ابن أبي أحيحة ، سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف [ ص: 445 ] ابن قصي ، والد عمرو بن سعيد الأشدق ، ووالد يحيى ، القرشي الأموي المدني الأمير . قتل أبوه يوم بدر مشركا ، وخلف سعيدا طفلا .
قال أبو حاتم : له صحبة .
قلت : لم يرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وروى عن عمر ؛ ، وهو مقل . وعائشة
حدث عنه : ابناه ، وعروة ، . وسالم بن عبد الله
وكان أميرا ، شريفا ، جوادا ، ممدحا ، حليما ، وقورا ، ذا حزم وعقل ، يصلح للخلافة .
ولي إمرة المدينة غير مرة لمعاوية . وقد ولي إمرة الكوفة لعثمان بن عفان . وقد اعتزل الفتنة ، فأحسن ، ولم يقاتل مع معاوية . ولما صفا الأمر لمعاوية ، وفد سعيد إليه ، فاحترمه ، وأجازه بمال جزيل .
ولما كان على الكوفة ، غزا طبرستان ، فافتتحها ، وفيه يقول : الفرزدق
ترى الغر الجحاجح من قريش إذا ما الأمر ذو الحدثان عالا قياما ينظرون إلى
سعيد كأنهم يرون به هلالا
قال ابن سعد : توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - ولسعيد تسع سنين أو نحوها . ولم يزل في صحابة عثمان لقرابته منه ، فولاه الكوفة لما عزل عنها الوليد بن عقبة ، فقدمها وهو شاب مترف ، فأضر بأهلها ، فوليها خمس سنين إلا أشهرا . ثم قام عليه أهلها ، وطردوه ، وأمروا عليهم أبا موسى ، فأبى ، وجدد البيعة في أعناقهم لعثمان ، فولاه عثمان عليهم .
وكان سعيد بن العاص يوم الدار مع المقاتلة عن عثمان . ولما سار طلحة والزبير ، فنزلوا بمر الظهران ، قام سعيد خطيبا ، وقال : أما بعد : فإن عثمان عاش حميدا ، وذهب فقيدا شهيدا ، وقد زعمتم أنكم خرجتم تطلبون بدمه ، فإن كنتم تريدون ذا ، فإن قتلته على هذه المطي ، فميلوا عليهم . فقال مروان : لا بل نضرب بعضهم ببعض . فقال المغيرة : الرأي ما رأى سعيد . ومضى إلى الطائف ، وانعزل سعيد بمن اتبعه بمكة ، حتى مضت الجمل وصفين .
قال قبيصة بن جابر : سألوا معاوية ؛ من ترى للأمر بعدك ؟ قال : أما كريمة قريش فسعيد بن العاص ، وذكر جماعة .
ابن سعد : حدثنا علي بن محمد ، عن يزيد بن عياض ، عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم ، قال : خطب سعيد بن العاص أم كلثوم بنت علي بعد عمر ، وبعث إليها بمائة ألف ، فدخل عليها أخوها الحسين ، وقال : لا تزوجيه . فقال الحسن : أنا أزوجه . واتعدوا لذلك ، فحضروا ، فقال سعيد : وأين أبو عبد الله ؟ فقال الحسن : سأكفيك . قال : فلعل أبا عبد الله [ ص: 447 ] كره هذا . قال : نعم . قال : لا أدخل في شيء يكرهه . ورجع ، ولم يأخذ من المال شيئا .
قال سعيد بن عبد العزيز الدمشقي : إن عربية القرآن أقيمت على لسان سعيد بن العاص ، لأنه كان أشبههم لهجة برسول الله صلى الله عليه وسلم .
وعن الواقدي : أن سعيدا أصيب بمأمومة يوم الدار ، فكان إذا سمع الرعد ، غشي عليه .
وقال هشيم : قدم الزبير الكوفة ، وعليها سعيد بن العاص ، فبعث إلى الزبير بسبعمائة ألف ، فقبلها .
وقال صالح بن كيسان : كان سعيد بن العاص يخف بعض الخفة من المأمومة التي أصابته ، وهو على ذلك من أوفر الرجال وأحلمهم .
ابن عون : عن عمير بن إسحاق قال : كان مروان يسب عليا رضي الله عنه في الجمع . فعزل بسعيد بن العاص ، فكان لا يسبه .
قال ابن عيينة : كان سعيد بن العاص إذا قصده سائل وليس عنده شيء ، قال : اكتب علي سجلا بمسألتك إلى الميسرة .
وذكر عبد الأعلى بن حماد : أن سعيد بن العاص استسقى من بيت ، فسقوه ، واتفق أن صاحب المنزل أراد بيعه لدين عليه ، فأدى عنه أربعة آلاف دينار . وقيل : إنه أطعم الناس في قحط حتى نفد ما في بيت المال ، وادان ، فعزله معاوية . [ ص: 448 ]
وقيل : مات وعليه ثمانون ألف دينار .
وعن سعيد ، قال : القلوب تتغير ، فلا ينبغي للمرء أن يكون مادحا اليوم ذاما غدا .
قال الزبير بن بكار : توفي سعيد بن العاص بقصره بالعرصة على ثلاثة أميال من المدينة ، وحمل إلى البقيع في سنة تسع وخمسين . كذا أرخه خليفة وغيره .
وقال مسدد : مات مع سنة سبع أو ثمان وخمسين وقال أبي هريرة أبو معشر : سنة ثمان .
وقيل : إن عمرو بن سعيد بن العاص الأشدق سار بعد موت أبيه إلى معاوية ، فباعه منزله وبستانه الذي بالعرصة بثلاثمائة ألف درهم . ويقال : بألف ألف درهم . قاله الزبير . وفي ذلك المكان يقول عمرو بن الوليد بن عقبة :
القصر ذو النخل والجمار فوقهما أشهى إلى النفس من أبواب جيرون
وقد كان سعيد بن العاص أحد من ندبه عثمان لكتابة المصحف [ ص: 449 ] لفصاحته ، وشبه لهجته بلهجة الرسول - صلى الله عليه وسلم .