يقول - تعالى ذكره - : لو نشاء جعلنا ذلك الزرع الذي زرعناه حطاما ، يعني هشيما لا ينتفع به في مطعم وغذاء .
وقوله : ( فظلتم تفكهون ) اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : فظلتم تتعجبون مما نزل بكم في زرعكم من المصيبة باحتراقه وهلاكه .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( فظلتم تفكهون ) قال : تعجبون .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( فظلتم تفكهون ) قال : تعجبون .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( فظلتم تفكهون ) قال : تعجبون .
وقال آخرون : معنى ذلك : فظلتم تلاومون بينكم في تفريطكم في طاعة [ ص: 140 ] ربكم - جل ثناؤه - حتى نالكم بما نالكم من إهلاك زرعكم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد قال : ثنا قال : ثنا يحيى بن واضح الحسين ، عن يزيد ، عن عكرمة في قوله : ( فظلتم تفكهون ) يقول : تلاومون .
قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن سماك بن حرب البكري ، عن عكرمة ( فظلتم تفكهون ) قال : تلاومون .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : فظلتم تندمون على ما سلف منكم في معصية الله التي أوجب لكم عقوبته ، حتى نالكم في زرعكم ما نالكم .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : ثني ، عن ابن علية أبي رجاء ، عن الحسن ( فظلتم تفكهون ) قال : تندمون .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( فظلتم تفكهون ) قال تندمون .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : فظلتم تعجبون .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( فظلتم تفكهون ) قال : تعجبون حين صنع بحرثكم ما صنع به ، وقرأ قول الله - عز وجل - ( إنا لمغرمون بل نحن محرومون ) وقرأ قول الله ( وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين ) قال : هؤلاء ناعمين ، وقرأ قول الله - جل ثناؤه - ( فأخرجناهم من جنات وعيون ) . . . إلى قوله : ( كانوا فيها فاكهين ) .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : معنى ( فظلتم ) : فأقمتم [ ص: 141 ] تعجبون مما نزل بزرعكم . وأصله من التفكه بالحديث إذا حدث الرجل الرجل بالحديث يعجب منه ، ويلهى به ، فكذلك ذلك . وكأن معنى الكلام : فأقمتم تتعجبون يعجب بعضكم بعضا مما نزل بكم .
وقوله : ( إنا لمغرمون ) اختلف أهل التأويل في معناه ، فقال بعضهم : إنا لمولع بنا .
ذكر من قال ذلك :
حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال : ثنا يزيد بن الحباب قال : أخبرني الحسين بن واقد قال : ثني يزيد النحوي عن عكرمة في قول الله - تعالى ذكره - ( إنا لمغرمون ) قال : إنا لمولع بنا .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر قال : قال مجاهد في قوله : ( إنا لمغرمون ) أي لمولع بنا .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : إنا لمعذبون .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( إنا لمغرمون ) : أي معذبون .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : إنا لملقون للشر .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( إنا لمغرمون ) قال : ملقون للشر .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : معناه : إنا لمعذبون ، وذلك أن الغرام عند العرب : العذاب . ومنه قول الأعشى :
إن يعاقب يكن غراما وإن يعط جزيلا فإنه لا يبالي
[ ص: 142 ]يعني بقوله : يكن غراما : يكن عذابا . وفي الكلام متروك اكتفى بدلالة الكلام عليه وهو : فظلتم تفكهون " تقولون " إنا لمغرمون ، فترك تقولون من الكلام لما وصفنا .
وقوله : ( بل نحن محرومون ) يعني بذلك - تعالى ذكره - أنهم يقولون : ما هلك زرعنا وأصبنا به من أجل ( إنا لمغرمون ) ولكنا قوم محرومون ، يقول : إنهم غير مجدودين ، ليس لهم جد .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ( بل نحن محرومون ) قال : حورفنا فحرمنا .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة في قوله : ( بل نحن محرومون ) قال : أي محارفون .