القول في تأويل قوله تعالى : (
nindex.php?page=treesubj&link=28973_29747_25591nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت )
قال
أبو جعفر : اختلف أهل العلم في تأويل "ما" التي في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102وما أنزل على الملكين ) . فقال بعضهم : معناه الجحد ، وهي بمعنى "لم" .
ذكر من قال ذلك :
1670 - حدثني
محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت ) فإنه يقول : لم ينزل الله السحر .
1671 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثني
حكام ، عن
أبي جعفر ، عن
الربيع بن أنس : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102وما أنزل على الملكين ) ، قال : ما أنزل الله عليهما السحر .
فتأويل الآية - على هذا المعنى الذي ذكرناه عن
ابن عباس والربيع ، من توجيههما معنى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102وما أنزل على الملكين ) إلى : ولم ينزل على الملكين - : واتبعوا الذي تتلو الشياطين على ملك سليمان من السحر ، وما كفر سليمان ، ولا أنزل الله السحر على الملكين ، ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر "ببابل هاروت وماروت" . فيكون حينئذ قوله : " (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102ببابل هاروت وماروت ) ، من المؤخر الذي معناه التقديم .
[ ص: 420 ]
فإن قال لنا قائل : وكيف - وجه تقديم ذلك؟
قيل : وجه تقديمه أن يقال : واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك
سليمان [ من السحر ] ، وما أنزل [ الله السحر ] على الملكين ، ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر
ببابل ، هاروت وماروت - فيكون معنيا ب "الملكين" :
جبريل وميكائيل ، لأن سحرة
اليهود ، فيما ذكر ، كانت تزعم أن الله أنزل السحر على لسان
جبريل وميكائيل إلى
سليمان بن داود ، فأكذبها الله بذلك ، وأخبر نبيه
محمدا صلى الله عليه وسلم أن
جبريل وميكائيل لم ينزلا بسحر قط ، وبرأ
سليمان مما نحلوه من السحر ، فأخبرهم أن السحر من عمل الشياطين ، وأنها تعلم الناس [ ذلك ]
ببابل ، وأن اللذين يعلمانهم ذلك رجلان : اسم أحدهما
هاروت ، واسم الآخر
ماروت . فيكون "
هاروت وماروت " ، على هذا التأويل ، ترجمة على "الناس" وردا عليهم .
وقال آخرون : بل تأويل "ما" التي في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102وما أنزل على الملكين ) - "الذي" .
ذكر من قال ذلك :
1672 - حدثنا
الحسن بن يحيى قال : أخبرنا
عبد الرزاق قال : قال
معمر ، قال
قتادة nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري عن
عبد الله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت ) ، كانا ملكين من الملائكة ، فأهبطا ليحكما بين الناس ، وذلك أن الملائكة سخروا من أحكام بني
آدم . قال : فحاكمت إليهما امرأة فحافا لها ، ثم ذهبا يصعدان ، فحيل بينهما وبين ذلك ، وخيرا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ، فاختارا عذاب الدنيا . قال
معمر ، قال
قتادة : فكانا يعلمان الناس السحر ، فأخذ عليهما أن لا يعلما أحدا حتى يقولا : "إنما نحن فتنة فلا تكفر" .
[ ص: 421 ]
1673 - حدثني
موسى قال : حدثنا
عمرو قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت ) ، فهذا سحر آخر خاصموه به أيضا . يقول : خاصموه بما أنزل على الملكين ، وأن كلام الملائكة فيما بينهم ، إذا علمته الإنس فصنع وعمل به ، كان سحرا .
1674 - حدثنا
بشر بن معاذ قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت ) . فالسحر سحران : سحر تعلمه الشياطين ، وسحر يعلمه
هاروت وماروت .
1675 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
عبد الله بن صالح قال : حدثني
معاوية بن صالح ، عن
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت ) ، قال : التفريق بين المرء وزوجه .
1676 - حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ) ، فقرأ حتى بلغ : ( فلا تكفر ) ، قال : الشياطين والملكان يعلمون الناس السحر .
قال
أبو جعفر : فمعنى الآية على تأويل هذا القول الذي ذكرنا عمن ذكرناه عنه : واتبعت
اليهود الذي تلت الشياطين في ملك
سليمان الذي أنزل على الملكين
ببابل وهاروت وماروت ، وهما ملكان من ملائكة الله ، سنذكر ما روي من الأخبار في شأنهما إن شاء الله تعالى .
قال
أبو جعفر إن قال لنا قائل : وهل يجوز أن ينزل الله السحر ، أم
[ ص: 422 ] هل يجوز لملائكته أن تعلمه الناس ؟
قلنا له : إن الله عز وجل قد أنزل الخير والشر كله ، وبين جميع ذلك لعباده ، فأوحاه إلى رسله ، وأمرهم بتعليم خلقه وتعريفهم ما يحل لهم مما يحرم عليهم . وذلك كالزنا والسرقة وسائر المعاصي التي عرفهموها ، ونهاهم عن ركوبها . فالسحر أحد تلك المعاصي التي أخبرهم بها ، ونهاهم عن العمل بها .
وليس في
nindex.php?page=treesubj&link=25589_25590العلم بالسحر إثم ، كما لا إثم في العلم بصنعة الخمر ونحت الأصنام والطنابير والملاعب . وإنما الإثم في عمله وتسويته . وكذلك لا إثم في العلم بالسحر ، وإنما الإثم في العمل به ، وأن يضر به ، من لا يحل ضره به .
فليس في إنزال الله إياه على الملكين ، ولا في تعليم الملكين من علماه من الناس ، إثم ، إذ كان تعليمهما من علماه ذلك ، بإذن الله لهما بتعليمه ، بعد أن يخبراه بأنهما فتنة ، وينهاه عن السحر والعمل به والكفر . وإنما الإثم على من يتعلمه منهما ويعمل به ، إذ كان الله تعالى ذكره قد نهاه عن تعلمه والعمل به . ولو كان الله أباح لبني
آدم أن يتعلموا ذلك ، لم يكن من تعلمه حرجا ، كما لم يكونا حرجين لعلمهما
[ ص: 423 ] به؛ إذ كان علمهما بذلك عن تنزيل الله إليهما .
وقال آخرون : معنى "ما" معنى "الذي" ، وهي عطف على "ما" الأولى . غير أن الأولى في معنى السحر ، والآخرة في معنى التفريق بين المرء وزوجه .
فتأويل الآية على هذا القول : واتبعوا السحر الذي تتلو الشياطين في ملك
سليمان ، والتفريق الذي بين المرء وزوجه الذي أنزل على الملكين
ببابل هاروت وماروت .
ذكر من قال ذلك :
1677 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
أبو حذيفة قال : حدثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت ) ، وهما يعلمان ما يفرقون به بين المرء وزوجه ، وذلك قول الله جل ثناؤه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا ) . وكان يقول : أما السحر ، فإنما يعلمه الشياطين ، وأما الذي يعلم الملكان ، فالتفريق بين المرء وزوجه ، كما قال الله تعالى .
وقال آخرون : جائز أن تكون "ما" بمعنى "الذي" ، وجائز أن تكون "ما" بمعنى "لم" .
ذكر من قال ذلك :
1678 - حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=17418يونس بن عبد الأعلى قال : أخبرنا
ابن وهب قال : حدثني
الليث بن سعد ، عن
يحيى بن سعيد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14946القاسم بن محمد - وسأله رجل عن قول الله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت ) فقال الرجل : يعلمان الناس ما أنزل عليهما ، أم يعلمان الناس ما لم ينزل عليهما؟ قال
القاسم : ما أبالي أيتهما كانت .
1679 - حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=17418يونس بن عبد الأعلى قال : حدثنا
أنس بن عياض ، عن
[ ص: 424 ] بعض أصحابه ، أن
nindex.php?page=showalam&ids=14946القاسم بن محمد سئل عن قول الله تعالى ذكره : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102وما أنزل على الملكين ) ، فقيل له : أأنزل أو لم ينزل؟ فقال : لا أبالي أي ذلك كان ، إلا أني آمنت به . .
قال
أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي ، قول من وجه "ما" التي في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102وما أنزل على الملكين ) إلى معنى "الذي" ، دون معنى "ما" التي هي بمعنى الجحد . وإنما اخترت ذلك ، من أجل أن "ما" إن وجهت إلى معنى الجحد ، تنفي عن "الملكين" أن يكونا منزلا إليهما ، ولم يخل الاسمان اللذان بعدهما - أعني "هاروت وماروت" - من أن يكونا بدلا منهما وترجمة عنهما أو بدلا من "الناس" في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102يعلمون الناس السحر ) ، وترجمة عنهم . فإن جعلا بدلا من "الملكين" وترجمة عنهما ، بطل معنى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه ) ؛ لأنهما إذا لم يكونا عالمين بما يفرق به بين المرء وزوجه ، فما الذي يتعلم منهما من يفرق بين المرء وزوجه؟
[ ص: 425 ]
وبعد ، فإن "ما" التي في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102وما أنزل على الملكين ) ، إن كانت في معنى الجحد عطفا على قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102وما كفر سليمان ) ، فإن الله جل ثناؤه نفى بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102وما كفر سليمان ) ، عن
سليمان أن يكون السحر من عمله أو من علمه أو تعليمه ، فإن كان الذي نفي عن الملكين من ذلك نظير الذي نفي عن
سليمان منه -
وهاروت وماروت هما الملكان - فمن المتعلم منه إذا ما يفرق به بين المرء وزوجه؟ وعمن الخبر الذي أخبر عنه بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر ) ؟ إن خطأ هذا القول لواضح بين .
وإن كان قوله "هاروت وماروت" ترجمة عن "الناس" الذين في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ) ، فقد وجب أن تكون الشياطين هي التي تعلم
هاروت وماروت السحر ، وتكون السحرة إنما تعلمت السحر من
هاروت وماروت عن تعليم الشياطين إياهما! فإن يكن ذلك كذلك ، فلن يخلو "هاروت وماروت" - عند قائل هذه المقالة - من أحد أمرين :
إما أن يكونا ملكين ، فإن كانا عنده ملكين ، فقد أوجب لهما من الكفر بالله والمعصية له بنسبته إياهما إلى أنهما يتعلمان من الشياطين السحر ويعلمانه الناس ، وإصرارهما على ذلك ومقامهما عليه - أعظم مما ذكر عنهما أنهما أتياه من المعصية التي استحقا عليها العقاب! وفي خبر الله عز وجل عنهما - أنهما لا يعلمان أحدا ما يتعلم منهما حتى يقولا (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102إنما نحن فتنة فلا تكفر ) - ما يغني عن الإكثار في الدلالة على خطأ هذا القول .
أو أن يكونا رجلين من بني
آدم . فإن يكن ذلك كذلك ، فقد كان يجب أن يكونا بهلاكهما قد ارتفع السحر والعلم به والعمل - من بني
آدم ؛ لأنه إذا كان علم ذلك من قبلهما يؤخذ ومنهما يتعلم ، فالواجب أن يكون بهلاكهما وعدم وجودهما ، عدم السبيل إلى الوصول إلى المعنى الذي كان لا يوصل إليه إلا بهما .
[ ص: 426 ] وفي وجود السحر في كل زمان ووقت ، أبين الدلالة على فساد هذا القول . وقد يزعم قائل ذلك أنهما رجلان من بني
آدم ، لم يعدما من الأرض منذ خلقت ، ولا يعدمان بعدما وجد السحر في الناس ، فيدعي ما لا يخفى بطوله .
فإذ فسدت هذه الوجوه التي دللنا على فسادها ، فبين أن معنى ( ما ) التي في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102وما أنزل على الملكين ) بمعنى "الذي" ، وأن "هاروت وماروت" ، مترجم بهما عن الملكين ، ولذلك فتحت أواخر أسمائهما ، لأنهما في موضع خفض على الرد على "الملكين" . ولكنهما لما كانا لا يجران ، فتحت أواخر أسمائهما .
فإن التبس على ذي غباء ما قلنا فقال : وكيف يجوز لملائكة الله أن تعلم الناس التفريق بين المرء وزوجه؟ أم كيف يجوز أن يضاف إلى الله تبارك وتعالى إنزال ذلك على الملائكة؟
قيل له : إن الله - جل ثناؤه - عرف عباده جميع ما أمرهم به وجميع ما نهاهم عنه ، ثم أمرهم ونهاهم بعد العلم منهم بما يؤمرون به وينهون عنه . ولو كان الأمر على غير ذلك ، لما كان للأمر والنهي معنى مفهوم . فالسحر مما قد نهى عباده من بني
آدم عنه ، فغير منكر أن يكون - جل ثناؤه - علمه الملكين اللذين سماهما في تنزيله ، وجعلهما فتنة لعباده من بني
آدم - كما أخبر عنهما أنهما يقولان لمن يتعلم ذلك منهما : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102إنما نحن فتنة فلا تكفر ) - ليختبر بهما عباده الذين نهاهم عن التفريق بين المرء وزوجه ، وعن السحر ، فيمحص المؤمن بتركه التعلم منهما ، ويخزي الكافر بتعلمه السحر والكفر منهما ، ويكون الملكان في تعليمهما من علما ذلك - لله مطيعين ، إذ كانا عن إذن الله لهما بتعليم ذلك من علماه يعلمان . وقد عبد من دون الله جماعة من أولياء الله ، فلم يكن ذلك لهم ضائرا ،
[ ص: 427 ] إذ لم يكن ذلك بأمرهم إياهم به ، بل عبد بعضهم والمعبود عنه ناه ، فكذلك الملكان ، غير ضائرهما سحر من سحر ممن تعلم ذلك منهما ، بعد نهيهما إياه عنه ، وعظتهما له بقولهما : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102إنما نحن فتنة فلا تكفر ) ، إذ كانا قد أديا ما أمرا به بقيلهما ذلك ، كما : -
1680 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار قال : حدثنا
يحيى بن سعيد ، عن
عوف ، عن
الحسن في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت ) إلى قوله : ( فلا تكفر ) ، أخذ عليهما ذلك .
ذكر بعض الأخبار التي في بيان الملكين ، ومن قال إن
هاروت وماروت هما الملكان اللذان ذكر الله جل ثناؤه في قوله : ( ببابل ) :
1681 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17105معاذ بن هشام قال : حدثني أبي ، عن
قتادة قال : حدثنا
أبو شعبة العدوي في جنازة
يونس بن جبير أبي غلاب ، عن
ابن عباس قال : إن الله أفرج السماء لملائكته ينظرون إلى أعمال بني
آدم ، فلما أبصروهم يعملون الخطايا قالوا : يا رب ، هؤلاء بنو
آدم الذي خلقته بيدك ، وأسجدت له ملائكتك ، وعلمته أسماء كل شيء ، يعملون بالخطايا! قال : أما إنكم لو كنتم مكانهم لعملتم مثل أعمالهم . قالوا : سبحانك ما كان ينبغي لنا! قال : فأمروا أن يختاروا من يهبط إلى الأرض ، قال : فاختاروا
هاروت وماروت . فأهبطا إلى الأرض ، وأحل لهما ما فيها من شيء ، غير أن لا يشركا بالله شيئا ولا يسرقا ، ولا يزنيا ، ولا يشربا الخمر ، ولا يقتلا النفس التي حرم الله إلا بالحق . قال : فما استمرا حتى عرض لهما امرأة قد قسم لها نصف الحسن ، يقال لها : "
بيذخت " فلما أبصراها أرادا بها زنا ، فقالت : لا إلا أن تشركا بالله ، وتشربا الخمر ، وتقتلا النفس ، وتسجدا لهذا الصنم! فقالا : ما كنا لنشرك بالله شيئا! فقال أحدهما
[ ص: 428 ] للآخر : ارجع إليها . فقالت : لا إلا أن تشربا الخمر ، فشربا حتى ثملا ودخل عليهما سائل فقتلاه ، فلما وقعا فيما وقع من الشر ، أفرج الله السماء لملائكته ، فقالوا : سبحانك! كنت أعلم! قال : فأوحى الله إلى
سليمان بن داود أن يخيرهما بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ، فاختارا عذاب الدنيا ، فكبلا من أكعبهما إلى أعناقهما بمثل أعناق البخت ، وجعلا
ببابل .
1682 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
الحجاج بن المنهال قال : حدثنا
حجاج ، عن
علي بن زيد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12081أبي عثمان النهدي ، عن
ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس أنهما قالا : لما كثر بنو
آدم وعصوا ، دعت الملائكة عليهم والأرض والسماء والجبال : ربنا ألا تهلكهم! فأوحى الله إلى الملائكة : إني لو أنزلت الشهوة والشيطان من قلوبكم ونزلتم لفعلتم أيضا! قال : فحدثوا أنفسهم أن لو ابتلوا اعتصموا ، فأوحى الله إليهم : أن اختاروا ملكين من أفضلكم ، فاختاروا هاروت وماروت ، فأهبطا إلى الأرض ، وأنزلت الزهرة إليهما في صورة امرأة من
أهل فارس ، وكان
أهل فارس يسمونها "
بيذخت " . قال : فوقعا بالخطيئة ، فكانت الملائكة يستغفرون للذين آمنوا . (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=7ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا ) . فلما وقعا بالخطيئة ، استغفروا لمن في الأرض ، ألا إن الله هو الغفور الرحيم . فخيرا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ، فاختارا عذاب الدنيا .
[ ص: 429 ]
1683 - حدثني
المثنى قال : حدثني
الحجاج قال : حدثنا
حماد ، عن
خالد الحذاء ، عن
عمير بن سعيد قال ، سمعت
عليا يقول : كانت الزهرة امرأة جميلة من
أهل فارس ، وأنها خاصمت إلى الملكين
هاروت وماروت ، فراوداها عن نفسها ، فأبت إلا أن يعلماها الكلام الذي إذا تكلم به يعرج به إلى السماء . فعلماها ، فتكلمت به ، فعرجت إلى السماء ، فمسخت كوكبا .
1684 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار nindex.php?page=showalam&ids=12166ومحمد بن المثنى قالا : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16862مؤمل بن إسماعيل - وحدثنا
الحسن بن يحيى قال : أخبرنا
عبد الرزاق - جميعا ، عن
الثوري ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17177موسى بن عقبة ، عن
سالم ، عن
ابن عمر ، عن
كعب قال : ذكرت الملائكة أعمال بني
آدم وما يأتون من الذنوب ، فقيل لهم : اختاروا منكم اثنين - وقال
الحسن بن يحيى في حديثه : اختاروا ملكين - فاختاروا
هاروت وماروت ، فقيل لهما : إني أرسل إلى بني
آدم رسلا وليس بيني وبينكم رسول ، انزلا لا تشركا بي شيئا ، ولا تزنيا ، ولا تشربا الخمر . قال
كعب : فوالله ما أمسيا من يومهما الذي أهبطا فيه إلى الأرض حتى استكملا جميع ما نهيا عنه - وقال
الحسن بن يحيى في حديثه : فما استكملا يومهما الذي أنزلا فيه حتى عملا ما حرم الله عليهما .
[ ص: 430 ]
1685 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
معلى بن أسد قال : حدثنا
عبد العزيز بن المختار ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17177موسى بن عقبة قال : حدثني
سالم أنه سمع
عبد الله يحدث عن
كعب الأحبار أنه حدث : أن الملائكة أنكروا أعمال بني
آدم وما يأتون في الأرض من المعاصي ، فقال الله لهم : إنكم لو كنتم مكانهم أتيتم ما يأتون من الذنوب ، فاختاروا منكم ملكين . فاختاروا هاروت وماروت ، فقال الله لهما : إني أرسل رسلي إلى الناس ، وليس بيني وبينكما رسول ، انزلا إلى الأرض ، ولا تشركا بي شيئا ، ولا تزنيا . فقال
كعب : والذي نفس
كعب بيده ، ما استكملا يومهما الذي نزلا فيه حتى أتيا ما حرم الله عليهما .
[ ص: 431 ]
1686 - حدثني
موسى بن هارون قال : حدثنا
عمرو قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : أنه كان من
nindex.php?page=treesubj&link=28965أمر هاروت وماروت أنهما طعنا على أهل الأرض في أحكامهم ، فقيل لهما : إني أعطيت ابن
آدم عشرا من الشهوات ، فبها يعصونني . قال
هاروت وماروت : ربنا ، لو أعطيتنا تلك الشهوات ثم نزلنا لحكمنا بالعدل ، فقال لهما : انزلا فقد أعطيتكما تلك الشهوات العشر ، فاحكما بين الناس . فنزلا
ببابل دنباوند ، فكانا يحكمان ، حتى إذا أمسيا عرجا فإذا أصبحا هبطا ، فلم يزالا كذلك حتى أتتهما امرأة تخاصم زوجها ، فأعجبهما حسنها - واسمها بالعربية ، "
الزهرة " ، وبالنبطية "بيذخت" ، واسمها بالفارسية "أناهيذ" - فقال أحدهما لصاحبه : إنها لتعجبني! فقال الآخر : قد أردت أن أذكر لك فاستحييت منك! فقال : الآخر : هل لك أن أذكرها لنفسها؟ قال : نعم ، ولكن كيف لنا بعذاب الله؟ قال الآخر : إنا نرجو رحمة الله! فلما جاءت تخاصم زوجها ذكرا إليها نفسها ، فقالت : لا حتى تقضيا لي على زوجي ، فقضيا لها على زوجها ، ثم واعدتهما خربة من الخرب يأتيانها فيها ، فأتياها لذلك ، فلما أراد الذي يواقعها ، قالت : ما أنا بالذي أفعل حتى تخبراني بأي كلام تصعدان إلى السماء ، وبأي كلام تنزلان منها؟ فأخبراها ، فتكلمت فصعدت ، فأنساها الله ما تنزل به فبقيت مكانها ، وجعلها الله كوكبا - فكان
عبد الله بن عمر كلما رآها لعنها وقال : هذه التي فتنت
هاروت وماروت ! - فلما كان الليل أرادا أن يصعدا فلم يستطيعا ، فعرفا الهلك ، فخيرا بين عذاب الدنيا والآخرة ، فاختارا عذاب الدنيا من عذاب الآخرة ، فعلقا
ببابل ، فجعلا يكلمان الناس كلامهما ، وهو السحر .
1687 - حدثني
المثنى بن إبراهيم قال : حدثنا
إسحاق قال : حدثنا
ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن
الربيع قال : لما وقع الناس من بعد
آدم فيما وقعوا فيه من
[ ص: 432 ] المعاصي والكفر بالله ، قالت الملائكة في السماء : أي رب ، هذا العالم إنما خلقتهم لعبادتك وطاعتك ، وقد ركبوا الكفر ، وقتل النفس الحرام ، وأكل المال الحرام ، والسرقة ، والزنا ، وشرب الخمر! فجعلوا يدعون عليهم ولا يعذرونهم ، فقيل لهم : إنهم في غيب؛ فلم يعذروهم ، فقيل لهم : اختاروا منكم ملكين آمرهما بأمري وأنهاهما عن معصيتي ، فاختاروا
هاروت وماروت ، فأهبطا إلى الأرض ، وجعل بهما شهوات بني
آدم ، وأمرا أن يعبدا الله ولا يشركا به شيئا ، ونهيا عن قتل النفس الحرام ، وأكل المال الحرام ، والسرقة ، والزنا ، وشرب الخمر ، فلبثا على ذلك في الأرض زمانا يحكمان بين الناس بالحق - وذلك في زمان
إدريس . وفي ذلك الزمان امرأة حسنها في سائر الناس كحسن الزهرة في سائر الكواكب ، وأنها أتت عليهما ، فخضعا لها بالقول ، وأراداها على نفسها ، وأنها أبت إلا أن يكونا على أمرها ودينها ، وأنهما سألاها عن دينها التي هي عليه ، فأخرجت لهما صنما وقالت : هذا أعبد . فقالا : لا حاجة لنا في عبادة هذا! فذهبا فغبرا ما شاء الله ، ثم أتيا عليها فخضعا لها بالقول وأراداها على نفسها ، فقالت : لا إلا أن تكونا على ما أنا عليه . فقالا : لا حاجة لنا في عبادة هذا! فلما رأت أنهما أبيا أن يعبدا الصنم ، قالت لهما : اختارا إحدى الخلال الثلاث : إما أن تعبدا الصنم ، أو تقتلا النفس ، أو تشربا الخمر . فقالا : كل هذا لا ينبغي ، وأهون الثلاثة شرب الخمر ، فسقتهما الخمر ، حتى إذا أخذت الخمر فيهما وقعا بها ، فمر بهما إنسان ، وهما في ذلك ، فخشيا أن يفشي عليهما فقتلاه . فلما أن ذهب عنهما السكر ، عرفا ما وقعا فيه من الخطيئة ، وأرادا أن يصعدا إلى السماء ، فلم يستطيعا ،
[ ص: 433 ] فحيل بينهما وبين ذلك ، وكشف الغطاء بينهما وبين أهل السماء ، فنظرت الملائكة إلى ما وقعا فيه من الذنب ، فعجبوا كل العجب ، وعلموا أن من كان في غيب فهو أقل خشية فجعلوا بعد ذلك يستغفرون لمن في الأرض - وأنهما لما وقعا فيما وقعا فيه من الخطيئة ، قيل لهما : اختارا عذاب الدنيا أو عذاب الآخرة! فقالا : أما عذاب الدنيا فإنه ينقطع ، وأما عذاب الآخرة فلا انقطاع له؛ فاختارا عذاب الدنيا ، فجعلا ببابل ، فهما يعذبان .
1688 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثنا
فرج بن فضالة ، عن
معاوية بن صالح ، عن
نافع قال : سافرت مع
ابن عمر ، فلما كان من آخر الليل قال : يا
نافع انظر ، طلعت الحمراء؟ قلت : لا - مرتين أو ثلاثا - ثم قلت : قد طلعت! قال : لا مرحبا ولا أهلا! قلت : سبحان الله ، نجم مسخر سامع مطيع! قال : ما قلت لك إلا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=811252 "إن الملائكة قالت : يا رب ، كيف صبرك على بني آدم في الخطايا والذنوب؟ قال : إني ابتليتهم وعافيتكم ، قالوا : لو كنا مكانهم ما عصيناك! قال : فاختاروا ملكين منكم! قال : فلم يألوا أن يختاروا ، فاختاروا هاروت وماروت .
[ ص: 434 ]
1689 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
أبو حذيفة قال : حدثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد : وأما شأن
هاروت وماروت ، فإن الملائكة عجبت من ظلم بني
آدم ، وقد جاءتهم الرسل والكتب والبينات . فقال لهم ربهم : اختاروا منكم ملكين أنزلهما يحكمان في الأرض بين بني
آدم . فاختاروا
هاروت وماروت . فقال لهما حين أنزلهما : عجبتما من بني
آدم ومن ظلمهم ومعصيتهم ، وإنما تأتيهم الرسل والكتب من وراء وراء ، وأنتما ليس بيني وبينكما رسول ، فافعلا كذا وكذا ، ودعا كذا وكذا . فأمرهما بأمر ونهاهما . ثم نزلا على ذلك ليس أحد لله أطوع منهما . فحكما
[ ص: 435 ] فعدلا . فكانا يحكمان النهار بين بني
آدم ، فإذا أمسيا عرجا وكانا مع الملائكة ، وينزلان حين يصبحان فيحكمان فيعدلان ، حتى أنزلت عليهما الزهرة - في أحسن صورة امرأة - تخاصم ، فقضيا عليها ، فلما قامت ، وجد كل واحد منهما في نفسه ، فقال أحدهما لصاحبه : وجدت مثل ما وجدت؟ قال : نعم ، فبعثا إليها : أن ائتينا نقض لك ، فلما رجعت ، قالا لها - وقضيا لها - : ائتينا! فأتتهما ، فكشفا لها عن عورتهما ، وإنما كانت شهوتهما في أنفسهما ، ولم يكونا كبني
آدم في شهوة النساء ولذاتها ، فلما بلغا ذلك واستحلاه وافتتنا ، طارت الزهرة فرجعت حيث كانت ، فلما أمسيا عرجا فردا ولم يؤذن لهما ، ولم تحملهما أجنحتهما ، فاستغاثا برجل من بني
آدم ، فأتياه فقالا ادع لنا ربك! فقال : كيف يشفع أهل الأرض لأهل السماء؟ قالا : سمعنا ربك يذكرك بخير في السماء! فوعدهما يوما ، وغدا يدعو لهما ، فدعا لهما فاستجيب له ، فخيرا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ، فنظر أحدهما إلى صاحبه ، فقالا : نعلم أن أنواع عذاب الله في الآخرة كذا وكذا في الخلد ، ومع الدنيا سبع مرات مثلها ، فأمرا أن ينزلا
ببابل ، فثم عذابهما . وزعم أنهما معلقان في الحديد مطويان ، يصفقان بأجنحتهما .
قال
أبو جعفر : وحكي عن بعض القراء أنه كان يقرأ : ) وما أنزل على الملكين ) ، يعني به رجلين من بني
آدم . وقد دللنا على خطأ القراءة بذلك من جهة الاستدلال ، فأما من جهة النقل ، فإجماع الحجة - على خطأ القراءة بها - من
[ ص: 436 ] الصحابة والتابعين وقراء الأمصار ، وكفى بذلك شاهدا على خطئها .
وأما قوله ( ببابل ) ، فإنه اسم قرية أو موضع من مواضع الأرض . وقد اختلف أهل التأويل فيها ، فقال بعضهم : إنها "
بابل دنباوند " .
1690 - حدثني بذلك
موسى قال : حدثنا
عمرو قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي .
وقال بعضهم : بل ذلك"
بابل العراق " .
ذكر من قال ذلك :
1691 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج ، عن
ابن أبي الزناد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن
عائشة - في قصة ذكرتها عن امرأة قدمت
المدينة ، فذكرت أنها صارت في
العراق ببابل ، فأتت بها
هاروت وماروت ، فتعلمت منهما السحر .
قال
أبو جعفر : واختلف في معنى السحر ، فقال بعضهم : هو خدع ومخاريق ومعان يفعلها الساحر ، حتى يخيل إلى المسحور الشيء أنه بخلاف ما هو به ، نظير الذي يرى السراب من بعيد فيخيل إليه أنه ماء ، ويرى الشيء من بعيد فيثبته بخلاف ما هو على حقيقته ، وكراكب السفينة السائرة سيرا حثيثا يخيل إليه أن ما عاين من الأشجار والجبال سائر معه! قالوا : فكذلك المسحور ذلك صفته ، يحسب بعد الذي وصل إليه من سحر الساحر ، أن الذي يراه أو يفعله بخلاف الذي هو به على حقيقته ، كالذي : -
[ ص: 437 ]
1692 - حدثني
أحمد بن الوليد nindex.php?page=showalam&ids=16010وسفيان بن وكيع ، قالا : حدثنا
يحيى بن سعيد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة ، عن أبيه ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=810057عن عائشة : أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سحر ، كان يخيل إليه أنه يفعل الشيء ولم يفعله .
1693 - حدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا
ابن نمير ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة ، عن أبيه ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=810058عن عائشة قالت ، سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم يهودي من يهود بني زريق يقال له nindex.php?page=showalam&ids=10لبيد بن الأعصم ، حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخيل إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله .
[ ص: 438 ]
1694 - حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال ، أخبرني
يونس ، عن
ابن شهاب قال : كان
عروة بن الزبير nindex.php?page=showalam&ids=15990وسعيد بن المسيب يحدثان :
nindex.php?page=hadith&LINKID=811919أن يهود بني زريق عقدوا عقد سحر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجعلوها في بئر حزم ، حتى كان رسول الله ينكر بصره ، ودله الله على ما صنعوا ، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بئر حزم التي فيها العقد فانتزعها ، فكان [ ص: 439 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : سحرتني يهود بني زريق .
وأنكر قائل هذه المقالة أن يكون الساحر يقدر بسحره على قلب شيء عن حقيقته ، واستسخار شيء من خلق الله - إلا نظير الذي يقدر عليه من ذلك سائر بني
آدم - أو إنشاء شيء من الأجسام سوى المخاريق والخدع المتخيلة لأبصار الناطرين بخلاف حقائقها التي وصفنا . وقالوا : لو كان في وسع السحرة إنشاء الأجسام وقلب حقائق الأعيان عما هي به من الهيئات ، لم يكن بين الحق والباطل فصل ، ولجاز أن تكون جميع المحسوسات مما سحرته السحرة فقلبت أعيانها . قالوا : وفي وصف الله جل وعز سحرة
فرعون بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=66فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى ) [ سورة طه : 66 ] ، وفي خبر
عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذ سحر يخيل إليه أنه يفعل الشيء ولا يفعله ، أوضح الدلالة على بطول دعوى المدعين : أن الساحر ينشئ أعيان الأشياء بسحره ، ويستسخر ما يتعذر استسخاره على غيره من بني
آدم ، كالموات والجماد والحيوان ، وصحة ما قلنا .
وقال آخرون : قد يقدر الساحر بسحره أن يحول الإنسان حمارا ، وأن يسحر الإنسان والحمار ، وينشئ أعيانا وأجساما ، واعتلوا في ذلك بما : -
1695 - حدثنا به
الربيع بن سليمان قال : حدثنا
ابن وهب قال : أخبرنا
ابن أبي الزناد قال : حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن
عائشة زوج
[ ص: 440 ] النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت : قدمت علي امرأة من
أهل دومة الجندل ، جاءت تبتغي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موته حداثة ذلك ، تسأله عن شيء دخلت فيه من أمر السحر ولم تعمل به . قالت
عائشة لعروة : يا ابن أختي ، فرأيتها تبكي حين لم تجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيشفيها ، كانت تبكي حتى إني لأرحمها! وتقول : إني لأخاف أن أكون قد هلكت! كان لي زوج فغاب عني ، فدخلت علي عجوز فشكوت ذلك إليها ، فقالت : إن فعلت ما آمرك به ، فأجعله يأتيك! فلما كان الليل جاءتني بكلبين أسودين ، فركبت أحدهما وركبت الآخر ، فلم يكن كشيء حتى وقفنا
ببابل ، فإذا برجلين معلقين بأرجلهما ، فقالا : ما جاء بك؟ فقلت : أتعلم السحر؟ فقالا : إنما نحن فتنة فلا تكفري وارجعي ، فأبيت وقلت : لا ، قالا : فاذهبي إلى ذلك التنور فبولي فيه ، فذهبت ففزعت فلم أفعل ، فرجعت إليهما ، فقالا : أفعلت؟ قلت : نعم . فقالا : فهل رأيت شيئا؟ قلت : لم أر شيئا! فقالا لي : لم تفعلي ، ارجعي إلى بلادك ولا تكفري فأرببت وأبيت ، فقالا : اذهبي إلى ذلك التنور فبولي فيه ، فذهبت ، فاقشعررت ، ثم رجعت إليهما فقلت : قد فعلت ، فقالا : فما رأيت؟
[ ص: 441 ] فقلت : لم أر شيئا . فقالا : كذبت لم تفعلي ، ارجعي إلى بلادك ولا تكفري ، فإنك على رأس أمرك! فأرببت وأبيت ، فقالا : اذهبي إلى ذلك التنور فبولي فيه . فذهبت إليه فبلت فيه ، فرأيت فارسا متقنعا بحديد خرج مني حتى ذهب في السماء ، وغاب عني حتى ما أراه ، فجئتهما فقلت : قد فعلت! فقالا : ما رأيت؟ فقلت : فارسا متقنعا خرج مني فذهب في السماء حتى ما أراه ، فقالا : صدقت ، ذلك إيمانك خرج منك ، اذهبي! فقلت للمرأة : والله ما أعلم شيئا! وما قالا لي شيئا! فقالت : بلى ، لن تريدي شيئا إلا كان! خذي هذا القمح فابذري ، فبذرت ، وقلت : أطلعي! فأطلعت ، وقلت : أحقلي! فأحقلت ، ثم قلت : أفركي! فأفركت ، ثم قلت : أيبسي! فأيبست ، ثم قلت : أطحني! فأطحنت ، ثم قلت : أخبزي ، فأخبزت ، فلما رأيت أني لا أريد شيئا إلا كان ، سقط في يدي وندمت والله يا أم المؤمنين! والله ما فعلت شيئا قط ولا أفعله أبدا .
[ ص: 442 ]
قال أهل هذه المقالة بما وصفنا ، واعتلوا بما ذكرنا ، وقالوا : لولا أن الساحر يقدر على فعل ما ادعى أنه يقدر على فعله ، ما قدر أن يفرق بين المرء وزوجه . قالوا : وقد أخبر الله تعالى ذكره عنهم أنهم يتعلمون من الملكين ما يفرقون به بين المرء وزوجه ، وذلك لو كان على غير الحقيقة ، وكان على وجه التخييل والحسبان ، لم يكن تفريقا على صحة ، وقد أخبر الله تعالى ذكره عنهم أنهم يفرقون على صحة .
وقال آخرون : بل "السحر" أخذ بالعين .
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=treesubj&link=28973_29747_25591nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ )
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي تَأْوِيلِ "مَا" الَّتِي فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ ) . فَقَالَ بَعْضُهُمْ : مَعْنَاهُ الْجَحْدُ ، وَهِيَ بِمَعْنَى "لَمْ" .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
1670 - حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ) فَإِنَّهُ يَقُولُ : لَمْ يُنْزِلِ اللَّهُ السِّحْرَ .
1671 - حَدَّثَنَا
ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ : حَدَّثَنِي
حَكَّامٌ ، عَنْ
أَبِي جَعْفَرٍ ، عَنِ
الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ ) ، قَالَ : مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا السِّحْرَ .
فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ - عَلَى هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ وَالرَّبِيعِ ، مِنْ تَوْجِيهِهِمَا مَعْنَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ ) إِلَى : وَلَمْ يَنْزِلْ عَلَى الْمَلَكَيْنِ - : وَاتَّبَعُوا الَّذِي تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ مِنَ السِّحْرِ ، وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ ، وَلَا أَنْزَلَ اللَّهُ السِّحْرَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ ، وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ "بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ" . فَيَكُونُ حِينَئِذٍ قَوْلُهُ : " (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ) ، مِنَ الْمُؤَخَّرِ الَّذِي مَعْنَاهُ التَّقْدِيمُ .
[ ص: 420 ]
فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ : وَكَيْفَ - وَجْهُ تَقْدِيمِ ذَلِكَ؟
قِيلَ : وَجْهُ تَقْدِيمِهِ أَنْ يُقَالَ : وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ
سُلَيْمَانَ [ مِنَ السِّحْرِ ] ، وَمَا أَنْزَلَ [ اللَّهُ السِّحْرَ ] عَلَى الْمَلَكَيْنِ ، وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ
بِبَابِلَ ، هَارُوتَ وَمَارُوتَ - فَيَكُونُ مَعْنِيًّا بِ "الْمَلَكَيْنِ" :
جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ ، لِأَنَّ سَحَرَةَ
الْيَهُودِ ، فِيمَا ذُكِرَ ، كَانَتْ تَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ السِّحْرَ عَلَى لِسَانِ
جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ إِلَى
سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ ، فَأَكْذَبَهَا اللَّهُ بِذَلِكَ ، وَأَخْبَرَ نَبِيَّهُ
مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ
جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ لَمْ يَنْزِلَا بِسِحْرٍ قَطُّ ، وَبَرَّأَ
سُلَيْمَانَ مِمَّا نَحَلُوهُ مِنَ السِّحْرِ ، فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ السِّحْرَ مِنْ عَمَلِ الشَّيَاطِينِ ، وَأَنَّهَا تُعَلِّمُ النَّاسَ [ ذَلِكَ ]
بِبَابِلَ ، وَأَنَّ اللَّذَيْنِ يُعَلِّمَانِهِمْ ذَلِكَ رَجُلَانِ : اسْمُ أَحَدِهِمَا
هَارُوتُ ، وَاسْمُ الْآخَرِ
مَارُوتُ . فَيَكُونُ "
هَارُوتُ وَمَارُوتُ " ، عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ ، تَرْجَمَةً عَلَى "النَّاسِ" وَرَدًّا عَلَيْهِمْ .
وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ تَأْوِيلُ "مَا" الَّتِي فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ ) - "الَّذِي" .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
1672 - حَدَّثَنَا
الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ : أَخْبَرَنَا
عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ : قَالَ
مَعْمَرٌ ، قَالَ
قَتَادَةُ nindex.php?page=showalam&ids=12300وَالزُّهْرِيُّ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ) ، كَانَا مَلَكَيْنِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ، فَأُهْبِطَا لِيَحْكُمَا بَيْنَ النَّاسِ ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ سَخِرُوا مِنْ أَحْكَامِ بَنِيَ
آدَمَ . قَالَ : فَحَاكَمَتْ إِلَيْهِمَا امْرَأَةٌ فَحَافَا لَهَا ، ثُمَّ ذَهَبَا يَصْعَدَانِ ، فَحِيلَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ ذَلِكَ ، وَخُيِّرًا بَيْنَ عَذَابِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الْآخِرَةِ ، فَاخْتَارَا عَذَابَ الدُّنْيَا . قَالَ
مَعْمَرٌ ، قَالَ
قَتَادَةُ : فَكَانَا يُعَلِّمَانِ النَّاسَ السِّحْرَ ، فَأُخِذَ عَلَيْهِمَا أَنْ لَا يُعَلِّمَا أَحَدًا حَتَّى يَقُولَا : "إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ" .
[ ص: 421 ]
1673 - حَدَّثَنِي
مُوسَى قَالَ : حَدَّثَنَا
عَمْرٌو قَالَ : حَدَّثَنَا
أَسْبَاطٌ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيِّ : أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ) ، فَهَذَا سِحْرٌ آخَرُ خَاصَمُوهُ بِهِ أَيْضًا . يَقُولُ : خَاصَمُوهُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ ، وَأَنَّ كَلَامَ الْمَلَائِكَةِ فِيمَا بَيْنَهُمْ ، إِذَا عَلِمَتْهُ الْإِنْسُ فَصُنِعَ وَعُمِلَ بِهِ ، كَانَ سِحْرًا .
1674 - حَدَّثَنَا
بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
يَزِيدُ قَالَ : حَدَّثَنَا
سَعِيدٌ ، عَنْ
قَتَادَةَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ) . فَالسِّحْرُ سِحْرَانِ : سَحَرٌ تُعَلِّمُهُ الشَّيَاطِينُ ، وَسِحْرٌ يُعَلِّمُهُ
هَارُوتُ وَمَارُوتُ .
1675 - حَدَّثَنِي
الْمُثَنَّى قَالَ : حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ : حَدَّثَنِي
مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ ، عَنْ
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ) ، قَالَ : التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ .
1676 - حَدَّثَنِي
يُونُسُ قَالَ : أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ قَالَ : قَالَ
ابْنُ زَيْدٍ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ ) ، فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ : ( فَلَا تَكْفُرْ ) ، قَالَ : الشَّيَاطِينُ وَالْمَلَكَانِ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ .
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : فَمَعْنَى الْآيَةِ عَلَى تَأْوِيلِ هَذَا الْقَوْلِ الَّذِي ذَكَرْنَا عَمَّنْ ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ : وَاتَّبَعَتِ
الْيَهُودُ الَّذِي تَلَتِ الشَّيَاطِينُ فِي مُلْكِ
سُلَيْمَانَ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ
بِبَابِلَ وَهَارُوتَ وَمَارُوتَ ، وَهُمَا مَلَكَانِ مِنْ مَلَائِكَةِ اللَّهِ ، سَنَذْكُرُ مَا رُوِيَ مِنَ الْأَخْبَارِ فِي شَأْنِهِمَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ إِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ : وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُنْزِلَ اللَّهُ السِّحْرَ ، أَمْ
[ ص: 422 ] هَلْ يَجُوزُ لِمَلَائِكَتِهِ أَنْ تُعَلِّمَهُ النَّاسَ ؟
قُلْنَا لَهُ : إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَنْزَلَ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ كُلَّهُ ، وَبَيَّنَ جَمِيعَ ذَلِكَ لِعِبَادِهِ ، فَأَوْحَاهُ إِلَى رُسُلِهِ ، وَأَمَرَهَمْ بِتَعْلِيمِ خَلْقِهِ وَتَعْرِيفِهِمْ مَا يَحِلُّ لَهُمْ مِمَّا يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ . وَذَلِكَ كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَسَائِرِ الْمَعَاصِي الَّتِي عَرَّفَهُمُوهَا ، وَنَهَاهُمْ عَنْ رُكُوبِهَا . فَالسِّحْرُ أَحَدُ تِلْكَ الْمَعَاصِي الَّتِي أَخْبَرَهُمْ بِهَا ، وَنَهَاهُمْ عَنِ الْعَمَلِ بِهَا .
وَلَيْسَ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=25589_25590الْعِلْمِ بِالسِّحْرِ إِثْمٌ ، كَمَا لَا إِثْمَ فِي الْعِلْمِ بِصَنْعَةِ الْخَمْرِ وَنَحْتِ الْأَصْنَامِ وَالطَّنَابِيرِ وَالْمَلَاعِبِ . وَإِنَّمَا الْإِثْمُ فِي عَمَلِهِ وَتَسْوِيَتِهِ . وَكَذَلِكَ لَا إِثْمَ فِي الْعِلْمِ بِالسِّحْرِ ، وَإِنَّمَا الْإِثْمُ فِي الْعَمَلِ بِهِ ، وَأَنْ يَضُرَّ بِهِ ، مَنْ لَا يَحِلُّ ضُرُّهُ بِهِ .
فَلَيْسَ فِي إِنْزِالِ اللَّهِ إِيَّاهُ عَلَى الْمَلَكَيْنِ ، وَلَا فِي تَعْلِيمِ الْمَلَكَيْنِ مَنْ عَلَّمَاهُ مِنَ النَّاسِ ، إِثْمٌ ، إِذْ كَانَ تَعْلِيمُهُمَا مَنْ عَلَّمَاهُ ذَلِكَ ، بِإِذْنِ اللَّهِ لَهُمَا بِتَعْلِيمِهِ ، بَعْدَ أَنْ يُخْبِرَاهُ بِأَنَّهُمَا فِتْنَةٌ ، وَيَنْهَاهُ عَنِ السِّحْرِ وَالْعَمَلِ بِهِ وَالْكُفْرِ . وَإِنَّمَا الْإِثْمُ عَلَى مَنْ يَتَعَلَّمُهُ مِنْهُمَا وَيَعْمَلُ بِهِ ، إِذْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَدْ نَهَاهُ عَنْ تَعَلُّمِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ . وَلَوْ كَانَ اللَّهُ أَبَاحَ لَبَنِي
آدَمَ أَنْ يَتَعَلَّمُوا ذَلِكَ ، لَمْ يَكُنْ مِنْ تَعَلُّمِهِ حَرَجًا ، كَمَا لَمْ يَكُونَا حَرِجَيْنِ لِعِلْمِهِمَا
[ ص: 423 ] بِهِ؛ إِذْ كَانَ عِلْمُهُمَا بِذَلِكَ عَنْ تَنْزِيلِ اللَّهِ إِلَيْهِمَا .
وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى "مَا" مَعْنَى "الَّذِي" ، وَهِيَ عَطْفٌ عَلَى "مَا" الْأُولَى . غَيْرُ أَنَّ الْأُولَى فِي مَعْنَى السِّحْرِ ، وَالْآخِرَةُ فِي مَعْنَى التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ .
فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ : وَاتَّبَعُوا السِّحْرَ الَّذِي تَتْلُو الشَّيَاطِينُ فِي مُلْكِ
سُلَيْمَانَ ، وَالتَّفْرِيقَ الَّذِي بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ
بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
1677 - حَدَّثَنِي
الْمُثَنَّى قَالَ : حَدَّثَنَا
أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ : حَدَّثَنَا
شِبْلٌ ، عَنِ
ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ) ، وَهُمَا يُعَلِّمَانِ مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ، وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا ) . وَكَانَ يَقُولُ : أَمَّا السِّحْرُ ، فَإِنَّمَا يُعَلِّمُهُ الشَّيَاطِينُ ، وَأَمَّا الَّذِي يُعَلِّمُ الْمَلَكَانِ ، فَالتَّفْرِيقُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى .
وَقَالَ آخَرُونَ : جَائِزٌ أَنْ تَكُونَ "مَا" بِمَعْنَى "الَّذِي" ، وَجَائِزٌ أَنْ تَكُونَ "مَا" بِمَعْنَى "لَمْ" .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
1678 - حَدَّثَنِي
nindex.php?page=showalam&ids=17418يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ : أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ قَالَ : حَدَّثَنِي
اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنْ
يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14946الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ - وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ) فَقَالَ الرَّجُلُ : يُعَلِّمَانِ النَّاسَ مَا أُنْزِلَ عَلَيْهِمَا ، أَمْ يُعَلِّمَانِ النَّاسَ مَا لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِمَا؟ قَالَ
الْقَاسِمُ : مَا أُبَالِي أَيَّتُهُمَا كَانَتْ .
1679 - حَدَّثَنِي
nindex.php?page=showalam&ids=17418يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ : حَدَّثَنَا
أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ ، عَنْ
[ ص: 424 ] بَعْضِ أَصْحَابِهِ ، أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=14946الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ سُئِلَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ ) ، فَقِيلَ لَهُ : أَأُنْزِلَ أَوْ لَمْ يُنْزَلُ؟ فَقَالَ : لَا أُبَالِي أَيُّ ذَلِكَ كَانَ ، إِلَّا أَنِّي آمَنْتُ بِهِ . .
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي ، قَوْلُ مَنْ وَجَّهَ "مَا" الَّتِي فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ ) إِلَى مَعْنَى "الَّذِي" ، دُونَ مَعْنَى "مَا" الَّتِي هِيَ بِمَعْنَى الْجَحْدِ . وَإِنَّمَا اخْتَرْتُ ذَلِكَ ، مِنْ أَجْلِ أَنَّ "مَا" إِنْ وُجِّهَتْ إِلَى مَعْنَى الْجَحْدِ ، تَنْفِي عَنِ "الْمَلَكَيْنِ" أَنْ يَكُونَا مُنْزَلًا إِلَيْهِمَا ، وَلَمْ يَخْلُ الِاسْمَانِ اللَّذَانِ بَعْدَهُمَا - أَعْنِي "هَارُوتَ وَمَارُوتَ" - مِنْ أَنْ يَكُونَا بَدَلًا مِنْهُمَا وَتَرْجَمَةً عَنْهُمَا أَوْ بَدَلًا مِنَ "النَّاسِ" فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ) ، وَتَرْجَمَةً عَنْهُمْ . فَإِنْ جُعِلَا بَدَلًا مِنَ "الْمَلَكَيْنِ" وَتَرْجَمَةً عَنْهُمَا ، بَطَلَ مَعْنَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102وَمَا يُعَلِّمَانِ مَنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنِ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ) ؛ لِأَنَّهُمَا إِذَا لَمْ يَكُونَا عَالِمَيْنِ بِمَا يُفَرَّقُ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ، فَمَا الَّذِي يَتَعَلَّمُ مِنْهُمَا مَنْ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ؟
[ ص: 425 ]
وَبَعْدُ ، فَإِنَّ "مَا" الَّتِي فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ ) ، إِنْ كَانَتْ فِي مَعْنَى الْجَحْدِ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ ) ، فَإِنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ نَفَى بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ ) ، عَنْ
سُلَيْمَانَ أَنْ يَكُونَ السِّحْرُ مِنْ عَمِلِهِ أَوْ مِنْ عِلْمِهِ أَوْ تَعْلِيمِهِ ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي نُفِيَ عَنِ الْمَلَكَيْنِ مِنْ ذَلِكَ نَظِيرَ الَّذِي نُفِيَ عَنْ
سُلَيْمَانَ مِنْهُ -
وَهَارُوتُ وَمَارُوتُ هُمَا الْمَلَكَانِ - فَمَنِ الْمُتَعَلَّمُ مِنْهُ إِذًا مَا يُفَرَّقُ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ؟ وَعَمَّنِ الْخَبَرُ الَّذِي أُخْبِرَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ) ؟ إِنَّ خَطَأَ هَذَا الْقَوْلِ لَوَاضِحٌ بَيِّنٌ .
وَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ "هَارُوتَ وَمَارُوتَ" تَرْجَمَةً عَنِ "النَّاسِ" الَّذِينَ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ) ، فَقَدْ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ الشَّيَاطِينُ هِيَ الَّتِي تُعَلِّمُ
هَارُوتَ وَمَارُوتَ السِّحْرَ ، وَتَكُونُ السَّحَرَةُ إِنَّمَا تَعَلَّمَتِ السِّحْرَ مِنْ
هَارُوتَ وَمَارُوتَ عَنْ تَعْلِيمِ الشَّيَاطِينِ إِيَّاهُمَا! فَإِنْ يَكُنْ ذَلِكَ كَذَلِكَ ، فَلَنْ يَخْلُوَ "هَارُوتُ وَمَارُوتُ" - عِنْدَ قَائِلِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ - مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ :
إِمَّا أَنْ يَكُونَا مَلَكَيْنِ ، فَإِنْ كَانَا عِنْدَهُ مَلَكَيْنِ ، فَقَدْ أَوْجَبَ لَهُمَا مِنَ الْكُفْرِ بِاللَّهِ وَالْمَعْصِيَةِ لَهُ بِنِسْبَتِهِ إِيَّاهُمَا إِلَى أَنَّهُمَا يَتَعَلَّمَانِ مِنَ الشَّيَاطِينِ السِّحْرَ وَيُعَلِّمَانِهِ النَّاسَ ، وَإِصْرَارُهُمَا عَلَى ذَلِكَ وَمَقَامُهُمَا عَلَيْهِ - أَعْظَمُ مِمَّا ذُكِرَ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا أَتَيَاهُ مِنَ الْمَعْصِيَةِ الَّتِي اسْتَحَقَّا عَلَيْهَا الْعِقَابَ! وَفِي خَبَرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُمَا - أَنَّهُمَا لَا يُعَلِّمَانِ أَحَدًا مَا يَتَعَلَّمُ مِنْهُمَا حَتَّى يَقُولَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ) - مَا يُغْنِي عَنِ الْإِكْثَارِ فِي الدِّلَالَةِ عَلَى خَطَأِ هَذَا الْقَوْلِ .
أَوْ أَنْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي
آدَمَ . فَإِنْ يَكُنْ ذَلِكَ كَذَلِكَ ، فَقَدْ كَانَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَا بِهَلَاكِهِمَا قَدِ ارْتَفَعَ السِّحْرُ وَالْعِلْمُ بِهِ وَالْعَمَلُ - مِنْ بَنِي
آدَمَ ؛ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ عِلْمُ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِهِمَا يُؤْخَذُ وَمِنْهُمَا يُتَعَلَّمُ ، فَالْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ بِهَلَاكِهِمَا وَعَدَمِ وُجُودِهِمَا ، عَدَمُ السَّبِيلِ إِلَى الْوُصُولِ إِلَى الْمَعْنَى الَّذِي كَانَ لَا يُوصَلُ إِلَيْهِ إِلَّا بِهِمَا .
[ ص: 426 ] وَفِي وُجُودِ السِّحْرِ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَوَقْتٍ ، أَبْيَنُ الدِّلَالَةِ عَلَى فَسَادِ هَذَا الْقَوْلِ . وَقَدْ يَزْعُمُ قَائِلُ ذَلِكَ أَنَّهُمَا رَجُلَانِ مِنْ بَنِي
آدَمَ ، لَمْ يُعْدَمَا مِنَ الْأَرْضِ مُنْذُ خُلِقَتْ ، وَلَا يُعْدَمَانِ بَعْدَمَا وُجِدَ السِّحْرُ فِي النَّاسِ ، فَيَدَّعِي مَا لَا يَخْفَى بُطُولُهُ .
فَإِذْ فَسَدَتْ هَذِهِ الْوُجُوهُ الَّتِي دَلَّلْنَا عَلَى فَسَادِهَا ، فَبَيِّنٌ أَنَّ مَعْنَى ( مَا ) الَّتِي فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ ) بِمَعْنَى "الَّذِي" ، وَأَنَّ "هَارُوتَ وَمَارُوتَ" ، مُتَرْجَمٌ بِهِمَا عَنِ الْمَلَكَيْنِ ، وَلِذَلِكَ فُتِحَتْ أَوَاخِرُ أَسْمَائِهِمَا ، لِأَنَّهُمَا فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ عَلَى الرَّدِّ عَلَى "الْمَلَكَيْنِ" . وَلَكِنَّهُمَا لَمَّا كَانَا لَا يُجَرَّانِ ، فُتِحَتْ أَوَاخِرُ أَسْمَائِهِمَا .
فَإِنِ الْتَبَسَ عَلَى ذِي غَبَاءٍ مَا قُلْنَا فَقَالَ : وَكَيْفَ يَجُوزُ لِمَلَائِكَةِ اللَّهِ أَنْ تُعَلِّمَ النَّاسَ التَّفْرِيقَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ؟ أَمْ كَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُضَافَ إِلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِنْزَالُ ذَلِكَ عَلَى الْمَلَائِكَةِ؟
قِيلَ لَهُ : إِنَّ اللَّهَ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - عَرَّفَ عِبَادَهُ جَمِيعَ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ وَجَمِيعَ مَا نَهَاهُمْ عَنْهُ ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ وَنَهَاهُمْ بَعْدَ الْعِلْمِ مِنْهُمْ بِمَا يُؤْمَرُونَ بِهِ وَيُنْهَوْنَ عَنْهُ . وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ ، لَمَا كَانَ لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ مَعْنًى مَفْهُومٌ . فَالسِّحْرُ مِمَّا قَدْ نَهَى عِبَادَهُ مَنْ بَنِيَ
آدَمَ عَنْهُ ، فَغَيْرُ مُنْكَرٍ أَنْ يَكُونَ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - عَلَّمَهُ الْمَلَكَيْنِ اللَّذَيْنِ سَمَّاهُمَا فِي تَنْزِيلِهِ ، وَجَعَلَهُمَا فِتْنَةً لِعِبَادِهِ مَنْ بَنِيَ
آدَمَ - كَمَا أَخْبَرَ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا يَقُولَانِ لِمَنْ يَتَعَلَّمُ ذَلِكَ مِنْهُمَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ) - لِيَخْتَبِرَ بِهِمَا عِبَادَهُ الَّذِينَ نَهَاهُمْ عَنِ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ، وَعَنِ السِّحْرِ ، فَيُمَحِّصَ الْمُؤْمِنَ بِتَرْكِهِ التَّعَلُّمَ مِنْهُمَا ، وَيُخْزِيَ الْكَافِرَ بِتَعَلُّمِهِ السِّحْرَ وَالْكُفْرَ مِنْهُمَا ، وَيَكُونَ الْمَلَكَانِ فِي تَعْلِيمِهِمَا مَنْ عَلَّمَا ذَلِكَ - لِلَّهِ مُطِيعَيْنِ ، إِذْ كَانَا عَنْ إِذَنِ اللَّهِ لَهُمَا بِتَعْلِيمِ ذَلِكَ مَنْ عَلَّمَاهُ يُعَلِّمَانِ . وَقَدْ عُبِدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ ، فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُمْ ضَائِرًا ،
[ ص: 427 ] إِذْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِأَمْرِهِمْ إِيَّاهُمْ بِهِ ، بَلْ عُبِدَ بَعْضُهُمْ وَالْمَعْبُودُ عَنْهُ نَاهٍ ، فَكَذَلِكَ الْمَلَكَانِ ، غَيْرُ ضَائِرِهِمَا سِحْرُ مَنْ سَحَرَ مِمَّنْ تَعْلَمَ ذَلِكَ مِنْهُمَا ، بَعْدَ نَهْيِهِمَا إِيَّاهُ عَنْهُ ، وَعِظَتِهِمَا لَهُ بِقَوْلِهِمَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ) ، إِذْ كَانَا قَدْ أَدَّيَا مَا أُمِرَا بِهِ بِقِيلِهِمَا ذَلِكَ ، كَمَا : -
1680 - حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=15573مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ ، عَنْ
عَوْفٍ ، عَنِ
الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ) إِلَى قَوْلِهِ : ( فَلَا تَكْفُرْ ) ، أُخِذَ عَلَيْهِمَا ذَلِكَ .
ذِكْرُ بَعْضِ الْأَخْبَارِ الَّتِي فِي بَيَانِ الْمَلَكَيْنِ ، وَمَنْ قَالَ إِنَّ
هَارُوتَ وَمَارُوتَ هُمَا الْمَلَكَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي قَوْلِهِ : ( بِبَابِلَ ) :
1681 - حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=15573مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=17105مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ
قَتَادَةَ قَالَ : حَدَّثَنَا
أَبُو شُعْبَةَ الْعَدَوِيُّ فِي جِنَازَةِ
يُونُسَ بْنِ جُبَيْرٍ أَبِي غَلَّابٍ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : إِنَّ اللَّهَ أَفْرَجَ السَّمَاءَ لِمَلَائِكَتِهِ يَنْظُرُونَ إِلَى أَعْمَالِ بَنِي
آدَمَ ، فَلَمَّا أَبْصَرُوهُمْ يَعْمَلُونَ الْخَطَايَا قَالُوا : يَا رَبِّ ، هَؤُلَاءِ بَنُو
آدَمَ الَّذِي خَلَقْتَهُ بِيَدِكَ ، وَأَسْجَدْتَ لَهُ مَلَائِكَتَكَ ، وَعَلَّمْتَهُ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ ، يَعْمَلُونَ بِالْخَطَايَا! قَالَ : أَمَا إِنَّكُمْ لَوْ كُنْتُمْ مَكَانَهُمْ لَعَمِلْتُمْ مِثْلَ أَعْمَالِهِمْ . قَالُوا : سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا! قَالَ : فَأُمِرُوا أَنْ يَخْتَارُوا مَنْ يَهْبِطُ إِلَى الْأَرْضِ ، قَالَ : فَاخْتَارُوا
هَارُوتَ وَمَارُوتَ . فَأُهْبِطَا إِلَى الْأَرْضِ ، وَأُحِلَّ لَهُمَا مَا فِيهَا مِنْ شَيْءٍ ، غَيْرَ أَنْ لَا يُشْرِكَا بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقَا ، وَلَا يَزْنِيَا ، وَلَا يَشْرَبَا الْخَمْرَ ، وَلَا يَقْتُلَا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ . قَالَ : فَمَا اسْتَمَرَّا حَتَّى عَرَضَ لَهُمَا امْرَأَةٌ قَدْ قُسِمَ لَهَا نِصْفُ الْحُسْنِ ، يُقَالُ لَهَا : "
بِيذُخْتُ " فَلَمَّا أَبْصَرَاهَا أَرَادَا بِهَا زِنًا ، فَقَالَتْ : لَا إِلَّا أَنْ تُشْرِكَا بِاللَّهِ ، وَتَشْرَبَا الْخَمْرَ ، وَتَقْتُلَا النَّفْسَ ، وَتَسْجُدَا لِهَذَا الصَّنَمِ! فَقَالَا : مَا كُنَّا لِنُشْرِكَ بِاللَّهِ شَيْئًا! فَقَالَ أَحَدُهُمَا
[ ص: 428 ] لِلْآخَرِ : ارْجِعْ إِلَيْهَا . فَقَالَتْ : لَا إِلَّا أَنْ تَشْرَبَا الْخَمْرَ ، فَشَرِبَا حَتَّى ثَمِلَا وَدَخَلَ عَلَيْهِمَا سَائِلٌ فَقَتَلَاهُ ، فَلَمَّا وَقَعَا فِيمَا وَقَعَ مِنَ الشَّرِّ ، أَفْرَجَ اللَّهُ السَّمَاءَ لِمَلَائِكَتِهِ ، فَقَالُوا : سُبْحَانَكَ! كُنْتَ أَعْلَمَ! قَالَ : فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى
سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ أَنْ يُخَيِّرَهُمَا بَيْنَ عَذَابِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الْآخِرَةِ ، فَاخْتَارَا عَذَابَ الدُّنْيَا ، فَكُبِّلَا مِنْ أَكْعُبِهِمَا إِلَى أَعْنَاقِهِمَا بِمِثْلِ أَعْنَاقِ الْبُخْتِ ، وَجُعِلَا
بِبَابِلَ .
1682 - حَدَّثَنِي
الْمُثَنَّى قَالَ : حَدَّثَنَا
الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ قَالَ : حَدَّثَنَا
حَجَّاجٌ ، عَنْ
عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=12081أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ ، عَنِ
ابْنِ مَسْعُودٍ nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمَا قَالَا : لَمَّا كَثُرَ بَنُو
آدَمَ وَعَصَوْا ، دَعَتِ الْمَلَائِكَةُ عَلَيْهِمْ وَالْأَرْضُ وَالسَّمَاءُ وَالْجِبَالُ : رَبَّنَا أَلَا تُهْلِكُهُمْ! فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى الْمَلَائِكَةِ : إِنِّي لَوْ أَنْزَلْتُ الشَّهْوَةَ وَالشَّيْطَانَ مِنْ قُلُوبِكُمْ وَنَزَلْتُمْ لَفَعَلْتُمْ أَيْضًا! قَالَ : فَحَدَّثُوا أَنْفُسَهُمْ أَنْ لَوِ ابْتُلُوا اعْتَصَمُوا ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِمْ : أَنِ اخْتَارُوا مَلَكَيْنِ مِنْ أَفْضَلِكُمْ ، فَاخْتَارُوا هَارُوتَ وَمَارُوتَ ، فَأُهْبِطَا إِلَى الْأَرْضِ ، وَأُنْزِلَتِ الزُّهَرَةُ إِلَيْهِمَا فِي صُورَةِ امْرَأَةٍ مِنْ
أَهْلِ فَارِسَ ، وَكَانَ
أَهْلُ فَارِسَ يُسَمُّونَهَا "
بِيذُخْتُ " . قَالَ : فَوَقَعَا بِالْخَطِيئَةِ ، فَكَانَتِ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينِ آمَنُوا . (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=7رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا ) . فَلَمَّا وَقَعَا بِالْخَطِيئَةِ ، اسْتَغْفِرُوا لِمَنْ فِي الْأَرْضِ ، أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ . فَخُيِّرَا بَيْنَ عَذَابِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الْآخِرَةِ ، فَاخْتَارَا عَذَابَ الدُّنْيَا .
[ ص: 429 ]
1683 - حَدَّثَنِي
الْمُثَنَّى قَالَ : حَدَّثَنِي
الْحَجَّاجُ قَالَ : حَدَّثَنَا
حَمَّادٌ ، عَنْ
خَالِدٍ الْحَذَّاءِ ، عَنْ
عُمَيْرِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ ، سَمِعْتُ
عَلِيًّا يَقُولُ : كَانَتِ الزُّهَرَةُ امْرَأَةً جَمِيلَةً مِنْ
أَهْلِ فَارِسَ ، وَأَنَّهَا خَاصَمَتْ إِلَى الْمَلَكَيْنِ
هَارُوتَ وَمَارُوتَ ، فَرَاوَدَاهَا عَنْ نَفْسِهَا ، فَأَبَتْ إِلَّا أَنْ يُعَلِّمَاهَا الْكَلَامَ الَّذِي إِذَا تُكُلِّمَ بِهِ يُعْرَجُ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ . فَعَلَّمَاهَا ، فَتَكَلَّمَتْ بِهِ ، فَعَرَجَتْ إِلَى السَّمَاءِ ، فَمُسِخَتْ كَوْكَبًا .
1684 - حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=15573مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ nindex.php?page=showalam&ids=12166وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَا : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=16862مُؤَمَّلُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ - وَحَدَّثَنَا
الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ : أَخْبَرَنَا
عَبْدُ الرَّزَّاقِ - جَمِيعًا ، عَنِ
الثَّوْرِيِّ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17177مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ ، عَنْ
سَالِمٍ ، عَنِ
ابْنِ عُمَرَ ، عَنْ
كَعْبٍ قَالَ : ذَكَرَتِ الْمَلَائِكَةُ أَعْمَالَ بَنِي
آدَمَ وَمَا يَأْتُونَ مِنَ الذُّنُوبِ ، فَقِيلَ لَهُمُ : اخْتَارُوا مِنْكُمُ اثْنَيْنِ - وَقَالَ
الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى فِي حَدِيثِهِ : اخْتَارُوا مَلَكَيْنِ - فَاخْتَارُوا
هَارُوتَ وَمَارُوتَ ، فَقِيلَ لَهُمَا : إِنِّي أُرْسِلُ إِلَى بَنِي
آدَمَ رُسُلًا وَلَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ رَسُولٌ ، انْزِلَا لَا تُشْرِكَا بِي شَيْئًا ، وَلَا تَزْنِيَا ، وَلَا تَشْرَبَا الْخَمْرَ . قَالَ
كَعْبٌ : فَوَاللَّهِ مَا أَمْسَيَا مِنْ يَوْمِهِمَا الَّذِي أُهْبِطَا فِيهِ إِلَى الْأَرْضِ حَتَّى اسْتَكْمَلَا جَمِيعَ مَا نُهِيَا عَنْهُ - وَقَالَ
الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى فِي حَدِيثِهِ : فَمَا اسْتَكْمَلَا يَوْمَهُمَا الَّذِي أُنْزِلَا فِيهِ حَتَّى عَمِلَا مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا .
[ ص: 430 ]
1685 - حَدَّثَنِي
الْمُثَنَّى قَالَ : حَدَّثَنَا
مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17177مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ قَالَ : حَدَّثَنِي
سَالِمٌ أَنَّهُ سَمِعَ
عَبْدَ اللَّهِ يُحَدِّثُ عَنْ
كَعْبِ الْأَحْبَارِ أَنَّهُ حَدَّثَ : أَنَّ الْمَلَائِكَةَ أَنْكَرُوا أَعْمَالَ بَنِي
آدَمَ وَمَا يَأْتُونَ فِي الْأَرْضِ مِنَ الْمَعَاصِي ، فَقَالَ اللَّهُ لَهُمْ : إِنَّكُمْ لَوْ كُنْتُمْ مَكَانَهُمْ أَتَيْتُمْ مَا يَأْتُونَ مِنَ الذُّنُوبِ ، فَاخْتَارُوا مِنْكُمْ مَلَكَيْنِ . فَاخْتَارُوا هَارُوتَ وَمَارُوتَ ، فَقَالَ اللَّهُ لَهُمَا : إِنِّي أُرْسِلُ رُسُلِي إِلَى النَّاسِ ، وَلَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمَا رَسُولٌ ، انْزِلَا إِلَى الْأَرْضِ ، وَلَا تُشْرِكَا بِي شَيْئًا ، وَلَا تَزْنِيَا . فَقَالَ
كَعْبٌ : وَالَّذِي نَفْسُ
كَعْبٍ بِيَدِهِ ، مَا اسْتَكْمَلَا يَوْمَهُمَا الَّذِي نَزَلَا فِيهِ حَتَّى أَتَيَا مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا .
[ ص: 431 ]
1686 - حَدَّثَنِي
مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ : حَدَّثَنَا
عَمْرٌو قَالَ : حَدَّثَنَا
أَسْبَاطٌ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيِّ : أَنَّهُ كَانَ مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=28965أَمْرِ هَارُوتَ وَمَارُوتَ أَنَّهُمَا طَعَنَا عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ فِي أَحْكَامِهِمْ ، فَقِيلَ لَهُمَا : إِنِّي أَعْطَيْتُ ابْنَ
آدَمَ عَشْرًا مِنَ الشَّهَوَاتِ ، فَبِهَا يَعْصُونَنِي . قَالَ
هَارُوتُ وَمَارُوتُ : رَبَّنَا ، لَوْ أَعْطَيْتَنَا تِلْكَ الشَّهَوَاتِ ثُمَّ نَزَلْنَا لَحَكَمْنَا بِالْعَدْلِ ، فَقَالَ لَهُمَا : انْزِلَا فَقَدْ أَعْطَيْتُكُمَا تِلْكَ الشَّهَوَاتِ الْعَشْرَ ، فَاحْكُمَا بَيْنَ النَّاسِ . فَنَزَلَا
بِبَابِلَ دُنْبَاوَنْدَ ، فَكَانَا يَحْكُمَانِ ، حَتَّى إِذَا أَمْسَيَا عَرَجَا فَإِذَا أَصْبَحَا هَبَطَا ، فَلَمْ يَزَالَا كَذَلِكَ حَتَّى أَتَتْهُمَا امْرَأَةٌ تُخَاصِمُ زَوْجَهَا ، فَأَعْجَبَهُمَا حُسْنُهَا - وَاسْمُهَا بِالْعَرَبِيَّةِ ، "
الزُّهَرَةُ " ، وَبِالنَّبَطِيَّةِ "بِيذُخْتُ" ، وَاسْمُهَا بِالْفَارِسِيَّةِ "أَنَاهِيذُ" - فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ : إِنَّهَا لَتُعْجِبُنِي! فَقَالَ الْآخَرُ : قَدْ أَرَدْتُ أَنْ أَذْكُرَ لَكَ فَاسْتَحْيَيْتُ مِنْكَ! فَقَالَ : الْآخَرُ : هَلْ لَكَ أَنْ أَذْكُرَهَا لِنَفْسِهَا؟ قَالَ : نَعَمْ ، وَلَكِنْ كَيْفَ لَنَا بِعَذَابِ اللَّهِ؟ قَالَ الْآخَرُ : إِنَّا نَرْجُو رَحْمَةَ اللَّهِ! فَلَمَّا جَاءَتْ تُخَاصِمُ زَوْجَهَا ذَكَرَا إِلَيْهَا نَفْسَهَا ، فَقَالَتْ : لَا حَتَّى تَقْضِيَا لِي عَلَى زَوْجِي ، فَقَضَيَا لَهَا عَلَى زَوْجِهَا ، ثُمَّ وَاعَدَتْهُمَا خَرِبَةً مِنَ الْخَرِبِ يَأْتِيَانِهَا فِيهَا ، فَأَتَيَاهَا لِذَلِكَ ، فَلَمَّا أَرَادَ الَّذِي يُوَاقِعُهَا ، قَالَتْ : مَا أَنَا بِالَّذِي أَفْعَلُ حَتَّى تُخْبِرَانِي بِأَيِّ كَلَامٍ تَصْعَدَانِ إِلَى السَّمَاءِ ، وَبِأَيِّ كَلَامٍ تَنْزِلَانِ مِنْهَا؟ فَأَخْبَرَاهَا ، فَتَكَلَّمَتْ فَصَعِدَتْ ، فَأَنْسَاهَا اللَّهُ مَا تَنْزِلُ بِهِ فَبَقِيَتْ مَكَانَهَا ، وَجَعَلَهَا اللَّهُ كَوْكَبًا - فَكَانَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ كُلَّمَا رَآهَا لَعَنَهَا وَقَالَ : هَذِهِ الَّتِي فَتَنَتْ
هَارُوتَ وَمَارُوتَ ! - فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ أَرَادَا أَنْ يَصْعَدَا فَلَمْ يَسْتَطِيعَا ، فَعَرَفَا الْهُلْكَ ، فَخُيِّرَا بَيْنَ عَذَابِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، فَاخْتَارَا عَذَابَ الدُّنْيَا مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ ، فَعُلِّقَا
بِبَابِلَ ، فَجَعَلَا يُكَلِّمَانِ النَّاسَ كَلَامَهُمَا ، وَهُوَ السِّحْرُ .
1687 - حَدَّثَنِي
الْمُثَنَّى بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : حَدَّثَنَا
إِسْحَاقُ قَالَ : حَدَّثَنَا
ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ
الرَّبِيعِ قَالَ : لَمَّا وَقَعَ النَّاسُ مِنْ بَعْدِ
آدَمَ فِيمَا وَقَعُوا فِيهِ مِنَ
[ ص: 432 ] الْمَعَاصِي وَالْكُفْرِ بِاللَّهِ ، قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ فِي السَّمَاءِ : أَيْ رَبِّ ، هَذَا الْعَالَمُ إِنَّمَا خَلَقْتَهُمْ لِعِبَادَتِكَ وَطَاعَتِكَ ، وَقَدْ رَكِبُوا الْكُفْرَ ، وَقَتْلَ النَّفْسِ الْحَرَامَ ، وَأَكْلَ الْمَالِ الْحَرَامِ ، وَالسَّرِقَةَ ، وَالزِّنَا ، وَشُرْبَ الْخَمْرِ! فَجَعَلُوا يَدْعُونَ عَلَيْهِمْ وَلَا يُعْذِرُونَهُمْ ، فَقِيلَ لَهُمْ : إِنَّهُمْ فِي غَيْبٍ؛ فَلَمْ يُعْذِرُوهُمْ ، فَقِيلَ لَهُمُ : اخْتَارُوا مِنْكُمْ مَلَكَيْنِ آمُرُهُمَا بِأَمْرِي وَأَنْهَاهُمَا عَنْ مَعْصِيَتِي ، فَاخْتَارُوا
هَارُوتَ وَمَارُوتَ ، فَأُهْبِطَا إِلَى الْأَرْضِ ، وَجُعِلَ بِهِمَا شَهَوَاتُ بَنِي
آدَمَ ، وَأُمِرَا أَنْ يَعْبُدَا اللَّهَ وَلَا يُشْرِكَا بِهِ شَيْئًا ، وَنُهِيَا عَنْ قَتْلِ النَّفْسِ الْحَرَامِ ، وَأَكْلِ الْمَالِ الْحَرَامِ ، وَالسَّرِقَةِ ، وَالزِّنَا ، وَشُرْبِ الْخَمْرِ ، فَلَبِثَا عَلَى ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ زَمَانًا يَحْكُمَانِ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ - وَذَلِكَ فِي زَمَانِ
إِدْرِيسَ . وَفِي ذَلِكَ الزَّمَانِ امْرَأَةٌ حُسْنُهَا فِي سَائِرِ النَّاسِ كَحُسْنِ الزُّهَرَةِ فِي سَائِرِ الْكَوَاكِبِ ، وَأَنَّهَا أَتَتْ عَلَيْهِمَا ، فَخَضَعَا لَهَا بِالْقَوْلِ ، وَأَرَادَاهَا عَلَى نَفْسِهَا ، وَأَنَّهَا أَبَتْ إِلَّا أَنْ يَكُونَا عَلَى أَمْرِهَا وَدِينِهَا ، وَأَنَّهُمَا سَأَلَاهَا عَنْ دِينِهَا الَّتِي هِيَ عَلَيْهِ ، فَأَخْرَجَتْ لَهُمَا صَنَمًا وَقَالَتْ : هَذَا أَعْبُدُ . فَقَالَا : لَا حَاجَةَ لَنَا فِي عِبَادَةِ هَذَا! فَذَهَبَا فَغَبَرَا مَا شَاءَ اللَّهُ ، ثُمَّ أَتَيَا عَلَيْهَا فَخَضَعَا لَهَا بِالْقَوْلِ وَأَرَادَاهَا عَلَى نَفْسِهَا ، فَقَالَتْ : لَا إِلَّا أَنْ تَكُونَا عَلَى مَا أَنَا عَلَيْهِ . فَقَالَا : لَا حَاجَةَ لَنَا فِي عِبَادَةِ هَذَا! فَلَمَّا رَأَتْ أَنَّهُمَا أَبَيَا أَنْ يَعْبُدَا الصَّنَمَ ، قَالَتْ لَهُمَا : اخْتَارَا إِحْدَى الْخِلَالِ الثَّلَاثِ : إِمَّا أَنْ تَعْبُدَا الصَّنَمَ ، أَوْ تَقْتُلَا النَّفْسَ ، أَوْ تَشْرَبَا الْخَمْرَ . فَقَالَا : كُلُّ هَذَا لَا يَنْبَغِي ، وَأَهْوَنُ الثَّلَاثَةِ شُرْبُ الْخَمْرِ ، فَسَقَتْهُمَا الْخَمْرَ ، حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْخَمْرُ فِيهِمَا وَقَعَا بِهَا ، فَمَرَّ بِهِمَا إِنْسَانٌ ، وَهُمَا فِي ذَلِكَ ، فَخَشِيَا أَنْ يُفْشِيَ عَلَيْهِمَا فَقَتَلَاهُ . فَلَمَّا أَنْ ذَهَبَ عَنْهُمَا السُّكْرُ ، عَرَفَا مَا وَقَعَا فِيهِ مِنَ الْخَطِيئَةِ ، وَأَرَادَا أَنْ يَصْعَدَا إِلَى السَّمَاءِ ، فَلَمْ يَسْتَطِيعَا ،
[ ص: 433 ] فَحِيلَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ ذَلِكَ ، وَكُشِفَ الْغِطَاءُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ أَهْلِ السَّمَاءِ ، فَنَظَرَتِ الْمَلَائِكَةُ إِلَى مَا وَقَعَا فِيهِ مِنَ الذَّنْبِ ، فَعَجِبُوا كُلَّ الْعَجَبِ ، وَعَلِمُوا أَنَّ مَنْ كَانَ فِي غَيْبٍ فَهُوَ أَقَلُّ خَشْيَةً فَجَعَلُوا بَعْدَ ذَلِكَ يَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ - وَأَنَّهُمَا لَمَّا وَقَعَا فِيمَا وَقَعَا فِيهِ مِنَ الْخَطِيئَةِ ، قِيلَ لَهُمَا : اخْتَارَا عَذَابَ الدُّنْيَا أَوْ عَذَابَ الْآخِرَةِ! فَقَالَا : أَمَّا عَذَابُ الدُّنْيَا فَإِنَّهُ يَنْقَطِعُ ، وَأَمَّا عَذَابُ الْآخِرَةِ فَلَا انْقِطَاعَ لَهُ؛ فَاخْتَارَا عَذَابَ الدُّنْيَا ، فَجُعِلَا بِبَابِلَ ، فَهُمَا يُعَذَّبَانِ .
1688 - حَدَّثَنَا
الْقَاسِمُ قَالَ : حَدَّثَنَا
الْحُسَيْنُ قَالَ : حَدَّثَنَا
فَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ ، عَنْ
مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ ، عَنْ
نَافِعٍ قَالَ : سَافَرْتُ مَعَ
ابْنِ عُمَرَ ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخَرِ اللَّيْلِ قَالَ : يَا
نَافِعُ انْظُرْ ، طَلَعَتِ الْحَمْرَاءُ؟ قُلْتُ : لَا - مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا - ثُمَّ قُلْتُ : قَدْ طَلَعَتْ! قَالَ : لَا مَرْحَبًا وَلَا أَهْلًا! قُلْتُ : سُبْحَانَ اللَّهِ ، نَجْمٌ مُسَخَّرٌ سَامِعٌ مُطِيعٌ! قَالَ : مَا قُلْتُ لَكَ إِلَّا مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَالَ : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=811252 "إِنَّ الْمَلَائِكَةَ قَالَتْ : يَا رَبِّ ، كَيْفَ صَبْرُكَ عَلَى بَنِي آدَمَ فِي الْخَطَايَا وَالذُّنُوبِ؟ قَالَ : إِنِّي ابْتَلَيْتُهُمْ وَعَافَيْتُكُمْ ، قَالُوا : لَوْ كُنَّا مَكَانَهُمْ مَا عَصَيْنَاكَ! قَالَ : فَاخْتَارُوا مَلَكَيْنِ مِنْكُمْ! قَالَ : فَلَمْ يَأْلُوا أَنْ يَخْتَارُوا ، فَاخْتَارُوا هَارُوتَ وَمَارُوتَ .
[ ص: 434 ]
1689 - حَدَّثَنِي
الْمُثَنَّى قَالَ : حَدَّثَنَا
أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ : حَدَّثَنَا
شِبْلٌ ، عَنِ
ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ : وَأَمَّا شَأْنُ
هَارُوتَ وَمَارُوتَ ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ عَجِبَتْ مِنْ ظُلْمِ بَنِي
آدَمَ ، وَقَدْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ وَالْكُتُبُ وَالْبَيِّنَاتُ . فَقَالَ لَهُمْ رَبُّهُمُ : اخْتَارُوا مِنْكُمْ مَلَكَيْنِ أُنْزِلْهُمَا يَحْكُمَانِ فِي الْأَرْضِ بَيْنَ بَنِي
آدَمَ . فَاخْتَارُوا
هَارُوتَ وَمَارُوتَ . فَقَالَ لَهُمَا حِينَ أَنْزَلَهُمَا : عَجِبْتُمَا مِنْ بَنِي
آدَمَ وَمِنْ ظُلْمِهِمْ وَمَعْصِيَتِهِمْ ، وَإِنَّمَا تَأْتِيهِمُ الرُّسُلُ وَالْكُتُبُ مِنْ وَرَاءَ وَرَاءَ ، وَأَنْتُمَا لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمَا رَسُولٌ ، فَافْعَلَا كَذَا وَكَذَا ، وَدَعَا كَذَا وَكَذَا . فَأَمَرَهُمَا بِأَمْرٍ وَنَهَاهُمَا . ثُمَّ نَزَلَا عَلَى ذَلِكَ لَيْسَ أَحَدٌ لِلَّهِ أَطْوَعَ مِنْهُمَا . فَحَكَمَا
[ ص: 435 ] فَعَدَلَا . فَكَانَا يَحْكُمَانِ النَّهَارَ بَيْنَ بَنِي
آدَمَ ، فَإِذَا أَمْسَيَا عَرَجَا وَكَانَا مَعَ الْمَلَائِكَةِ ، وَيَنْزِلَانِ حِينَ يُصْبِحَانِ فَيَحْكُمَانِ فَيَعْدِلَانِ ، حَتَّى أُنْزِلَتْ عَلَيْهِمَا الزُّهَرَةُ - فِي أَحْسَنِ صُورَةِ امْرَأَةٍ - تُخَاصِمُ ، فَقَضَيَا عَلَيْهَا ، فَلَمَّا قَامَتْ ، وَجَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نَفْسِهِ ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ : وَجَدْتَ مِثْلَ مَا وَجَدْتُ؟ قَالَ : نَعَمْ ، فَبَعَثَا إِلَيْهَا : أَنِ ائْتِينَا نَقْضِ لَكِ ، فَلَمَّا رَجَعَتْ ، قَالَا لَهَا - وَقَضَيَا لَهَا - : ائْتِينَا! فَأَتَتْهُمَا ، فَكَشَفَا لَهَا عَنْ عَوْرَتِهِمَا ، وَإِنَّمَا كَانَتْ شَهْوَتُهُمَا فِي أَنْفُسِهِمَا ، وَلَمْ يَكُونَا كَبَنِي
آدَمَ فِي شَهْوَةِ النِّسَاءِ وَلَذَّاتِهَا ، فَلَمَّا بَلَغَا ذَلِكَ وَاسْتَحَلَّاهُ وَافْتَتَنَا ، طَارَتِ الزُّهَرَةُ فَرَجَعَتْ حَيْثُ كَانَتْ ، فَلَمَّا أَمْسَيَا عَرَجَا فَرُدَّا وَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُمَا ، وَلَمْ تَحْمِلْهُمَا أَجْنِحَتُهُمَا ، فَاسْتَغَاثَا بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي
آدَمَ ، فَأَتَيَاهُ فَقَالَا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ! فَقَالَ : كَيْفَ يَشْفَعُ أَهْلُ الْأَرْضِ لِأَهْلِ السَّمَاءِ؟ قَالَا : سَمِعْنَا رَبَّكَ يَذْكُرُكَ بِخَيْرٍ فِي السَّمَاءِ! فَوَعَدَهُمَا يَوْمًا ، وَغَدَا يَدْعُو لَهُمَا ، فَدَعَا لَهُمَا فَاسْتُجِيبَ لَهُ ، فَخُيِّرَا بَيْنَ عَذَابِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الْآخِرَةِ ، فَنَظَرَ أَحَدُهُمَا إِلَى صَاحِبِهِ ، فَقَالَا : نَعْلَمُ أَنَّ أَنْوَاعَ عَذَابِ اللَّهِ فِي الْآخِرَةِ كَذَا وَكَذَا فِي الْخُلْدِ ، وَمَعَ الدُّنْيَا سَبْعُ مَرَّاتٍ مِثْلُهَا ، فَأُمِرَا أَنْ يَنْزِلَا
بِبَابِلَ ، فَثَمَّ عَذَابُهُمَا . وَزَعَمَ أَنَّهُمَا مُعَلَّقَانِ فِي الْحَدِيدِ مَطْوِيَّانِ ، يُصَفِّقَانِ بِأَجْنِحَتِهِمَا .
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْقُرَّاءِ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ : ) وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلِكَيْنِ ) ، يَعْنِي بِهِ رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي
آدَمَ . وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى خَطَأِ الْقِرَاءَةِ بِذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الِاسْتِدْلَالِ ، فَأَمَّا مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ ، فَإِجْمَاعُ الْحُجَّةِ - عَلَى خَطَأِ الْقِرَاءَةِ بِهَا - مِنَ
[ ص: 436 ] الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَقُرَّاءِ الْأَمْصَارِ ، وَكَفَى بِذَلِكَ شَاهِدًا عَلَى خَطَئِهَا .
وَأَمَّا قَوْلُهُ ( بِبَابِلَ ) ، فَإِنَّهُ اسْمُ قَرْيَةٍ أَوْ مَوْضِعٍ مِنْ مَوَاضِعِ الْأَرْضِ . وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيهَا ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّهَا "
بَابِلُ دُنْبَاوَنْدَ " .
1690 - حَدَّثَنِي بِذَلِكَ
مُوسَى قَالَ : حَدَّثَنَا
عَمْرٌو قَالَ : حَدَّثَنَا
أَسْبَاطٌ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيِّ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : بَلْ ذَلِكَ"
بَابِلُ الْعِرَاقِ " .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
1691 - حَدَّثَنَا
الْقَاسِمُ قَالَ : حَدَّثَنَا
الْحُسَيْنُ قَالَ : حَدَّثَنِي
حَجَّاجٌ ، عَنِ
ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17245هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ
عَائِشَةَ - فِي قِصَّةٍ ذَكَرَتْهَا عَنِ امْرَأَةٍ قَدِمَتِ
الْمَدِينَةَ ، فَذَكَرَتْ أَنَّهَا صَارَتْ فِي
الْعِرَاقِ بِبَابِلَ ، فَأَتَتْ بِهَا
هَارُوتَ وَمَارُوتَ ، فَتَعَلَّمَتْ مِنْهُمَا السِّحْرَ .
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى السِّحْرِ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : هُوَ خُدَعٌ وَمَخَارِيقُ وَمَعَانٍ يَفْعَلُهَا السَّاحِرُ ، حَتَّى يُخَيَّلَ إِلَى الْمَسْحُورِ الشَّيْءُ أَنَّهُ بِخِلَافِ مَا هُوَ بِهِ ، نَظِيرَ الَّذِي يَرَى السَّرَابَ مِنْ بَعِيدٍ فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ مَاءٌ ، وَيَرَى الشَّيْءَ مِنْ بَعِيدٍ فَيُثْبِتُهُ بِخِلَافِ مَا هُوَ عَلَى حَقِيقَتِهِ ، وَكَرَاكِبِ السَّفِينَةِ السَّائِرَةِ سَيْرًا حَثِيثًا يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّ مَا عَايَنَ مِنَ الْأَشْجَارِ وَالْجِبَالِ سَائِرٌ مَعَهُ! قَالُوا : فَكَذَلِكَ الْمَسْحُورُ ذَلِكَ صِفَتُهُ ، يَحْسَبُ بَعْدَ الَّذِي وَصَلَ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِ السَّاحِرِ ، أَنَّ الَّذِي يَرَاهُ أَوْ يَفْعَلُهُ بِخِلَافِ الَّذِي هُوَ بِهِ عَلَى حَقِيقَتِهِ ، كَالَّذِي : -
[ ص: 437 ]
1692 - حَدَّثَنِي
أَحْمَدُ بْنُ الْوَلِيدِ nindex.php?page=showalam&ids=16010وَسُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ ، قَالَا : حَدَّثَنَا
يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17245هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=810057عَنْ عَائِشَةَ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا سُحِرَ ، كَانَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَلَمْ يَفْعَلْهُ .
1693 - حَدَّثَنَا
ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
ابْنُ نُمَيْرٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17245هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=810058عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ ، سَحَرَ رَسُولَ اللَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَهُودِيٌّ مَنْ يَهُودِ بَنِي زُرَيْقٍ يُقَالُ لَهُ nindex.php?page=showalam&ids=10لَبِيدُ بْنُ الْأَعْصَمِ ، حَتَّى كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَمَا يَفْعَلُهُ .
[ ص: 438 ]
1694 - حَدَّثَنِي
يُونُسُ قَالَ : أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ قَالَ ، أَخْبَرَنِي
يُونُسُ ، عَنِ
ابْنِ شِهَابٍ قَالَ : كَانَ
عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ nindex.php?page=showalam&ids=15990وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ يُحَدِّثَانِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=811919أَنَّ يَهُودَ بَنِي زُرَيْقٍ عَقَدُوا عُقَدَ سِحْرٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَجَعَلُوهَا فِي بِئْرِ حَزْمٍ ، حَتَّى كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يُنْكِرُ بَصَرَهُ ، وَدَلَّهُ اللَّهُ عَلَى مَا صَنَعُوا ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بِئْرِ حَزْمٍ الَّتِي فِيهَا الْعُقَدُ فَانْتَزَعَهَا ، فَكَانَ [ ص: 439 ] رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : سَحَرَتْنِي يَهُودُ بَنِي زُرَيْقٍ .
وَأَنْكَرَ قَائِلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ أَنْ يَكُونَ السَّاحِرُ يَقْدِرُ بِسِحْرِهِ عَلَى قَلْبِ شَيْءٍ عَنْ حَقِيقَتِهِ ، وَاسْتِسْخَارِ شَيْءٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ - إِلَّا نَظِيرَ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ سَائِرُ بَنِي
آدَمَ - أَوْ إِنْشَاءَ شَيْءٍ مِنَ الْأَجْسَامِ سِوَى الْمَخَارِيقِ وَالْخُدَعِ الْمُتَخَيَّلَةِ لِأَبْصَارِ النَّاطِرِينَ بِخِلَافِ حَقَائِقِهَا الَّتِي وَصَفْنَا . وَقَالُوا : لَوْ كَانَ فِي وُسْعِ السَّحَرَةِ إِنْشَاءُ الْأَجْسَامِ وَقَلْبُ حَقَائِقِ الْأَعْيَانِ عَمَّا هِيَ بِهِ مِنَ الْهَيْئَاتِ ، لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ فَصْلٌ ، وَلَجَازَ أَنْ تَكُونَ جَمِيعُ الْمَحْسُوسَاتِ مِمَّا سَحَرَتْهُ السَّحَرَةُ فَقَلَبَتْ أَعْيَانَهَا . قَالُوا : وَفِي وَصْفِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ سَحَرَةَ
فِرْعَوْنَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=66فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى ) [ سُورَةُ طه : 66 ] ، وَفِي خَبَرِ
عَائِشَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إِذْ سُحِرَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَلَا يَفْعَلُهُ ، أَوْضَحُ الدِّلَالَةِ عَلَى بُطُولِ دَعْوَى الْمُدَّعِينَ : أَنَّ السَّاحِرَ يُنْشِئُ أَعْيَانَ الْأَشْيَاءِ بِسِحْرِهِ ، وَيَسْتَسْخِرُ مَا يَتَعَذَّرُ اسْتِسْخَارُهُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ بَنِي
آدَمَ ، كَالْمَوَاتِ وَالْجَمَادِ وَالْحَيَوَانِ ، وَصِحَّةِ مَا قُلْنَا .
وَقَالَ آخَرُونَ : قَدْ يَقْدِرُ السَّاحِرُ بِسِحْرِهِ أَنْ يُحَوِّلَ الْإِنْسَانَ حِمَارًا ، وَأَنْ يَسْحَرَ الْإِنْسَانَ وَالْحِمَارَ ، وَيُنْشِئَ أَعْيَانًا وَأَجْسَامًا ، وَاعْتَلُّوا فِي ذَلِكَ بِمَا : -
1695 - حَدَّثَنَا بِهِ
الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ : حَدَّثَنَا
ابْنُ وَهْبٍ قَالَ : أَخْبَرَنَا
ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ قَالَ : حَدَّثَنِي
nindex.php?page=showalam&ids=17245هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ
عَائِشَةَ زَوْجِ
[ ص: 440 ] النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ : قَدِمَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنْ
أَهْلِ دُومَةِ الْجَنْدَلِ ، جَاءَتْ تَبْتَغِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَوْتِهِ حَدَاثَةَ ذَلِكَ ، تَسْأَلُهُ عَنْ شَيْءٍ دَخَلَتْ فِيهِ مِنْ أَمْرِ السِّحْرِ وَلَمْ تَعْمَلْ بِهِ . قَالَتْ
عَائِشَةُ لِعُرْوَةَ : يَا ابْنَ أُخْتِي ، فَرَأَيْتُهَا تَبْكِي حِينَ لَمْ تَجِدْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَشْفِيَهَا ، كَانَتْ تَبْكِي حَتَّى إِنِّي لِأَرْحَمُهَا! وَتَقُولُ : إِنِّي لَأَخَافُ أَنْ أَكُونَ قَدْ هَلَكْتُ! كَانَ لِي زَوْجٌ فَغَابَ عَنِّي ، فَدَخَلَتْ عَلَيَّ عَجُوزٌ فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَيْهَا ، فَقَالَتْ : إِنْ فَعَلَتِ مَا آمُرُكِ بِهِ ، فَأَجْعَلُهُ يَأْتِيكِ! فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ جَاءَتْنِي بِكَلْبَيْنِ أَسْوَدَيْنِ ، فَرَكِبَتْ أَحَدَهُمَا وَرَكِبْتُ الْآخَرَ ، فَلَمْ يَكُنْ كَشَيْءٍ حَتَّى وَقَفْنَا
بِبَابِلَ ، فَإِذَا بِرَجُلَيْنِ مُعَلَّقَيْنِ بِأَرْجُلِهِمَا ، فَقَالَا : مَا جَاءَ بِكِ؟ فَقُلْتُ : أَتَعَلَّمُ السِّحْرَ؟ فَقَالَا : إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرِي وَارْجِعِي ، فَأَبَيْتُ وَقُلْتُ : لَا ، قَالَا : فَاذْهَبِي إِلَى ذَلِكَ التَّنُّورِ فَبُولِي فِيهِ ، فَذَهَبْتُ فَفَزِعْتُ فَلَمْ أَفْعَلْ ، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِمَا ، فَقَالَا : أَفَعَلْتِ؟ قُلْتُ : نَعَمْ . فَقَالَا : فَهَلْ رَأَيْتِ شَيْئًا؟ قُلْتُ : لَمْ أَرَ شَيْئًا! فَقَالَا لِي : لَمْ تَفْعَلِي ، ارْجِعِي إِلَى بِلَادِكِ وَلَا تَكْفُرِي فَأَرْبَبْتُ وَأَبَيْتُ ، فَقَالَا : اذْهَبِي إِلَى ذَلِكَ التَّنُّورِ فَبُولِي فِيهِ ، فَذَهَبْتُ ، فَاقْشَعْرَرْتُ ، ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَيْهِمَا فَقُلْتُ : قَدْ فَعَلْتُ ، فَقَالَا : فَمَا رَأَيْتِ؟
[ ص: 441 ] فَقُلْتُ : لَمْ أَرَ شَيْئًا . فَقَالَا : كَذَبْتِ لَمْ تَفْعَلِي ، ارْجِعِي إِلَى بِلَادِكِ وَلَا تَكْفُرِي ، فَإِنَّكِ عَلَى رَأْسِ أَمْرِكِ! فَأَرْبَبْتُ وَأَبَيْتُ ، فَقَالَا : اذْهَبِي إِلَى ذَلِكَ التَّنُّورِ فَبُولِي فِيهِ . فَذَهَبْتُ إِلَيْهِ فَبُلْتُ فِيهِ ، فَرَأَيْتُ فَارِسًا مُتَقَنِّعًا بِحَدِيدٍ خَرَجَ مِنِّي حَتَّى ذَهَبَ فِي السَّمَاءِ ، وَغَابَ عَنِّي حَتَّى مَا أَرَاهُ ، فَجِئْتُهُمَا فَقُلْتُ : قَدْ فَعَلْتُ! فَقَالَا : مَا رَأَيْتِ؟ فَقُلْتُ : فَارِسًا مُتَقَنِّعًا خَرَجَ مِنِّي فَذَهَبَ فِي السَّمَاءِ حَتَّى مَا أَرَاهُ ، فَقَالَا : صَدَقْتِ ، ذَلِكَ إِيمَانُكِ خَرَجَ مِنْكِ ، اذْهَبِي! فَقُلْتُ لِلْمَرْأَةِ : وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ شَيْئًا! وَمَا قَالَا لِي شَيْئًا! فَقَالَتْ : بَلَى ، لَنْ تُرِيدِي شَيْئًا إِلَّا كَانَ! خُذِي هَذَا الْقَمْحَ فَابْذُرِي ، فَبَذَرْتُ ، وَقُلْتُ : أَطْلِعِي! فَأَطْلَعَتْ ، وَقُلْتُ : أَحْقِلِي! فَأَحْقَلَتْ ، ثُمَّ قُلْتُ : أَفْرِكِي! فَأَفْرَكَتْ ، ثُمَّ قُلْتُ : أَيْبِسِي! فَأَيْبَسَتْ ، ثُمَّ قُلْتُ : أَطْحِنِي! فَأَطْحَنَتْ ، ثُمَّ قُلْتُ : أَخْبِزِي ، فَأَخْبَزَتْ ، فَلَمَّا رَأَيْتُ أَنِّي لَا أُرِيدُ شَيْئًا إِلَّا كَانَ ، سُقِطَ فِي يَدِي وَنَدِمْتُ وَاللَّهِ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ! وَاللَّهِ مَا فَعَلْتُ شَيْئًا قَطُّ وَلَا أَفْعَلُهُ أَبَدًا .
[ ص: 442 ]
قَالَ أَهْلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ بِمَا وَصَفْنَا ، وَاعْتَلُّوا بِمَا ذَكَرْنَا ، وَقَالُوا : لَوْلَا أَنَّ السَّاحِرَ يَقْدِرُ عَلَى فِعْلِ مَا ادَّعَى أَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى فِعْلِهِ ، مَا قَدَرَ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ . قَالُوا : وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يَتَعَلَّمُونَ مِنَ الْمَلَكَيْنِ مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ، وَذَلِكَ لَوْ كَانَ عَلَى غَيْرِ الْحَقِيقَةِ ، وَكَانَ عَلَى وَجْهِ التَّخْيِيلِ وَالْحُسْبَانِ ، لَمْ يَكُنْ تَفْرِيقًا عَلَى صِحَّةٍ ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يُفَرِّقُونَ عَلَى صِحَّةٍ .
وَقَالَ آخَرُونَ : بَلِ "السِّحْرُ" أَخْذٌ بِالْعَيْنِ .