اختلفت القراء في قراءة قوله : ( حتى إذا جاءنا ) فقرأته عامة قراء الحجاز سوى ابن محيصن ، وبعض الكوفيين وبعض الشاميين " حتى إذا جاءنا " على التوحيد بمعنى : حتى إذا جاءنا هذا الذي عشي عن ذكر الرحمن ، وقرينه الذي [ ص: 606 ] قيض له من الشياطين . وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة والبصرة وابن محيصن : ( حتى إذا جاءنا ) على التوحيد ، بمعنى : حتى إذا جاءنا هذا العاشي من بني آدم عن ذكر الرحمن .
والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان متقاربتا المعنى وذلك أن في خبر الله تبارك وتعالى عن حال أحد الفريقين عند مقدمه عليه فيما أقرنا فيه في الدنيا ، الكفاية للسامع عن خبر الآخر ، إذ كان الخبر عن حال أحدهما معلوما به خبر حال الآخر ، وهما مع ذلك قراءتان مستفيضتان في قراءة الأمصار ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : حتى إذا جاءنا هو وقرينه جميعا .
وقوله : ( يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين ) يقول - تعالى ذكره - : قال أحد هذين القرينين لصاحبه الآخر : وددت أن بيني وبينك بعد المشرقين : أي بعد ما بين المشرق والمغرب ، فغلب اسم أحدهما على الآخر ، كما قيل : شبه القمرين ، وكما قال الشاعر ؟
أخذنا بآفاق السماء عليكم لنا قمراها والنجوم الطوالع
[ ص: 607 ]وكما قال الآخر ؟
فبصرة الأزد منا والعراق لنا والموصلان ومنا مصر والحرم
يعني : الموصل والجزيرة ، فقال : الموصلان ، فغلب الموصل .
وقد قيل : عنى بقوله ( بعد المشرقين ) : مشرق الشتاء ، ومشرق الصيف ، وذلك أن الشمس تطلع في الشتاء من مشرق ، وفي الصيف من مشرق غيره؛ وكذلك المغرب تغرب في مغربين مختلفين ، كما قال - جل ثناؤه - : ( رب المشرقين ورب المغربين ) .
وذكر أن هذا قول أحدهما لصاحبه عند لزوم كل واحد منهما صاحبه حتى يورده جهنم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن سعيد الجريري قال : بلغني أن الكافر إذا بعث يوم القيامة من قبره ، سفع بيده الشيطان ، فلم يفارقه حتى يصيرهما الله إلى النار ، فذلك حين يقول : يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين ، فبئس القرين . وأما المؤمن فيوكل به ملك فهو معه حتى قال : إما يفصل بين الناس ، أو نصير إلى ما شاء الله .
وقوله : ( ولن ينفعكم اليوم ) أيها العاشون عن ذكر الله في الدنيا ( إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون ) يقول : لن يخفف عنكم اليوم من عذاب الله اشتراككم فيه ، لأن لكل واحد منكم نصيبه منه ، و " أن " من قوله ( أنكم ) في موضع رفع لما ذكرت أن معناه : لن ينفعكم اشتراككم .