[ ص: 258 ] nindex.php?page=treesubj&link=28973_29417_29559القول في تأويل قوله جل ثناؤه : ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=7ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم )
قال
أبو جعفر : وأصل الختم : الطبع . والخاتم هو الطابع . يقال منه : ختمت الكتاب ، إذا طبعته .
فإن قال لنا قائل : وكيف يختم على القلوب ، وإنما الختم طبع على الأوعية والظروف والغلف ؟
قيل : فإن قلوب العباد أوعية لما أودعت من العلوم ، وظروف لما جعل فيها من المعارف بالأمور . فمعنى الختم عليها وعلى الأسماع - التي بها تدرك المسموعات ، ومن قبلها يوصل إلى معرفة حقائق الأنباء عن المغيبات - نظير معنى الختم على سائر الأوعية والظروف .
فإن قال : فهل لذلك من صفة تصفها لنا فنفهمها ؟ أهي مثل الختم الذي يعرف لما ظهر للأبصار ، أم هي بخلاف ذلك ؟
قيل : قد اختلف أهل التأويل في صفة ذلك ، وسنخبر بصفته بعد ذكرنا قولهم :
300 - فحدثني
عيسى بن عثمان بن عيسى الرملي ، قال : حدثنا
يحيى بن عيسى ، عن
الأعمش ، قال : أرانا
مجاهد بيده فقال : كانوا يرون أن القلب في مثل هذا - يعني الكف - فإذا أذنب العبد ذنبا ضم منه - وقال بإصبعه الخنصر هكذا - فإذا أذنب ضم - وقال بإصبع أخرى - فإذا أذنب ضم - وقال بإصبع أخرى هكذا ، حتى ضم أصابعه كلها ، قال : ثم يطبع عليه بطابع . قال
[ ص: 259 ] مجاهد : وكانوا يرون أن ذلك : الرين .
301 - حدثنا
أبو كريب ، قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن
الأعمش ، عن
مجاهد ، قال : القلب مثل الكف ، فإذا أذنب ذنبا قبض أصبعا حتى يقبض أصابعه كلها - وكان أصحابنا يرون أنه الران .
302 - حدثنا
القاسم بن الحسن ، قال : حدثنا
الحسين بن داود ، قال : حدثني
حجاج ، قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، قال : قال
مجاهد : نبئت أن الذنوب على القلب تحف به من نواحيه حتى تلتقي عليه ، فالتقاؤها عليه الطبع ، والطبع : الختم . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : الختم ، الختم على القلب والسمع .
303 - حدثنا
القاسم ، قال : حدثنا
الحسين ، قال : حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، قال : حدثني
عبد الله بن كثير ، أنه سمع
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهدا يقول : الران أيسر من الطبع ، والطبع أيسر من الأقفال ، والأقفال أشد ذلك كله .
[ ص: 260 ]
وقال بعضهم : إنما معنى قوله "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=7ختم الله على قلوبهم " إخبار من الله جل ثناؤه عن تكبرهم ، وإعراضهم عن الاستماع لما دعوا إليه من الحق ، كما يقال : "إن فلانا لأصم عن هذا الكلام " ، إذا امتنع من سماعه ، ورفع نفسه عن تفهمه تكبرا .
قال
أبو جعفر : والحق في ذلك عندي ما صح بنظيره الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو ما : -
304 - حدثنا به
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار قال : حدثنا
صفوان بن عيسى ، قال : حدثنا
ابن عجلان ، عن
القعقاع ، عن
أبي صالح ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=810037قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن المؤمن إذا أذنب ذنبا كانت نكتة سوداء في قلبه ، فإن تاب ونزع واستغفر ، صقلت قلبه ، فإن زاد زادت حتى تغلق قلبه ، فذلك "الران " الذي قال الله جل ثناؤه : ( nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=14كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) سورة المطففين : 14 .
[ ص: 261 ]
فأخبر صلى الله عليه وسلم أن الذنوب إذا تتابعت على القلوب أغلقتها ، وإذا أغلقتها أتاها حينئذ الختم من قبل الله عز وجل والطبع ، فلا يكون للإيمان إليها مسلك ، ولا للكفر منها مخلص ، فذلك هو الطبع . والختم الذي ذكره الله تبارك وتعالى في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=7ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم ) ، نظير الطبع والختم على ما تدركه الأبصار من الأوعية والظروف ، التي لا يوصل إلى ما فيها إلا بفض ذلك عنها ثم حلها . فكذلك لا يصل الإيمان إلى قلوب من وصف الله أنه ختم على قلوبهم ، إلا بعد فضه خاتمه وحله رباطه عنها .
ويقال لقائلي القول الثاني ، الزاعمين أن معنى قوله جل ثناؤه "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=7ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم " ، هو وصفهم بالاستكبار والإعراض عن الذي دعوا إليه من الإقرار بالحق تكبرا : أخبرونا عن استكبار الذين وصفهم الله جل ثناؤه بهذه الصفة ، وإعراضهم عن الإقرار بما دعوا إليه من الإيمان وسائر المعاني اللواحق به - أفعل منهم ، أم فعل من الله تعالى ذكره بهم ؟
فإن زعموا أن ذلك فعل منهم - وذلك قولهم - قيل لهم : فإن الله تبارك وتعالى قد أخبر أنه هو الذي ختم على قلوبهم وسمعهم . وكيف يجوز أن يكون إعراض الكافر عن الإيمان ، وتكبره عن الإقرار به - وهو فعله عندكم - ختما من الله على قلبه وسمعه ، وختمه على قلبه وسمعه ، فعل الله عز وجل دون الكافر ؟
فإن زعموا أن ذلك جائز أن يكون كذلك - لأن تكبره وإعراضه كانا عن ختم الله على قلبه وسمعه ، فلما كان الختم سببا لذلك ، جاز أن يسمى مسببه به - تركوا قولهم ، وأوجبوا أن الختم من الله على قلوب الكفار وأسماعهم ، معنى غير كفر الكافر ، وغير تكبره وإعراضه عن قبول الإيمان والإقرار به . وذلك دخول فيما أنكروه .
[ ص: 262 ]
وهذه الآية من أوضح الدليل على فساد قول المنكرين تكليف ما لا يطاق إلا بمعونة الله ، لأن الله جل ثناؤه أخبر أنه ختم على قلوب صنف من كفار عباده وأسماعهم ، ثم لم يسقط التكليف عنهم ، ولم يضع عن أحد منهم فرائضه ، ولم يعذره في شيء مما كان منه من خلاف طاعته بسبب ما فعل به من الختم والطبع على قلبه وسمعه - بل أخبر أن لجميعهم منه عذابا عظيما على تركهم طاعته فيما أمرهم به ونهاهم عنه من حدوده وفرائضه ، مع حتمه القضاء عليهم مع ذلك ، بأنهم لا يؤمنون .
[ ص: 258 ] nindex.php?page=treesubj&link=28973_29417_29559الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=7خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ )
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : وَأَصْلُ الْخَتْمَ : الطَّبْعُ . وَالْخَاتَمُ هُوَ الطَّابَعُ . يُقَالُ مِنْهُ : خَتَمْتُ الْكِتَابَ ، إِذَا طَبَعْتَهُ .
فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ : وَكَيْفَ يَخْتِمُ عَلَى الْقُلُوبِ ، وَإِنَّمَا الْخَتْمُ طَبْعٌ عَلَى الْأَوْعِيَةِ وَالظُّرُوفِ وَالْغُلْفِ ؟
قِيلَ : فَإِنَّ قُلُوبَ الْعِبَادِ أَوْعِيَةٌ لِمَا أُودِعَتْ مِنَ الْعُلُومِ ، وَظُرُوفٌ لِمَا جُعِلَ فِيهَا مِنَ الْمَعَارِفِ بِالْأُمُورِ . فَمَعْنَى الْخَتْمِ عَلَيْهَا وَعَلَى الْأَسْمَاعِ - الَّتِي بِهَا تُدْرَكُ الْمَسْمُوعَاتُ ، وَمِنْ قِبَلِهَا يُوصَلُ إِلَى مَعْرِفَةِ حَقَائِقِ الْأَنْبَاءِ عَنِ الْمُغَيَّبَاتِ - نَظِيرُ مَعْنَى الْخَتْمِ عَلَى سَائِرِ الْأَوْعِيَةِ وَالظُّرُوفِ .
فَإِنْ قَالَ : فَهَلْ لِذَلِكَ مِنْ صِفَةٍ تَصِفُهَا لَنَا فَنَفْهَمَهَا ؟ أَهِيَ مِثْلُ الْخَتْمِ الَّذِي يُعْرَفُ لِمَا ظَهَرَ لِلْأَبْصَارِ ، أَمْ هِيَ بِخِلَافِ ذَلِكَ ؟
قِيلَ : قَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي صِفَةِ ذَلِكَ ، وَسَنُخْبِرُ بِصِفَتِهِ بَعْدَ ذِكْرِنَا قَوْلَهُمْ :
300 - فَحَدَّثَنِي
عِيسَى بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى الرَّمْلِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
يَحْيَى بْنُ عِيسَى ، عَنِ
الْأَعْمَشِ ، قَالَ : أَرَانَا
مُجَاهِدٌ بِيَدِهِ فَقَالَ : كَانُوا يُرَوْنَ أَنَّ الْقَلْبَ فِي مِثْلِ هَذَا - يَعْنِي الْكَفَّ - فَإِذَا أَذْنَبَ الْعَبْدُ ذَنْبًا ضُمَّ مِنْهُ - وَقَالَ بِإِصْبَعِهِ الْخِنْصَرِ هَكَذَا - فَإِذَا أَذْنَبَ ضُمَّ - وَقَالَ بِإِصْبَعٍ أُخْرَى - فَإِذَا أَذْنَبَ ضُمَّ - وَقَالَ بِإِصْبَعٍ أُخْرَى هَكَذَا ، حَتَّى ضَمَّ أَصَابِعَهُ كُلَّهَا ، قَالَ : ثُمَّ يُطْبَعُ عَلَيْهِ بِطَابَعٍ . قَالَ
[ ص: 259 ] مُجَاهِدٌ : وَكَانُوا يُرَوْنَ أَنَّ ذَلِكَ : الرَّيْنُ .
301 - حَدَّثَنَا
أَبُو كُرَيْبٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وَكِيعٌ ، عَنِ
الْأَعْمَشِ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ ، قَالَ : الْقَلْبُ مِثْلُ الْكَفِّ ، فَإِذَا أَذْنَبَ ذَنْبًا قَبَضَ أُصْبُعًا حَتَّى يَقْبِضَ أَصَابِعَهُ كُلَّهَا - وَكَانَ أَصْحَابُنَا يُرُونَ أَنَّهُ الرَّانُ .
302 - حَدَّثَنَا
الْقَاسِمُ بْنُ الْحَسَنِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
الْحُسَيْنُ بْنُ دَاوُدَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي
حَجَّاجٌ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنُ جُرَيْجٍ ، قَالَ : قَالَ
مُجَاهِدٌ : نُبِّئْتُ أَنَّ الذُّنُوبَ عَلَى الْقَلْبِ تَحُفُّ بِهِ مِنْ نَوَاحِيهِ حَتَّى تَلْتَقِيَ عَلَيْهِ ، فَالْتِقَاؤُهَا عَلَيْهِ الطَّبْعُ ، وَالطَّبْعُ : الْخَتْمُ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنُ جُرَيْجٍ : الْخَتْمُ ، الْخَتْمُ عَلَى الْقَلْبِ وَالسَّمْعِ .
303 - حَدَّثَنَا
الْقَاسِمُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
الْحُسَيْنُ ، قَالَ : حَدَّثَنِي
حَجَّاجٌ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنِ جُرَيْجٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ ، أَنَّهُ سَمِعَ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدًا يَقُولُ : الرَّانُ أَيْسَرُ مِنَ الطَّبْعِ ، وَالطَّبْعُ أَيْسَرُ مِنَ الْأَقْفَالِ ، وَالْأَقْفَالُ أَشَدُّ ذَلِكَ كُلِّهِ .
[ ص: 260 ]
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّمَا مَعْنَى قَوْلِهِ "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=7خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ " إِخْبَارٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ تَكَبُّرِهِمْ ، وَإِعْرَاضِهِمْ عَنِ الِاسْتِمَاعِ لِمَا دُعُوا إِلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ ، كَمَا يُقَالُ : "إِنَّ فُلَانًا لَأَصَمُّ عَنْ هَذَا الْكَلَامِ " ، إِذَا امْتَنَعَ مِنْ سَمَاعِهِ ، وَرَفَعَ نَفْسَهُ عَنْ تَفَهُّمِهِ تَكَبُّرًا .
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : وَالْحُقُّ فِي ذَلِكَ عِنْدِي مَا صَحَّ بِنَظِيرِهِ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهُوَ مَا : -
304 - حَدَّثَنَا بِهِ
nindex.php?page=showalam&ids=15573مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى ، قَالَ : حَدَّثَنَا
ابْنُ عَجْلَانَ ، عَنِ
الْقَعْقَاعِ ، عَنْ
أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=810037قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ ذَنْبًا كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ ، فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ ، صَقَلَتْ قَلْبَهُ ، فَإِنْ زَادَ زَادَتْ حَتَّى تُغْلِقَ قَلْبَهُ ، فَذَلِكَ "الرَّانُ " الَّذِي قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=14كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) سُورَةُ الْمُطَفِّفِينَ : 14 .
[ ص: 261 ]
فَأَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الذُّنُوبَ إِذَا تَتَابَعَتْ عَلَى الْقُلُوبِ أَغْلَقَتْهَا ، وَإِذَا أَغْلَقَتْهَا أَتَاهَا حِينَئِذٍ الْخَتْمُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالطَّبْعُ ، فَلَا يَكُونُ لِلْإِيمَانِ إِلَيْهَا مَسْلَكٌ ، وَلَا لِلْكُفْرِ مِنْهَا مَخْلَصٌ ، فَذَلِكَ هُوَ الطَّبْعُ . وَالْخَتْمُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=7خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ ) ، نَظِيرُ الطَّبْعِ وَالْخَتْمِ عَلَى مَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ مِنَ الْأَوْعِيَةِ وَالظُّرُوفِ ، الَّتِي لَا يُوصَلُ إِلَى مَا فِيهَا إِلَّا بِفَضِّ ذَلِكَ عَنْهَا ثُمَّ حَلِّهَا . فَكَذَلِكَ لَا يَصِلُ الْإِيمَانُ إِلَى قُلُوبِ مَنْ وَصَفَ اللَّهُ أَنَّهُ خَتَمَ عَلَى قُلُوبِهِمْ ، إِلَّا بَعْدَ فَضِّهِ خَاتَمَهُ وَحَلِّهِ رِبَاطَهُ عَنْهَا .
وَيُقَالُ لِقَائِلِي الْقَوْلِ الثَّانِي ، الزَّاعِمِينَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=7خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ " ، هُوَ وَصْفُهُمْ بِالِاسْتِكْبَارِ وَالْإِعْرَاضِ عَنِ الَّذِي دُعُوا إِلَيْهِ مِنَ الْإِقْرَارِ بِالْحَقِّ تَكَبُّرًا : أَخْبِرُونَا عَنِ اسْتِكْبَارِ الَّذِينَ وَصَفَهُمُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ ، وَإِعْرَاضِهِمْ عَنِ الْإِقْرَارِ بِمَا دُعُوا إِلَيْهِ مِنَ الْإِيمَانِ وَسَائِرِ الْمَعَانِي اللَّوَاحِقِ بِهِ - أَفِعْلٌ مِنْهُمْ ، أَمْ فِعْلٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِهِمْ ؟
فَإِنْ زَعَمُوا أَنَّ ذَلِكَ فِعْلٌ مِنْهُمْ - وَذَلِكَ قَوْلُهُمْ - قِيلَ لَهُمْ : فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي خَتَمَ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ . وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إِعْرَاضُ الْكَافِرِ عَنِ الْإِيمَانِ ، وَتَكَبُّرُهُ عَنِ الْإِقْرَارِ بِهِ - وَهُوَ فِعْلُهُ عِنْدَكُمْ - خَتْمًا مِنَ اللَّهِ عَلَى قَلْبِهِ وَسَمْعِهِ ، وَخَتْمُهُ عَلَى قَلْبِهِ وَسَمْعِهِ ، فِعْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ دُونَ الْكَافِرِ ؟
فَإِنْ زَعَمُوا أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ - لِأَنَّ تَكَبُّرَهُ وَإِعْرَاضَهُ كَانَا عَنْ خَتْمِ اللَّهِ عَلَى قَلْبِهِ وَسَمْعِهِ ، فَلَمَّا كَانَ الْخَتْمُ سَبَبًا لِذَلِكَ ، جَازَ أَنْ يُسَمَّى مُسَبِّبُهُ بِهِ - تَرَكُوا قَوْلَهُمْ ، وَأَوْجَبُوا أَنَّ الْخَتْمَ مِنَ اللَّهِ عَلَى قُلُوبِ الْكُفَّارِ وَأَسْمَاعِهِمْ ، مَعْنًى غَيْرُ كُفْرِ الْكَافِرِ ، وَغَيْرُ تَكَبُّرِهِ وَإِعْرَاضِهِ عَنْ قَبُولِ الْإِيمَانِ وَالْإِقْرَارِ بِهِ . وَذَلِكَ دُخُولٌ فِيمَا أَنْكَرُوهُ .
[ ص: 262 ]
وَهَذِهِ الْآيَةُ مِنْ أَوْضَحِ الدَّلِيلِ عَلَى فَسَادِ قَوْلِ الْمُنْكِرِينَ تَكْلِيفَ مَا لَا يُطَاقُ إِلَّا بِمَعُونَةِ اللَّهِ ، لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ خَتَمَ عَلَى قُلُوبِ صِنْفٍ مِنْ كُفَّارِ عِبَادِهِ وَأَسْمَاعِهِمْ ، ثُمَّ لَمْ يُسْقِطِ التَّكْلِيفَ عَنْهُمْ ، وَلَمْ يَضَعْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ فَرَائِضَهُ ، وَلَمْ يَعْذِرْهُ فِي شَيْءٍ مِمَّا كَانَ مِنْهُ مِنْ خِلَافِ طَاعَتِهِ بِسَبَبِ مَا فَعَلَ بِهِ مِنَ الْخَتْمِ وَالطَّبْعِ عَلَى قَلْبِهِ وَسَمْعِهِ - بَلْ أَخْبَرَ أَنَّ لِجَمِيعِهِمْ مِنْهُ عَذَابًا عَظِيمًا عَلَى تَرْكِهِمْ طَاعَتَهُ فِيمَا أَمَرَهُمْ بِهِ وَنَهَاهُمْ عَنْهُ مِنْ حُدُودِهِ وَفَرَائِضِهِ ، مَعَ حَتْمِهِ الْقَضَاءَ عَلَيْهِمْ مَعَ ذَلِكَ ، بِأَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ .