[ ص: 94 ] [ ص: 95 ] nindex.php?page=treesubj&link=28980سورة التوبة سميت هذه السورة ، في أكثر المصاحف ، وفي كلام السلف : سورة " براءة " ففي الصحيح عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، في قصة حج
أبي بكر بالناس ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة : فأذن معنا
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب في
أهل منى بـ " براءة " . وفي صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت قال : آخر سورة نزلت سورة " براءة " وبذلك ترجمها
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في كتاب التفسير من صحيحه . وهي تسمية لها بأول كلمة منها .
وتسمى
nindex.php?page=treesubj&link=28980_28883سورة التوبة في كلام بعض السلف في مصاحف كثيرة ، فعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : سورة التوبة هي الفاضحة ، وترجم لها
الترمذي في جامعه باسم التوبة . ووجه التسمية : أنها وردت فيها توبة الله - تعالى - عن الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة
تبوك وهو حدث عظيم .
ووقع هذان الاسمان معا في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت ، في صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، في باب جمع القرآن ، قال
زيد فتتبعت القرآن حتى وجدت آخر سورة التوبة مع
أبي خزيمة الأنصاري :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=128لقد جاءكم رسول من أنفسكم ، حتى خاتمة سورة " براءة " .
وهذان الاسمان هما الموجودان في المصاحف التي رأيناها .
ولهذه السورة أسماء أخر ، وقعت في كلام السلف ، من الصحابة والتابعين ، فروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : كنا ندعوها - أي سورة " براءة " - المقشقشة بصيغة اسم الفاعل وتاء التأنيث من قشقشه : إذا أبراه من المرض ، كان هذا لقبا لها ولسورة الكافرون لأنهما تخلصان من آمن بما فيهما من النفاق والشرك ، لما فيهما من الدعاء إلى الإخلاص ، ولما فيهما من وصف أحوال المنافقين .
[ ص: 96 ] وكان
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس يدعوها
nindex.php?page=treesubj&link=28883الفاضحة قال : ما زال ينزل فيها " ومنهم ومنهم " حتى ظننا أنه لا يبقى أحد إلا ذكر فيها .
وأحسب أن ما تحكيه من أحوال المنافقين يعرف به المتصفون بها أنهم المراد ، فعرف المؤمنون كثيرا من أولئك مثل قوله - تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=49ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني فقد قالها بعضهم وسمعت منهم ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=61ومنهم الذين يؤذون النبيء ويقولون هو أذن فهؤلاء نقلت مقالتهم بين المسلمين . وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=42وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم
وعن
حذيفة : أنه سماها
nindex.php?page=treesubj&link=28883سورة العذاب لأنها نزلت بعذاب الكفار ، أي عذاب القتل والأخذ حين يثقفون .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16531عبيد بن عمير أنه سماها المنقرة بكسر القاف مشددة لأنها نقرت عما في قلوب المشركين . لعله يعني من نوايا الغدر بالمسلمين والتمالي على نقض العهد وهو من نقر الطائر : إذا أنفى بمنقاره موضعا من الحصى ونحوه ليبيض فيه .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=53المقداد بن الأسود ، nindex.php?page=showalam&ids=50وأبي أيوب الأنصاري : تسميتها
nindex.php?page=treesubj&link=28883_32274البحوث بباء موحدة مفتوحة في أوله وبمثلثة في آخره بوزن فعول بمعنى الباحثة وهو مثل تسميتها المنقرة .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري أنه دعاها
nindex.php?page=treesubj&link=28883_32274الحافرة كأنها حفرت عما في قلوب المنافقين من النفاق ، فأظهرته للمسلمين .
وعن
قتادة : أنها تسمى
nindex.php?page=treesubj&link=28883_32274المثيرة لأنها أثارت عورات المنافقين وأظهرتها . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه سماها المبعثرة لأنها بعثرت عن أسرار المنافقين ، أي أخرجتها من مكانها .
وفي الإتقان : أنها تسمى
nindex.php?page=treesubj&link=28883_32274المخزية بالخاء والزاي المعجمة وتحتية بعد الزاي . وأحسب أن ذلك لقوله - تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=2إن الله مخزي الكافرين
وفي الإتقان أنها تسمى المنكلة ، أي بتشديد الكاف .
وفيه أنها تسمى المشددة .
[ ص: 97 ] وعن
سفيان أنها تسمى المدمدمة بصيغة اسم الفاعل من دمدم : إذا أهلك . لأنها كانت سبب هلاك المشركين . فهذه أربعة عشر اسما .
وهي مدنية بالاتفاق . قال في الإتقان : واستثنى بعضهم قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=113ما كان للنبيء والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى الآية . ففي صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=hadith&LINKID=10341889أن أبا طالب لما حضرته الوفاة دخل عليه النبيء - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله . فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية : يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب . فكان آخر قول أبي طالب أنه على ملة عبد المطلب ، فقال النبيء : لأستغفرن لك ما لم أنه عنك . وتوفي أبو طالب فنزلت nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=113ما كان للنبيء والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين
وشذ ما روي عن
مقاتل : أن آيتين من آخرها مكيتان ، وهما
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=128لقد جاءكم رسول من أنفسكم إلى آخر السورة . وسيأتي ما روي أن قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=19أجعلتم سقاية الحاج . الآية . نزل في
العباس إذ أسر يوم
بدر فعيره
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب بالكفر وقطيعة الرحم ، فقال : نحن نحجب
الكعبة إلخ .
وهذه السورة آخر السور نزولا عند الجميع ، نزلت بعد سورة الفتح ، في قول
nindex.php?page=showalam&ids=11867جابر بن زيد ، فهي
nindex.php?page=treesubj&link=32273السورة الرابعة عشر بعد المائة في عداد نزول سور القرآن . وروي : أنها نزلت في أول شوال سنة تسع ، وقيل : آخر ذي القعدة سنة تسع ، بعد خروج
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر الصديق من
المدينة للحجة التي أمره عليها النبيء - صلى الله عليه وسلم - وقيل : قبيل خروجه .
والجمهور على أنها نزلت دفعة واحدة ، فتكون مثل سورة الأنعام بين السور الطوال .
وفسر كثير من المفسرين بعض آيات هذه السورة بما يقتضي أنها نزلت أوزاعا في أوقات متباعدة ، كما سيأتي ، ولعل مراد من قال إنها نزلت غير متفرقة : أنه يعني أنها لم يتخللها ابتداء نزول سورة أخرى .
والذي يغلب على الظن أن ثلاث عشرة آية : من أولها إلى قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=13فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين نزلت متتابعة ، كما سيأتي في خبر بعث
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب [ ص: 98 ] ليؤذن بها في الموسم . وهذا ما اتفقت عليه الروايات . وقد قيل : إن ثلاثين آية منها : من أولها إلى قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30قاتلهم الله أنى يؤفكون أذن بها يوم الموسم ، وقيل : أربعين آية : من أولها إلى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم أذن به في الموسم ، كما سيأتي أيضا في مختلف الروايات ، فالجمع بينها يغلب الظن بأن أربعين آية نزلت متتابعة ، على أن نزول جميع السورة دفعة واحدة ليس ببعيد عن الصحة .
nindex.php?page=treesubj&link=28980وعدد آيها ، في عد
أهل المدينة ومكة والشام والبصرة : مائة وثلاثون آية ، وفي عد
أهل الكوفة مائة وتسع وعشرون آية .
اتفقت الروايات على أن النبيء - صلى الله عليه وسلم - لما قفل من غزوة
تبوك ، في رمضان سنة تسع ، عقد العزم على أن يحج في شهر ذي الحجة من عامه ولكنه كره - عن اجتهاد أو بوحي من الله - مخالطة المشركين في الحج معه ، وسماع تلبيتهم التي تتضمن الإشراك ، أي قولهم في التلبية : لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك . وطوافهم عراة ، وكان بينه وبين المشركين عهد لم يزل عاملا لم ينقض . والمعنى أن مقام الرسالة يربأ عن أن يسمع منكرا من الكفر ولا يغيره بيده ; لأن ذلك أقوى الإيمان . فأمسك عن الحج تلك السنة ، وأمر
nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر الصديق على أن يحج بالمسلمين ، وأمره أن يخبر المشركين بأن لا يحج بعد عامه ذلك مشرك ولا يطوف بالبيت عريان .
وأكثر الأقوال على أن " براءة " نزلت قبل خروج
أبي بكر من
المدينة ، فكان ما صدر عن النبيء - صلى الله عليه وسلم - صادرا عن وحي لقوله - تعالى - في هذه السورة
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=17ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله إلى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=18فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=28يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا الآية . وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341890صالح قريشا عام الحديبية على أن يضعوا الحرب عشر سنين يأمن فيها الناس ويكف بعضهم عن بعض فدخلت خزاعة في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودخل بنو بكر في عهد قريش ثم عدت بنو بكر على خزاعة بسبب دم كان لبني بكر عند خزاعة قبل البعثة بمدة . واقتتلوا فكان ذلك نقضا للصلح .
واستصرخت
خزاعة النبيء - صلى الله عليه وسلم - فوعدهم بالنصر وتجهز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لفتح
[ ص: 99 ] مكة ثم
حنين ثم
الطائف ، وحج بالمسلمين تلك السنة سنة ثمان
عتاب بن أسيد ، ثم كانت غزوة
تبوك في رجب سنة تسع فلما انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم . من
تبوك أمر
nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر الصديق على الحج وبعث معه بأربعين آية من صدر سورة " براءة " ليقرأها على الناس . ثم أردفه
nindex.php?page=showalam&ids=8بعلي بن أبي طالب ليقرأ على الناس ذلك .
وقد يقع خلط في الأخبار بين قضية بعث
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر الصديق ليحج بالمسلمين عوضا عن النبيء - صلى الله عليه وسلم - وبين قضية بعث
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب ليؤذن في الناس بسورة " براءة " في تلك الحجة . اشتبه به الغرضان على من أراد أن يتلبس وعلى من لبس عليه الأمر فأردنا إيقاظ البصائر لذلك . فهذا سبب نزولها وذكره أول أغراضها . فافتتحت السورة بتحديد مدة العهود التي بين النبيء - صلى الله عليه وسلم - وبين المشركين وما يتبع ذلك من حالة حرب وأمن وفي خلال مدة الحرب مدة تمكينهم من تلقي دعوة الدين وسماع القرآن .
وأتبع بأحكام الوفاء والنكث وموالاتهم .
ومنع المشركين من دخول
المسجد الحرام وحضور مناسك الحج .
وإبطال مناصب الجاهلية التي كانوا يعتزون بأنهم أهلها .
وإعلان حالة الحرب بين المسلمين وبينهم .
وإعلان الحرب على أهل الكتاب من العرب حتى يعطوا الجزية ، وأنهم ليسوا بعيدا من أهل الشرك وأن الجميع لا تنفعهم قوتهم ولا أموالهم .
وحرمة الأشهر الحرام .
وضبط السنة الشرعية وإبطال النسيء الذي كان عند الجاهلية .
وتحريض المسلمين على المبادرة بالإجابة إلى النفير للقتال في سبيل الله ونصر النبيء - صلى الله عليه وسلم - وأن الله ناصر نبيه وناصر الذين ينصرونه . وتذكيرهم بنصر الله رسوله يوم
حنين ، وبنصره إذ أنجاه من كيد المشركين بما هيأ له من الهجرة إلى
المدينة .
[ ص: 100 ] والإشارة إلى التجهيز بغزوة
تبوك .
وذم المنافقين المتثاقلين والمعتذرين والمستأذنين في التخلف بلا عذر . وصفات أهل النفاق من جبن وبخل وحرص على أخذ الصدقات مع أنهم ليسوا بمستحقيها .
وذكر أذاهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالقول . وأيمانهم الكاذبة وأمرهم بالمنكر ونهيهم عن المعروف وكذبهم في عهودهم وسخريتهم بضعفاء المؤمنين .
والأمر بضرب الجزية على أهل الكتاب . ومذمة ما أدخله الأحبار والرهبان في دينهم من العقائد الباطلة ، ومن التكالب على الأموال .
وأمر الله بجهاد الكفار والمنافقين .
ونهي المؤمنين عن الاستعانة بهم في جهادهم والاستغفار لهم .
ونهي نبيه - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة على موتاهم .
وضرب المثل بالأمم الماضية .
وذكر الذين اتخذوا مسجد الضرار عن سوء نية ، وفضل
مسجد قباء ومسجد الرسول بالمدينة .
وانتقل إلى وصف حالة الأعراب من محسنهم ومسيئهم ومهاجرهم ومتخلفهم . وقوبلت صفات أهل الكفر والنفاق بأضدادها صفات المسلمين وذكر ما أعد لهم من الخير .
وذكر في خلال ذلك فضل
أبي بكر . وفضل
المهاجرين والأنصار .
والتحريض على الصدقة والتوبة والعمل الصالح .
والجهاد وأنه فرض على الكفاية . والتذكير بنصر الله المؤمنين يوم
حنين بعد يأسهم .
والتنويه بغزوة
تبوك وجيشها .
والذين تاب الله عليهم من المتخلفين عنها .
[ ص: 101 ] والامتنان على المسلمين بأن أرسل فيهم رسولا منهم جبله على صفات فيها كل خير لهم .
وشرع الزكاة ومصارفها والأمر بالفقه في الدين ونشر دعوة الدين .
اعلم أنه قد ترك الصحابة الذين كتبوا المصحف كتابة
nindex.php?page=treesubj&link=28971_28895البسملة قبل سورة " براءة " كما نبهت عليه عند الكلام على سورة الفاتحة . فجعلوا سورة " براءة " عقب سورة الأنفال بدون بسملة بينهما ، وتردد العلماء في توجيه ذلك . وأوضح الأقوال ما رواه
الترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي ، nindex.php?page=hadith&LINKID=10341891عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، قال : قلت لعثمان : ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني وإلى " براءة " وهي من المئين فقرنتم بينهما ولم تكتبوا سطر بسم الله الرحمن الرحيم . فقال عثمان : إن رسول الله كان إذا نزل عليه الشيء يدعو بعض من يكتب عنده فيقول ضعوا هذه في السورة التي فيها كذا وكذا ، وكانت الأنفال من أوائل ما نزل بالمدينة وبراءة من آخر القرآن وكانت قصتها شبيهة بقصتها وقبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يبين لنا أنها منها فظننت أنها منها فمن ثم قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم .
ونشأ من هذا قول آخر : وهو أن كتبة المصاحف في زمن
عثمان اختلفوا في الأنفال و " براءة " هل هما سورة واحدة أو هما سورتان ، فتركوا فرجة فصلا بينهما مراعاة لقول من عدهما سورتين ، ولم يكتبوا البسملة بينهما مراعاة لقول من جعلهما سورة واحدة ، وروى
أبو الشيخ ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب : أنهم إنما تركوا البسملة في أولها لأن
nindex.php?page=treesubj&link=28971البسملة أمان وبشارة ، وسورة " براءة " نزلت بنبذ العهود والسيف ، فلذلك لم تبدأ بشعار الأمان ، وهذا إنما يجري على قول من يجعلون البسملة آية من أول كل سورة عدا سورة " براءة " ففي هذا رعي لبلاغة مقام الخطاب كما أن الخاطب المغضب يبدأ خطبته بـ " أما بعد " دون استفتاح . وشأن العرب إذا كان بينهم عهد فأرادوا نقضه ، كتبوا إلى القوم الذين ينبذون إليهم بالعهد كتابا ولم يفتتحوه بكلمة " باسمك اللهم " فلما نزلت " براءة " بنقض العهد الذي كان بين النبيء - صلى الله عليه وسلم - وبين المشركين بعث
عليا إلى الموسم فقرأ صدر " براءة " ولم يبسمل جريا على عادتهم في رسائل نقض العهود . وقال
ابن العربي في الأحكام : قال
مالك فيما روى
[ ص: 102 ] عنه
ابن وهب ، وابن القاسم ، وابن عبد الحكم : إنه لما سقط أولها ، أي سورة " براءة " سقط بسم الله الرحمن الرحيم معه . ويفسر كلامه ما قاله
ابن عطية : روي عن
مالك أنه قال : بلغنا أن سورة " براءة " كانت نحو سورة البقرة ثم نسخ ورفع كثير منها وفيه البسملة فلم يروا بعد أن يضعوه في غير موضعه . وما نسبه
ابن عطية إلى
مالك عزاه
ابن العربي إلى
nindex.php?page=showalam&ids=17000ابن عجلان فلعل في نسخة تفسير
ابن عطية نقصا .
والذي وقفنا عليه من كلام
مالك في ترك البسملة من سورة الأنفال وسورة " براءة " : هو ما في سماع
ابن القاسم في أوائل كتاب الجامع الأول من العتبية قال
مالك في أول " براءة " إنما ترك من مضى أن يكتبوا في أول " براءة " بسم الله الرحمن الرحيم كأنه رآه من وجه الاتباع في ذلك ، كانت في آخر ما نزل من القرآن . وساق حديث
nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب في سبب كتابة المصحف في زمن
أبي بكر وكيف أخذ
عثمان الصحف من
حفصة أم المؤمنين وأرجعها إليها . قال
ابن رشد في البيان والتحصيل ما تأوله
مالك من أنه إنما ترك من مضى أن يكتبوا في أول " براءة " بسم الله الرحمن الرحيم من وجه الاتباع ، المعنى فيه والله أعلم أنه إنما ترك
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان ومن كان بحضرته من الصحابة المجتمعين على جمع القرآن البسملة بين سورة الأنفال و " براءة " وإن كانتا سورتين بدليل أن " براءة " كانت آخر ما أنزل الله من القرآن ، وأن الأنفال أنزلت في
بدر سنة أربع ، اتباعا لما وجدوه في الصحف التي جمعت على عهد
أبي بكر وكانت عند
حفصة . ولم يذكر
ابن رشد عن
مالك قولا غير هذا .
[ ص: 94 ] [ ص: 95 ] nindex.php?page=treesubj&link=28980سُورَةُ التَّوْبَةِ سُمِّيَتْ هَذِهِ السُّورَةُ ، فِي أَكْثَرِ الْمَصَاحِفِ ، وَفِي كَلَامِ السَّلَفِ : سُورَةُ " بَرَاءَةٌ " فَفِي الصَّحِيحِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ ، فِي قِصَّةِ حَجِّ
أَبِي بَكْرٍ بِالنَّاسِ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبُو هُرَيْرَةَ : فَأَذَّنَ مَعَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي
أَهْلِ مِنًى بِـ " بَرَاءَةٌ " . وَفِي صَحِيحِ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=47زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ : آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ سُورَةُ " بَرَاءَةٌ " وَبِذَلِكَ تَرْجَمَهَا
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ التَّفْسِيرِ مِنْ صَحِيحِهِ . وَهِيَ تَسْمِيَةٌ لَهَا بِأَوَّلِ كَلِمَةٍ مِنْهَا .
وَتُسَمَّى
nindex.php?page=treesubj&link=28980_28883سُورَةُ التَّوْبَةِ فِي كَلَامِ بَعْضِ السَّلَفِ فِي مَصَاحِفَ كَثِيرَةٍ ، فَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ : سُورَةُ التَّوْبَةِ هِيَ الْفَاضِحَةُ ، وَتَرْجَمَ لَهَا
التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ بِاسْمِ التَّوْبَةِ . وَوَجْهُ التَّسْمِيَةِ : أَنَّهَا وَرَدَتْ فِيهَا تَوْبَةُ اللَّهِ - تَعَالَى - عَنِ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ تَخَلَّفُوا عَنْ غَزْوَةِ
تَبُوكَ وَهُوَ حَدَثٌ عَظِيمٌ .
وَوَقَعَ هَذَانِ الِاسْمَانِ مَعًا فِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=47زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، فِي صَحِيحِ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ ، فِي بَابِ جَمْعِ الْقُرْآنِ ، قَالَ
زَيْدٌ فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ حَتَّى وَجَدْتُ آخِرَ سُورَةِ التَّوْبَةِ مَعَ
أَبِي خُزَيْمَةَ الْأَنْصَارِيِّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=128لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ، حَتَّى خَاتِمَةِ سُورَةِ " بَرَاءَةٌ " .
وَهَذَانِ الِاسْمَانِ هُمَا الْمَوْجُودَانِ فِي الْمَصَاحِفِ الَّتِي رَأَيْنَاهَا .
وَلِهَذِهِ السُّورَةِ أَسْمَاءٌ أُخَرُ ، وَقَعَتْ فِي كَلَامِ السَّلَفِ ، مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ، فَرُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ ، وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ : كُنَّا نَدْعُوهَا - أَيْ سُورَةَ " بَرَاءَةٌ " - الْمُقَشْقِشَةَ بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ وَتَاءِ التَّأْنِيثِ مِنْ قَشْقَشَهُ : إِذَا أَبْرَاهُ مِنَ الْمَرَضِ ، كَانَ هَذَا لَقَبًا لَهَا وَلِسُورَةِ الْكَافِرُونَ لِأَنَّهُمَا تُخَلِّصَانِ مَنْ آمَنَ بِمَا فِيهِمَا مِنَ النِّفَاقِ وَالشِّرْكِ ، لِمَا فِيهِمَا مِنَ الدُّعَاءِ إِلَى الْإِخْلَاصِ ، وَلِمَا فِيهِمَا مِنْ وَصْفِ أَحْوَالِ الْمُنَافِقِينَ .
[ ص: 96 ] وَكَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ يَدْعُوهَا
nindex.php?page=treesubj&link=28883الْفَاضِحَةَ قَالَ : مَا زَالَ يَنْزِلُ فِيهَا " وَمِنْهُمْ وَمِنْهُمْ " حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ لَا يَبْقَى أَحَدٌ إِلَّا ذُكِرَ فِيهَا .
وَأَحْسَبُ أَنَّ مَا تَحْكِيهِ مِنْ أَحْوَالِ الْمُنَافِقِينَ يَعْرِفُ بِهِ الْمُتَّصِفُونَ بِهَا أَنَّهُمُ الْمُرَادُ ، فَعَرَفَ الْمُؤْمِنُونَ كَثِيرًا مِنْ أُولَئِكَ مِثْلَ قَوْلِهِ - تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=49وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي فَقَدْ قَالَهَا بَعْضُهُمْ وَسُمِعَتْ مِنْهُمْ ، وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=61وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيءَ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذْنٌ فَهَؤُلَاءِ نُقِلَتْ مَقَالَتُهُمْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ . وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=42وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ
وَعَنْ
حُذَيْفَةَ : أَنَّهُ سَمَّاهَا
nindex.php?page=treesubj&link=28883سُورَةَ الْعَذَابِ لِأَنَّهَا نَزَلَتْ بِعَذَابِ الْكُفَّارِ ، أَيْ عَذَابِ الْقَتْلِ وَالْأَخْذِ حِينَ يُثْقَفُونَ .
وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16531عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أَنَّهُ سَمَّاهَا الْمُنَقِّرَةَ بِكَسْرِ الْقَافِ مُشَدَّدَةٍ لِأَنَّهَا نَقَّرَتْ عَمَّا فِي قُلُوبِ الْمُشْرِكِينَ . لَعَلَّهُ يَعْنِي مِنْ نَوَايَا الْغَدْرِ بِالْمُسْلِمِينَ وَالتَّمَالِي عَلَى نَقْضِ الْعَهْدِ وَهُوَ مِنْ نَقَرَ الطَّائِرُ : إِذَا أَنْفَى بِمِنْقَارِهِ مَوْضِعًا مِنَ الْحَصَى وَنَحْوِهِ لِيَبِيضَ فِيهِ .
وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=53الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ ، nindex.php?page=showalam&ids=50وَأَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ : تَسْمِيَتُهَا
nindex.php?page=treesubj&link=28883_32274الْبَحُوثَ بِبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ فِي أَوَّلِهِ وَبِمُثَلَّثَةٍ فِي آخِرِهِ بِوَزْنِ فَعُولٍ بِمَعْنَى الْبَاحِثَةِ وَهُوَ مِثْلُ تَسْمِيَتِهَا الْمُنَقِّرَةَ .
وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ دَعَاهَا
nindex.php?page=treesubj&link=28883_32274الْحَافِرَةَ كَأَنَّهَا حَفَرَتْ عَمَّا فِي قُلُوبِ الْمُنَافِقِينَ مِنَ النِّفَاقِ ، فَأَظْهَرَتْهُ لِلْمُسْلِمِينَ .
وَعَنْ
قَتَادَةَ : أَنَّهَا تُسَمَّى
nindex.php?page=treesubj&link=28883_32274الْمُثِيرَةَ لِأَنَّهَا أَثَارَتْ عَوْرَاتِ الْمُنَافِقِينَ وَأَظْهَرَتْهَا . وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سَمَّاهَا الْمُبَعْثِرَةَ لِأَنَّهَا بَعْثَرَتْ عَنْ أَسْرَارِ الْمُنَافِقِينَ ، أَيْ أَخْرَجَتْهَا مِنْ مَكَانِهَا .
وَفِي الْإِتْقَانِ : أَنَّهَا تُسَمَّى
nindex.php?page=treesubj&link=28883_32274الْمُخْزِيَةَ بِالْخَاءِ وَالزَّايِ الْمُعْجَمَةِ وَتَحْتِيَّةٍ بَعْدَ الزَّايِ . وَأَحْسَبُ أَنَّ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ - تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=2إِنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ
وَفِي الْإِتْقَانِ أَنَّهَا تُسَمَّى الْمُنَكِّلَةَ ، أَيْ بِتَشْدِيدِ الْكَافِ .
وَفِيهِ أَنَّهَا تُسَمَّى الْمُشَدِّدَةَ .
[ ص: 97 ] وَعَنْ
سُفْيَانَ أَنَّهَا تُسَمَّى الْمُدَمْدِمَةَ بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ مِنْ دَمْدَمَ : إِذَا أَهْلَكَ . لِأَنَّهَا كَانَتْ سَبَبَ هَلَاكِ الْمُشْرِكِينَ . فَهَذِهِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ اسْمًا .
وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ بِالِاتِّفَاقِ . قَالَ فِي الْإِتْقَانِ : وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ قَوْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=113مَا كَانَ لِلنَّبِيءِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى الْآيَةَ . فَفِي صَحِيحِ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ nindex.php?page=hadith&LINKID=10341889أَنَّ أَبَا طَالِبٍ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ دَخَلَ عَلَيْهِ النَّبِيءُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ : يَا عَمُّ قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ . فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ : يَا أَبَا طَالِبٍ أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ . فَكَانَ آخِرَ قَوْلِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، فَقَالَ النَّبِيءُ : لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ . وَتُوُفِّيَ أَبُو طَالِبٍ فَنَزَلَتْ nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=113مَا كَانَ لِلنَّبِيءِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ
وَشَذَّ مَا رُوِيَ عَنْ
مُقَاتِلٍ : أَنَّ آيَتَيْنِ مِنْ آخِرِهَا مَكِّيَّتَانِ ، وَهُمَا
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=128لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ . وَسَيَأْتِي مَا رُوِيَ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=19أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ . الْآيَةَ . نَزَلَ فِي
الْعَبَّاسِ إِذْ أُسِرَ يَوْمَ
بَدْرٍ فَعَيَّرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِالْكُفْرِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ ، فَقَالَ : نَحْنُ نَحْجُبُ
الْكَعْبَةَ إِلَخْ .
وَهَذِهِ السُّورَةُ آخِرُ السُّوَرِ نُزُولًا عِنْدَ الْجَمِيعِ ، نَزَلَتْ بَعْدَ سُورَةِ الْفَتْحِ ، فِي قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=11867جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ ، فَهِيَ
nindex.php?page=treesubj&link=32273السُّورَةُ الرَّابِعَةَ عَشَرَ بَعْدَ الْمِائَةِ فِي عِدَادِ نُزُولِ سُوَرِ الْقُرْآنِ . وَرُوِيَ : أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَوَّلِ شَوَّالٍ سَنَةَ تِسْعٍ ، وَقِيلَ : آخِرُ ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ تِسْعٍ ، بَعْدَ خُرُوجِ
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ مِنَ
الْمَدِينَةِ لِلْحَجَّةِ الَّتِي أَمَّرَهُ عَلَيْهَا النَّبِيءُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقِيلَ : قُبَيْلَ خُرُوجِهِ .
وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ دُفْعَةً وَاحِدَةً ، فَتَكُونُ مِثْلَ سُورَةِ الْأَنْعَامِ بَيْنَ السُّوَرِ الطِّوَالِ .
وَفَسَّرَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ بَعْضَ آيَاتِ هَذِهِ السُّورَةِ بِمَا يَقْتَضِي أَنَّهَا نَزَلَتْ أَوْزَاعًا فِي أَوْقَاتٍ مُتَبَاعِدَةٍ ، كَمَا سَيَأْتِي ، وَلَعَلَّ مُرَادَ مَنْ قَالَ إِنَّهَا نَزَلَتْ غَيْرَ مُتَفَرِّقَةٍ : أَنَّهُ يَعْنِي أَنَّهَا لَمْ يَتَخَلَّلْهَا ابْتِدَاءُ نُزُولِ سُورَةٍ أُخْرَى .
وَالَّذِي يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ ثَلَاثَ عَشْرَةَ آيَةً : مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=13فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ نَزَلَتْ مُتَتَابِعَةً ، كَمَا سَيَأْتِي فِي خَبَرِ بَعْثِ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ [ ص: 98 ] لِيُؤَذِّنَ بِهَا فِي الْمَوْسِمِ . وَهَذَا مَا اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ الرِّوَايَاتُ . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ ثَلَاثِينَ آيَةً مِنْهَا : مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ أُذِّنَ بِهَا يَوْمَ الْمَوْسِمِ ، وَقِيلَ : أَرْبَعِينَ آيَةً : مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ أُذِّنَ بِهِ فِي الْمَوْسِمِ ، كَمَا سَيَأْتِي أَيْضًا فِي مُخْتَلِفِ الرِّوَايَاتِ ، فَالْجَمْعُ بَيْنَهَا يُغَلِّبُ الظَّنَّ بِأَنَّ أَرْبَعِينَ آيَةً نَزَلَتْ مُتَتَابِعَةً ، عَلَى أَنَّ نُزُولَ جَمِيعِ السُّورَةِ دُفْعَةً وَاحِدَةً لَيْسَ بِبَعِيدٍ عَنِ الصِّحَّةِ .
nindex.php?page=treesubj&link=28980وَعَدَدُ آيِهَا ، فِي عَدِّ
أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ وَالشَّامِ وَالْبَصْرَةِ : مِائَةٌ وَثَلَاثُونَ آيَةً ، وَفِي عَدِّ
أَهْلِ الْكُوفَةِ مِائَةٌ وَتِسْعٌ وَعِشْرُونَ آيَةً .
اتَّفَقَتِ الرِّوَايَاتُ عَلَى أَنَّ النَّبِيءَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا قَفَلَ مِنْ غَزْوَةِ
تَبُوكَ ، فِي رَمَضَانَ سَنَةَ تِسْعٍ ، عَقَدَ الْعَزْمَ عَلَى أَنْ يَحُجَّ فِي شَهْرِ ذِي الْحِجَّةِ مِنْ عَامِهِ وَلَكِنَّهُ كَرِهَ - عَنِ اجْتِهَادٍ أَوْ بِوَحْيٍ مِنَ اللَّهِ - مُخَالَطَةَ الْمُشْرِكِينَ فِي الْحَجِّ مَعَهُ ، وَسَمَاعَ تَلْبِيَتِهِمُ الَّتِي تَتَضَمَّنُ الْإِشْرَاكَ ، أَيْ قَوْلِهِمْ فِي التَّلْبِيَةِ : لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ إِلَّا شَرِيكًا هُوَ لَكَ تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ . وَطَوَافُهُمْ عُرَاةً ، وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ لَمْ يَزَلْ عَامِلًا لَمْ يُنْقَضْ . وَالْمَعْنَى أَنَّ مَقَامَ الرِّسَالَةِ يَرْبَأُ عَنْ أَنْ يَسْمَعَ مُنْكَرًا مِنَ الْكُفْرِ وَلَا يُغَيِّرُهُ بِيَدِهِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ أَقْوَى الْإِيمَانِ . فَأَمْسَكَ عَنِ الْحَجِّ تِلْكَ السَّنَةِ ، وَأَمَّرَ
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ عَلَى أَنْ يَحُجَّ بِالْمُسْلِمِينَ ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُخْبِرَ الْمُشْرِكِينَ بِأَنْ لَا يَحُجَّ بَعْدَ عَامِهِ ذَلِكَ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ .
وَأَكْثَرُ الْأَقْوَالِ عَلَى أَنَّ " بَرَاءَةٌ " نَزَلَتْ قَبْلَ خُرُوجِ
أَبِي بَكْرٍ مِنَ
الْمَدِينَةِ ، فَكَانَ مَا صَدَرَ عَنِ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَادِرًا عَنْ وَحْيٍ لِقَوْلِهِ - تَعَالَى - فِي هَذِهِ السُّورَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=17مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ إِلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=18فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=28يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا الْآيَةَ . وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341890صَالَحَ قُرَيْشًا عَامَ الْحُدَيْبِيَةَ عَلَى أَنْ يَضَعُوا الْحَرْبَ عَشْرَ سِنِينَ يَأْمَنُ فِيهَا النَّاسُ وَيَكُفُّ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ فَدَخَلَتْ خُزَاعَةُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدَخَلَ بَنُو بَكْرٍ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ ثُمَّ عَدَتْ بَنُو بَكْرٍ عَلَى خُزَاعَةَ بِسَبَبِ دَمٍ كَانَ لِبَنِي بَكْرٍ عِنْدَ خُزَاعَةَ قَبْلَ الْبَعْثَةِ بِمُدَّةٍ . وَاقْتَتَلُوا فَكَانَ ذَلِكَ نَقْضًا لِلصُّلْحِ .
وَاسْتَصْرَخَتْ
خُزَاعَةُ النَّبِيءَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَعَدَهُمْ بِالنَّصْرِ وَتَجَهَّزَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِفَتْحِ
[ ص: 99 ] مَكَّةَ ثُمَّ
حُنَيْنٍ ثُمَّ
الطَّائِفِ ، وَحَجَّ بِالْمُسْلِمِينَ تِلْكَ السَّنَةَ سَنَةَ ثَمَانٍ
عَتَّابُ بْنُ أُسَيْدٍ ، ثُمَّ كَانَتْ غَزْوَةُ
تَبُوكَ فِي رَجَبٍ سَنَةَ تِسْعٍ فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . مِنْ
تَبُوكَ أَمَّرَ
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ عَلَى الْحَجِّ وَبَعَثَ مَعَهُ بِأَرْبَعِينَ آيَةً مِنْ صَدْرِ سُورَةِ " بَرَاءَةٌ " لِيَقْرَأَهَا عَلَى النَّاسِ . ثُمَّ أَرْدَفَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=8بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ لِيَقْرَأَ عَلَى النَّاسِ ذَلِكَ .
وَقَدْ يَقَعُ خَلْطٌ فِي الْأَخْبَارِ بَيْنَ قَضِيَّةِ بَعْثِ
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ لِيَحُجَّ بِالْمُسْلِمِينَ عِوَضًا عَنِ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيْنَ قَضِيَّةِ بَعْثِ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ لِيُؤَذِّنَ فِي النَّاسِ بِسُورَةِ " بَرَاءَةٌ " فِي تِلْكَ الْحَجَّةِ . اشْتَبَهَ بِهِ الْغَرَضَانِ عَلَى مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَلَبَّسَ وَعَلَى مَنْ لُبِسَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ فَأَرَدْنَا إِيقَاظَ الْبَصَائِرِ لِذَلِكَ . فَهَذَا سَبَبُ نُزُولِهَا وَذِكْرُهُ أَوَّلُ أَغْرَاضِهَا . فَافْتُتِحَتِ السُّورَةُ بِتَحْدِيدِ مُدَّةِ الْعُهُودِ الَّتِي بَيْنَ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ مِنْ حَالَةِ حَرْبٍ وَأَمْنٍ وَفِي خِلَالِ مُدَّةِ الْحَرْبِ مُدَّةُ تَمْكِينِهِمْ مِنْ تَلَقِّي دَعْوَةِ الدِّينِ وَسَمَاعِ الْقُرْآنِ .
وَأُتْبِعَ بِأَحْكَامِ الْوَفَاءِ وَالنَّكْثِ وَمُوَالَاتِهِمْ .
وَمَنْعِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ دُخُولِ
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحُضُورِ مَنَاسِكِ الْحَجِّ .
وَإِبْطَالِ مَنَاصِبِ الْجَاهِلِيَّةِ الَّتِي كَانُوا يَعْتَزُّونَ بِأَنَّهُمْ أَهْلُهَا .
وَإِعْلَانِ حَالَةِ الْحَرْبِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَهُمْ .
وَإِعْلَانِ الْحَرْبِ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ مِنَ الْعَرَبِ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ ، وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا بَعِيدًا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ وَأَنَّ الْجَمِيعَ لَا تَنْفَعُهُمْ قُوَّتُهُمْ وَلَا أَمْوَالُهُمْ .
وَحُرْمَةِ الْأَشْهُرِ الْحَرَامِ .
وَضَبْطِ السَّنَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَإِبْطَالِ النَّسِيءِ الَّذِي كَانَ عِنْدَ الْجَاهِلِيَّةِ .
وَتَحْرِيضِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْمُبَادَرَةِ بِالْإِجَابَةِ إِلَى النَّفِيرِ لِلْقِتَالِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَنَصْرِ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّ اللَّهَ نَاصِرُ نَبِيِّهِ وَنَاصِرُ الَّذِينَ يَنْصُرُونَهُ . وَتَذْكِيرِهِمْ بِنَصْرِ اللَّهِ رَسُولَهُ يَوْمَ
حُنَيْنٍ ، وَبِنَصْرِهِ إِذْ أَنْجَاهُ مِنْ كَيْدِ الْمُشْرِكِينَ بِمَا هَيَّأَ لَهُ مِنَ الْهِجْرَةِ إِلَى
الْمَدِينَةِ .
[ ص: 100 ] وَالْإِشَارَةِ إِلَى التَّجْهِيزِ بِغَزْوَةِ
تَبُوكَ .
وَذَمِّ الْمُنَافِقِينَ الْمُتَثَاقِلِينَ وَالْمُعْتَذِرِينَ وَالْمُسْتَأْذِنِينَ فِي التَّخَلُّفِ بِلَا عُذْرٍ . وَصِفَاتِ أَهْلِ النِّفَاقِ مِنْ جُبْنٍ وَبُخْلٍ وَحِرْصٍ عَلَى أَخْذِ الصَّدَقَاتِ مَعَ أَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمُسْتَحِقِّيهَا .
وَذِكْرِ أَذَاهُمُ الرَّسُولَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْقَوْلِ . وَأَيْمَانِهِمُ الْكَاذِبَةِ وَأَمْرِهِمْ بِالْمُنْكَرِ وَنَهْيِهِمْ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَكَذِبِهِمْ فِي عُهُودِهِمْ وَسُخْرِيَتِهِمْ بِضُعَفَاءِ الْمُؤْمِنِينَ .
وَالْأَمْرِ بِضَرْبِ الْجِزْيَةِ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ . وَمَذَمَّةِ مَا أَدْخَلَهُ الْأَحْبَارُ وَالرُّهْبَانُ فِي دِينِهِمْ مِنَ الْعَقَائِدِ الْبَاطِلَةِ ، وَمِنَ التَّكَالُبِ عَلَى الْأَمْوَالِ .
وَأَمْرِ اللَّهِ بِجِهَادِ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ .
وَنَهْيِ الْمُؤْمِنِينَ عَنِ الِاسْتِعَانَةِ بِهِمْ فِي جِهَادِهِمْ وَالِاسْتِغْفَارِ لَهُمْ .
وَنَهْيِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الصَّلَاةِ عَلَى مَوْتَاهُمْ .
وَضَرْبِ الْمَثَلِ بِالْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ .
وَذِكْرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدَ الضِّرَارِ عَنْ سُوءِ نِيَّةٍ ، وَفَضْلِ
مَسْجِدِ قِبَاءَ وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ بِالْمَدِينَةِ .
وَانْتَقَلَ إِلَى وَصْفِ حَالَةِ الْأَعْرَابِ مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَمُسِيئِهِمْ وَمُهَاجِرِهِمْ وَمُتَخَلِّفِهِمْ . وَقُوبِلَتْ صِفَاتُ أَهْلِ الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ بِأَضْدَادِهَا صِفَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَذَكَرَ مَا أَعَدَّ لَهُمْ مِنَ الْخَيْرِ .
وَذُكِرَ فِي خِلَالِ ذَلِكَ فَضْلُ
أَبِي بَكْرٍ . وَفَضْلُ
الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ .
وَالتَّحْرِيضِ عَلَى الصَّدَقَةِ وَالتَّوْبَةِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ .
وَالْجِهَادِ وَأَنَّهُ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ . وَالتَّذْكِيرِ بِنَصْرِ اللَّهِ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ
حُنَيْنٍ بَعْدَ يَأْسِهِمْ .
وَالتَّنْوِيهِ بِغَزْوَةِ
تَبُوكَ وَجَيْشِهَا .
وَالَّذِينَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنْهَا .
[ ص: 101 ] وَالِامْتِنَانِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِأَنْ أَرْسَلَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ جَبَلَهُ عَلَى صِفَاتٍ فِيهَا كُلُّ خَيْرٍ لَهُمْ .
وَشَرْعِ الزَّكَاةِ وَمَصَارِفِهَا وَالْأَمْرِ بِالْفِقْهِ فِي الدِّينِ وَنَشْرِ دَعْوَةِ الدِّينِ .
اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ تَرَكَ الصَّحَابَةَ الَّذِينَ كَتَبُوا الْمُصْحَفَ كِتَابَةَ
nindex.php?page=treesubj&link=28971_28895الْبَسْمَلَةِ قَبْلَ سُورَةِ " بَرَاءَةٌ " كَمَا نَبَّهْتُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى سُورَةِ الْفَاتِحَةِ . فَجَعَلُوا سُورَةَ " بَرَاءَةٌ " عَقِبَ سُورَةِ الْأَنْفَالِ بِدُونِ بَسْمَلَةٍ بَيْنَهُمَا ، وَتَرَدَّدَ الْعُلَمَاءُ فِي تَوْجِيهِ ذَلِكَ . وَأَوْضَحُ الْأَقْوَالِ مَا رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=15397وَالنَّسَائِيُّ ، nindex.php?page=hadith&LINKID=10341891عَنِ nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : قُلْتُ لِعُثْمَانَ : مَا حَمَلَكُمْ عَلَى أَنْ عَمَدْتُمْ إِلَى الْأَنْفَالِ وَهِيَ مِنَ الْمَثَانِي وَإِلَى " بَرَاءَةٌ " وَهِيَ مِنَ الْمِئِينَ فَقَرَنْتُمْ بَيْنَهُمَا وَلَمْ تَكْتُبُوا سَطْرَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . فَقَالَ عُثْمَانُ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ كَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الشَّيْءُ يَدْعُو بَعْضَ مَنْ يَكْتُبُ عِنْدَهُ فَيَقُولُ ضَعُوا هَذِهِ فِي السُّورَةِ الَّتِي فِيهَا كَذَا وَكَذَا ، وَكَانَتِ الْأَنْفَالُ مِنْ أَوَائِلِ مَا نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ وَبَرَاءَةٌ مِنْ آخِرِ الْقُرْآنِ وَكَانَتْ قِصَّتُهَا شَبِيهَةً بِقِصَّتِهَا وَقُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يُبَيِّنْ لَنَا أَنَّهَا مِنْهَا فَظَنَنْتُ أَنَّهَا مِنْهَا فَمِنْ ثَمَّ قَرَنْتُ بَيْنَهُمَا وَلَمْ أَكْتُبْ بَيْنَهُمَا سَطْرَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ .
وَنَشَأَ مِنْ هَذَا قَوْلٌ آخَرُ : وَهُوَ أَنَّ كَتَبَةَ الْمَصَاحِفِ فِي زَمَنِ
عُثْمَانَ اخْتَلَفُوا فِي الْأَنْفَالِ وَ " بَرَاءَةٌ " هَلْ هُمَا سُورَةٌ وَاحِدَةٌ أَوْ هُمَا سُورَتَانِ ، فَتَرَكُوا فُرْجَةً فَصْلًا بَيْنَهُمَا مُرَاعَاةً لِقَوْلِ مَنْ عَدَّهُمَا سُورَتَيْنِ ، وَلَمْ يَكْتُبُوا الْبَسْمَلَةَ بَيْنَهُمَا مُرَاعَاةً لِقَوْلِ مَنْ جَعَلَهُمَا سُورَةً وَاحِدَةً ، وَرَوَى
أَبُو الشَّيْخِ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ : أَنَّهُمْ إِنَّمَا تَرَكُوا الْبَسْمَلَةَ فِي أَوَّلِهَا لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28971الْبَسْمَلَةَ أَمَانٌ وَبِشَارَةٌ ، وَسُورَةُ " بَرَاءَةٌ " نَزَلَتْ بِنَبْذِ الْعُهُودِ وَالسَّيْفِ ، فَلِذَلِكَ لَمْ تُبْدَأْ بِشِعَارِ الْأَمَانِ ، وَهَذَا إِنَّمَا يَجْرِي عَلَى قَوْلِ مَنْ يَجْعَلُونَ الْبَسْمَلَةَ آيَةً مِنْ أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ عَدَا سُورَةِ " بَرَاءَةٌ " فَفِي هَذَا رَعْيٌ لِبَلَاغَةِ مَقَامِ الْخِطَابِ كَمَا أَنَّ الْخَاطِبَ الْمُغْضَبَ يَبْدَأُ خُطْبَتَهُ بِـ " أَمَّا بَعْدُ " دُونَ اسْتِفْتَاحٍ . وَشَأْنُ الْعَرَبِ إِذَا كَانَ بَيْنَهُمْ عَهْدٌ فَأَرَادُوا نَقْضَهُ ، كَتَبُوا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ يَنْبِذُونَ إِلَيْهِمْ بِالْعَهْدِ كِتَابًا وَلَمْ يَفْتَتِحُوهُ بِكَلِمَةِ " بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ " فَلَمَّا نَزَلَتْ " بَرَاءَةٌ " بِنَقْضِ الْعَهْدِ الَّذِي كَانَ بَيْنَ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ بَعَثَ
عَلِيًّا إِلَى الْمَوْسِمِ فَقَرَأَ صَدْرَ " بَرَاءَةٌ " وَلَمْ يُبَسْمِلْ جَرْيًا عَلَى عَادَتِهِمْ فِي رَسَائِلِ نَقْضِ الْعُهُودِ . وَقَالَ
ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْأَحْكَامِ : قَالَ
مَالِكٌ فِيمَا رَوَى
[ ص: 102 ] عَنْهُ
ابْنُ وَهْبٍ ، وَابْنُ الْقَاسِمِ ، وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ : إِنَّهُ لَمَّا سَقَطَ أَوَّلُهَا ، أَيْ سُورَةِ " بَرَاءَةٌ " سَقَطَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَعَهُ . وَيُفَسِّرُ كَلَامَهُ مَا قَالَهُ
ابْنُ عَطِيَّةَ : رُوِيَ عَنْ
مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ : بَلَغَنَا أَنَّ سُورَةَ " بَرَاءَةٌ " كَانَتْ نَحْوَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ ثُمَّ نُسِخَ وَرُفِعَ كَثِيرٌ مِنْهَا وَفِيهِ الْبَسْمَلَةُ فَلَمْ يَرَوْا بَعْدُ أَنْ يَضَعُوهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ . وَمَا نَسَبَهُ
ابْنُ عَطِيَّةَ إِلَى
مَالِكٍ عَزَاهُ
ابْنُ الْعَرَبِيِّ إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=17000ابْنِ عَجْلَانَ فَلَعَلَّ فِي نُسْخَةِ تَفْسِيرِ
ابْنِ عَطِيَّةَ نَقْصًا .
وَالَّذِي وَقَفْنَا عَلَيْهِ مِنْ كَلَامِ
مَالِكٍ فِي تَرْكِ الْبَسْمَلَةِ مِنْ سُورَةِ الْأَنْفَالِ وَسُورَةِ " بَرَاءَةٌ " : هُوَ مَا فِي سَمَاعِ
ابْنِ الْقَاسِمِ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْجَامِعِ الْأَوَّلِ مِنَ الْعُتْبُيَّةِ قَالَ
مَالِكٌ فِي أَوَّلِ " بَرَاءَةٌ " إِنَّمَا تَرَكَ مَنْ مَضَى أَنْ يَكْتُبُوا فِي أَوَّلِ " بَرَاءَةٌ " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كَأَنَّهُ رَآهُ مِنْ وَجْهِ الِاتِّبَاعِ فِي ذَلِكَ ، كَانَتْ فِي آخِرِ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ . وَسَاقَ حَدِيثَ
nindex.php?page=showalam&ids=13283ابْنِ شِهَابٍ فِي سَبَبِ كِتَابَةِ الْمُصْحَفِ فِي زَمَنِ
أَبِي بَكْرٍ وَكَيْفَ أَخَذَ
عُثْمَانُ الصُّحُفَ مِنْ
حَفْصَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَأَرْجَعَهَا إِلَيْهَا . قَالَ
ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ وَالتَّحْصِيلِ مَا تَأَوَّلَهُ
مَالِكٌ مِنْ أَنَّهُ إِنَّمَا تَرَكَ مَنْ مَضَى أَنْ يَكْتُبُوا فِي أَوَّلِ " بَرَاءَةٌ " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ وَجْهِ الِاتِّبَاعِ ، الْمَعْنَى فِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ إِنَّمَا تَرَكَ
nindex.php?page=showalam&ids=7عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَمَنْ كَانَ بِحَضْرَتِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ الْمُجْتَمِعِينَ عَلَى جَمْعِ الْقُرْآنِ الْبَسْمَلَةَ بَيْنَ سُورَةِ الْأَنْفَالِ وَ " بَرَاءَةٌ " وَإِنْ كَانَتَا سُورَتَيْنِ بِدَلِيلِ أَنَّ " بَرَاءَةٌ " كَانَتْ آخِرَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْقُرْآنِ ، وَأَنَّ الْأَنْفَالَ أُنْزِلَتْ فِي
بَدْرٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ ، اتِّبَاعًا لِمَا وَجَدُوهُ فِي الصُّحُفِ الَّتِي جُمِعَتْ عَلَى عَهْدِ
أَبِي بَكْرٍ وَكَانَتْ عِنْدَ
حَفْصَةَ . وَلَمْ يَذْكُرِ
ابْنُ رُشْدٍ عَنْ
مَالِكٍ قَوْلًا غَيْرَ هَذَا .