[ ص: 51 ] المقدمة السادسة في القراءات
لولا عناية كثير من المفسرين بذكر
nindex.php?page=treesubj&link=28905_28916اختلاف القراءات في ألفاظ القرآن حتى في كيفيات الأداء ، لكنت بمعزل عن التكلم في ذلك لأن علم القراءات علم جليل مستقل قد خص بالتدوين والتأليف وقد أشبع فيه أصحابه وأسهبوا بما ليس عليه مزيد ، ولكني رأيتني بمحل الاضطرار إلى أن ألقي عليكم جملا في هذا الغرض تعرفون بها مقدار
nindex.php?page=treesubj&link=28916_28960تعلق اختلاف القراءات بالتفسير ، ومراتب القراءات قوة وضعفا ؟ كي لا تعجبوا من إعراضي عن ذكر كثير من القراءات في أثناء التفسير .
أرى أن للقراءات حالتين : إحداهما لا تعلق لها بالتفسير بحال ، والثانية لها تعلق به من جهات متفاوتة .
أما الحالة الأولى فهي اختلاف القراء في وجوه النطق بالحروف والحركات كمقادير المد والإمالات والتخفيف والتسهيل والتحقيق والجهر والهمس والغنة ، مثل ( عذابي ) بسكون الياء و ( عذابي ) بفتحها ، وفي تعدد وجوه الإعراب مثل
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=214حتى يقول الرسول بفتح لام ( يقول ) وضمها ، ونحو
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=254لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة برفع الأسماء الثلاثة أو فتحها أو رفع بعض وفتح بعض ، ومزية القراءات من هذه الجهة عائدة إلى أنها حفظت على أبناء العربية ما لم يحفظه غيرها وهو تحديد كيفيات نطق العرب بالحروف في مخارجها وصفاتها وبيان اختلاف العرب في لهجات النطق بتلقي ذلك عن قراء القرآن من الصحابة بالأسانيد الصحيحة ، وهذا غرض مهم جدا لكنه لا علاقة له بالتفسير لعدم تأثيره في اختلاف معاني الآي ، ولم أر من عرف لفن القراءات حقه من هذه الجهة ، وفيها أيضا سعة من بيان وجوه الإعراب في العربية ، فهي لذلك مادة كبرى لعلوم اللغة العربية .
فأئمة العربية لما قرءوا القرآن قرأوه بلهجات العرب الذين كانوا بين ظهرانيهم في الأمصار التي وزعت عليها المصاحف :
المدينة ، ومكة ، والكوفة ،
والبصرة ، والشام ، قيل
واليمن والبحرين ، وكان في هذه الأمصار قراؤها من الصحابة قبل ورود مصحف
عثمان إليهم فقرأ كل فريق بعربية قومه في وجوه الأداء ، لا في زيادة الحروف ونقصها ، ولا في اختلاف
[ ص: 52 ] الإعراب دون مخالفته مصحف
عثمان ، ويحتمل أن يكون القارئ الواحد قد قرأ بوجهين ليري صحتهما في العربية قصدا لحفظ اللغة مع حفظ القرآن الذي أنزل بها ، ولذلك يجوز أن يكون كثير من اختلاف القراء في هذه الناحية اختيارا ، وعليه يحمل ما يقع في كتابي
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري وابن العربي من نقد بعض طرق القراء ، على أن في بعض نقدهم نظرا ، وقد كره
مالك رحمه الله القراءة بالإمالة مع ثبوتها عن القراء ، وهي مروية عن مقرئ المدينة
نافع من رواية
nindex.php?page=showalam&ids=17274ورش عنه وانفرد بروايته
أهل مصر ، فدلت كراهته على أنه يرى أن القارئ بها ما قرأ إلا بمجرد الاختيار ، وفي تفسير
القرطبي في سورة الشعراء عن
nindex.php?page=showalam&ids=14416أبي إسحاق الزجاج ، يجوز أن يقرأ " طسين ميم " بفتح النون من " طسين " وضم الميم الأخيرة كما يقال هذا
معد يكرب اهـ مع أنه لم يقرأ به أحد . قلت : ولا ضير في ذلك ما دامت كلمات القرآن وجمله محفوظة على نحو ما كتب في المصحف الذي أجمع عليه أصحاب رسول الله إلا نفرا قليلا شذوا منهم ، كان
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود منهم ، فإن
عثمان لما أمر بكتب المصحف على نحو ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأثبته كتاب المصحف ، رأى أن يحمل الناس على اتباعه وترك قراءات ما خالفه ، وجمع جميع المصاحف المخالفة له وأحرقها ووافقه جمهور الصحابة على ما فعله . قال
شمس الدين الأصفهاني في المقدمة الخامسة من تفسيره . كان
علي طول أيامه يقرأ مصحف
عثمان ويتخذه إماما . وقلت : إنما كان فعل
عثمان إتماما لما فعله
أبو بكر من جمعه القرآن الذي كان يقرأ في حياة الرسول ، وأن
عثمان نسخه في مصاحف لتوزع على الأمصار ، فصار المصحف الذي كتب
لعثمان قريبا من المجمع عليه وعلى كل قراءة توافقه وصار ما خالفه متروكا بما يقارب الإجماع .
قال
الأصفهاني في تفسيره كانت قراءة
أبي بكر وعمر وعثمان nindex.php?page=showalam&ids=47وزيد بن ثابت والمهاجرين والأنصار واحدة ، وهي قراءة العامة التي قرأ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم على
جبريل في العام الذي قبض فيه ، ويقال إن
nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت شهد العرضة الأخيرة التي عرضها رسول الله على
جبريل اهـ وبقي الذين قرأوا قراءات مخالفة لمصحف
عثمان يقرأون بما رووه لا ينهاهم أحد عن قراءتهم ولكن يعدونهم شذاذا ولكنهم لم يكتبوا قراءتهم في مصاحف بعد أن أجمع الناس على مصحف
عثمان ، قال
البغوي في تفسير قوله تعالى "
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=29وطلح منضود " عن
مجاهد وفي الكشاف
والقرطبي - قرأ
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب " وطلع منضود " بعين في موضع الحاء ، وقرأ قارئ بين يديه "
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=29وطلح منضود " فقال : وما شأن الطلح ؟ إنما هو " وطلع "
[ ص: 53 ] وقرأ " لها طلع نضيد " فقالوا أفلا نحولها ؟ فقال إن آي القرآن لا تهاج اليوم ولا تحول ، أي لا تغير حروفها ولا تحول عن مكانها فهو قد منع من تغيير المصحف ، ومع ذلك لم يترك القراءة التي رواها ، وممن نسبت إليهم قراءات مخالفة لمصحف
عثمان ،
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=34وأبي بن كعب nindex.php?page=showalam&ids=267وسالم مولى أبي حذيفة ، إلى أن ترك الناس ذلك تدريجا . ذكر
الفخر في تفسير قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=15إذ تلقونه بألسنتكم من سورة النور أن
سفيان قال : سمعت أمي تقرأ " إذ تثقفونه بألسنتكم " وكان أبوها يقرأ بقراءة
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ، ومع ذلك فقد شذت مصاحف بقيت مغفولا عنها بأيدي أصحابها ، منها ما ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري في الكشاف في سورة الفتح أن
nindex.php?page=showalam&ids=14058الحارث بن سويد صاحب
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود كان له مصحف دفنه في مدة
الحجاج ، قال في الكشاف لأنه كان مخالفا للمصحف الإمام ، وقد أفرط
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري في توهين بعض القراءات لمخالفتها لما اصطلح عليه النحاة وذلك من إعراضه عن معرفة الأسانيد . من أجل ذلك اتفق علماء القراءات والفقهاء على أن
nindex.php?page=treesubj&link=28917_28944كل قراءة وافقت وجها في العربية ووافقت خط المصحف أي مصحف عثمان وصح سند راويها ; فهي قراءة صحيحة لا يجوز ردها ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=12815أبو بكر بن العربي : ومعنى ذلك عندي أن تواترها تبع لتواتر المصحف الذي وافقته وما دون ذلك فهو شاذ ، يعني وأن تواتر المصحف ناشئ عن تواتر الألفاظ التي كتبت فيه .
قلت - وهذه الشروط الثلاثة ، هي شروط في قبول القراءة إذا كانت غير متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بأن كانت صحيحة السند إلى النبي ولكنها لم تبلغ حد التواتر فهي بمنزلة الحديث الصحيح ،
nindex.php?page=treesubj&link=28917وأما القراءة المتواترة فهي غنية عن هذه الشروط لأن تواترها يجعلها حجة في العربية ، ويغنيها عن الاعتضاد بموافقة المصحف المجمع عليه ، ألا ترى أن جمعا من أهل القراءات المتواترة قرءوا قوله تعالى " وماهو على الغيب بظنين " بظاء مشالة أي بمتهم ، وقد كتبت في المصاحف كلها بالضاد الساقطة .
على أن
أبا علي الفارسي صنف كتاب " الحجة للقراءات " ، وهو معتمد عند المفسرين وقد رأيت نسخة منه في مكاتب الآستانة . فالقراءات من هذه الجهة لا تفيد في علم التفسير ، والمراد بموافقة خط المصحف موافقة أحد المصاحف الأئمة التي وجه بها
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان إلى أمصار الإسلام إذ قد يكون اختلاف يسير نادر بين بعضها ، مثل زيادة الواو في
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=133وسارعوا إلى مغفرة [ ص: 54 ] في مصحف
الكوفة ومثل زيادة الفاء في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=30وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم في سورة الشورى "
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=8ووصينا الإنسان بوالديه حسنا - أو إحسانا " فذلك اختلاف ناشئ عن القراءة بالوجهين بين الحفاظ من زمن الصحابة الذين تلقوا القرآن عن النبي صلى الله عليه وسلم ، لأنه قد أثبته ناسخو المصحف في زمن
عثمان فلا ينافي التواتر إذ لا تعارض ، إذا كان المنقول عنه قد نطق بما نقله عنه الناقلون في زمانين أو أزمنة ، أو كان قد أذن للناقلين أن يقرءوا بأحد اللفظين أو الألفاظ ، وقد انحصر توفر الشروط في
nindex.php?page=treesubj&link=28918الروايات العشر للقراء وهم ،
nindex.php?page=showalam&ids=17192نافع بن أبي نعيم المدني ، nindex.php?page=showalam&ids=16456وعبد الله بن كثير المكي ، وأبو عمرو المازني البصري ، وعبد الله بن عامر الدمشقي ، nindex.php?page=showalam&ids=16273وعاصم بن أبي النجود الكوفي ، nindex.php?page=showalam&ids=15760وحمزة بن حبيب الكوفي ، nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي علي بن حمزة الكوفي ، nindex.php?page=showalam&ids=17379ويعقوب بن إسحاق الحضرمي البصري ، وأبو جعفر يزيد بن القعقاع المدني ، وخلف البزار ( بزاي فألف فراء مهملة ) الكوفي ، وهذا العاشر ليست له رواية خاصة ، وإنما اختار لنفسه قراءة تناسب قراءات أئمة
الكوفة ، فلم يخرج عن قراءات قراء
الكوفة إلا قليلا ، وبعض العلماء يجعل قراءة
ابن محيصن واليزيدي والحسن ، nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش ، مرتبة دون العشر ، وقد عد الجمهور ما سوى ذلك شاذا لأنه لم ينقل بتواتر حفاظ القرآن .
والذي قاله
مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، أن ما دون العشر لا تجوز القراءة به ولا أخذ حكم منه لمخالفته المصحف الذي كتب فيه ما تواتر ، فكان ما خالفه غير متواتر فلا يكون قرآنا ، وقد تروى قراءات عن النبي صلى الله عليه وسلم بأسانيد صحيحة في كتب الصحيح مثل صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ومسلم وأضرابهما إلا أنها لا يجوز لغير من سمعها من النبي صلى الله عليه وسلم القراءة بها لأنها غير متواترة النقل فلا يترك المتواتر للآحاد وإذا كان راويها قد بلغته قراءة أخرى متواترة تخالف ما رواه وتحقق لديه التواتر وجب عليه أن يقرأ بالمروية تواترا ، وقد اصطلح المفسرون على أن يطلقوا عليها قراءة النبي صلى الله عليه وسلم ، لأنها غير منتسبة إلى أحد من أئمة الرواية في القراءات ، ويكثر ذكر هذا العنوان في تفسير
nindex.php?page=showalam&ids=16935محمد بن جرير الطبري وفي الكشاف وفي المحرر الوجيز
nindex.php?page=showalam&ids=16310لعبد الحق بن عطية ، وسبقهم إليه
nindex.php?page=showalam&ids=13042أبو الفتح بن جني ، فلا تحسبوا أنهم أرادوا بنسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، أنها وحدها المأثورة عنه ، ولا ترجيحها على القراءات المشهورة ؛ لأن القراءات المشهورة قد رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم
[ ص: 55 ] بأسانيد أقوى وهي متواترة على الجملة كما سنذكره ، وما كان ينبغي إطلاق وصف قراءة النبي عليها لأنه يوهم من ليسوا من أهل الفهم الصحيح أن غيرها لم يقرأ به النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا يرجع إلى تبجح أصحاب الرواية بمروياتهم .
وأما الحالة الثانية : فهي
nindex.php?page=treesubj&link=28916_28960اختلاف القراء في حروف الكلمات مثل (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=4مالك يوم الدين ) و ( ملك يوم الدين ) و ( ننشرها ) و
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259ننشزها و
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=110وظنوا أنهم قد كذبوا بتشديد الذال أو قد كذبوا بتخفيفه ، وكذلك اختلاف الحركات الذي يختلف معه معنى الفعل كقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=57ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون قرأ
نافع بضم الصاد وقرأ
حمزة بكسر الصاد ، فالأولى بمعنى يصدون غيرهم عن الإيمان ، والثانية بمعنى صدودهم في أنفسهم وكلا المعنيين حاصل منهم ، وهي من هذه الجهة لها مزيد تعلق بالتفسير لأن ثبوت أحد اللفظين في قراءة قد يبين المراد من نظيره في القراءة الأخرى ، أو يثير معنى غيره ، ولأن اختلاف القراءات في ألفاظ القرآن يكثر المعاني في الآية الواحدة نحو " حتى يطهرن " بفتح الطاء المشددة والهاء المشددة ، وبسكون الطاء وضم الهاء مخففة ، ونحو
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43لامستم النساء و ( لمستم النساء ) وقراءة ( وجعلوا الملائكة الذين هم عند الرحمن إناثا ) مع قراءة " الذين هم عباد الرحمن " ، والظن أن الوحي نزل بالوجهين وأكثر ، تكثيرا للمعاني إذا جزمنا بأن جميع الوجوه في القراءات المشهورة هي مأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، على أنه لا مانع من أن يكون مجيء ألفاظ القرآن على ما يحتمل تلك الوجوه مرادا لله تعالى ليقرأ القراء بوجوه فتكثر من جراء ذلك المعاني ، فيكون وجود الوجهين فأكثر في مختلف القراءات مجزئا عن آيتين فأكثر ، وهذا نظير التضمين في استعمال العرب ، ونظير التورية والتوجيه في البديع ، ونظير مستتبعات التراكيب في علم المعاني ، وهو من زيادة ملاءمة بلاغة القرآن ، ولذلك كان اختلاف القراء في اللفظ الواحد من القرآن قد يكون معه اختلاف المعنى ; ولم يكن حمل أحد القراءتين على الأخرى متعينا ولا مرجحا ، وإن كان قد يؤخذ من كلام
أبي علي الفارسي في كتاب الحجة أنه يختار حمل معنى إحدى القراءتين على معنى الأخرى ، ومثال هذا قوله في قراءة الجمهور قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=24فإن الله هو الغني الحميد في سورة الحديد ، وقراءة
نافع وابن عامر ( فإن الله الغني الحميد ) بإسقاط ( هو ) أن من أثبت " هو " يحسن أن يعتبره ضمير فصل لا مبتدأ ، لأنه
[ ص: 56 ] لو كان مبتدأ لم يجز حذفه في قراءة
نافع وابن عامر ، قال .
أبو حيان : وما ذهب إليه ليس بشيء لأنه بنى ذلك على توافق القراءتين وليس كذلك ، ألا ترى أنه قد يكون قراءتان في لفظ واحد لكل منهما توجيه يخالف الآخر ، كقراءة
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=36والله أعلم بما وضعت بضم التاء أو سكونها . وأنا أرى أن
nindex.php?page=treesubj&link=28960_28957على المفسر أن يبين اختلاف القراءات المتواترة لأن في اختلافها توفيرا لمعاني الآية غالبا فيقوم تعدد القراءات مقام تعدد كلمات القرآن . وهذا يبين لنا أن اختلاف القراءات قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم كما ورد في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب مع
nindex.php?page=showalam&ids=8859هشام بن حكيم بن حزام ففي صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=hadith&LINKID=10341033أن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب قال : سمعت nindex.php?page=showalam&ids=8859هشام بن حكيم بن حزام يقرأ في الصلاة سورة الفرقان في حياة رسول الله فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله ، فكدت أساوره في الصلاة فتصبرت حتى سلم فلببته بردائه فقلت : من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ ؟ قال : أقرأنيها رسول الله ، فقلت : كذبت فإن رسول الله أقرأنيها على غير ما قرأت ، فانطلقت به أقوده إلى رسول الله فقلت : إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها ، فقال رسول الله : اقرأ يا هشام فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ فقال رسول الله " كذلك أنزلت " ، ثم قال اقرأ يا عمر فقرأت القراءة التي أقرأني فقال رسول الله " كذلك أنزلت إن هذا nindex.php?page=treesubj&link=28865القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه " اهـ وفي الحديث إشكال ، وللعلماء في معناه أقوال يرجع إلى اعتبارين : أحدهما اعتبار الحديث منسوخا والآخر اعتباره محكما . فأما الذين اعتبروا الحديث منسوخا وهو رأي جماعة منهم
nindex.php?page=showalam&ids=12604أبو بكر الباقلاني nindex.php?page=showalam&ids=13332وابن عبد البر nindex.php?page=showalam&ids=12815وأبو بكر بن العربي nindex.php?page=showalam&ids=16935والطبري nindex.php?page=showalam&ids=14695والطحاوي ، وينسب إلى
nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة وابن وهب قالوا : كان ذلك رخصة في صدر الإسلام أباح الله للعرب أن يقرءوا القرآن بلغاتهم التي جرت عادتهم باستعمالها ، ثم نسخ ذلك بحمل الناس على لغة
قريش لأنها التي بها نزل القرآن وزال العذر لكثرة الحفظ وتيسير الكتابة ، وقال
ابن العربي دامت الرخصة مدة حياة النبي عليه السلام ، وظاهر كلامه أن ذلك نسخ بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإما نسخ بإجماع الصحابة أو بوصاية من النبي صلى الله عليه وسلم ، واستدلوا على ذلك بقول
عمر : إن
nindex.php?page=treesubj&link=32264القرآن نزل بلسان قريش ، وبنهيه
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود أن يقرأ
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=174فتول عنهم حتى حين [ ص: 57 ] وهي لغة
هذيل في ( حتى ) ، وبقول
عثمان لكتاب المصاحف : فإذا اختلفتم في حرف فاكتبوه بلغة
قريش فإنما نزل بلسانهم ، يريد أن لسان
قريش هو الغالب على القرآن ، أو أراد أنه نزل بما نطقوا به من لغتهم وما غلب على لغتهم من لغات القبائل إذ كان
عكاظ بأرض
قريش وكانت
مكة مهبط القبائل كلها .
ولهم في تحديد
nindex.php?page=treesubj&link=28865معنى الرخصة بسبعة أحرف ثلاثة أقوال : الأول أن المراد بالأحرف الكلمات المترادفة للمعنى الواحد ، أي أنزل بتخيير قارئه أن يقرأه باللفظ الذي يحضره من المرادفات تسهيلا عليهم حتى يحيطوا بالمعنى . وعلى هذا الجواب فقيل : المراد بالسبعة حقيقة العدد وهو قول الجمهور فيكون تحديدا للرخصة بأن لا يتجاوز سبعة مرادفات أو سبع لهجات أي من سبع لغات ; إذ لا يستقيم غير ذلك لأنه لا يتأتى في كلمة من القرآن أن يكون لها ستة مرادفات أصلا ، ولا في كلمة أن يكون فيها سبع لهجات إلا كلمات قليلة مثل أف -
وجبريل وأرجه . وقد اختلفوا في
nindex.php?page=treesubj&link=28865تعيين اللغات السبع ، فقال
أبو عبيدة وابن عطية وأبو حاتم والباقلاني هي من عموم لغات العرب وهم :
قريش ، وهذيل ، وتيم الرباب ، والأزد ، وربيعة ، وهوازن ، وسعد بن بكر من
هوازن ، وبعضهم يعد
قريشا ، وبني دارم ، والعليا من هوازن وهم
سعد بن بكر ، وجشم بن بكر ،
ونصر بن معاوية ، وثقيف ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=12114أبو عمرو بن العلاء " أفصح العرب
عليا هوازن وسفلى تميم وهم
بنو دارم . وبعضهم يعد
خزاعة ويطرح
تميما ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13757أبو علي الأهوازي ، nindex.php?page=showalam&ids=13332وابن عبد البر ، وابن قتيبة هي لغات قبائل من
مضر وهم
قريش ، وهذيل ، وكنانة ، وقيس ، وضبة ، وتيم الرباب ، وأسد بن خزيمة ، وكلها من
مضر .
القول الثاني : لجماعة منهم
عياض : أن العدد غير مراد به حقيقته ، بل هو كناية عن التعدد والتوسع ، وكذلك المرادفات ولو من لغة واحدة كقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=101&ayano=5كالعهن المنفوش وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود كالصوف المنفوش ، وقرأ
أبي (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=20كلما أضاء لهم مشوا فيه ) مروا فيه - سعوا فيه ، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=13انظرونا نقتبس من نوركم أخرونا ، أمهلونا ، وأقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود رجلا
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=43إن شجرة الزقوم طعام الأثيم فقال الرجل : طعام اليتيم ، فأعاد له فلم يستطع أن يقول الأثيم فقال له
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود : أتستطيع أن تقول طعام الفاجر ؟ قال نعم ، قال فاقرأ كذلك ، وقد اختلف
عمر nindex.php?page=showalam&ids=8859وهشام بن حكيم ولغتهما واحدة .
[ ص: 58 ] القول الثالث : أن المراد التوسعة في نحو
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=148وكان الله سميعا عليما أن يقرأ "
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=11عليما حكيما " ما لم يخرج عن المناسبة كذكره عقب آية عذاب أن يقول
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=96وكان الله غفورا رحيما أو عكسه وإلى هذا ذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر .
وأما الذين اعتبروا الحديث محكما غير منسوخ فقد ذهبوا في تأويله مذاهب : فقال جماعة منهم
البيهقي وأبو الفضل الرازي أن
nindex.php?page=treesubj&link=28865المراد من الأحرف أنواع أغراض القرآن كالأمر والنهي ، والحلال والحرام ، أو أنواع كلامه كالخبر والإنشاء ، والحقيقة والمجاز : أو أنواع دلالته كالعموم والخصوص ، والظاهر والمؤول . ولا يخفى أن كل ذلك لا يناسب سياق الحديث على اختلاف رواياته من قصد التوسعة والرخصة . وقد تكلف هؤلاء حصر ما زعموه من الأغراض ونحوها في سبعة فذكروا كلاما لا يسلم من النقض . وذهب جماعة منهم
أبو عبيد وثعلب والأزهري وعزي nindex.php?page=showalam&ids=11لابن عباس أن المراد أنه أنزل مشتملا على سبع لغات من لغات العرب مبثوثة في آيات القرآن لكن لا على تخيير القارئ ، وذهبوا في تعيينها إلى نحو ما ذهب إليه القائلون بالنسخ ، إلا أن الخلاف بين الفريقين في أن الأولين ذهبوا إلى تخيير القارئ في الكلمة الواحدة ، وهؤلاء أرادوا أن القرآن مبثوثة فيه كلمات من تلك اللغات ، لكن على وجه التعيين لا على وجه التخيير ، وهذا كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة : ما سمعت السكين إلا في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=31وآتت كل واحدة منهن سكينا ما كنا نقول إلا المدية ، وفي
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341034إلا من النبيء في قصة حكم سليمان بين المرأتين من قول سليمان : ايتوني بالسكين أقطعه بينكما ، وهذا الجواب لا يلاقي مساق الحديث من التوسعة ، ولا يستقيم من جهة العدد لأن المحققين ذكروا أن في القرآن كلمات كثيرة من لغات قبائل العرب ، وأنهاها
السيوطي نقلا عن
أبي بكر الواسطي إلى خمسين لغة . وذهب جماعة أن المراد من الأحرف لهجات العرب في كيفيات النطق كالفتح والإمالة ، والمد والقصر ، والهمز والتخفيف ، على معنى أن ذلك رخصة للعرب مع المحافظة على كلمات القرآن ، وهذا أحسن الأجوبة لمن تقدمنا ، وهنالك أجوبة أخرى ضعيفة لا ينبغي للعالم التعريج عليها وقد أنهى بعضهم جملة الأجوبة إلى خمسة وثلاثين جوابا .
[ ص: 59 ] وعندي أنه إن كان حديث
عمر nindex.php?page=showalam&ids=8859وهشام بن حكيم قد حسن إفصاح راويه عن مقصد
عمر فيما حدث به بأن لا يكون مرويا بالمعنى مع إخلال بالمقصود أنه يحتمل أن يرجع إلى ترتيب آي السور بأن يكون
هشام قرأ سورة الفرقان على غير الترتيب الذي قرأ به
عمر فتكون تلك رخصة لهم في أن يحفظوا سور القرآن بدون تعيين ترتيب الآيات من السورة ، وقد ذكر
الباقلاني احتمال أن يكون ترتيب السور من اجتهاد الصحابة كما يأتي في المقدمة الثامنة . فعلى رأينا هذا تكون هذه رخصة . ثم لم يزل الناس يتوخون بقراءتهم موافقة قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان ترتيب المصحف في زمن
أبي بكر على نحو العرضة الأخيرة التي عرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجمع الصحابة في عهد
أبي بكر على ذلك لعلمهم بزوال موجب الرخصة . ومن الناس من يظن المراد بالسبع في الحديث ما يطابق القراءات السبع التي اشتهرت بين أهل فن القراءات ، وذلك غلط ولم يقله أحد من أهل العلم ، وأجمع العلماء على خلافه كما قال
أبو شامة : فإن
nindex.php?page=treesubj&link=28919_28865انحصار القراءات في سبع لم يدل عليه دليل ، ولكنه أمر حصل إما بدون قصد أو بقصد التيمن بعدد السبعة أو بقصد إيهام أن هذه السبعة هي المرادة من الحديث تنويها بشأنها بين العامة ، ونقل
السيوطي عن
أبي العباس بن عمار أنه قال : لقد فعل جاعل عدد القراءات سبعا ما لا ينبغي ، وأشكل به الأمر على العامة إذ أوهمهم أن هذه السبعة هي المرادة في الحديث ، وليت جامعها نقص عن السبعة أو زاد عليها . قال
السيوطي : وقد صنف
ابن جبير المكي وهو قبل
ابن مجاهد كتابا في القراءات فاقتصر على خمسة أئمة ، من كل مصر إمام ، وإنما اقتصر على ذلك لأن المصاحف التي أرسلها
عثمان إلى الأمصار كانت إلى خمسة أمصار . قال
ابن العربي في العواصم : أول من جمع القراءات في سبع
ابن مجاهد غير أنه عد قراءة
يعقوب سابعا ثم عوضها بقراءة
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي ، قال
السيوطي وذلك على رأس الثلاثمائة : وقد اتفق الأئمة على أن
nindex.php?page=treesubj&link=28942قراءة يعقوب من القراءات الصحيحة مثل بقية السبعة ، وكذلك
nindex.php?page=treesubj&link=28941قراءة أبي جعفر وشيبة ، وإذ قد كان الاختلاف بين القراء سابقا على تدوين المصحف الإمام في زمن
عثمان وكان هو الداعي لجمع المسلمين على مصحف واحد تعين أن الاختلاف لم يكن ناشئا عن الاجتهاد في قراءة ألفاظ المصحف فيما عدا اللهجات .
[ ص: 60 ] وأما
nindex.php?page=treesubj&link=29586_28917صحة السند الذي تروى به القراءة لتكون مقبولة فهو شرط لا محيد عنه إذ قد تكون القراءة موافقة لرسم المصحف وموافقة لوجوه العربية ، لكنها لا تكون مروية بسند صحيح ، كما ذكر في المزهر أن
حماد بن الزبرقان قرأ ( إلا عن موعدة وعدها أباه ) بالباء الموحدة وإنما هي إياه بتحتية ، وقرأ ( بل الذين كفروا في غرة ) بغين معجمة وراء مهملة وإنما هي " عزة " بعين مهملة وزاي ، وقرأ ( لكل امرئ منهم يومئذ شأن يعنيه ) بعين مهملة ، وإنما هي يغنيه بغين معجمة ، ذلك أنه لم يقرأ القرآن على أحد وإنما حفظه من المصحف . مراتب القراءات الصحيحة والترجيح بينها قال
nindex.php?page=showalam&ids=12815أبو بكر بن العربي في كتاب العواصم : اتفق الأئمة على أن القراءات التي لا تخالف الألفاظ التي كتبت في مصحف
عثمان هي متواترة وإن اختلفت في وجوه الأداء وكيفيات النطق ومعنى ذلك أن تواترها تبع لتواتر صورة كتابة المصحف ، وما كان نطقه صالحا لرسم المصحف ، واختلف فيه فهو مقبول وما هو بمتواتر ؛ لأن وجود الاختلاف فيه مناف لدعوى التواتر ، فخرج بذلك ما كان من القراءات مخالفا لمصحف
عثمان ، مثل ما نقل من قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ، ولما قرأ المسلمون بهذه القراءات من عصر الصحابة ولم يغير عليهم ، فقد صارت متواترة على التخيير ، وإن كانت أسانيدها المعينة آحادا ، وليس المراد ما يتوهمه بعض القراء من أن القراءات كلها بما فيها من طرائق أصحابها ورواياتهم متواترة وكيف وقد ذكروا أسانيدهم فيها فكانت أسانيد أحاد ، وأقواها سندا ما كان له راويان عن الصحابة مثل
nindex.php?page=treesubj&link=28920قراءة nindex.php?page=showalam&ids=17192نافع بن أبي نعيم وقد جزم
ابن العربي ، وابن عبد السلام التونسي ، وأبو العباس ابن إدريس فقيه بجاية من المالكية ،
والأبياري من الشافعية بأنها غير متواترة ، وهو الحق لأن تلك الأسانيد لا تقتضي إلا أن فلانا قرأ كذا وأن فلانا قرأ بخلافه ، وأما اللفظ المقروء فغير محتاج إلى تلك الأسانيد لأنه ثبت بالتواتر كما علمت آنفا ، وإن اختلفت كيفيات النطق بحروفه فضلا عن كيفيات أدائه . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12441إمام الحرمين في البرهان : هي متواترة ورده عليه
الأبياري ، وقال
المازري في شرحه : هي متواترة عند القراء وليست متواترة عند عموم الأمة ، وهذا توسط بين
nindex.php?page=showalam&ids=12441إمام الحرمين والأبياري ، ووافق
nindex.php?page=showalam&ids=12441إمام الحرمين ابن سلامة الأنصاري [ ص: 61 ] من المالكية . وهذه مسألة مهمة جرى فيها حوار بين الشيخين
ابن عرفة التونسي وابن لب الأندلسي ذكرها
الونشريسي في المعيار .
وتنتهي أسانيد
nindex.php?page=treesubj&link=28918القراءات العشر إلى ثمانية من الصحابة وهم :
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب ، nindex.php?page=showalam&ids=7وعثمان بن عفان ، nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي بن أبي طالب ، nindex.php?page=showalam&ids=10وعبد الله بن مسعود ، nindex.php?page=showalam&ids=34وأبي بن كعب ، وأبو الدرداء ، nindex.php?page=showalam&ids=47وزيد بن ثابت ، nindex.php?page=showalam&ids=110وأبو موسى الأشعري ، فبعضها ينتهي إلى جميع الثمانية وبعضها إلى بعضهم وتفصيل ذلك في علم القرآن .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=28908وجوه الإعراب في القرآن فأكثرها متواتر إلا ما ساغ فيه إعرابان مع اتحاد المعاني نحو (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=3ولات حين مناص ) بنصب حين ورفعه ، ونحو (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=214وزلزلوا حتى يقول الرسول ) بنصب ( يقول ) ورفعه ، ألا ترى أن الأمة أجمعت على رفع اسم الجلالة في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=164وكلم الله موسى تكليما وقرأه بعض
المعتزلة بنصب اسم الجلالة لئلا يثبتوا لله كلاما ، وقرأ بعض
الرافضة (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=51وما كنت متخذ المضلين عضدا ) بصيغة التثنية ، وفسروها
بأبي بكر وعمر حاشاهما ، وقاتلهم الله .
وأما ما خالف الوجوه الصحيحة في العربية ففيه نظر قوي لأنا لا ثقة لنا بانحصار فصيح كلام العرب فيما صار إلى نحاة
البصرة والكوفة ، وبهذا نبطل كثيرا مما زيفه
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري من القراءات المتواترة بعلة أنها جرت على وجوه ضعيفة في العربية لا سيما ما كان منه في قراءة مشهورة كقراءة
nindex.php?page=showalam&ids=16447عبد الله بن عامر قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=137وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركائهم ببناء ( زين ) للمفعول وبرفع ( قتل ) ، ونصب ( أولادهم ) وخفض ( شركائهم ) ، ولو سلمنا أن ذلك وجه مرجوح ، فهو لا يعدو أن يكون من الاختلاف في كيفية النطق التي لا تناكد التواتر كما قدمناه آنفا على ما في اختلاف الإعرابين من إفادة معنى غير الذي يفيده الآخر ، لأن لإضافة المصدر إلى المفعول خصائص غير التي لإضافته إلى فاعله ، ولأن لبناء الفعل للمجهول نكتا غير التي لبنائه للفاعل ، على أن
أبا علي الفارسي ألف كتابا سماه " الحجة " احتج فيه للقراءات المأثورة احتجاجا من جانب العربية .
ثم إن
nindex.php?page=treesubj&link=28918القراءات العشر الصحيحة المتواترة ، قد تتفاوت بما يشتمل عليه بعضها من خصوصيات البلاغة أو الفصاحة أو كثرة المعاني أو الشهرة ، وهو تمايز متقارب ، وقل أن
[ ص: 62 ] يكسب إحدى القراءات في تلك الآية رجحانا ، على أن كثيرا من العلماء كان لا يرى مانعا من ترجيح قراءة على غيرها ، ومن هؤلاء الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=16935محمد بن جرير الطبري ، والعلامة
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري وفي أكثر ما رجح به نظر سنذكره في مواضعه ، وقد سئل
ابن رشد عما يقع في كتب المفسرين والمعربين من اختيار إحدى القراءتين المتواترتين وقولهم " هذه القراءة أحسن " : أذاك صحيح أم لا ؟ فأجاب : أما ما سألت عنه مما يقع في كتب المفسرين والمعربين من تحسين بعض القراءات واختيارها على بعض لكونها أظهر من جهة الإعراب ، وأصح في النقل ، وأيسر في اللفظ فلا ينكر ذلك ، كرواية
nindex.php?page=showalam&ids=17274ورش التي اختارها الشيوخ المتقدمون عندنا أي
بالأندلس فكان الإمام في الجامع لا يقرأ إلا بها لما فيها من تسهيل النبرات وترك تحقيقها في جميع المواضع ، وقد تؤول ذلك فيما روي عن
مالك من كراهية
nindex.php?page=treesubj&link=22734النبر في القرآن في الصلاة .
وفي كتاب الصلاة الأول من العتبية : سئل
مالك عن النبر في القرآن فقال : إني لأكرهه وما يعجبني ذلك ، قال
ابن رشد في البيان " يعنى بالنبر هاهنا إظهار الهمزة في كل موضع على الأصل ، فكره ذلك واستحب فيه التسهيل على رواية
nindex.php?page=showalam&ids=17274ورش ، لما جاء من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تكن لغته الهمز أي إظهار الهمز في الكلمات المهموزة بل كان ينطق بالهمزة مسهلة إلى أحرف علة من جنس حركتها ، مثل ياجوج وماجوج بالألف دون الهمز ، ومثل الذيب في الذئب ومثل مومن في مؤمن . ثم قال : ولهذا المعنى كان العمل جاريا في
قرطبة قديما أن لا يقرأ الإمام بالجامع في الصلاة إلا برواية
nindex.php?page=showalam&ids=17274ورش ، وإنما تغير ذلك وتركت المحافظة عليه منذ زمن قريب ، اهـ ، وهذا
nindex.php?page=showalam&ids=15833خلف بن هشام البزار راوي
حمزة ، قد اختار لنفسه قراءة من بين قراءات الكوفيين ، ومنهم شيخه
nindex.php?page=showalam&ids=15760حمزة بن حبيب وميزها قراءة خاصة فعدت عاشرة القراءات العشر وما هي إلا اختيار من قراءات
الكوفيين ، ولم يخرج عن قراءة
حمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي وأبي بكر عن
عاصم إلا في قراءة قوله تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=95وحرام على قرية ) قرأها بالألف بعد الراء مثل
حفص والجمهور .
فإن قلت
nindex.php?page=treesubj&link=29586_28741_18626هل يفضي ترجيح بعض القراءات على بعض إلى أن تكون الراجحة أبلغ من المرجوحة فيفضي إلى أن المرجوحة أضعف في الإعجاز ؟
[ ص: 63 ] قلت : حد الإعجاز مطابقة الكلام لجميع مقتضى الحال ، وهو لا يقبل التفاوت ، ويجوز مع ذلك أن يكون بعض الكلام المعجز مشتملا على لطائف وخصوصيات تتعلق بوجوه الحسن كالجناس والمبالغة ، أو تتعلق بزيادة الفصاحة ، أو بالتفنن مثل
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=72أم تسألهم خرجا فخراج ربك خير على أنه يجوز أن تكون إحدى القراءات نشأت عن ترخيص النبي صلى الله عليه وسلم للقارئ أن يقرأ بالمرادف تيسيرا على الناس كما يشعر به حديث تنازع
عمر مع
nindex.php?page=showalam&ids=8859هشام بن حكيم ، فتروى تلك القراءة للخلف فيكون تمييز غيرها عليها بسبب أن المتميزة هي البالغة غاية البلاغة وأن الأخرى توسعة ورخصة ، ولا يعكر ذلك على كونها أيضا بالغة الطرف الأعلى من البلاغة وهو ما يقرب من حد الإعجاز .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=18626الإعجاز فلا يلزم أن يتحقق في كل آية من آي القرآن لأن التحدي إنما وقع بسورة مثل سور القرآن ، وأقصر سورة ثلاث آيات ، فكل مقدار ينتظم من ثلاث آيات من القرآن يجب أن يكون مجموعه معجزا .
( تنبيه ) أنا أقتصر في هذا التفسير على التعرض لاختلاف القراءات العشر المشهورة خاصة في أشهر روايات الراوين عن أصحابها لأنها متواترة ، وإن كانت القراءات السبع قد امتازت على بقية القراءات بالشهرة بين المسلمين في أقطار الإسلام .
وأبني أول التفسير على قراءة
نافع برواية
nindex.php?page=showalam&ids=16810عيسى بن مينا المدني الملقب بقالون ، لأنها القراءة المدنية ، إماما وراويا ، ولأنها التي يقرأ بها معظم أهل
تونس ، ثم أذكر خلاف بقية القراء العشرة خاصة .
والقراءات التي يقرأ بها اليوم في بلاد الإسلام من هذه القراءات العشر ، هي قراءة
نافع برواية
nindex.php?page=showalam&ids=16810قالون في بعض القطر
التونسي وبعض القطر
المصري ، وفي
ليبيا وبرواية
nindex.php?page=showalam&ids=17274ورش في بعض القطر
التونسي وبعض القطر
المصري وفي جميع القطر
الجزائري وجميع
المغرب الأقصى ، وما يتبعه من البلاد .
والسودان .
وقراءة
عاصم برواية
حفص عنه في جميع الشرق من
العراق والشام وغالب البلاد
المصرية والهند وباكستان وتركيا والأفغان . وبلغني أن قراءة
أبي عمرو البصري يقرأ بها في
السودان المجاور
مصر .
[ ص: 51 ] الْمُقَدِّمَةُ السَّادِسَةُ فِي الْقِرَاءَاتِ
لَوْلَا عِنَايَةُ كَثِيرٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ بِذِكْرِ
nindex.php?page=treesubj&link=28905_28916اخْتِلَافِ الْقِرَاءَاتِ فِي أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ حَتَّى فِي كَيْفِيَّاتِ الْأَدَاءِ ، لَكُنْتُ بِمَعْزِلٍ عَنِ التَّكَلُّمِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ عِلْمَ الْقِرَاءَاتِ عِلْمٌ جَلِيلٌ مُسْتَقِلٌّ قَدْ خُصَّ بِالتَّدْوِينِ وَالتَّأْلِيفِ وَقَدْ أَشْبَعَ فِيهِ أَصْحَابُهُ وَأَسْهَبُوا بِمَا لَيْسَ عَلَيْهِ مَزِيدٌ ، وَلَكِنِّي رَأَيْتُنِي بِمَحَلِّ الِاضْطِرَارِ إِلَى أَنْ أُلْقِيَ عَلَيْكُمْ جَمُلًا فِي هَذَا الْغَرَضِ تَعْرِفُونَ بِهَا مِقْدَارَ
nindex.php?page=treesubj&link=28916_28960تَعَلُّقِ اخْتِلَافِ الْقِرَاءَاتِ بِالتَّفْسِيرِ ، وَمَرَاتِبَ الْقِرَاءَاتِ قُوَّةً وَضَعْفًا ؟ كَيْ لَا تَعْجَبُوا مِنْ إِعْرَاضِي عَنْ ذِكْرِ كَثِيرٍ مِنَ الْقِرَاءَاتِ فِي أَثْنَاءِ التَّفْسِيرِ .
أَرَى أَنَّ لِلْقِرَاءَاتِ حَالَتَيْنِ : إِحْدَاهُمَا لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالتَّفْسِيرِ بِحَالٍ ، وَالثَّانِيَةُ لَهَا تَعَلُّقٌ بِهِ مِنْ جِهَاتٍ مُتَفَاوِتَةٍ .
أَمَّا الْحَالَةُ الْأُولَى فَهِيَ اخْتِلَافُ الْقُرَّاءِ فِي وُجُوهِ النُّطْقِ بِالْحُرُوفِ وَالْحَرَكَاتِ كَمَقَادِيرِ الْمَدِّ وَالِإِمَالَاتِ وَالتَّخْفِيفِ وَالتَّسْهِيلِ وَالتَّحْقِيقِ وَالْجَهْرِ وَالْهَمْسِ وَالْغُنَّةِ ، مِثْلَ ( عَذَابِي ) بِسُكُونِ الْيَاءِ وَ ( عَذَابِيَ ) بِفَتْحِهَا ، وَفِي تَعَدُّدِ وُجُوهِ الْإِعْرَابِ مِثْلَ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=214حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ بِفَتْحِ لَامِ ( يَقُولُ ) وَضَمِّهَا ، وَنَحْوَ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=254لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ بِرَفْعِ الْأَسْمَاءِ الثَّلَاثَةِ أَوْ فَتْحِهَا أَوْ رَفْعِ بَعْضٍ وَفَتْحِ بَعْضٍ ، وَمَزِيَّةُ الْقِرَاءَاتِ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ عَائِدَةٌ إِلَى أَنَّهَا حَفِظَتْ عَلَى أَبْنَاءِ الْعَرَبِيَّةِ مَا لَمْ يَحْفَظْهُ غَيْرُهَا وَهُوَ تَحْدِيدُ كَيْفِيَّاتِ نُطْقِ الْعَرَبِ بِالْحُرُوفِ فِي مَخَارِجِهَا وَصِفَاتِهَا وَبَيَانِ اخْتِلَافِ الْعَرَبِ فِي لَهَجَاتِ النُّطْقِ بِتَلَقِّي ذَلِكَ عَنْ قُرَّاءِ الْقُرْآنِ مِنَ الصَّحَابَةِ بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ ، وَهَذَا غَرَضٌ مُهِمٌّ جِدًّا لَكِنَّهُ لَا عَلَاقَةَ لَهُ بِالتَّفْسِيرِ لِعَدَمِ تَأْثِيرِهِ فِي اخْتِلَافِ مَعَانِي الْآيِ ، وَلَمْ أَرَ مَنْ عَرَفَ لِفَنِّ الْقِرَاءَاتِ حَقَّهُ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ ، وَفِيهَا أَيْضًا سَعَةٌ مِنْ بَيَانِ وُجُوهِ الْإِعْرَابِ فِي الْعَرَبِيَّةِ ، فَهِيَ لِذَلِكَ مَادَّةٌ كُبْرَى لِعُلُومِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ .
فَأَئِمَّةُ الْعَرَبِيَّةِ لَمَّا قَرَءُوا الْقُرْآنَ قَرَأُوهُ بِلَهَجَاتِ الْعَرَبِ الَّذِينَ كَانُوا بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ فِي الْأَمْصَارِ الَّتِي وُزِّعَتْ عَلَيْهَا الْمَصَاحِفُ :
الْمَدِينَةِ ، وَمَكَّةَ ، وَالْكُوفَةِ ،
وَالْبَصْرَةِ ، وَالشَّامِ ، قِيلَ
وَالْيَمَنِ وَالْبَحْرَيْنِ ، وَكَانَ فِي هَذِهِ الْأَمْصَارِ قُرَّاؤُهَا مِنَ الصَّحَابَةِ قَبْلَ وُرُودُ مُصْحَفِ
عُثْمَانَ إِلَيْهِمْ فَقَرَأَ كُلُّ فَرِيقٍ بِعَرَبِيَّةِ قَوْمِهِ فِي وُجُوهِ الْأَدَاءِ ، لَا فِي زِيَادَةِ الْحُرُوفِ وَنَقْصِهَا ، وَلَا فِي اخْتِلَافِ
[ ص: 52 ] الْإِعْرَابِ دُونَ مُخَالَفَتِهِ مُصْحَفَ
عُثْمَانَ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْقَارِئُ الْوَاحِدُ قَدْ قَرَأَ بِوَجْهَيْنِ لِيُرِيَ صِحَّتَهُمَا فِي الْعَرَبِيَّةِ قَصْدًا لِحِفْظِ اللُّغَةِ مَعَ حِفْظِ الْقُرْآنِ الَّذِي أُنْزِلَ بِهَا ، وَلِذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَثِيرٌ مِنِ اخْتِلَافِ الْقُرَّاءِ فِي هَذِهِ النَّاحِيَةِ اخْتِيَارًا ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا يَقَعُ فِي كِتَابَيِ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيِّ وَابْنِ الْعَرَبِيِّ مِنْ نَقْدِ بَعْضِ طُرُقِ الْقُرَّاءِ ، عَلَى أَنَّ فِي بَعْضِ نَقْدِهِمْ نَظَرًا ، وَقَدْ كَرِهَ
مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ الْقِرَاءَةَ بِالْإِمَالَةِ مَعَ ثُبُوتِهَا عَنِ الْقُرَّاءِ ، وَهِيَ مَرْوِيَّةٌ عَنْ مُقْرِئِ الْمَدِينَةِ
نَافِعٍ مِنْ رِوَايَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=17274وَرْشٍ عَنْهُ وَانْفَرَدَ بِرِوَايَتِهِ
أَهْلُ مِصْرَ ، فَدَلَّتْ كَرَاهَتُهُ عَلَى أَنَّهُ يَرَى أَنَّ الْقَارِئَ بِهَا مَا قَرَأَ إِلَّا بِمُجَرَّدِ الِاخْتِيَارِ ، وَفِي تَفْسِيرِ
الْقُرْطُبِيِّ فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=14416أَبِي إِسْحَاقَ الزَّجَّاجِ ، يَجُوزُ أَنْ يُقْرَأَ " طسينَ مِيمُ " بِفَتْحِ النُّونِ مِنْ " طسين " وَضَمِّ الْمِيمِ الْأَخِيرَةِ كَمَا يُقَالُ هَذَا
مَعْدِ يكَرِبُ اهـ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَقْرَأْ بِهِ أَحَدٌ . قُلْتُ : وَلَا ضَيْرَ فِي ذَلِكَ مَا دَامَتْ كَلِمَاتُ الْقُرْآنِ وَجُمَلُهُ مَحْفُوظَةً عَلَى نَحْوِ مَا كُتِبَ فِي الْمُصْحَفِ الَّذِي أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ إِلَّا نَفَرًا قَلِيلًا شَذُّوا مِنْهُمْ ، كَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=10عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ مِنْهُمْ ، فَإِنَّ
عُثْمَانَ لَمَّا أَمَرَ بِكَتْبِ الْمُصْحَفِ عَلَى نَحْوِ مَا قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَثْبَتَهُ كُتَّابُ الْمُصْحَفِ ، رَأَى أَنْ يَحْمِلَ النَّاسَ عَلَى اتِّبَاعِهِ وَتَرْكِ قِرَاءَاتِ مَا خَالَفَهُ ، وَجَمَعَ جَمِيعَ الْمَصَاحِفِ الْمُخَالِفَةِ لَهُ وَأَحْرَقَهَا وَوَافَقَهُ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ عَلَى مَا فَعَلَهُ . قَالَ
شَمْسُ الدِّينِ الْأَصْفَهَانِيُّ فِي الْمُقَدِّمَةِ الْخَامِسَةِ مِنْ تَفْسِيرِهِ . كَانَ
عَلِيٌّ طُولَ أَيَّامِهِ يَقْرَأُ مُصْحَفَ
عُثْمَانَ وَيَتَّخِذُهُ إِمَامًا . وَقُلْتُ : إِنَّمَا كَانَ فِعْلُ
عُثْمَانَ إِتْمَامًا لِمَا فَعَلَهُ
أَبُو بَكْرٍ مِنْ جَمْعِهِ الْقُرْآنَ الَّذِي كَانَ يُقْرَأُ فِي حَيَاةِ الرَّسُولِ ، وَأَنَّ
عُثْمَانَ نَسَخَهُ فِي مَصَاحِفَ لِتُوَزَّعَ عَلَى الْأَمْصَارِ ، فَصَارَ الْمُصْحَفُ الَّذِي كُتِبَ
لِعُثْمَانَ قَرِيبًا مِنَ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ وَعَلَى كُلِّ قِرَاءَةٍ تُوَافِقُهُ وَصَارَ مَا خَالَفَهُ مَتْرُوكًا بِمَا يُقَارِبُ الْإِجْمَاعَ .
قَالَ
الْأَصْفَهَانِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ كَانَتْ قِرَاءَةُ
أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ nindex.php?page=showalam&ids=47وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَاحِدَةً ، وَهِيَ قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ الَّتِي قَرَأَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى
جِبْرِيلَ فِي الْعَامِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ ، وَيُقَالُ إِنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=47زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ شَهِدَ الْعَرْضَةَ الْأَخِيرَةِ الَّتِي عَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ عَلَى
جِبْرِيلَ اهـ وَبَقِيَ الَّذِينَ قَرَأُوا قِرَاءَاتٍ مُخَالِفَةً لِمُصْحَفِ
عُثْمَانَ يَقْرَأُونَ بِمَا رَوَوْهُ لَا يَنْهَاهُمْ أَحَدٌ عَنْ قِرَاءَتِهِمْ وَلَكِنْ يَعُدُّونَهُمْ شُذَّاذًا وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَكْتُبُوا قِرَاءَتَهُمْ فِي مَصَاحِفَ بَعْدَ أَنْ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى مُصْحَفِ
عُثْمَانَ ، قَالَ
الْبَغَوِيُّ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى "
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=29وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ " عَنْ
مُجَاهِدٍ وَفِي الْكَشَّافِ
وَالْقُرْطُبِيِّ - قَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ " وَطَلْعٍ مَنْضُودٍ " بِعَيْنٍ فِي مَوْضِعِ الْحَاءِ ، وَقَرَأَ قَارِئٌ بَيْنَ يَدَيْهِ "
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=29وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ " فَقَالَ : وَمَا شَأْنُ الطَّلْحِ ؟ إِنَّمَا هُوَ " وَطَلْعٍ "
[ ص: 53 ] وَقَرَأَ " لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ " فَقَالُوا أَفَلَا نُحَوِّلُهَا ؟ فَقَالَ إِنَّ آيَ الْقُرْآنِ لَا تُهَاجُ الْيَوْمَ وَلَا تُحَوُّلُ ، أَيْ لَا تُغَيَّرُ حُرُوفُهَا وَلَا تُحَوَّلُ عَنْ مَكَانِهَا فَهُوَ قَدْ مَنَعَ مِنْ تَغْيِيرِ الْمُصْحَفِ ، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَتْرُكِ الْقِرَاءَةَ الَّتِي رَوَاهَا ، وَمِمَّنْ نُسِبَتْ إِلَيْهِمْ قِرَاءَاتٌ مُخَالِفَةٌ لِمُصْحَفِ
عُثْمَانَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=10عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ nindex.php?page=showalam&ids=34وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ nindex.php?page=showalam&ids=267وَسَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ ، إِلَى أَنْ تَرَكَ النَّاسُ ذَلِكَ تَدْرِيجًا . ذَكَرَ
الْفَخْرُ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=15إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ مِنْ سُورَةِ النُّورِ أَنَّ
سُفْيَانَ قَالَ : سَمِعْتُ أُمِّي تَقْرَأُ " إِذْ تَثْقَفُونَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ " وَكَانَ أَبُوهَا يَقْرَأُ بِقِرَاءَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ ، وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ شَذَّتْ مَصَاحِفُ بَقِيَتْ مَغْفُولًا عَنْهَا بِأَيْدِي أَصْحَابِهَا ، مِنْهَا مَا ذَكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ فِي الْكَشَّافِ فِي سُورَةِ الْفَتْحِ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=14058الْحَارِثَ بْنَ سُوَيْدٍ صَاحِبَ
nindex.php?page=showalam&ids=10عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ كَانَ لَهُ مُصْحَفٌ دَفَنَهُ فِي مُدَّةِ
الْحَجَّاجِ ، قَالَ فِي الْكَشَّافِ لِأَنَّهُ كَانَ مُخَالِفًا لِلْمُصْحَفِ الْإِمَامِ ، وَقَدْ أَفْرَطَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ فِي تَوْهِينِ بَعْضِ الْقِرَاءَاتِ لِمُخَالَفَتِهَا لِمَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ النُّحَاةُ وَذَلِكَ مِنْ إِعْرَاضِهِ عَنْ مَعْرِفَةِ الْأَسَانِيدِ . مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ اتَّفَقَ عُلَمَاءُ الْقِرَاءَاتِ وَالْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28917_28944كُلَّ قِرَاءَةٍ وَافَقَتْ وَجْهًا فِي الْعَرَبِيَّةِ وَوَافَقَتْ خَطَّ الْمُصْحَفِ أَيْ مُصْحَفِ عُثْمَانَ وَصَحَّ سَنَدُ رَاوِيهَا ; فَهِيَ قِرَاءَةٌ صَحِيحَةٌ لَا يَجُوزُ رَدُّهَا ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12815أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ : وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ تَوَاتُرَهَا تَبَعٌ لِتَوَاتُرِ الْمُصْحَفِ الَّذِي وَافَقَتْهُ وَمَا دُونَ ذَلِكَ فَهُوَ شَاذٌّ ، يَعْنِي وَأَنَّ تَوَاتُرَ الْمُصْحَفِ نَاشِئٌ عَنْ تَوَاتُرِ الْأَلْفَاظِ الَّتِي كُتِبَتْ فِيهِ .
قُلْتُ - وَهَذِهِ الشُّرُوطُ الثَّلَاثَةُ ، هِيَ شُرُوطٌ فِي قَبُولِ الْقِرَاءَةِ إِذَا كَانَتْ غَيْرَ مُتَوَاتِرَةٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، بِأَنْ كَانَتْ صَحِيحَةَ السَّنَدِ إِلَى النَّبِيِّ وَلَكِنَّهَا لَمْ تَبْلُغْ حَدَّ التَّوَاتُرِ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=28917وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ الْمُتَوَاتِرَةُ فَهِيَ غَنِيَّةٌ عَنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ لِأَنَّ تَوَاتُرَهَا يَجْعَلُهَا حُجَّةً فِي الْعَرَبِيَّةِ ، وَيُغْنِيهَا عَنِ الِاعْتِضَادِ بِمُوَافَقَةِ الْمُصْحَفِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ جَمْعًا مِنْ أَهْلِ الْقِرَاءَاتِ الْمُتَوَاتِرَةِ قَرَءُوا قَوْلَهُ تَعَالَى " وَمَاهُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِظَنِينٍ " بِظَاءٍ مُشَالَةٍ أَيْ بِمُتَّهَمٍ ، وَقَدْ كُتِبَتْ فِي الْمَصَاحِفِ كُلِّهَا بِالضَّادِ السَّاقِطَةِ .
عَلَى أَنَّ
أَبَا عَلِيٍّ الْفَارِسِيِّ صَنَّفَ كِتَابَ " الْحُجَّةِ لِلْقِرَاءَاتِ " ، وَهُوَ مُعْتَمَدٌ عِنْدَ الْمُفَسِّرِينَ وَقَدْ رَأَيْتُ نُسْخَةً مِنْهُ فِي مَكَاتِبِ الْآسِتَانَةِ . فَالْقِرَاءَاتُ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ لَا تُفِيدُ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ ، وَالْمُرَادُ بِمُوَافَقَةِ خَطِّ الْمُصْحَفِ مُوَافَقَةُ أَحَدِ الْمَصَاحِفِ الْأَئِمَّةِ الَّتِي وَجَّهَ بِهَا
nindex.php?page=showalam&ids=7عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ إِلَى أَمْصَارِ الْإِسْلَامِ إِذْ قَدْ يَكُونُ اخْتِلَافٌ يَسِيرٌ نَادِرٌ بَيْنَ بَعْضِهَا ، مِثْلَ زِيَادَةِ الْوَاوِ فِي
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=133وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ [ ص: 54 ] فِي مُصْحَفِ
الْكُوفَةِ وَمِثْلَ زِيَادَةِ الْفَاءِ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=30وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ فِي سُورَةِ الشُّورَى "
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=8وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا - أَوْ إِحْسَانًا " فَذَلِكَ اخْتِلَافٌ نَاشِئٌ عَنِ الْقِرَاءَةِ بِالْوَجْهَيْنِ بَيْنَ الْحُفَّاظِ مِنْ زَمَنِ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ تَلَقَّوُا الْقُرْآنَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لِأَنَّهُ قَدْ أَثْبَتَهُ نَاسِخُو الْمُصْحَفِ فِي زَمَنِ
عُثْمَانَ فَلَا يُنَافِي التَّوَاتُرَ إِذْ لَا تَعَارُضَ ، إِذَا كَانَ الْمَنْقُولُ عَنْهُ قَدْ نَطَقَ بِمَا نَقَلَهُ عَنْهُ النَّاقِلُونَ فِي زَمَانَيْنِ أَوْ أَزْمِنَةٍ ، أَوْ كَانَ قَدْ أُذِنَ لِلنَّاقِلِينَ أَنْ يَقْرَءُوا بِأَحَدِ اللَّفْظَيْنِ أَوِ الْأَلْفَاظِ ، وَقَدِ انْحَصَرَ تَوَفُّرُ الشُّرُوطِ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28918الرِّوَايَاتِ الْعَشْرِ لِلْقُرَّاءِ وَهُمْ ،
nindex.php?page=showalam&ids=17192نَافِعُ بْنُ أَبِي نُعَيْمٍ الْمَدَنِيُّ ، nindex.php?page=showalam&ids=16456وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ الْمَكِّيُّ ، وَأَبُو عَمْرٍو الْمَازِنِيُّ الْبَصْرِيُّ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ الدِّمَشْقِيُّ ، nindex.php?page=showalam&ids=16273وَعَاصِمُ بْنُ أَبِي النَّجُودِ الْكُوفِيُّ ، nindex.php?page=showalam&ids=15760وَحَمْزَةُ بْنُ حَبِيبٍ الْكُوفِيُّ ، nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ عَلِيُّ بْنُ حَمْزَةَ الْكُوفِيُّ ، nindex.php?page=showalam&ids=17379وَيَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَضْرَمِيُّ الْبَصْرِيُّ ، وَأَبُو جَعْفَرٍ يَزِيدُ بْنُ الْقَعْقَاعِ الْمَدَنِيُّ ، وَخَلَفٌ الْبَزَّارُ ( بِزَايٍ فَأَلِفٌ فَرَاءٌ مُهْمَلَةٌ ) الْكُوفِيُّ ، وَهَذَا الْعَاشِرُ لَيْسَتْ لَهُ رِوَايَةٌ خَاصَّةٌ ، وَإِنَّمَا اخْتَارَ لِنَفْسِهِ قِرَاءَةً تُنَاسِبُ قِرَاءَاتِ أَئِمَّةِ
الْكُوفَةِ ، فَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ قِرَاءَاتِ قُرَّاءِ
الْكُوفَةِ إِلَّا قَلِيلًا ، وَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَجْعَلُ قِرَاءَةَ
ابْنِ مُحَيْصِنٍ وَالْيَزِيدِيِّ وَالْحَسَنِ ، nindex.php?page=showalam&ids=13726وَالْأَعْمَشِ ، مَرْتَبَةً دُونَ الْعَشْرِ ، وَقَدْ عَدَّ الْجُمْهُورُ مَا سِوَى ذَلِكَ شَاذًّا لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ بِتَوَاتُرِ حُفَّاظِ الْقُرْآنِ .
وَالَّذِي قَالَهُ
مَالِكٌ nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ ، أَنَّ مَا دُونَ الْعَشْرِ لَا تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ بِهِ وَلَا أَخْذُ حُكْمٍ مِنْهُ لِمُخَالَفَتِهِ الْمُصْحَفَ الَّذِي كُتِبَ فِيهِ مَا تَوَاتَرَ ، فَكَانَ مَا خَالَفَهُ غَيْرُ مُتَوَاتِرٍ فَلَا يَكُونُ قُرْآنًا ، وَقَدْ تُرْوَى قِرَاءَاتٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ فِي كُتُبِ الصَّحِيحِ مِثْلَ صَحِيحِ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَأَضْرَابِهِمَا إِلَّا أَنَّهَا لَا يَجُوزُ لِغَيْرِ مَنْ سَمِعَهَا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِرَاءَةُ بِهَا لِأَنَّهَا غَيْرُ مُتَوَاتِرَةِ النَّقْلِ فَلَا يُتْرَكُ الْمُتَوَاتِرُ لِلْآحَادِ وَإِذَا كَانَ رَاوِيهَا قَدْ بَلَغَتْهُ قِرَاءَةٌ أُخْرَى مُتَوَاتِرَةٌ تُخَالِفُ مَا رَوَاهُ وَتَحَقَّقَ لَدَيْهِ التَّوَاتُرُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْرَأَ بِالْمَرْوِيَّةِ تَوَاتُرًا ، وَقَدِ اصْطَلَحَ الْمُفَسِّرُونَ عَلَى أَنْ يُطْلِقُوا عَلَيْهَا قِرَاءَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لِأَنَّهَا غَيْرُ مُنْتَسِبَةٍ إِلَى أَحَدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الرِّوَايَةِ فِي الْقِرَاءَاتِ ، وَيَكْثُرُ ذِكْرُ هَذَا الْعُنْوَانِ فِي تَفْسِيرِ
nindex.php?page=showalam&ids=16935مُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ وَفِي الْكَشَّافِ وَفِي الْمُحَرَّرِ الْوَجِيزِ
nindex.php?page=showalam&ids=16310لِعَبْدِ الْحَقِّ بْنِ عَطِيَّةَ ، وَسَبَقَهُمْ إِلَيْهِ
nindex.php?page=showalam&ids=13042أَبُو الْفَتْحِ بْنُ جِنِّي ، فَلَا تَحْسَبُوا أَنَّهُمْ أَرَادُوا بِنِسْبَتِهَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهَا وَحْدَهَا الْمَأْثُورَةُ عَنْهُ ، وَلَا تَرْجِيحَهَا عَلَى الْقِرَاءَاتِ الْمَشْهُورَةِ ؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَاتِ الْمَشْهُورَةَ قَدْ رُوِيَتْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[ ص: 55 ] بِأَسَانِيدَ أَقْوَى وَهِيَ مُتَوَاتِرَةٌ عَلَى الْجُمْلَةِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ ، وَمَا كَانَ يَنْبَغِي إِطْلَاقُ وَصْفِ قِرَاءَةِ النَّبِيِّ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ يُوهِمُ مَنْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْفَهْمِ الصَّحِيحِ أَنَّ غَيْرَهَا لَمْ يَقْرَأْ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهَذَا يَرْجِعُ إِلَى تَبَجُّحِ أَصْحَابِ الرِّوَايَةِ بِمَرْوِيَّاتِهِمْ .
وَأَمَّا الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ : فَهِيَ
nindex.php?page=treesubj&link=28916_28960اخْتِلَافُ الْقُرَّاءِ فِي حُرُوفِ الْكَلِمَاتِ مِثْلَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=4مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) وَ ( مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) وَ ( نَنْشُرُهَا ) وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259نُنْشِزُهَا وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=110وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا بِتَشْدِيدِ الذَّالِ أَوْ قَدْ كُذِبُوا بِتَخْفِيفِهِ ، وَكَذَلِكَ اخْتِلَافُ الْحَرَكَاتِ الَّذِي يَخْتَلِفُ مَعَهُ مَعْنَى الْفِعْلِ كَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=57وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصُدُّونَ قَرَأَ
نَافِعٌ بِضَمِّ الصَّادِ وَقَرَأَ
حَمْزَةُ بِكَسْرِ الصَّادِ ، فَالْأُولَى بِمَعْنَى يَصُدُّونَ غَيْرَهُمْ عَنِ الْإِيمَانِ ، وَالثَّانِيَةُ بِمَعْنَى صُدُودِهِمْ فِي أَنْفُسِهِمْ وَكِلَا الْمَعْنَيَيْنِ حَاصِلٌ مِنْهُمْ ، وَهِيَ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ لَهَا مَزِيدُ تَعَلُّقٍ بِالتَّفْسِيرِ لِأَنَّ ثُبُوتَ أَحَدِ اللَّفْظَيْنِ فِي قِرَاءَةٍ قَدْ يُبَيِّنُ الْمُرَادَ مِنْ نَظِيرِهِ فِي الْقِرَاءَةِ الْأُخْرَى ، أَوْ يُثِيرُ مَعْنًى غَيْرَهُ ، وَلِأَنَّ اخْتِلَافَ الْقِرَاءَاتِ فِي أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ يُكْثِرُ الْمَعَانِيَ فِي الْآيَةِ الْوَاحِدَةِ نَحْوَ " حَتَّى يَطَّهَّرْنَ " بِفَتْحِ الطَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ وَالْهَاءِ الْمُشَدَّدَةِ ، وَبِسُكُونِ الطَّاءِ وَضَمِّ الْهَاءِ مُخَفَّفَةً ، وَنَحْوَ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ وَ ( لَمَسْتُمُ النِّسَاءَ ) وَقِرَاءَةِ ( وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِنْدَ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا ) مَعَ قِرَاءَةِ " الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ " ، وَالظَّنُّ أَنَّ الْوَحْيَ نَزَلَ بِالْوَجْهَيْنِ وَأَكْثَرَ ، تَكْثِيرًا لِلْمَعَانِي إِذَا جَزَمْنَا بِأَنَّ جَمِيعَ الْوُجُوهِ فِي الْقِرَاءَاتِ الْمَشْهُورَةِ هِيَ مَأْثُورَةٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، عَلَى أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَجِيءُ أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ عَلَى مَا يَحْتَمِلُ تِلْكَ الْوُجُوهِ مُرَادًا لِلَّهِ تَعَالَى لِيَقْرَأَ الْقُرَّاءُ بِوُجُوهٍ فَتَكْثُرَ مِنْ جَرَّاءِ ذَلِكَ الْمَعَانِي ، فَيَكُونُ وُجُودُ الْوَجْهَيْنِ فَأَكْثَرَ فِي مُخْتَلِفِ الْقِرَاءَاتِ مُجْزِئًا عَنْ آيَتَيْنِ فَأَكْثَرَ ، وَهَذَا نَظِيرُ التَّضْمِينِ فِي اسْتِعْمَالِ الْعَرَبِ ، وَنَظِيرُ التَّوْرِيَةِ وَالتَّوْجِيهِ فِي الْبَدِيعِ ، وَنَظِيرُ مُسْتَتْبَعَاتِ التَّرَاكِيبِ فِي عِلْمِ الْمَعَانِي ، وَهُوَ مِنْ زِيَادَةِ مُلَاءَمَةِ بَلَاغَةِ الْقُرْآنِ ، وَلِذَلِكَ كَانَ اخْتِلَافُ الْقُرَّاءِ فِي اللَّفْظِ الْوَاحِدِ مِنَ الْقُرْآنِ قَدْ يَكُونُ مَعَهُ اخْتِلَافُ الْمَعْنَى ; وَلَمْ يَكُنْ حَمْلُ أَحَدِ الْقِرَاءَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى مُتَعَيِّنًا وَلَا مُرَجَّحًا ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ
أَبِي عَلِيٍّ الْفَارِسِيِّ فِي كِتَابِ الْحُجَّةِ أَنَّهُ يَخْتَارُ حَمْلَ مَعْنَى إِحْدَى الْقِرَاءَتَيْنِ عَلَى مَعْنَى الْأُخْرَى ، وَمِثَالُ هَذَا قَوْلُهُ فِي قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ قَوْلَهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=24فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ فِي سُورَةِ الْحَدِيدِ ، وَقِرَاءَةُ
نَافِعٍ وَابْنِ عَامِرٍ ( فَإِنَّ اللَّهَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ) بِإِسْقَاطِ ( هُوَ ) أَنَّ مَنْ أَثْبَتَ " هُوَ " يَحْسُنُ أَنْ يَعْتَبِرَهُ ضَمِيرَ فَصْلٍ لَا مُبْتَدَأً ، لِأَنَّهُ
[ ص: 56 ] لَوْ كَانَ مُبْتَدَأً لَمْ يَجُزْ حَذْفُهُ فِي قِرَاءَةِ
نَافِعٍ وَابْنِ عَامِرٍ ، قَالَ .
أَبُو حَيَّانَ : وَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ بَنَى ذَلِكَ عَلَى تَوَافُقِ الْقِرَاءَتَيْنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ قِرَاءَتَانِ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ لِكُلٍّ مِنْهُمَا تَوْجِيهٌ يُخَالِفُ الْآخَرَ ، كَقِرَاءَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=36وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ بِضَمِّ التَّاءِ أَوْ سُكُونِهَا . وَأَنَا أَرَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28960_28957عَلَى الْمُفَسِّرِ أَنْ يُبَيِّنَ اخْتِلَافَ الْقِرَاءَاتِ الْمُتَوَاتِرَةِ لِأَنَّ فِي اخْتِلَافِهَا تَوْفِيرًا لِمَعَانِي الْآيَةِ غَالِبًا فَيَقُومُ تَعَدُّدُ الْقِرَاءَاتِ مَقَامَ تَعَدُّدِ كَلِمَاتِ الْقُرْآنِ . وَهَذَا يُبَيِّنُ لَنَا أَنَّ اخْتِلَافَ الْقِرَاءَاتِ قَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مَعَ
nindex.php?page=showalam&ids=8859هِشَامِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ فَفِي صَحِيحِ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ nindex.php?page=hadith&LINKID=10341033أَنَّ nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ : سَمِعْتُ nindex.php?page=showalam&ids=8859هِشَامَ بْنَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ يَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ سُورَةَ الْفُرْقَانِ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ فَاسْتَمَعْتُ لِقِرَاءَتِهِ فَإِذَا هُوَ يَقْرَأُ عَلَى حُرُوفٍ كَثِيرَةٍ لَمْ يُقْرِئْنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ ، فَكِدْتُ أُسَاوِرُهُ فِي الصَّلَاةِ فَتَصَبَّرْتُ حَتَّى سَلَّمَ فَلَبَبْتُهُ بِرِدَائِهِ فَقُلْتُ : مَنْ أَقْرَأَكَ هَذِهِ السُّورَةَ الَّتِي سَمِعْتُكَ تَقْرَأُ ؟ قَالَ : أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ ، فَقُلْتُ : كَذَبْتَ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَقْرَأَنِيهَا عَلَى غَيْرِ مَا قَرَأْتَ ، فَانْطَلَقْتُ بِهِ أَقُودُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ فَقُلْتُ : إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى حُرُوفٍ لَمْ تُقْرِئْنِيهَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : اقْرَأْ يَا هِشَامُ فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةَ الَّتِي سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ " كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ " ، ثُمَّ قَالَ اقْرَأْ يَا عُمَرُ فَقَرَأْتُ الْقِرَاءَةَ الَّتِي أَقْرَأَنِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ " كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ إِنَّ هَذَا nindex.php?page=treesubj&link=28865الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ " اهـ وَفِي الْحَدِيثِ إِشْكَالٌ ، وَلِلْعُلَمَاءِ فِي مَعْنَاهُ أَقْوَالٌ يَرْجِعُ إِلَى اعْتِبَارَيْنِ : أَحَدُهُمَا اعْتِبَارُ الْحَدِيثِ مَنْسُوخًا وَالْآخَرُ اعْتِبَارُهُ مُحْكَمًا . فَأَمَّا الَّذِينَ اعْتَبَرُوا الْحَدِيثَ مَنْسُوخًا وَهُوَ رَأْيُ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ
nindex.php?page=showalam&ids=12604أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=13332وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ nindex.php?page=showalam&ids=12815وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=16935وَالطَّبَرِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=14695وَالطَّحَاوِيُّ ، وَيُنْسَبُ إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=16008ابْنِ عُيَيْنَةَ وَابْنِ وَهْبٍ قَالُوا : كَانَ ذَلِكَ رُخْصَةً فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ أَبَاحَ اللَّهُ لِلْعَرَبِ أَنْ يَقْرَءُوا الْقُرْآنَ بِلُغَاتِهِمُ الَّتِي جَرَتْ عَادَتُهُمْ بِاسْتِعْمَالِهَا ، ثُمَّ نَسَخَ ذَلِكَ بِحَمْلِ النَّاسِ عَلَى لُغَةِ
قُرَيْشٍ لِأَنَّهَا الَّتِي بِهَا نَزَلَ الْقُرْآنُ وَزَالَ الْعُذْرُ لِكَثْرَةِ الْحِفْظِ وَتَيْسِيرِ الْكِتَابَةِ ، وَقَالَ
ابْنُ الْعَرَبِيِّ دَامَتِ الرُّخْصَةُ مُدَّةَ حَيَاةِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ ذَلِكَ نُسِخَ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَإِمَّا نُسِخَ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ أَوْ بِوِصَايَةٍ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِ
عُمَرَ : إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=32264الْقُرْآنَ نَزَلَ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ ، وَبِنَهْيِهِ
nindex.php?page=showalam&ids=10عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنْ يَقْرَأَ
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=174فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ [ ص: 57 ] وَهِيَ لُغَةُ
هُذَيْلٍ فِي ( حَتَّى ) ، وَبِقَوْلِ
عُثْمَانَ لِكُتَّابِ الْمَصَاحِفِ : فَإِذَا اخْتَلَفْتُمْ فِي حَرْفٍ فَاكْتُبُوهُ بِلُغَةِ
قُرَيْشٍ فَإِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ ، يُرِيدُ أَنَّ لِسَانَ
قُرَيْشٍ هُوَ الْغَالِبُ عَلَى الْقُرْآنِ ، أَوْ أَرَادَ أَنَّهُ نَزَلَ بِمَا نَطَقُوا بِهِ مِنْ لُغَتِهِمْ وَمَا غَلَبَ عَلَى لُغَتِهِمْ مِنْ لُغَاتِ الْقَبَائِلِ إِذْ كَانَ
عُكَاظٌ بِأَرْضِ
قُرَيْشٍ وَكَانَتْ
مَكَّةُ مَهْبِطَ الْقَبَائِلِ كُلِّهَا .
وَلَهُمْ فِي تَحْدِيدِ
nindex.php?page=treesubj&link=28865مَعْنَى الرُّخْصَةِ بِسَبْعَةِ أَحْرُفٍ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ : الْأَوَّلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَحْرُفِ الْكَلِمَاتُ الْمُتَرَادِفَةُ لِلْمَعْنَى الْوَاحِدِ ، أَيْ أُنْزِلَ بِتَخْيِيرِ قَارِئِهِ أَنْ يَقْرَأَهُ بِاللَّفْظِ الَّذِي يَحْضُرُهُ مِنَ الْمُرَادِفَاتِ تَسْهِيلًا عَلَيْهِمْ حَتَّى يُحِيطُوا بِالْمَعْنَى . وَعَلَى هَذَا الْجَوَابِ فَقِيلَ : الْمُرَادُ بِالسَّبْعَةِ حَقِيقَةُ الْعَدَدِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ فَيَكُونُ تَحْدِيدًا لِلرُّخْصَةِ بِأَنْ لَا يَتَجَاوَزَ سَبْعَةَ مُرَادِفَاتٍ أَوْ سَبْعَ لَهَجَاتٍ أَيْ مِنْ سَبْعِ لُغَاتٍ ; إِذْ لَا يَسْتَقِيمُ غَيْرُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى فِي كَلِمَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ أَنْ يَكُونَ لَهَا سِتَّةُ مُرَادِفَاتٍ أَصْلًا ، وَلَا فِي كَلِمَةٍ أَنْ يَكُونَ فِيهَا سَبْعُ لَهَجَاتٍ إِلَّا كَلِمَاتٍ قَلِيلَةً مِثْلَ أُفٍّ -
وَجِبْرِيلَ وَأَرْجِهْ . وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28865تَعْيِينِ اللُّغَاتِ السَّبْعِ ، فَقَالَ
أَبُو عُبَيْدَةَ وَابْنُ عَطِيَّةَ وَأَبُو حَاتِمٍ وَالْبَاقِلَّانِيُّ هِيَ مِنْ عُمُومِ لُغَاتِ الْعَرَبِ وَهُمْ :
قُرَيْشٌ ، وَهُذَيْلٌ ، وَتَيْمُ الرِّبَابِ ، وَالْأَزْدُ ، وَرَبِيعَةُ ، وَهَوَازِنُ ، وَسَعْدُ بْنُ بَكْرٍ مِنْ
هَوَازِنَ ، وَبَعْضُهُمْ يَعُدُّ
قُرَيْشًا ، وَبَنِي دَارِمَ ، وَالْعُلْيَا مِنْ هَوَازِنَ وَهُمْ
سَعْدُ بْنُ بَكْرٍ ، وَجُشَمُ بْنُ بَكْرٍ ،
وَنَصْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، وَثَقِيفٌ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12114أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ " أَفْصَحُ الْعَرَبِ
عُلْيَا هَوَازِنَ وَسُفْلَى تَمِيمٍ وَهُمْ
بَنُو دَارِمَ . وَبَعْضُهُمْ يَعُدُّ
خُزَاعَةَ وَيَطْرَحُ
تَمِيمًا ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13757أَبُو عَلِيٍّ الْأَهْوَازِيُّ ، nindex.php?page=showalam&ids=13332وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ ، وَابْنُ قُتَيْبَةَ هِيَ لُغَاتُ قَبَائِلَ مِنْ
مُضَرَ وَهُمْ
قُرَيْشٌ ، وَهُذَيْلٌ ، وَكِنَانَةُ ، وَقَيْسٌ ، وَضَبَّةُ ، وَتَيْمُ الرِّبَابِ ، وَأَسَدُ بْنُ خُزَيْمَةَ ، وَكُلُّهَا مِنْ
مُضَرَ .
الْقَوْلُ الثَّانِي : لِجَمَاعَةٍ مِنْهُمْ
عِيَاضٌ : أَنَّ الْعَدَدَ غَيْرُ مُرَادٍ بِهِ حَقِيقَتُهُ ، بَلْ هُوَ كِنَايَةٌ عَنِ التَّعَدُّدِ وَالتَّوَسُّعِ ، وَكَذَلِكَ الْمُرَادِفَاتُ وَلَوْ مِنْ لُغَةٍ وَاحِدَةٍ كَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=101&ayano=5كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنُ مَسْعُودٍ كَالصُّوفِ الْمَنْفُوشِ ، وَقَرَأَ
أُبَيٌّ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=20كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ ) مَرُّوا فِيهِ - سَعَوْا فِيهِ ، وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنُ مَسْعُودٍ nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=13انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ أَخِّرُونَا ، أَمْهِلُونَا ، وَأَقْرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنُ مَسْعُودٍ رَجُلًا
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=43إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الْأَثِيمِ فَقَالَ الرَّجُلُ : طَعَامَ الْيَتِيمِ ، فَأَعَادَ لَهُ فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَقُولَ الْأَثِيمَ فَقَالَ لَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنُ مَسْعُودٍ : أَتَسْتَطِيعُ أَنْ تَقُولَ طَعَامَ الْفَاجِرِ ؟ قَالَ نَعَمْ ، قَالَ فَاقْرَأْ كَذَلِكَ ، وَقَدِ اخْتَلَفَ
عُمَرُ nindex.php?page=showalam&ids=8859وَهِشَامُ بْنُ حَكِيمٍ وَلُغَتُهُمَا وَاحِدَةٌ .
[ ص: 58 ] الْقَوْلُ الثَّالِثُ : أَنَّ الْمُرَادَ التَّوْسِعَةُ فِي نَحْوِ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=148وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا أَنْ يَقْرَأَ "
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=11عَلِيمًا حَكِيمًا " مَا لَمْ يَخْرُجْ عَنِ الْمُنَاسَبَةِ كَذِكْرِهِ عَقِبَ آيَةِ عَذَابٍ أَنْ يَقُولَ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=96وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا أَوْ عَكْسَهُ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ .
وَأَمَّا الَّذِينَ اعْتَبَرُوا الْحَدِيثَ مُحْكَمًا غَيْرَ مَنْسُوخٍ فَقَدْ ذَهَبُوا فِي تَأْوِيلِهِ مَذَاهِبَ : فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ
الْبَيْهَقِيُّ وَأَبُو الْفَضْلِ الرَّازِيُّ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28865الْمُرَادَ مِنَ الْأَحْرُفِ أَنْوَاعُ أَغْرَاضِ الْقُرْآنِ كَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ ، وَالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ ، أَوْ أَنْوَاعُ كَلَامِهِ كَالْخَبَرِ وَالْإِنْشَاءِ ، وَالْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ : أَوْ أَنْوَاعُ دَلَالَتِهِ كَالْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ ، وَالظَّاهِرِ وَالْمُؤَوَّلِ . وَلَا يَخْفَى أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ لَا يُنَاسِبُ سِيَاقَ الْحَدِيثِ عَلَى اخْتِلَافِ رِوَايَاتِهِ مِنْ قَصْدِ التَّوْسِعَةِ وَالرُّخْصَةِ . وَقَدْ تَكَلَّفَ هَؤُلَاءُ حَصْرَ مَا زَعَمُوهُ مِنَ الْأَغْرَاضِ وَنَحْوِهَا فِي سَبْعَةٍ فَذَكَرُوا كَلَامًا لَا يَسْلَمُ مِنَ النَّقْضِ . وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ
أَبُو عُبَيْدٍ وَثَعْلَبٌ وَالْأَزْهَرِيُّ وَعُزِيَ nindex.php?page=showalam&ids=11لِابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ أُنْزِلَ مُشْتَمِلًا عَلَى سَبْعِ لُغَاتٍ مِنْ لُغَاتِ الْعَرَبِ مَبْثُوثَةٍ فِي آيَاتِ الْقُرْآنِ لَكِنْ لَا عَلَى تَخْيِيرِ الْقَارِئِ ، وَذَهَبُوا فِي تَعْيِينِهَا إِلَى نَحْوِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْقَائِلُونَ بِالنَّسْخِ ، إِلَّا أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ فِي أَنَّ الْأَوَّلِينَ ذَهَبُوا إِلَى تَخْيِيرِ الْقَارِئِ فِي الْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ ، وَهَؤُلَاءِ أَرَادُوا أَنَّ الْقُرْآنَ مَبْثُوثَةٌ فِيهِ كَلِمَاتٌ مِنْ تِلْكَ اللُّغَاتِ ، لَكِنْ عَلَى وَجْهِ التَّعْيِينِ لَا عَلَى وَجْهِ التَّخْيِيرِ ، وَهَذَا كَمَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبُو هُرَيْرَةَ : مَا سَمِعْتُ السِّكِّينَ إِلَّا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=31وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا مَا كُنَّا نَقُولُ إِلَّا الْمُدْيَةَ ، وَفِي
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341034إِلَّا مِنَ النَّبِيءِ فِي قِصَّةِ حُكْمِ سُلَيْمَانَ بَيْنَ الْمَرْأَتَيْنِ مِنْ قَوْلِ سُلَيْمَانَ : ايْتُونِي بِالسِّكِّينِ أَقْطَعْهُ بَيْنَكُمَا ، وَهَذَا الْجَوَابُ لَا يُلَاقِي مَسَاقَ الْحَدِيثِ مِنَ التَّوْسِعَةِ ، وَلَا يَسْتَقِيمُ مِنْ جِهَةِ الْعَدَدِ لِأَنَّ الْمُحَقِّقِينَ ذَكَرُوا أَنَّ فِي الْقُرْآنِ كَلِمَاتٍ كَثِيرَةً مِنْ لُغَاتِ قَبَائِلِ الْعَرَبِ ، وَأَنْهَاهَا
السُّيُوطِيُّ نَقْلًا عَنْ
أَبِي بَكْرٍ الْوَاسِطِيِّ إِلَى خَمْسِينَ لُغَةٍ . وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْأَحْرُفِ لَهَجَاتُ الْعَرَبِ فِي كَيْفِيَّاتِ النُّطْقِ كَالْفَتْحِ وَالْإِمَالَةِ ، وَالْمَدِّ وَالْقَصْرِ ، وَالْهَمْزِ وَالتَّخْفِيفِ ، عَلَى مَعْنَى أَنَّ ذَلِكَ رُخْصَةٌ لِلْعَرَبِ مَعَ الْمُحَافَظَةِ عَلَى كَلِمَاتِ الْقُرْآنِ ، وَهَذَا أَحْسَنُ الْأَجْوِبَةِ لِمَنْ تَقَدَّمَنَا ، وَهُنَالِكَ أَجْوِبَةٌ أُخْرَى ضَعِيفَةٌ لَا يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ التَّعْرِيجُ عَلَيْهَا وَقَدْ أَنْهَى بَعْضُهُمْ جُمْلَةَ الْأَجْوِبَةِ إِلَى خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ جَوَابًا .
[ ص: 59 ] وَعِنْدِي أَنَّهُ إِنْ كَانَ حَدِيثُ
عُمَرَ nindex.php?page=showalam&ids=8859وَهِشَامِ بْنِ حَكِيمٍ قَدْ حَسُنَ إِفْصَاحُ رَاوِيهِ عَنْ مَقْصِدِ
عُمَرَ فِيمَا حَدَّثَ بِهِ بِأَنْ لَا يَكُونَ مَرْوِيًّا بِالْمَعْنَى مَعَ إِخْلَالٍ بِالْمَقْصُودِ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى تَرْتِيبِ آيِ السُّوَرِ بِأَنْ يَكُونَ
هِشَامٌ قَرَأَ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى غَيْرِ التَّرْتِيبِ الَّذِي قَرَأَ بِهِ
عُمَرُ فَتَكُونُ تِلْكَ رُخْصَةً لَهُمْ فِي أَنْ يَحْفَظُوا سُوَرَ الْقُرْآنِ بِدُونِ تَعْيِينِ تَرْتِيبِ الْآيَاتِ مِنَ السُّورَةِ ، وَقَدْ ذَكَرَ
الْبَاقِلَّانِيُّ احْتِمَالَ أَنْ يَكُونَ تَرْتِيبُ السُّوَرِ مِنِ اجْتِهَادِ الصَّحَابَةِ كَمَا يَأْتِي فِي الْمُقَدِّمَةِ الثَّامِنَةِ . فَعَلَى رَأْيِنَا هَذَا تَكُونُ هَذِهِ رُخْصَةً . ثُمَّ لَمْ يَزَلِ النَّاسُ يَتَوَخَّوْنَ بِقِرَاءَتِهِمْ مُوَافَقَةَ قِرَاءَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَانَ تَرْتِيبُ الْمُصْحَفِ فِي زَمَنِ
أَبِي بَكْرٍ عَلَى نَحْوِ الْعَرْضَةِ الْأَخِيرَةِ الَّتِي عَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَجْمَعَ الصَّحَابَةُ فِي عَهْدِ
أَبِي بَكْرٍ عَلَى ذَلِكَ لِعِلْمِهِمْ بِزَوَالِ مُوجِبِ الرُّخْصَةِ . وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَظُنُّ الْمُرَادَ بِالسَّبْعِ فِي الْحَدِيثِ مَا يُطَابِقُ الْقِرَاءَاتِ السَّبْعَ الَّتِي اشْتُهِرَتْ بَيْنَ أَهْلِ فَنِّ الْقِرَاءَاتِ ، وَذَلِكَ غَلَطٌ وَلَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ، وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى خِلَافِهِ كَمَا قَالَ
أَبُو شَامَةَ : فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28919_28865انْحِصَارَ الْقِرَاءَاتِ فِي سَبْعٍ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ ، وَلَكِنَّهُ أَمْرٌ حَصَلَ إِمَّا بِدُونِ قَصْدٍ أَوْ بِقَصْدِ التَّيَمُّنِ بِعَدَدِ السَّبْعَةِ أَوْ بِقَصْدِ إِيهَامِ أَنَّ هَذِهِ السَّبْعَةَ هِيَ الْمُرَادَةُ مِنَ الْحَدِيثِ تَنْوِيهًا بِشَأْنِهَا بَيْنَ الْعَامَّةِ ، وَنَقَلَ
السُّيُوطِيُّ عَنْ
أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ عَمَّارٍ أَنَّهُ قَالَ : لَقَدْ فَعَلَ جَاعِلُ عَدَدِ الْقِرَاءَاتِ سَبْعًا مَا لَا يَنْبَغِي ، وَأَشْكَلَ بِهِ الْأَمْرُ عَلَى الْعَامَّةِ إِذْ أَوْهَمَهُمْ أَنَّ هَذِهِ السَّبْعَةَ هِيَ الْمُرَادَةُ فِي الْحَدِيثِ ، وَلَيْتَ جَامِعَهَا نَقَصَ عَنِ السَّبْعَةِ أَوْ زَادَ عَلَيْهَا . قَالَ
السُّيُوطِيُّ : وَقَدْ صَنَّفَ
ابْنُ جُبَيْرٍ الْمَكِّيُّ وَهُوَ قَبْلَ
ابْنِ مُجَاهِدٍ كِتَابًا فِي الْقِرَاءَاتِ فَاقْتَصَرَ عَلَى خَمْسَةِ أَئِمَّةٍ ، مِنْ كُلِّ مِصْرٍ إِمَامٌ ، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَصَاحِفَ الَّتِي أَرْسَلَهَا
عُثْمَانُ إِلَى الْأَمْصَارِ كَانَتْ إِلَى خَمْسَةِ أَمْصَارٍ . قَالَ
ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْعَوَاصِمِ : أَوَّلُ مَنْ جَمَعَ الْقِرَاءَاتِ فِي سَبْعٍ
ابْنُ مُجَاهِدٍ غَيْرَ أَنَّهُ عَدَّ قِرَاءَةَ
يَعْقُوبَ سَابِعًا ثُمَّ عَوَّضَهَا بِقِرَاءَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=15080الْكِسَائِيِّ ، قَالَ
السُّيُوطِيُّ وَذَلِكَ عَلَى رَأْسِ الثَّلَاثِمِائَةِ : وَقَدِ اتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28942قِرَاءَةَ يَعْقُوبَ مِنَ الْقِرَاءَاتِ الصَّحِيحَةِ مِثْلَ بَقِيَّةِ السَّبْعَةِ ، وَكَذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=28941قِرَاءَةُ أَبِي جَعْفَرٍ وَشَيْبَةَ ، وَإِذْ قَدْ كَانَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْقُرَّاءِ سَابِقًا عَلَى تَدْوِينِ الْمُصْحَفِ الْإِمَامِ فِي زَمَنِ
عُثْمَانَ وَكَانَ هُوَ الدَّاعِيَ لِجَمْعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مُصْحَفٍ وَاحِدٍ تَعَيَّنَ أَنَّ الِاخْتِلَافَ لَمْ يَكُنْ نَاشِئًا عَنِ الِاجْتِهَادِ فِي قِرَاءَةِ أَلْفَاظِ الْمُصْحَفِ فِيمَا عَدَا اللَّهَجَاتِ .
[ ص: 60 ] وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=29586_28917صِحَّةُ السَّنَدِ الَّذِي تُرْوَى بِهِ الْقِرَاءَةُ لِتَكُونَ مَقْبُولَةً فَهُوَ شَرْطٌ لَا مَحِيدَ عَنْهُ إِذْ قَدْ تَكُونُ الْقِرَاءَةُ مُوَافِقَةً لِرَسْمِ الْمُصْحَفِ وَمُوَافَقَةً لِوُجُوهِ الْعَرَبِيَّةِ ، لَكِنَّهَا لَا تَكُونُ مَرْوِيَّةً بِسَنَدٍ صَحِيحٍ ، كَمَا ذُكِرَ فِي الْمُزْهِرِ أَنَّ
حَمَّادَ بْنَ الزِّبْرِقَانِ قَرَأَ ( إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا أَبَاهُ ) بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَإِنَّمَا هِيَ إِيَّاهُ بِتَحْتِيَّةٍ ، وَقَرَأَ ( بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي غِرَّةٍ ) بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ وَرَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَإِنَّمَا هِيَ " عِزَّةٍ " بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ وَزَايٍ ، وَقَرَأَ ( لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُعْنِيهِ ) بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ ، وَإِنَّمَا هِيَ يُغْنِيهِ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ ، ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَقْرَأِ الْقُرْآنَ عَلَى أَحَدٍ وَإِنَّمَا حَفِظَهُ مِنَ الْمُصْحَفِ . مَرَاتِبُ الْقِرَاءَاتِ الصَّحِيحَةِ وَالتَّرْجِيحِ بَيْنَهَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12815أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي كِتَابِ الْعَوَاصِمِ : اتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ عَلَى أَنَّ الْقِرَاءَاتِ الَّتِي لَا تُخَالِفُ الْأَلْفَاظَ الَّتِي كُتِبَتْ فِي مُصْحَفِ
عُثْمَانَ هِيَ مُتَوَاتِرَةٌ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ فِي وُجُوهِ الْأَدَاءِ وَكَيْفِيَّاتِ النُّطْقِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ تَوَاتُرَهَا تَبَعٌ لِتَوَاتُرِ صُورَةِ كِتَابَةِ الْمُصْحَفِ ، وَمَا كَانَ نُطْقُهُ صَالِحًا لِرَسْمِ الْمُصْحَفِ ، وَاخْتُلِفَ فِيهِ فَهُوَ مَقْبُولٌ وَمَا هُوَ بِمُتَوَاتِرٍ ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الِاخْتِلَافِ فِيهِ مُنَافٍ لِدَعْوَى التَّوَاتُرِ ، فَخَرَجَ بِذَلِكَ مَا كَانَ مِنِ الْقِرَاءَاتِ مُخَالِفًا لِمُصْحَفِ
عُثْمَانَ ، مِثْلَ مَا نُقِلَ مِنْ قِرَاءَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ ، وَلَمَّا قَرَأَ الْمُسْلِمُونَ بِهَذِهِ الْقِرَاءَاتِ مِنْ عَصْرِ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُغَيَّرْ عَلَيْهِمْ ، فَقَدْ صَارَتْ مُتَوَاتِرَةٌ عَلَى التَّخْيِيرِ ، وَإِنْ كَانَتْ أَسَانِيدُهَا الْمُعَيَّنَةُ آحَادًا ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مَا يَتَوَهَّمُهُ بَعْضُ الْقُرَّاءِ مِنْ أَنَّ الْقِرَاءَاتِ كُلَّهَا بِمَا فِيهَا مِنْ طَرَائِقِ أَصْحَابِهَا وَرِوَايَاتِهِمْ مُتَوَاتِرَةٌ وَكَيْفَ وَقَدْ ذَكَرُوا أَسَانِيدَهُمْ فِيهَا فَكَانَتْ أَسَانِيدَ أَحَادٍ ، وَأَقْوَاهَا سَنَدًا مَا كَانَ لَهُ رَاوِيَانِ عَنِ الصَّحَابَةِ مِثْلَ
nindex.php?page=treesubj&link=28920قِرَاءَةِ nindex.php?page=showalam&ids=17192نَافِعِ بْنِ أَبِي نُعَيْمٍ وَقَدْ جَزَمَ
ابْنُ الْعَرَبِيِّ ، وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ التُّونُسِيُّ ، وَأَبُو الْعَبَّاسِ ابْنُ إِدْرِيسَ فَقِيهُ بِجَايَةَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ ،
وَالْأَبْيَارِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّهَا غَيْرُ مُتَوَاتِرَةٍ ، وَهُوَ الْحَقُّ لِأَنَّ تِلْكَ الْأَسَانِيدَ لَا تَقْتَضِي إِلَّا أَنَّ فُلَانًا قَرَأَ كَذَا وَأَنَّ فُلَانًا قَرَأَ بِخِلَافِهِ ، وَأَمَّا اللَّفْظُ الْمَقْرُوءُ فَغَيْرُ مُحْتَاجٍ إِلَى تِلْكَ الْأَسَانِيدِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِالتَّوَاتُرِ كَمَا عَلِمْتَ آنِفًا ، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ كَيْفِيَّاتُ النُّطْقِ بِحُرُوفِهِ فَضْلًا عَنْ كَيْفِيَّاتِ أَدَائِهِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12441إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ : هِيَ مُتَوَاتِرَةٌ وَرَدَّهُ عَلَيْهِ
الْأَبْيَارِيُّ ، وَقَالَ
الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِهِ : هِيَ مُتَوَاتِرَةٌ عِنْدَ الْقُرَّاءِ وَلَيْسَتْ مُتَوَاتِرَةً عِنْدَ عُمُومِ الْأُمَّةِ ، وَهَذَا تَوَسُّطٌ بَيْنَ
nindex.php?page=showalam&ids=12441إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْأَبْيَارِيِّ ، وَوَافَقَ
nindex.php?page=showalam&ids=12441إِمَامَ الْحَرَمَيْنِ ابْنُ سَلَامَةَ الْأَنْصَارِيُّ [ ص: 61 ] مِنَ الْمَالِكِيَّةِ . وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ مُهِمَّةٌ جَرَى فِيهَا حِوَارٌ بَيْنَ الشَّيْخَيْنِ
ابْنِ عَرَفَةَ التُّونُسِيِّ وَابْنِ لُبٍّ الْأَنْدَلُسِيِّ ذَكَرَهَا
الْوَنْشَرِيسِيُّ فِي الْمِعْيَارِ .
وَتَنْتَهِي أَسَانِيدُ
nindex.php?page=treesubj&link=28918الْقِرَاءَاتِ الْعَشْرِ إِلَى ثَمَانِيَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَهُمْ :
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ، nindex.php?page=showalam&ids=7وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ ، nindex.php?page=showalam&ids=8وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، nindex.php?page=showalam&ids=10وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ ، nindex.php?page=showalam&ids=34وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ ، nindex.php?page=showalam&ids=47وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ، nindex.php?page=showalam&ids=110وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ ، فَبَعْضُهَا يَنْتَهِي إِلَى جَمِيعِ الثَّمَانِيَةِ وَبَعْضُهَا إِلَى بَعْضِهِمْ وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي عِلْمِ الْقُرْآنِ .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=28908وُجُوهُ الْإِعْرَابِ فِي الْقُرْآنِ فَأَكْثَرُهَا مُتَوَاتِرٌ إِلَّا مَا سَاغَ فِيهِ إِعْرَابَانِ مَعَ اتِّحَادِ الْمَعَانِي نَحْوَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=3وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ ) بِنَصْبِ حِينَ وَرَفْعِهِ ، وَنَحْوَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=214وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ ) بِنَصْبِ ( يَقُولَ ) وَرَفْعِهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى رَفْعِ اسْمِ الْجَلَالَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=164وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا وَقَرَأَهُ بَعْضُ
الْمُعْتَزِلَةِ بِنَصْبِ اسْمِ الْجَلَالَةِ لِئَلَّا يُثْبِتُوا لِلَّهِ كَلَامًا ، وَقَرَأَ بَعْضُ
الرَّافِضَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=51وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا ) بِصِيغَةِ التَّثْنِيَةِ ، وَفَسَّرُوهَا
بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ حَاشَاهُمَا ، وَقَاتَلَهُمُ اللَّهُ .
وَأَمَّا مَا خَالَفَ الْوُجُوهَ الصَّحِيحَةَ فِي الْعَرَبِيَّةِ فَفِيهِ نَظَرٌ قَوِيٌّ لِأَنَّا لَا ثِقَةَ لَنَا بِانْحِصَارِ فَصِيحِ كَلَامِ الْعَرَبِ فِيمَا صَارَ إِلَى نُحَاةِ
الْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ ، وَبِهَذَا نُبْطِلُ كَثِيرًا مِمَّا زَيَّفَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ مِنِ الْقِرَاءَاتِ الْمُتَوَاتِرَةِ بِعِلَّةٍ أَنَّهَا جَرَتْ عَلَى وُجُوهٍ ضَعِيفَةٍ فِي الْعَرَبِيَّةِ لَا سِيَّمَا مَا كَانَ مِنْهُ فِي قِرَاءَةٍ مَشْهُورَةٍ كَقِرَاءَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=16447عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ قَوْلَهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=137وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَائِهُمْ بِبِنَاءِ ( زَيَّنَ ) لِلْمَفْعُولِ وَبِرَفْعِ ( قَتْلُ ) ، وَنَصْبِ ( أَوْلَادَهُمْ ) وَخَفْضِ ( شُرَكَائِهِمْ ) ، وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ ذَلِكَ وَجْهٌ مَرْجُوحٌ ، فَهُوَ لَا يَعْدُو أَنْ يَكُونَ مِنَ الِاخْتِلَافِ فِي كَيْفِيَّةِ النُّطْقِ الَّتِي لَا تُنَاكِدُ التَّوَاتُرَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَلَى مَا فِي اخْتِلَافِ الْإِعْرَابَيْنِ مِنْ إِفَادَةِ مَعْنًى غَيْرِ الَّذِي يُفِيدُهُ الْآخَرُ ، لِأَنَّ لِإِضَافَةِ الْمَصْدَرِ إِلَى الْمَفْعُولِ خَصَائِصَ غَيْرَ الَّتِي لِإِضَافَتِهِ إِلَى فَاعِلِهِ ، وَلِأَنَّ لِبِنَاءِ الْفِعْلِ لِلْمَجْهُولِ نُكَتًا غَيْرَ الَّتِي لِبِنَائِهِ لِلْفَاعِلِ ، عَلَى أَنَّ
أَبَا عَلِيٍّ الْفَارِسِيَّ أَلَّفَ كِتَابًا سَمَّاهُ " الْحُجَّةَ " احْتَجَّ فِيهِ لِلْقِرَاءَاتِ الْمَأْثُورَةِ احْتِجَاجًا مِنْ جَانِبِ الْعَرَبِيَّةِ .
ثُمَّ إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28918الْقِرَاءَاتِ الْعَشْرَ الصَّحِيحَةَ الْمُتَوَاتِرَةَ ، قَدْ تَتَفَاوَتُ بِمَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ بَعْضُهَا مِنْ خُصُوصِيَّاتِ الْبَلَاغَةِ أَوِ الْفَصَاحَةِ أَوْ كَثْرَةِ الْمَعَانِي أَوِ الشُّهْرَةِ ، وَهُوَ تَمَايُزٌ مُتَقَارِبٌ ، وَقَلَّ أَنْ
[ ص: 62 ] يَكْسِبَ إِحْدَى الْقِرَاءَاتِ فِي تِلْكَ الْآيَةِ رُجْحَانًا ، عَلَى أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْعُلَمَاءِ كَانَ لَا يَرَى مَانِعًا مِنْ تَرْجِيحِ قِرَاءَةٍ عَلَى غَيْرِهَا ، وَمِنْ هَؤُلَاءِ الْإِمَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=16935مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ ، وَالْعَلَّامَةُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ وَفِي أَكْثَرِ مَا رَجَّحَ بِهِ نَظَرٌ سَنَذْكُرُهُ فِي مَوَاضِعِهِ ، وَقَدْ سُئِلَ
ابْنُ رُشْدٍ عَمَّا يَقَعُ فِي كُتُبِ الْمُفَسِّرِينَ وَالْمُعْرِبِينَ مِنِ اخْتِيَارِ إِحْدَى الْقِرَاءَتَيْنِ الْمُتَوَاتِرَتَيْنِ وَقَوْلِهِمْ " هَذِهِ الْقِرَاءَةُ أَحْسَنُ " : أَذَاكَ صَحِيحٌ أَمْ لَا ؟ فَأَجَابَ : أَمَّا مَا سَأَلْتَ عَنْهُ مِمَّا يَقَعُ فِي كُتُبِ الْمُفَسِّرِينَ وَالْمُعْرِبِينَ مِنْ تَحْسِينِ بَعْضِ الْقِرَاءَاتِ وَاخْتِيَارِهَا عَلَى بَعْضٍ لِكَوْنِهَا أَظْهَرَ مِنْ جِهَةِ الْإِعْرَابِ ، وَأَصَحَّ فِي النَّقْلِ ، وَأَيْسَرَ فِي اللَّفْظِ فَلَا يُنْكَرُ ذَلِكَ ، كَرِوَايَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=17274وَرْشٍ الَّتِي اخْتَارَهَا الشُّيُوخُ الْمُتَقَدِّمُونَ عِنْدَنَا أَيْ
بِالْأَنْدَلُسِ فَكَانَ الْإِمَامُ فِي الْجَامِعِ لَا يَقْرَأُ إِلَّا بِهَا لِمَا فِيهَا مِنْ تَسْهِيلِ النَّبَرَاتِ وَتَرْكِ تَحْقِيقِهَا فِي جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ ، وَقَدْ تَؤَوَّلَ ذَلِكَ فِيمَا رُوِيَ عَنْ
مَالِكٍ مِنْ كَرَاهِيَةِ
nindex.php?page=treesubj&link=22734النَّبْرِ فِي الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ .
وَفِي كِتَابِ الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ مِنَ الْعُتْبِيَّةِ : سُئِلَ
مَالِكٌ عَنِ النَّبْرِ فِي الْقُرْآنِ فَقَالَ : إِنِّي لَأَكْرَهُهُ وَمَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ ، قَالَ
ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ " يُعْنَى بِالنَّبْرِ هَاهُنَا إِظْهَارُ الْهَمْزَةِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ عَلَى الْأَصْلِ ، فَكُرِهَ ذَلِكَ وَاسْتُحِبَّ فِيهِ التَّسْهِيلُ عَلَى رِوَايَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=17274وَرْشٍ ، لِمَا جَاءَ مِنْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ تَكُنْ لُغَتُهُ الْهَمْزَ أَيْ إِظْهَارَ الْهَمْزِ فِي الْكَلِمَاتِ الْمَهْمُوزَةِ بَلْ كَانَ يَنْطِقُ بِالْهَمْزَةِ مُسَهَّلَةً إِلَى أَحْرُفِ عِلَّةٍ مِنْ جِنْسِ حَرَكَتِهَا ، مِثْلَ يَاجُوجَ وَمَاجُوجَ بِالْأَلِفِ دُونَ الْهَمْزِ ، وَمِثْلَ الذِّيبِ فِي الذِّئْبِ وَمِثْلَ مُومِنٍ فِي مُؤْمِنٍ . ثُمَّ قَالَ : وَلِهَذَا الْمَعْنَى كَانَ الْعَمَلُ جَارِيًا فِي
قُرْطُبَةَ قَدِيمًا أَنْ لَا يَقْرَأَ الْإِمَامُ بِالْجَامِعِ فِي الصَّلَاةِ إِلَّا بِرِوَايَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=17274وَرْشٍ ، وَإِنَّمَا تَغَيَّرَ ذَلِكَ وَتُرِكَتِ الْمُحَافَظَةُ عَلَيْهِ مُنْذُ زَمَنٍ قَرِيبٍ ، اهـ ، وَهَذَا
nindex.php?page=showalam&ids=15833خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزَّارُ رَاوِي
حَمْزَةَ ، قَدِ اخْتَارَ لِنَفْسِهِ قِرَاءَةً مِنْ بَيْنِ قِرَاءَاتِ الْكُوفِيِّينَ ، وَمِنْهُمْ شَيْخُهُ
nindex.php?page=showalam&ids=15760حَمْزَةُ بْنُ حَبِيبٍ وَمَيَّزَهَا قِرَاءَةً خَاصَّةً فَعُدَّتْ عَاشِرَةَ الْقِرَاءَاتِ الْعَشْرِ وَمَا هِيَ إِلَّا اخْتِيَارٌ مِنْ قِرَاءَاتِ
الْكُوفِيِّينَ ، وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ قِرَاءَةِ
حَمْزَةَ nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ عَنْ
عَاصِمٍ إِلَّا فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=95وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ ) قَرَأَهَا بِالْأَلِفِ بَعْدَ الرَّاءِ مِثْلَ
حَفْصٍ وَالْجُمْهُورِ .
فَإِنْ قُلْتَ
nindex.php?page=treesubj&link=29586_28741_18626هَلْ يُفْضِي تَرْجِيحُ بَعْضِ الْقِرَاءَاتِ عَلَى بَعْضٍ إِلَى أَنْ تَكُونَ الرَّاجِحَةُ أَبْلَغَ مِنَ الْمَرْجُوحَةِ فَيُفْضِي إِلَى أَنَّ الْمَرْجُوحَةَ أَضْعَفُ فِي الْإِعْجَازِ ؟
[ ص: 63 ] قُلْتُ : حَدُّ الْإِعْجَازِ مُطَابَقَةُ الْكَلَامِ لِجَمِيعِ مُقْتَضَى الْحَالِ ، وَهُوَ لَا يَقْبَلُ التَّفَاوُتَ ، وَيَجُوزُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْكَلَامِ الْمُعْجِزِ مُشْتَمِلًا عَلَى لَطَائِفَ وَخُصُوصِيَّاتٍ تَتَعَلَّقُ بِوُجُوهِ الْحُسْنِ كَالْجِنَاسِ وَالْمُبَالَغَةِ ، أَوْ تَتَعَلَّقُ بِزِيَادَةِ الْفَصَاحَةِ ، أَوْ بِالتَّفَنُّنِ مِثْلَ
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=72أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ إِحْدَى الْقِرَاءَاتِ نَشَأَتْ عَنْ تَرْخِيصِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْقَارِئِ أَنْ يَقْرَأَ بِالْمُرَادِفِ تَيْسِيرًا عَلَى النَّاسِ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ حَدِيثُ تَنَازُعِ
عُمَرَ مَعَ
nindex.php?page=showalam&ids=8859هِشَامِ بْنِ حَكِيمٍ ، فَتُرْوَى تِلْكَ الْقِرَاءَةُ لِلْخَلَفِ فَيَكُونُ تَمْيِيزُ غَيْرِهَا عَلَيْهَا بِسَبَبِ أَنَّ الْمُتَمَيِّزَةَ هِيَ الْبَالِغَةُ غَايَةَ الْبَلَاغَةِ وَأَنَّ الْأُخْرَى تَوْسِعَةٌ وَرُخْصَةٌ ، وَلَا يُعَكِّرُ ذَلِكَ عَلَى كَوْنِهَا أَيْضًا بَالِغَةَ الطَّرَفِ الْأَعْلَى مِنَ الْبَلَاغَةِ وَهُوَ مَا يَقْرُبُ مِنْ حَدِّ الْإِعْجَازِ .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=18626الْإِعْجَازُ فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَتَحَقَّقَ فِي كُلِّ آيَةٍ مِنْ آيِ الْقُرْآنِ لِأَنَّ التَّحَدِّيَ إِنَّمَا وَقَعَ بِسُورَةٍ مِثْلَ سُوَرِ الْقُرْآنِ ، وَأَقْصَرُ سُورَةٍ ثَلَاثُ آيَاتٍ ، فَكُلُّ مِقْدَارٍ يَنْتَظِمُ مِنْ ثَلَاثِ آيَاتٍ مِنَ الْقُرْآنِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَجْمُوعُهُ مُعْجِزًا .
( تَنْبِيهٌ ) أَنَا أَقْتَصِرُ فِي هَذَا التَّفْسِيرِ عَلَى التَّعَرُّضِ لِاخْتِلَافِ الْقِرَاءَاتِ الْعَشْرِ الْمَشْهُورَةِ خَاصَّةً فِي أَشْهَرِ رِوَايَاتِ الرَّاوِينَ عَنْ أَصْحَابِهَا لِأَنَّهَا مُتَوَاتِرَةٌ ، وَإِنْ كَانَتِ الْقِرَاءَاتُ السَّبْعُ قَدِ امْتَازَتْ عَلَى بَقِيَّةِ الْقِرَاءَاتِ بِالشُّهْرَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي أَقْطَارِ الْإِسْلَامِ .
وَأَبْنِي أَوَّلَ التَّفْسِيرِ عَلَى قِرَاءَةِ
نَافِعٍ بِرِوَايَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=16810عِيسَى بْنِ مِينَا الْمَدَنِيِّ الْمُلَقَّبِ بِقَالُونَ ، لِأَنَّهَا الْقِرَاءَةُ الْمَدَنِيَّةُ ، إِمَامًا وَرَاوِيًا ، وَلِأَنَّهَا الَّتِي يَقْرَأُ بِهَا مُعْظَمُ أَهْلِ
تُونُسَ ، ثُمَّ أَذْكُرُ خِلَافَ بَقِيَّةِ الْقُرَّاءِ الْعَشَرَةِ خَاصَّةً .
وَالْقِرَاءَاتُ الَّتِي يُقْرَأُ بِهَا الْيَوْمَ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ مِنْ هَذِهِ الْقِرَاءَاتِ الْعَشْرِ ، هِيَ قِرَاءَةُ
نَافِعٍ بِرِوَايَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=16810قَالُونَ فِي بَعْضِ الْقُطْرِ
التُّونُسِيِّ وَبَعْضِ الْقُطْرِ
الْمِصْرِيِّ ، وَفِي
لِيبْيَا وَبِرِوَايَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=17274وَرْشٍ فِي بَعْضِ الْقُطْرِ
التُّونُسِيِّ وَبَعْضِ الْقُطْرِ
الْمِصْرِيِّ وَفِي جَمِيعِ الْقُطْرِ
الْجَزَائِرِيِّ وَجَمِيعِ
الْمَغْرِبِ الْأَقْصَى ، وَمَا يَتْبَعُهُ مِنَ الْبِلَادِ .
وَالسُّودَانِ .
وَقِرَاءَةُ
عَاصِمٍ بِرِوَايَةِ
حَفْصٍ عَنْهُ فِي جَمِيعِ الشَّرْقِ مِنَ
الْعِرَاقِ وَالشَّامِ وَغَالِبِ الْبِلَادِ
الْمِصْرِيَّةِ وَالْهِنْدِ وَبَاكِسْتَانَ وَتُرْكِيَا وَالْأَفْغَانِ . وَبَلَغَنِي أَنَّ قِرَاءَةَ
أَبِي عَمْرٍو الْبَصْرِيِّ يُقْرَأُ بِهَا فِي
السُّودَانِ الْمُجَاوِرِ
مِصْرَ .