهرك" ، ( واتخذتموه وراءكم ظهريا ) ، استخففتم بأمره . فإذا أراد الرجل قضاء حاجة صاحبه جعلها أمامه بين يديه ، ولم يستخف بها .
18521 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : ( واتخذتموه وراءكم ظهريا ) ، قال : "الظهري" ، الفضل ، مثل الجمال يخرج معه بإبل ظهارية ، فضل ، لا يحمل عليها شيئا ، إلا أن يحتاج إليها . قال : فيقول : إنما ربكم عندكم مثل هذا ، إن احتجتم إليه . وإن لم تحتاجوا إليه فليس بشيء .
وقال آخرون : معنى ذلك : واتخذتم ما جاء به شعيب وراءكم ظهريا فالهاء في قوله : ( واتخذتموه ) ، على هذا من ذكر ما جاء به شعيب .
ذكر من قال ذلك :
18522 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن نمير ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( واتخذتموه وراءكم ظهريا ) ، قال : تركتم ما جاء به شعيب
18523 - . . . . قال ، حدثنا عن جعفر بن عون ، سفيان ، عن جابر ، عن مجاهد قال : نبذوا أمره .
18524 - حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز ، عن سفيان ، عن جابر ، عن مجاهد : ( واتخذتموه وراءكم ظهريا ) ، قال : نبذتم أمره .
18525 - حدثنا محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( واتخذتموه وراءكم ظهريا ) ، [ ص: 462 ] قال : هم رهط شعيب بتركهم ما جاء به وراء ظهورهم ظهريا .
18526 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال
18527 - . . . . وحدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( واتخذتموه وراءكم ظهريا ) ، قال : استثناؤهم رهط شعيب ، وتركهم ما جاء به شعيب وراء ظهورهم ظهريا .
قال أبو جعفر : وإنما اخترنا القول الذي اخترناه في تأويل ذلك ، لقرب قوله : ( واتخذتموه وراءكم ظهريا ) ، من قوله : ( أرهطي أعز عليكم من الله ) فكانت الهاء في قوله : ( واتخذتموه ) ، بأن تكون من ذكر الله ، لقرب جوارها منه ، أشبه وأولى .
وقوله : ( إن ربي بما تعملون محيط ) ، يقول : إن ربي محيط علمه بعملكم ، فلا يخفى عليه منه شيء ، وهو مجازيكم على جميعه عاجلا وآجلا .