[ ص: 225 ]
القول في تأويل قوله جل ثناؤه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2ذلك الكتاب ) .
قال عامة المفسرين :
nindex.php?page=treesubj&link=28973_28738تأويل قول الله تعالى ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2ذلك الكتاب ) : هذا الكتاب .
ذكر من قال ذلك :
247 - حدثني
هارون بن إدريس الأصم الكوفي ، قال : حدثنا
عبد الرحمن بن محمد المحاربي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد : "ذلك الكتاب " قال : هو هذا الكتاب .
248 - حدثني
يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ، قال : أخبرنا
خالد الحذاء ، عن
عكرمة ، قال : "ذلك الكتاب " : هذا الكتاب .
249 - حدثنا
أحمد بن إسحاق الأهوازي ، قال : حدثنا
أبو أحمد الزبيري قال : حدثنا
الحكم بن ظهير ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ، في قوله "ذلك الكتاب " قال : هذا الكتاب .
250 - حدثنا
القاسم بن الحسن ، قال : حدثنا
الحسين بن داود . قال : حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، قوله : "ذلك الكتاب " : هذا الكتاب . قال : قال
ابن عباس : "ذلك الكتاب " : هذا الكتاب .
فإن قال قائل : وكيف يجوز أن يكون "ذلك " بمعنى "هذا " ؟ و "هذا " لا شك إشارة إلى حاضر معاين ، و "ذلك " إشارة إلى غائب غير حاضر ولا معاين ؟
[ ص: 226 ]
قيل : جاز ذلك ، لأن كل ما تقضى ، بقرب تقضيه من الإخبار ، فهو - وإن صار بمعنى غير الحاضر - فكالحاضر عند المخاطب . وذلك كالرجل يحدث الرجل الحديث فيقول السامع : "إن ذلك والله لكما قلت " ، و "هذا والله كما قلت " ، و "هو والله كما ذكرت " ، فيخبر عنه مرة بمعنى الغائب ، إذ كان قد تقضى ومضى ، ومرة بمعنى الحاضر ، لقرب جوابه من كلام مخبره ، كأنه غير منقض . فكذلك "ذلك " في قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2ذلك الكتاب ) لأنه جل ذكره لما قدم قبل "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2ذلك الكتاب " "الم" ، التي ذكرنا تصرفها في وجوهها من المعاني على ما وصفنا ، قال لنبيه صلى الله عليه وسلم : يا
محمد ، هذا الذي ذكرته وبينته لك ، الكتاب . ولذلك حسن وضع "ذلك " في مكان "هذا " ، لأنه أشير به إلى الخبر عما تضمنه قوله "الم" من المعاني ، بعد تقضي الخبر عنه ب "الم" ، فصار لقرب الخبر عنه من تقضيه ، كالحاضر المشار إليه ، فأخبر به ب "ذلك " لانقضائه ، ومصير الخبر عنه كالخبر عن الغائب ، وترجمه المفسرون : أنه بمعنى "هذا " ، لقرب الخبر عنه من انقضائه ، فكان كالمشاهد المشار إليه ب "هذا " ، نحو الذي وصفنا من الكلام الجاري بين الناس في محاوراتهم ، وكما قال جل ذكره : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=48واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الأخيار هذا ذكر ) [ سورة ص : 48 ، 49 ] فهذا ما في "ذلك " إذا عنى بها "هذا " .
وقد يحتمل قوله جل ذكره (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2ذلك الكتاب ) أن يكون معنيا به السور التي نزلت قبل سورة البقرة
بمكة والمدينة ، فكأنه قال جل ثناؤه لنبيه
محمد صلى الله عليه وسلم : يا
محمد ، اعلم أن ما تضمنته سور الكتاب التي قد أنزلتها إليك ، هو الكتاب الذي لا ريب فيه . ثم ترجمه المفسرون بأن معنى "ذلك " "هذا الكتاب " ،
[ ص: 227 ] إذ كانت تلك السور التي نزلت قبل سورة البقرة ، من جملة جميع كتابنا هذا ، الذي أنزله الله عز وجل على نبينا
محمد صلى الله عليه وسلم .
وكان التأويل الأول أولى بما قاله المفسرون ، لأن ذلك أظهر معاني قولهم الذي قالوه في "ذلك " .
وقد وجه معنى "ذلك " بعضهم ، إلى نظير معنى بيت
خفاف بن ندبة السلمي :
فإن تك خيلي قد أصيب صميمها فعمدا على عين تيممت مالكا
أقول له ، والرمح يأطر متنه : تأمل خفافا ، إنني أنا ذلكا
كأنه أراد : تأملني أنا ذلك . فزعم أن "ذلك الكتاب " بمعنى "هذا " ، نظيره . أظهر
خفاف من اسمه على وجه الخبر عن الغائب ، وهو مخبر عن نفسه . فكذلك أظهر "ذلك " بمعنى الخبر عن الغائب ، والمعنى فيه الإشارة إلى الحاضر المشاهد .
والقول الأول أولى بتأويل الكتاب ، لما ذكرنا من العلل .
وقد قال بعضهم : ( ذلك الكتاب ) ، يعني به التوراة والإنجيل ، وإذا وجه
[ ص: 228 ] تأويل "ذلك " إلى هذا الوجه ، فلا مؤونة فيه على متأوله كذلك ، لأن "ذلك " يكون حينئذ إخبارا عن غائب على صحة .
[ ص: 225 ]
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2ذَلِكَ الْكِتَابُ ) .
قَالَ عَامَّةُ الْمُفَسِّرِينَ :
nindex.php?page=treesubj&link=28973_28738تَأْوِيلُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2ذَلِكَ الْكِتَابُ ) : هَذَا الْكِتَابُ .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
247 - حَدَّثَنِي
هَارُونُ بْنُ إِدْرِيسَ الْأَصَمُّ الْكُوفِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيُّ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ : "ذَلِكَ الْكِتَابُ " قَالَ : هُوَ هَذَا الْكِتَابُ .
248 - حَدَّثَنِي
يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابْنُ عُلَيَّةَ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا
خَالِدُ الْحَذَّاءِ ، عَنْ
عِكْرِمَةَ ، قَالَ : "ذَلِكَ الْكِتَابُ " : هَذَا الْكِتَابُ .
249 - حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْأَهْوَازِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا
الْحَكَمُ بْنُ ظُهَيْرٍ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيِّ ، فِي قَوْلِهِ "ذَلِكَ الْكِتَابُ " قَالَ : هَذَا الْكِتَابُ .
250 - حَدَّثَنَا
الْقَاسِمُ بْنُ الْحَسَنِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
الْحُسَيْنُ بْنُ دَاوُدَ . قَالَ : حَدَّثَنِي
حَجَّاجُ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنِ جُرَيْجٍ ، قَوْلُهُ : "ذَلِكَ الْكِتَابُ " : هَذَا الْكِتَابُ . قَالَ : قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ : "ذَلِكَ الْكِتَابُ " : هَذَا الْكِتَابُ .
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنَّ يَكُونَ "ذَلِكَ " بِمَعْنَى "هَذَا " ؟ وَ "هَذَا " لَا شَكَّ إِشَارَةٌ إِلَى حَاضِرٍ مُعَايَنٍ ، وَ "ذَلِكَ " إِشَارَةٌ إِلَى غَائِبٍ غَيْرِ حَاضِرٍ وَلَا مُعَايَنٍ ؟
[ ص: 226 ]
قِيلَ : جَازَ ذَلِكَ ، لِأَنَّ كُلَّ مَا تَقَضَّى ، بِقُرْبِ تَقَضِّيهِ مِنَ الْإِخْبَارِ ، فَهُوَ - وَإِنْ صَارَ بِمَعْنَى غَيْرِ الْحَاضِرِ - فَكَالْحَاضِرِ عِنْدَ الْمُخَاطَبِ . وَذَلِكَ كَالرَّجُلِ يُحَدِّثُ الرَّجُلَ الْحَدِيثَ فَيَقُولُ السَّامِعُ : "إِنَّ ذَلِكَ وَاللَّهِ لَكُمَا قُلْتَ " ، وَ "هَذَا وَاللَّهِ كَمَا قُلْتَ " ، وَ "هُوَ وَاللَّهِ كَمَا ذَكَرْتَ " ، فَيُخْبِرُ عَنْهُ مَرَّةً بِمَعْنَى الْغَائِبَ ، إِذْ كَانَ قَدْ تَقَضَّى وَمَضَى ، وَمَرَّةً بِمَعْنَى الْحَاضِرِ ، لِقُرْبِ جَوَابِهِ مِنْ كَلَامِ مُخْبِرِهِ ، كَأَنَّهُ غَيْرُ مُنْقَضٍ . فَكَذَلِكَ "ذَلِكَ " فِي قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2ذَلِكَ الْكِتَابُ ) لِأَنَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ لَمَّا قَدَّمَ قَبْلَ "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2ذَلِكَ الْكِتَابُ " "الم" ، الَّتِي ذَكَرْنَا تَصَرُّفَهَا فِي وُجُوهِهَا مِنَ الْمَعَانِي عَلَى مَا وَصَفْنَا ، قَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا
مُحَمَّدُ ، هَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ وَبَيَّنْتُهُ لَكَ ، الْكِتَابُ . وَلِذَلِكَ حَسُنَ وَضْعُ "ذَلِكَ " فِي مَكَانِ "هَذَا " ، لِأَنَّهُ أُشِيرَ بِهِ إِلَى الْخَبَرِ عَمَّا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ "الم" مِنَ الْمَعَانِي ، بَعْدَ تَقَضِّي الْخَبَرِ عَنْهُ بِ "الم" ، فَصَارَ لِقُرْبِ الْخَبَرِ عَنْهُ مَنْ تَقَضِّيهِ ، كَالْحَاضِرِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ ، فَأَخْبَرَ بِهِ بِ "ذَلِكَ " لِانْقِضَائِهِ ، وَمَصِيرُ الْخَبَرِ عَنْهُ كَالْخَبَرِ عَنِ الْغَائِبِ ، وَتَرْجَمَهُ الْمُفَسِّرُونَ : أَنَّهُ بِمَعْنَى "هَذَا " ، لِقُرْبِ الْخَبَرِ عَنْهُ مِنِ انْقِضَائِهِ ، فَكَانَ كَالْمُشَاهَدِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ بِ "هَذَا " ، نَحْوَ الَّذِي وَصَفْنَا مِنَ الْكَلَامِ الْجَارِي بَيْنَ النَّاسِ فِي مُحَاوَرَاتِهِمْ ، وَكَمَا قَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=48وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ هَذَا ذِكْرٌ ) [ سُورَةُ ص : 48 ، 49 ] فَهَذَا مَا فِي "ذَلِكَ " إِذَا عَنَى بِهَا "هَذَا " .
وَقَدْ يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2ذَلِكَ الْكِتَابُ ) أَنْ يَكُونَ مَعْنِيًّا بِهِ السُّوَرُ الَّتِي نَزَلَتْ قَبْلَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ
بِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا
مُحَمَّدُ ، اعْلَمْ أَنَّ مَا تَضَمَّنَتْهُ سُوَرُ الْكِتَابِ الَّتِي قَدْ أَنْزَلْتُهَا إِلَيْكَ ، هُوَ الْكِتَابُ الَّذِي لَا رَيْبَ فِيهِ . ثُمَّ تَرْجَمَهُ الْمُفَسِّرُونَ بِأَنَّ مَعْنَى "ذَلِكَ " "هَذَا الْكِتَابُ " ،
[ ص: 227 ] إِذْ كَانَتْ تِلْكَ السُّوَرُ الَّتِي نَزَلَتْ قَبْلَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ ، مِنْ جُمْلَةِ جَمِيعِ كِتَابِنَا هَذَا ، الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَبِيِّنَا
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَكَانَ التَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ أَوْلَى بِمَا قَالَهُ الْمُفَسِّرُونَ ، لِأَنَّ ذَلِكَ أَظْهَرُ مَعَانِي قَوْلِهِمُ الَّذِي قَالُوهُ فِي "ذَلِكَ " .
وَقَدْ وَجَّهَ مَعْنَى "ذَلِكَ " بَعْضُهُمْ ، إِلَى نَظِيرِ مَعْنَى بَيْتِ
خُفَافِ بْنِ نُدْبَةَ السُّلَّمِيِّ :
فَإِنْ تَكُ خَيْلِي قَدْ أُصِيبَ صَمِيمُهَا فَعَمْدًا عَلَى عَيْنٍ تَيَمَّمْتُ مَالِكَا
أَقُولُ لَهُ ، وَالرُّمْحُ يَأْطِرُ مَتْنَهُ : تَأَمَّلْ خُفَافًا ، إِنَّنِي أَنَا ذَلِكَا
كَأَنَّهُ أَرَادَ : تَأَمَّلْنِي أَنَا ذَلِكَ . فَزَعَمَ أَنَّ "ذَلِكَ الْكِتَابُ " بِمَعْنَى "هَذَا " ، نَظِيرُهُ . أَظْهَرُ
خِفَافٌ مِنِ اسْمِهِ عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ عَنِ الْغَائِبِ ، وَهُوَ مُخْبِرٌ عَنْ نَفْسِهِ . فَكَذَلِكَ أَظْهَرَ "ذَلِكَ " بِمَعْنَى الْخَبَرِ عَنِ الْغَائِبِ ، وَالْمَعْنَى فِيهِ الْإِشَارَةُ إِلَى الْحَاضِرِ الْمُشَاهَدِ .
وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْكِتَابِ ، لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْعِلَلِ .
وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ : ( ذَلِكَ الْكِتَابُ ) ، يَعْنِي بِهِ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ ، وَإِذَا وُجِّهَ
[ ص: 228 ] تَأْوِيلُ "ذَلِكَ " إِلَى هَذَا الْوَجْهِ ، فَلَا مَؤُونَةَ فِيهِ عَلَى مُتَأَوِّلِهِ كَذَلِكَ ، لِأَنَّ "ذَلِكَ " يَكُونُ حِينَئِذٍ إِخْبَارًا عَنْ غَائِبٍ عَلَى صِحَّةٍ .