[ ص: 192 ] القول في تأويل قوله تعالى ( واستغفروا الله إن الله غفور رحيم ( 199 ) )
قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : فإذا أفضتم من عرفات منصرفين إلى منى فاذكروا الله عند المشعر الحرام ، وادعوه واعبدوه عنده ، كما ذكركم بهدايته فوفقكم لما ارتضى لخليله إبراهيم ، فهداه له من شريعة دينه ، بعد أن كنتم ضلالا عنه .
وفي" ثم" في قوله : " ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس " ، من التأويل وجهان :
أحدهما ما قاله الضحاك من أن معناه : ثم أفيضوا فانصرفوا راجعين إلى منى من حيث أفاض إبراهيم خليلي من المشعر الحرام ، وسلوني المغفرة لذنوبكم ، فإني لها غفور ، وبكم رحيم . كما : -
3843 - حدثني إسماعيل بن سيف العجلي ، قال : حدثنا عبد القاهر بن السري السلمي ، قال : حدثنا ابن كنانة - ويكنى أبا كنانة - ، عن أبيه ، عن العباس بن مرداس السلمي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عرفة أن يغفر لأمتي ذنوبها ، فأجابني أن قد غفرت ، إلا ذنوبها بينها وبين خلقي . فأعدت الدعاء يومئذ ، فلم أجب بشيء ، فلما كان غداة دعوت الله يوم المزدلفة قلت : يا رب ، إنك قادر أن تعوض هذا المظلوم من ظلامته ، وتغفر لهذا الظالم! فأجابني أن قد غفرت . قال : فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فقلنا : يا رسول الله ، رأيناك تضحك في يوم لم تكن تضحك فيه! قال : "ضحكت من عدو الله إبليس لما سمع بما سمع إذ هو يدعو بالويل والثبور ، ويضع التراب على رأسه " [ ص: 193 ]
3844 - حدثني مسلم بن حاتم الأنصاري ، قال : حدثنا بشار بن بكير الحنفي ، قالا حدثنا عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية عرفة ، فقال : " جبريل قال : إن ربك يقرئك السلام ويقول : التبعات ضمنت ، عوضها من عندي " . أيها الناس إن الله تطول عليكم في مقامكم هذا ، فقبل محسنكم ، وأعطى محسنكم ما سأل ، ووهب [ ص: 194 ] مسيئكم لمحسنكم ، إلا التبعات فيما بينكم ، أفيضوا على اسم الله . فلما كان غداة جمع قال : "أيها الناس ، إن الله قد تطول عليكم في مقامكم هذا ، فقبل من محسنكم ، ووهب مسيئكم لمحسنكم ، والتبعات بينكم عوضها من عنده أفيضوا على اسم الله . فقال أصحابه : يا رسول الله ، أفضت بنا بالأمس كئيبا حزينا ، وأفضت بنا اليوم فرحا مسرورا ! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إني سألت ربي بالأمس شيئا لم يجد لي به ، سألته التبعات فأبى علي ، فلما كان اليوم أتاني
فقد بين هذان الخبران أن غفران الله التبعات التي بين خلقه فيما بينهم ، إنما هو غداة جمع ، وذلك في الوقت الذي قال جل ثناؤه : " ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله " ، لذنوبكم ، فإنه غفور لها حينئذ ، تفضلا منه عليكم ، رحيم بكم . [ ص: 195 ]
والآخر منهما : " ثم أفيضوا " من عرفة إلى المشعر الحرام ، فإذا أفضتم إليه منها فاذكروا الله عنده كما هداكم .