القول في وضل عنهم ما كانوا يدعون من قبل وظنوا ما لهم من محيص ( 48 ) تأويل قوله تعالى : ( لا يسأم الإنسان من دعاء الخير وإن مسه الشر فيئوس قنوط ( 49 ) )
يقول - تعالى ذكره - : وضل عن هؤلاء المشركين يوم القيامة آلهتهم التي كانوا يعبدونها في الدنيا ، فأخذ بها طريق غير طريقهم ، فلم تنفعهم ، ولم تدفع عنهم شيئا من عذاب الله الذي حل بهم .
وقوله : ( وظنوا ما لهم من محيص ) يقول : وأيقنوا حينئذ ما لهم من ملجأ : أي ليس لهم ملجأ يلجئون إليه من عذاب الله .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد قال : ثنا أحمد قال : ثنا أسباط ، عن ( السدي وظنوا ما لهم من محيص ) : استيقنوا أنه ليس لهم ملجأ .
واختلف أهل العربية في المعنى الذي من أجله أبطل عمل الظن في هذا الموضع ، فقال بعض أهل البصرة فعل ذلك ، لأن معنى قوله : ( وظنوا ) : استيقنوا . قال : و " ما " هاهنا حرف وليس باسم ، والفعل لا يعمل في مثل هذا ، فلذلك جعل الفعل ملغى . وقال بعضهم : لا يلغى الفعل وهو عامل في المعنى [ ص: 490 ] إلا لعلة . قال : والعلة أنه حكاية ، فإذا وقع على ما لم يعمل فيه كان حكاية وتمنيا ، وإذا عمل فهو على أصله .
وقوله : ( لا يسأم الإنسان من دعاء الخير ) يقول - تعالى ذكره - : لا يمل الكافر بالله من دعاء الخير ، يعني من دعائه بالخير ، ومسألته إياه ربه . والخير في هذا الموضع : المال وصحة الجسم ، يقول : لا يمل من طلب ذلك . ( وإن مسه الشر ) يقول : وإن ناله ضر في نفسه من سقم أو جهد في معيشته ، أو احتباس من رزقه ( فيئوس قنوط ) يقول : فإنه ذو يأس من روح الله وفرجه ، قنوط من رحمته ، ومن أن يكشف ذلك الشر النازل به عنه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد قال : ثنا أحمد قال : ثنا أسباط ، عن ( السدي لا يسأم الإنسان من دعاء الخير ) يقول : الكافر ( وإن مسه الشر فيئوس قنوط ) : قانط من الخير .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( لا يسأم الإنسان ) قال : لا يمل . وذكر أن ذلك في قراءة عبد الله : " لا يسأم الإنسان من دعاء بالخير " .