القول في سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد ( 53 ) ) [ ص: 493 ] تأويل قوله تعالى : (
يقول - تعالى ذكره - : سنري هؤلاء المكذبين ، ما أنزلنا على محمد عبدنا من الذكر ، آياتنا في الآفاق .
واختلف أهل التأويل في معنى الآيات التي وعد الله هؤلاء القوم أن يريهم ، فقال بعضهم : عنى بالآيات في الآفاق وقائع النبي - صلى الله عليه وسلم - بنواحي بلد المشركين من أهل مكة وأطرافها ، وبقوله : ( وفي أنفسهم ) فتح مكة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبوكريب قال : ثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن ، عن عمرو بن دينار عمرو بن أبي قيس ، عن المنهال ، في قوله : ( سنريهم آياتنا في الآفاق ) قال : ظهور محمد - صلى الله عليه وسلم - على الناس .
حدثنا محمد قال : ثنا أحمد قال : ثنا أسباط ، عن ( السدي سنريهم آياتنا في الآفاق ) يقول : ما نفتح لك يا محمد من الآفاق ( وفي أنفسهم ) في أهل مكة ، يقول : نفتح لك مكة .
وقال آخرون : عنى بذلك أنه يريهم نجوم الليل وقمره ، وشمس النهار ، وذلك ما وعدهم أنه يريهم في الآفاق . وقالوا : عنى بالآفاق : آفاق السماء ، وبقوله : ( وفي أنفسهم ) سبيل الغائط والبول .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم ) قال : آفاق السموات : نجومها وشمسها وقمرها اللاتي يجرين ، وآيات فى أنفسهم أيضا .
وأولى القولين في ذلك بالصواب القول الأول ، وهو ما قاله ، وذلك أن الله عز وجل وعد نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يري هؤلاء المشركين الذين كانوا به مكذبين آيات في الآفاق ، وغير معقول أن يكون تهددهم بأن [ ص: 494 ] يريهم ما هم رأوه ، بل الواجب أن يكون ذلك وعدا منه لهم أن يريهم ما لم يكونوا رأوه قبل من ظهور نبي الله - صلى الله عليه وسلم - على أطراف بلدهم وعلى بلدهم ، فأما النجوم والشمس والقمر ، فقد كانوا يرونها كثيرا قبل وبعد ولا وجه لتهددهم بأنه يريهم ذلك . السدي
وقوله : ( حتى يتبين لهم أنه الحق ) يقول - جل ثناؤه - : أري هؤلاء المشركين وقائعنا بأطرافهم وبهم حتى يعلموا حقيقة ما أنزلنا إلى محمد ، وأوحينا إليه من الوعد له بأنا مظهرو ما بعثناه به من الدين على الأديان كلها ، ولو كره المشركون .
وقوله : ( أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد ) يقول - تعالى ذكره - : أولم يكف بربك يا محمد أنه شاهد على كل شيء مما يفعله خلقه ، لا يعزب عنه علم شيء منه ، وهو مجازيهم على أعمالهم ، المحسن بالإحسان ، والمسيء جزاءه .
وفي قوله : ( أنه ) وجهان :
أحدهما : أن يكون في موضع خفض على وجه تكرير الباء ، فيكون معنى الكلام حينئذ : أولم يكف بربك بأنه على كل شيء شهيد ؟ والآخر : أن يكون في موضع رفع ، رفعا بقوله : يكف ، فيكون معنى الكلام : أولم يكف بربك شهادته على كل شيء .