يقول تعالى ذكره : فما شأن الذين كفروا بالله قبلك يا محمد مهطعين; وقد بينا معنى الإهطاع ، وما قال أهل التأويل فيه فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع ، غير أنا نذكر في هذا الموضع بعض ما لم نذكره هنالك .
فقال قتادة فيه ما حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( فما لالذين كفروا قبلك مهطعين ) يقول : عامدين .
وقال ابن زيد فيه ما حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، [ ص: 619 ] قوله : ( فما لالذين كفروا قبلك مهطعين ) قال : المهطع : الذي لا يطرف . وكان بعض أهل المعرفة بكلام العرب من أهل البصرة يقول : معناه : مسرعين .
وروي فيه عن الحسن ما حدثنا به ابن بشار ، قال : ثنا أبو عامر ، قال : ثنا قرة ، عن الحسن ، في قوله : ( فما لالذين كفروا قبلك مهطعين ) قال : منطلقين .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا حماد بن مسعدة ، قال : ثنا قرة ، عن الحسن ، مثله .
وقوله : ( عن اليمين وعن الشمال عزين ) يقول : عن يمينك يا محمد ، وعن شمالك متفرقين حلقا ومجالس ، جماعة جماعة ، معرضين عنك وعن كتاب الله .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( فما لالذين كفروا قبلك مهطعين ) قال : قبلك ينظرون ، ( عن اليمين وعن الشمال عزين ) قال : العزين : العصب من الناس عن يمين وشمال ، معرضين عنه ، يستهزئون به .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( عن اليمين وعن الشمال عزين ) قال : مجالس مجنبين .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( فما لالذين كفروا قبلك مهطعين ) يقول : عامدين ، ( عن اليمين وعن الشمال عزين ) : أي فرقا حول نبي الله صلى الله عليه وسلم ، لا يرغبون في كتاب الله ولا في نبيه .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قوله : ( عزين ) قال : العزين : الحلق المجالس .
حدثنا عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( عزين ) قال : حلقا ورفقاء .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( عن اليمين وعن الشمال عزين ) قال : المجلس الذي فيه الثلاثة والأربعة ، والمجالس الثلاثة والأربعة ، أولئك العزون . [ ص: 620 ]
حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري ، قال : أخبرنا أبو الأحوص ، عن عاصم ، عن أبي صالح ، عن يرفعه قال : " أبي هريرة " والعزين : الحلق المتفرقة . ما لي أراكم عزين
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا مؤمل ، قال : ثنا شقيق ، عن عن عبد الملك بن عمير ، أبي سلمة ، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه وهم حلق حلق ، فقال : "ما لي أراكم عزين" .
حدثني أبو حصين ، قال : ثنا عبثر ، قال : ثنا الأعمش ، عن المسيب بن رافع ، عن تميم بن طرفة الطائي ، عن قال : جابر بن سمرة ، دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن متفرقون ، فقال : "ما لكم عزين" .
حدثني عبد الله بن محمد بن عمرو الغزي ، قال : ثنا الفريابي ، قال : ثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن المسيب بن رافع ، عن تميم بن طرفة ، عن قال : جابر بن سمرة ، " . جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى ناس من أصحابه وهم جلوس ، فقال : "ما لي أراكم عزين حلقا
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن المسيب بن رافع ، عن تميم بن طرفة ، عن قال : جابر بن سمرة ، " . جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى ناس من أصحابه وهم جلوس ، فقال : "ما لي أراكم عزين حلقا
حدثني ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن المسيب بن رافع ، عن تميم بن طرفة الطائي ، قال : ثنا جابر بن سمرة عن اليمين وعن الشمال عزين ) . أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج عليهم وهم حلق ، فقال : "ما لي أراكم عزين" يقول : حلقا ، يعني قوله : (
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا أبو عامر ، قال : ثنا قرة ، عن الحسن ، في قوله : ( عن اليمين وعن الشمال عزين ) قال : عزين : متفرقين ، يأخذون يمينا وشمالا ، يقولون : ما قال هذا الرجل .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا حماد بن مسعدة ، قال : ثنا قرة ، عن الحسن ، مثله . وواحد العزين : عزة ، كما واحد الثبين ثبة ، وواحد الكرين كرة . ومن العزين قول راعي الإبل :
أخليفة الرحمن إن عشيرتي أمسى سوامهم عزين فلولا
[ ص: 621 ]وقوله : ( أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم ) يقول : أيطمع كل امرئ من هؤلاء الذين كفروا قبلك مهطعين أن يدخله الله جنة نعيم؟ أي بساتين نعيم ينعم فيها .
واختلف القراء في قراءة قوله : ( أن يدخل جنة نعيم ) فقرأت ذلك عامة قراء الأمصار : ( يدخل ) بضم الياء على وجه ما لم يسم فاعله ، غير الحسن فإنه ذكر عنهما أنهما كانا يقرأانه بفتح الياء ، بمعنى : أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل كل امرئ منهم جنة نعيم . وطلحة بن مصرف ،
والصواب من القراءة في ذلك ما عليه قراء الأمصار ، وهي ضم الياء لإجماع الحجة من القراء عليه .
وقوله : ( كلا إنا خلقناهم مما يعلمون ) يقول عز وجل : ليس الأمر كما يطمع فيه هؤلاء الكفار من أن يدخل كل امرئ منهم جنة نعيم .
وقوله : ( إنا خلقناهم مما يعلمون ) يقول جل وعز : إنا خلقناهم من مني قذر ، وإنما يستوجب دخول الجنة من يستوجبه منهم بالطاعة ، لا بأنه مخلوق ، فكيف يطمعون في دخول الجنة وهم عصاة كفرة .
وقد حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( إنا خلقناهم مما يعلمون ) إنما خلقت من قذر يا ابن آدم ، فاتق الله .