القول في بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ( 79 ) ) تأويل قوله (
قال أبو جعفر : اختلفت القرأة في قراءة ذلك .
فقرأه عامة قرأة أهل الحجاز وبعض البصريين : ( بما كنتم تعلمون ) بفتح " التاء " وتخفيف " اللام " يعني : بعلمكم الكتاب ودراستكم إياه وقراءتكم . [ ص: 545 ]
واعتلوا لاختيارهم قراءة ذلك كذلك ، بأن الصواب كذلك ، لو كان التشديد في " اللام " وضم " التاء " لكان الصواب في : " تدرسون " بضم " التاء " وتشديد " الراء " .
وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين : ( بما كنتم تعلمون الكتاب ) بضم " التاء " من " تعلمون " وتشديد " اللام " بمعنى : بتعليمكم الناس الكتاب ودراستكم إياه .
واعتلوا لاختيارهم ذلك ، بأن من وصفهم بالتعليم ، فقد وصفهم بالعلم ، إذ لا يعلمون إلا بعد علمهم بما يعلمون . قالوا : ولا موصوف بأنه " يعلم " إلا وهو موصوف بأنه " عالم " . قالوا : فأما الموصوف بأنه " عالم " فغير موصوف بأنه معلم غيره . قالوا : فأولى القراءتين بالصواب أبلغهما في مدح القوم ، وذلك وصفهم بأنهم كانوا يعلمون الناس الكتاب ، كما : -
7320 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عن يحيى بن آدم ، ابن عيينة ، عن حميد الأعرج ، عن مجاهد أنه قرأ : " بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون " مخففة بنصب " التاء " وقال ابن عيينة : ما علموه حتى علموه !
قال أبو جعفر : وأولى القراءتين بالصواب في ذلك ، قراءة من قرأه بضم " التاء " وتشديد " اللام " . لأن الله - عز وجل - وصف القوم بأنهم أهل عماد للناس في دينهم ودنياهم ، وأهل إصلاح لهم ولأمورهم وتربية .
يقول - جل ثناؤه - : " ولكن كونوا ربانيين " على ما بينا قبل من معنى " الرباني " [ ص: 546 ] ثم أخبر تعالى ذكره عنهم أنهم صاروا أهل إصلاح للناس وتربية لهم بتعليمهم إياهم كتاب ربهم .
و " دراستهم " إياه : تلاوته .
وقد قيل : " دراستهم " الفقه .
وأشبه التأويلين بالدراسة ما قلنا : من تلاوة الكتاب ، لأنه عطف على قوله : " تعلمون الكتاب " " والكتاب " هو القرآن ، فلأن تكون الدراسة معنيا بها دراسة القرآن ، أولى من أن تكون معنيا بها دراسة الفقه الذي لم يجر له ذكر .
ذكر من قال ذلك :
7321 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : قال قال : يحيى بن آدم أبو زكريا : كان عاصم يقرؤها : ( بما كنتم تعلمون الكتاب ) ، قال : القرآن ( وبما كنتم تدرسون ) ، قال : الفقه .
فمعنى الآية : ولكن يقول لهم : كونوا ، أيها الناس ، سادة الناس ، وقادتهم في أمر دينهم ودنياهم ، ربانيين بتعليمكم إياهم كتاب الله وما فيه من حلال وحرام ، وفرض وندب ، وسائر ما حواه من معاني أمور دينهم ، وبتلاوتكم إياه ودراستكموه .