قال تأويل قوله تعالى : ( أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بقوله : ( بديع السماوات والأرض ) ، مبدعها .
وإنما هو "مفعل" صرف إلى "فعيل" كما صرف "المؤلم" إلى "أليم" ، و"المسمع" إلى "سميع" . ومعنى"المبدع" : المنشئ والمحدث ما لم يسبقه إلى إنشاء مثله وإحداثه أحد ، ولذلك سمي المبتدع في الدين "مبتدعا" ، لإحداثه فيه ما لم يسبقه إليه غيره . وكذلك كل محدث فعلا أو قولا لم يتقدمه فيه متقدم ، فإن العرب تسميه مبتدعا ، ومن ذلك قول أعشى بني ثعلبة ، في مدح هوذة بن علي الحنفي :
يرعي إلى قول سادات الرجال إذا أبدوا له الحزم ، أو ما شاءه ابتدعا
فأيها الغاشي القذاف الأتيعا إن كنت لله التقي الأطوعا
فليس وجه الحق أن تبدعا
فمعنى الكلام : سبحان الله أنى يكون له ولد وهو مالك ما في السماوات والأرض ، تشهد له جميعا بدلالتها عليه بالوحدانية ، وتقر له بالطاعة ، وهو بارئها وخالقها ، وموجدها من غير أصل ، ولا مثال احتذاها عليه؟
وهذا إعلام من الله - جل ثناؤه - عباده ، أن مما يشهد له بذلك : المسيح ، الذي أضافوا إلى الله - جل ثناؤه - بنوته ، وإخبار منه لهم أن الذي ابتدع السماوات والأرض من غير أصل وعلى غير مثال ، هو الذي ابتدع المسيح من غير والد بقدرته ، وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
1858 - حدثنا المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : ( بديع السماوات والأرض ) ، يقول : ابتدع خلقها ، ولم يشركه في خلقها أحد .
1859 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن : ( السدي بديع السماوات والأرض ) ، يقول : ابتدعها فخلقها ، ولم يخلق قبلها شيء فيتمثل به .