الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      قال يحيى بن منصور القاضي : سمعت إمام الأئمة ابن خزيمة يقول - وقلت له : هل تعرف سنة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحلال والحرام لم يودعها الشافعي كتبه ؟ قال : لا .

                                                                                      قال حرملة : قال الشافعي : كنت أقرئ الناس ، وأنا ابن ثلاث عشرة سنة ، وحفظت " الموطأ " قبل أن أحتلم .

                                                                                      قال الحسن بن علي الطوسي : حدثنا أبو إسماعيل الترمذي ، سمعت البويطي يقول : سئل الشافعي : كم أصول الأحكام ؟ فقال : خمسمائة . قيل له : كم أصول السنن ؟ قال : خمسمائة . قيل له : كم منها عند مالك ؟ قال : كلها إلا خمسة وثلاثين حديثا . قيل له : كم عند ابن عيينة ؟ قال : كلها إلا خمسة .

                                                                                      قال الربيع بن سليمان : سمعت الشافعي يقول : من حلف باسم من أسماء الله فحنث ، فعليه الكفارة ؛ لأن اسم الله غير مخلوق ، ومن حلف بالكعبة وبالصفا والمروة ، فليس عليه كفارة ; لأنه مخلوق . [ ص: 55 ]

                                                                                      قال حرملة : سمعت الشافعي يقول : وددت أن كل علم أعلمه تعلمه الناس أوجر عليه ولا يحمدوني .

                                                                                      قال محمد بن مسلم بن وارة : سألت أحمد بن حنبل : ما ترى في كتب الشافعي التي عند العراقيين ، أهي أحب إليك ، أو التي بمصر ؟ قال : عليك بالكتب التي عملها بمصر ، فإنه وضع هذه الكتب بالعراق ولم يحكمها ، ثم رجع إلى مصر فأحكم تلك . وقلت لأحمد : ما ترى لي من الكتب أن أنظر فيه ، رأي مالك ، أو الثوري ، أو الأوزاعي ؟ فقال لي قولا أجلهم أن أذكره ، وقال : عليك بالشافعي ، فإنه أكثرهم صوابا وأتبعهم للآثار .

                                                                                      قال عبد الله بن ناجية الحافظ : سمعت ابن وارة يقول : قدمت من مصر ، فأتيت أحمد بن حنبل ، فقال لي : كتبت كتب الشافعي ؟ قلت : لا ، قال : فرطت ، ما عرفنا العموم من الخصوص ، وناسخ الحديث من منسوخه ، حتى جالسنا الشافعي ، قال : فحملني ذلك على الرجوع إلى مصر ، فكتبتها .

                                                                                      تفرد بهذه الحكاية عن ابن ناجية عبد الله بن محمد الرازي الصوفي ، [ ص: 56 ] وليس هو بثقة .

                                                                                      قال محمد بن يعقوب الفرجي : سمعت علي بن المديني يقول : عليكم بكتب الشافعي .

                                                                                      قلت : ومن بعض فنون هذا الإمام الطب ، كان يدريه . نقل ذلك غير واحد ، فعنه قال : عجبا لمن يدخل الحمام ، ثم لا يأكل من ساعته كيف يعيش ، وعجبا لمن يحتجم ثم يأكل من ساعته كيف يعيش . حرملة ، عن الشافعي قال : من أكل الأترج ، ثم نام ، لم آمن أن تصيبه ذبحة .

                                                                                      قال محمد بن عصمة الجوزجاني : سمعت الربيع ، سمعت الشافعي يقول : ثلاثة أشياء دواء من لا دواء له وأعيت الأطباء مداواته : العنب ، ولبن اللقاح ، وقصب السكر ، لولا قصب السكر ما أقمت ببلدكم .

                                                                                      وسمعته يقول : كان غلامي أعشى ، لم يكن يبصر باب الدار ، فأخذت له زيادة الكبد ، فكحلته بها فأبصر .

                                                                                      وعنه : عجبا لمن تعشى البيض المسلوق فنام ، كيف لا يموت .

                                                                                      وعنه : الفول يزيد في الدماغ ، والدماغ يزيد في العقل . [ ص: 57 ]

                                                                                      وعنه : لم أر أنفع للوباء ; من البنفسج ، يدهن به ويشرب .

                                                                                      قال صالح بن محمد جزرة : سمعت الربيع ، سمعت الشافعي يقول : لا أعلم علما بعد الحلال والحرام أنبل من الطب ، إلا أن أهل الكتاب قد غلبونا عليه .

                                                                                      قال حرملة : كان الشافعي يتلهف على ما ضيع المسلمون من الطب ، ويقول : ضيعوا ثلث العلم ، ووكلوه إلى اليهود والنصارى .

                                                                                      ويقال : إن الإمام نظر إلى شيء من النجوم ، ثم هجره ، وتاب منه .

                                                                                      فقال الحافظ أبو الشيخ : حدثنا عمرو بن عثمان المكي ، حدثنا ابن بنت الشافعي : سمعت أبي يقول : كان الشافعي وهو حدث ينظر في النجوم ، وما ينظر في شيء إلا فاق فيه ، فجلس يوما وامرأته تطلق ، فحسب ، فقال : تلد جارية عوراء ، على فرجها خال أسود ، تموت إلى يوم كذا وكذا ، فولدت كما قال ، فجعل على نفسه أن لا ينظر فيه أبدا ، ودفن تلك الكتب .

                                                                                      قال فوران : قسمت كتب الإمام أبي عبد الله بين ولديه ، فوجدت فيها رسالتي الشافعي العراقية والمصرية بخط أبي عبد الله -رحمه الله .

                                                                                      قال أبو بكر الصومعي : سمعت أحمد بن حنبل يقول : صاحب حديث لا يشبع من كتب الشافعي .

                                                                                      قال علي بن أحمد الدخمسيني سمعت علي بن أحمد بن النضر [ ص: 58 ] الأزدي ، سمعت أحمد بن حنبل ، وسئل عن الشافعي ، فقال : لقد من الله علينا به لقد كنا تعلمنا كلام القوم ، وكتبنا كتبهم ، حتى قدم علينا ، فلما سمعنا كلامه ، علمنا أنه أعلم من غيره ، وقد جالسناه الأيام والليالي ، فما رأينا منه إلا كل خير ، فقيل له : يا أبا عبد الله ، كان يحيى وأبو عبيد لا يرضيانه -يشير إلى التشيع وأنهما نسباه إلى ذلك- فقال أحمد بن حنبل : ما ندري ما يقولان ، والله ما رأينا منه إلا خيرا .

                                                                                      قلت : من زعم أن الشافعي يتشيع فهو مفتر ، لا يدري ما يقول .

                                                                                      قد قال الزبير بن عبد الواحد الإسترآباذي : أخبرنا حمزة بن علي الجوهري ، حدثنا الربيع بن سليمان قال : حججنا مع الشافعي ، فما ارتقى شرفا ، ولا هبط واديا ، إلا وهو يبكي ، وينشد :

                                                                                      يا راكبا قف بالمحصب من منى واهتف بقاعد خيفنا والناهض     سحرا إذا فاض الحجيج إلى منى
                                                                                      فيضا كملتطم الفرات الفائض     إن كان رفضا حب آل محمد
                                                                                      فليشهد الثقلان أني رافضي

                                                                                      [ ص: 59 ] قلت : لو كان شيعيا -وحاشاه من ذلك - لما قال : الخلفاء الراشدون خمسة ، بدأ بالصديق ، وختم بعمر بن عبد العزيز .

                                                                                      الحافظ ابن عدي : حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر القزويني ، حدثنا صالح بن أحمد ، سمعت أبي يقول : سمعت " الموطأ " من الشافعي ، لأني رأيته فيه ثبتا ، وقد سمعته من جماعة قبله .

                                                                                      الحاكم : سمعت أبا بكر محمد بن علي الشاشي الفقيه يقول : دخلت على ابن خزيمة ، فقال : يا بني على من درست الفقه ؟ فسميت له أبا الليث ، فقال : وعلى من درس ؟ قلت : على ابن سريج ، فقال : وهل أخذ ابن سريج العلم إلا من كتب مستعارة ، فقال رجل : أبو الليث هذا مهجور بالشاشي ، فإن البلد حنابلة ، فقال ابن خزيمة : وهل كان ابن حنبل إلا غلاما من غلمان الشافعي ؟

                                                                                      زكريا الساجي : قلت لأبي داود : من أصحاب الشافعي ؟ فقال : أولهم الحميدي ، وأحمد بن حنبل ، والبويطي .

                                                                                      ويروى بطريقين عن الشافعي قال : إذا رأيت رجلا من أصحاب [ ص: 60 ] الحديث ، فكأني رأيت رجلا من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ، جزاهم الله خيرا ، هم حفظوا لنا الأصل ، فلهم علينا الفضل .

                                                                                      أنبأنا محمد بن محمد بن مناقب ، عن محمد بن محمد بن محمد بن غانم ، أخبرنا أبو موسى المديني ، أخبرنا أبو علي الحداد ، أخبرنا أبو سعد السمان ، أخبرنا أحمد بن محمد بن محمود بتستر ، حدثنا الحسن بن أحمد بن المبارك ، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أبي ، حدثنا سليمان بن داود الهاشمي ، حدثنا الشافعي ، عن يحيى بن سليم ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر : أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى صلاة الكسوف أربع ركعات وأربع سجدات .

                                                                                      رواه الحافظ أبو سعيد النقاش : حدثنا علي بن الفضل ، حدثنا عبد الله بن محمد بن زياد ، حدثنا ابن الإمام أحمد . . فذكر نحوه .

                                                                                      وأخبرناه أبو علي القلانسي ، أخبرنا جعفر ، أخبرنا السلفي ، أخبرنا إسماعيل بن مالك ، أخبرنا أبو يعلى الخليلي ، حدثنا الحسين بن عبد الرزاق ، حدثنا علي بن إبراهيم بن سلمة القزويني ، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل . . . فذكره بنحوه .

                                                                                      أخبرنا يوسف بن زكي الحافظ في سنة أربع وتسعين ، أخبرنا [ ص: 61 ] المسلم بن محمد القيسي ، وعلي بن أحمد -قلت : وأجازه المذكوران لي- وعبد الرحمن بن محمد الفقيه ، أن حنبل بن عبد الله أخبرهم ، أخبرنا هبة الله بن محمد ، أخبرنا أبو علي بن المذهب ، أخبرنا أحمد بن جعفر المالكي ، أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أبي ، حدثنا محمد بن إدريس الشافعي ، أخبرنا مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : لا يبع بعضكم على بيع بعض . ونهى عن النجش ، ونهى عن بيع حبل الحبلة ، ونهى عن المزابنة . والمزابنة : بيع الثمر بالتمر كيلا ، وبيع الكرم بالزبيب كيلا .

                                                                                      هذا حديث صحيح متفق عليه ، وبعض الأئمة يفرقه ، ويجعله أربعة أحاديث ، وهذه البيوع الأربعة محرمة ، والأخيران منها فاسدان .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية