ابن إسحاق بن زيد بن عبد الله بن أبي إسحاق ، الإمام المجود الحافظ ، مقرئ البصرة أبو محمد الحضرمي مولاهم البصري ، أحد العشرة .
ولد بعد الثلاثين ومائة .
تلا على أبي المنذر سلام الطويل ، وأبي الأشهب العطاردي ، ، ومهدي بن ميمون وشهاب بن شرنفة وسمع أحرفا من حمزة الزيات .
وسمع الكثير من : شعبة ، وهمام وأبي عقيل الدورقي ، وهارون بن موسى ، وسليم بن حيان ، والأسود بن شيبان ، ، وعدة ، وتقدم في علم الحديث . وزائدة بن قدامة
[ ص: 170 ] وفاق الناس في القراءة ، وما هو بدون الكسائي بل هو أرجح منه عند أئمة ، لكن رزق أبو الحسن سعادة .
وازدحم القراء على يعقوب ، فتلا عليه روح بن عبد المؤمن ومحمد بن المتوكل رويس والوليد بن حسان ، وأحمد بن عبد الخالق المكفوف ، وكعب بن إبراهيم ، وحميد بن وزير ، والمنهال بن شاذان ، وأبو عمر الدوري ، ، وعدد كثير . وأبو حاتم السجستاني
وكان يقرئ الناس علانية بحرفه بالبصرة في أيام ابن عيينة ، ، وابن المبارك ، ويحيى القطان وابن مهدي ، والقاضي أبي يوسف ، ومحمد بن الحسن ، ويحيى اليزيدي ، وسليم ، والشافعي ، وعدد كثير من أئمة الدين ، فما بلغنا بعد الفحص والتنقيب أن أحدا من القراء ولا الفقهاء ولا الصلحاء ولا النحاة ولا الخلفاء ويزيد بن هارون كالرشيد والأمين والمأمون أنكروا قراءته ، ولا منعوه منها أصلا .
ولو أنكر أحد عليه لنقل ولاشتهر ، بل مدحها غير واحد ، وأقرأ بها أصحابه بالعراق ، واستمر إمام جامع البصرة بقراءتها في المحراب سنين متطاولة ، فما أنكر عليه مسلم ، بل تلقاها الناس بالقبول ، ولقد عومل حمزة مع جلالته بالإنكار عليه [ ص: 171 ] في قراءته من جماعة من الكبار ، ولم يجر مثل ذلك للحضرمي أبدا ، حتى نشأ طائفة متأخرون لم يألفوها ، ولا عرفوها ، فأنكروها ، ومن جهل شيئا عاداه ، قالوا : لم تتصل بنا متواترة ، قلنا : اتصلت بخلق كثير متواترة ، وليس من شرط التواتر أن يصل إلى كل الأمة .
فعند القراء أشياء متواترة دون غيرهم ، وعند الفقهاء مسائل متواترة عن أئمتهم لا يدريها القراء ، وعند المحدثين أحاديث متواترة قد لا يكون سمعها الفقهاء ، أو أفادتهم ظنا فقط ، وعند النحاة مسائل قطعية ، وكذلك اللغويون ، وليس من جهل علما حجة على من علمه ، وإنما يقال للجاهل : تعلم ، وسل أهل العلم إن كنت لا تعلم ، لا يقال للعالم : اجهل ما تعلم ، رزقنا الله وإياكم الإنصاف ، فكثير من القراءات تدعون تواترها ، وبالجهد أن تقدروا على غير الآحاد فيها .
ونحن نقول : نتلو بها وإن كانت لا تعرف إلا عن واحد ، لكونها تلقيت بالقبول ، فأفادت العلم ، وهذا واقع في حروف كثيرة ، وقراءات عديدة ، ومن ادعى تواترها فقد كابر الحس .
أما القرآن العظيم ، سوره وآياته فمتواتر ، ولله الحمد ، محفوظ من الله تعالى ، لا يستطيع أحد أن يبدله ولا يزيد فيه آية ولا جملة مستقلة ، ولو فعل ذلك أحد عمدا لانسلخ من الدين ، قال الله تعالى : إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون .
[ ص: 172 ] وأول من ادعى أن حرف يعقوب من الشاذ أبو عمرو الداني ، وخالفه في ذلك أئمة ، وصار في الجملة في المسألة خلاف حادث ، والله أعلم .
نعم ، وحدث عن يعقوب : أبو حفص الفلاس ، ، وبندار وأبو قلابة الرقاشي ، ، وإسحاق بن إبراهيم شاذان والكديمي وخلق سواهم .
وكان أخوه أحمد بن إسحاق الحضرمي أسن منه .
قال العلامة : أبو حاتم السجستاني يعقوب أعلم من رأينا بالحروف والاختلاف في القرآن وعلله ومذاهبه ومذاهب النحو .
وقال : هو صدوق . أحمد بن حنبل
وقال محمد بن أحمد العجلي يمدح يعقوب :
أبوه من القراء كان وجده ويعقوب في القراء كالكوكب الدري تفرده محض الصواب ووجهه
فمن مثله في وقته وإلى الحشر
وقال الإمام علي بن جعفر السعيدي : كان يعقوب أقرأ أهل زمانه ، وكان لا يلحن في كلامه وكان من بعض غلمانه . أبو حاتم السجستاني
وعن أبي عثمان المازني قال : رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في النوم ، فقرأت عليه سورة طه ، فقلت : مكانا سوى فقال : اقرأ " سوى " قراءة يعقوب .
قال أبو القاسم الهذلي في " كامله " : ومنهم يعقوب الحضرمي ، لم ير في زمنه مثله ، كان عالما بالعربية ووجوهها ، والقرآن واختلافه ، فاضلا تقيا نقيا ورعا زاهدا ، بلغ من زهده أنه سرق رداؤه عن كتفه وهو في الصلاة ، ولم يشعر ، ورد إليه ، فلم يشعر ، لشغله بعبادة ربه وبلغ من جاهه بالبصرة أنه كان يحبس ويطلق .
وقال أبو طاهر بن سوار : كان يعقوب حاذقا بالقراءة ، قيما بها ، [ ص: 174 ] متحريا نحويا ، فاضلا .
قال روح بن عبد المؤمن وغيره : قرأ يعقوب على سلام الطويل ، وقرأ سلام على . أبي عمرو بن العلاء
وقال رويس : قرأت على يعقوب ، وقرأ على سلام ، عن عاصم بن أبي النجود .
وروي عن يعقوب أنه قرأ على سلام ، عن قراءته على عاصم الجحدري . فهذه ثلاثة أقوال ، فيحتمل أن سلاما أخذ عن الثلاثة .
مات يعقوب في ذي الحجة سنة خمس ومائتين .