يقول - تعالى ذكره - : كذبت أيضا عاد نبيهم هودا - صلى الله عليه وسلم - فيما أتاهم به عن الله ، كالذي كذبت قوم نوح ، وكالذي كذبتم معشر قريش نبيكم محمدا - صلى الله عليه وسلم - وعلى جميع رسله ، ( فكيف كان عذابي ونذر ) يقول : فانظروا معشر كفرة قريش بالله كيف كان عذابي إياهم ، وعقابي لهم على كفرهم بالله ، وتكذيبهم رسوله هودا وإنذاري بفعلي بهم ما فعلت من سلك طرائقهم ، وكانوا على مثل ما كانوا عليه من التمادي في الغي والضلالة .
وقوله ( إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا ) يقول - تعالى ذكره - : إنا بعثنا على عاد إذ تمادوا في طغيانهم وكفرهم بالله ريحا صرصرا ، وهي الشديدة العصوف في برد ، التي لصوتها صرير ، وهي مأخوذة من شدة صوت هبوبها إذا سمع فيها كهيئة قول القائل : صر ، فقيل منه : صرصر ، كما قيل : فكبكبوا فيها ، من فكبوا ، ونهنهت من نههت .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله ( ريحا صرصرا ) قال : ريحا باردة .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله ( إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا ) والصرصر : الباردة . [ ص: 586 ]
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة قال : الصرصر : الباردة .
حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله ( ريحا صرصرا ) باردة .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران ، عن سفيان ( ريحا صرصرا ) قال : شديدة ، والصرصر : الباردة .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( ريحا صرصرا ) قال : الصرصر : الشديدة .
وقوله ( في يوم نحس مستمر ) يقول : في يوم شر وشؤم لهم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة قال : النحس : الشؤم .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( في يوم نحس ) قال النحس : الشر ( في يوم نحس ) في يوم شر .
وقد تأول ذلك آخرون بمعنى شديد ، ومن تأول ذلك كذلك فإنه يجعله من صفة اليوم ، ومن جعله من صفة اليوم ، فإنه ينبغي أن يكون قراءته بتنوين اليوم ، وكسر الحاء من النحس ، فيكون ( في يوم نحس ) كما قال جل ثناؤه ( في أيام نحسات ) ولا أعلم أحدا قرأ ذلك كذلك في هذا الموضع ، غير أن الرواية التي ذكرت في تأويل ذلك عمن ذكرت عنه على ما وصفنا تدل على أن ذلك كان قراءة .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني [ ص: 587 ] أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله ( في يوم نحس ) قال : أيام شداد .
وحدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله ( في يوم نحس ) يوم شديد .
وقوله ( مستمر ) يقول : في يوم شر وشؤم ، استمر بهم البلاء والعذاب فيه إلى أن وافى بهم جهنم .
كما حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( في يوم نحس مستمر ) يستمر بهم إلى نار جهنم .
وقوله ( تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر ) يقول : تقتلع الناس ثم ترمي بهم على رءوسهم ، فتندق رقابهم ، وتبين من أجسامهم .
كما حدثنا ابن حميد قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : لما هاجت الريح قام نفر من عاد سبعة شماليا ، منهم ستة من أشد عاد وأجسمها ، منهم عمرو بن الحلي والحارث بن شداد والهلقام وابنا تيقن وخلجان بن أسعد ، فأدلجوا العيال في شعب بين جبلين ، ثم اصطفوا على باب الشعب ليردوا الريح عمن بالشعب من العيال ، فجعلت الريح تخفقهم رجلا رجلا فقالت امرأة من عاد :
ذهب الدهر بعمرو ب ن حلي والهنيات ثم بالحارث والهل
قام طلاع الثنيات والذي سد علينا الر
يح أيام البليات
حدثنا العباس بن الوليد البيروتي قال : أخبرني أبي ، قال : ثني إسماعيل بن عياش ، عن محمد بن إسحاق قال : لما هبت الريح قام سبعة من عاد ، فقالوا : نرد الريح ، فأتوا فم الشعب الذي يأتي منه الريح ، فوقفوا عليه ، فجعلت [ ص: 588 ] الريح تهب ، فتدخل تحت واحد واحد ، فتقتلعه من الأرض فترمي به على رأسه ، فتندق رقبته ، ففعلت ذلك بستة منهم ، وتركتهم كما قال الله ( أعجاز نخل منقعر ) وبقي الخلجان فأتى هودا فقال : يا هود ما هذا الذي أرى في السحاب كهيئة البخاتي؟ قال : تلك ملائكة ربي ، قال : ما لي إن أسلمت ؟ قال : تسلم ، قال : أيقيدني ربك إن أسلمت من هؤلاء؟ فقال : ويلك أرأيت ملكا يقيد جنوده؟ فقال : وعزته لو فعل ما رضيت . قال : ثم مال إلى جانب الجبل ، فأخذ بركن منه فهزه ، فاهتز في يده ، ثم جعل يقول :
لم يبق إلا الخلجان نفسه
يا لك من يوم دهاني أمسه بثابت الوطء شديد وطسه
لو لم يجئني جئته أحسه
قال : ثم هبت الريح فألحقته بأصحابه .
حدثني محمد بن إبراهيم قال : ثنا مسلم بن إبراهيم قال : ثنا نوح بن قيس قال : ثنا محمد بن سيف ، عن الحسن قال : لما أقبلت الريح قام إليها قوم عاد ، فأخذ بعضهم بأيدي بعض كما تفعل الأعاجم ، وغمزوا أقدامهم في الأرض وقالوا : يا هود من يزيل أقدامنا عن الأرض إن كنت صادقا ، فأرسل الله عليهم الريح فصيرتهم كأنهم أعجاز نخل منقعر .
حدثني محمد بن إبراهيم قال : ثنا مسلم قال : ثنا نوح بن قيس قال : ثنا أشعث بن جابر ، عن ، عن شهر بن حوشب قال : إن كان الرجل من أبي هريرة قوم عاد ليتخذ المصراعين من حجارة ، لو اجتمع عليها خمسمئة من هذه الأمة لم يستطيعوا أن يحملوها ، وإن كان الرجل منهم ليغمز قدمه في الأرض ، فتدخل في الأرض ، وقال : كأنهم أعجاز نخل ; ومعنى الكلام : فيتركهم كأنهم أعجاز نخل منقعر ، فترك ذكر فيتركهم استغناء بدلالة الكلام [ ص: 589 ] عليه . وقيل : إنما شبههم بأعجاز نخل منقعر ، لأن رءوسهم كانت تبين من أجسامهم ، فتذهب لذلك رقابهم ، وتبقى أجسادهم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسن بن عرفة قال : ثنا خلف بن خليفة ، عن هلال بن خباب عن مجاهد في قوله ( كأنهم أعجاز نخل منقعر ) قال : سقطت رءوسهم كأمثال الأخبية ، وتفردت ، أو وتفرقت أعناقهم وقال " أبو جعفر : أنا أشك " ، فشبهها بأعجاز نخل منقعر .
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله ( تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر ) قال : هم قوم عاد حين صرعتهم الريح ، فكأنهم فلق نخل منقعر ( فكيف كان عذابي ونذر ) يقول - تعالى ذكره - : فانظروا يا معشر كفار قريش ، كيف كان عذابي قوم عاد ، إذ كفروا بربهم ، وكذبوا رسوله ، فإن ذلك سنة الله في أمثالهم ، وكيف كان إنذاري بهم من أنذرت .